الرجال قوامون على النساء
تحرير الأخت الفاضلة أم سيد رضا
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً )).
لا تزال سورة النساء تتحدث عن كيفية علاج المشاكل التي قد تحدث في مؤسسة الأسرة وتبين ما الذي ينبغي شرعاً ان يقوم به الزوجان او أقارب الزوجين لحل هذه المشاكل، قد تكون المشكلة والنشوز صادر من طرف الزوجة وقد تقدم الحديث عنه وذلك ما أجملته الآية المباركة في قول الله تعالى: (( والاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً )).
الحالة الثانية ما إذا كان النشوز والمشكلة من طرف الزوجين، أي أن تكون هناك عقدة ومشكلة من طرف الزوج وهناك عقدة ومشكلة من طرف الزوجة أيضاً مما يؤدي إلى الشقاق بينهما، فالشقاق معناه واضح وهو من الشق وكأنما تشق الورقة فتنقسم إلى قسمين أي انقطعت اللحمة فيما بين هذه الورقة على أثر الشق الذي حدث فيها، فقد تصل المشاكل بين الزوجين إلى درجة أنه يخشى حصول الفراق بينهما، فتارة يمكن للزوجين أن يسيطرا على المشكلة ويحلاها بأنفسهم من دون تدخل خارجي وهذا هو المطلوب والمفروض بأن يسيطر الزوج الذي هو قوّام وبنّاء على هذه الأسرة ويحل المشكلة حتى لا تتحول إلى شقاق وإلى مشروع طلاق، وهذا يقتضي شيئاً من التنازل والحكمة ومداراة الموقف بالنحو الذي ينتهي إلى إخماد هذه المشكلة وهذه النار.
تارة أخرى لا يتمكن الزوج من حل المشكلة ولا يستوعب هذا الشقاق الحاصل ولا يتسع صدره لمعالجة هذه القضية فلديه نقاط ضعف لا يستطيع حلها، ومن جهة خرى تكون الزوجة غير قادرة على التحمل ولديها نقاط إشكال لم تستطع حلها، فهنا لا يستطيع ان يرفض الزوج التدخل في حياته لأن هذه المشكلة تحولت إلى مشروع شقاق ولم يتم حلها حلاً سليماً ينتهي إلى الوفاق بين الطرفين، لذلك كان التوجيه الإلهي للأولياء من أهل الزوج وأهل الزوجة عندما قال عز وجل: (( فابعثوا حكماً من اهله وحكماً من أهلها ))، أي لا بد من الوجه إلى التحكيم العائلي والتدخل في الامر وإنقاذ هذه السفينة من الغرق، فيختار الزوج شخصاً حكيماً واسع الصدر ولديه معرفة بإدارة الأمور بشرط أن لا يكون داخل دائرة الضغط النفسي لهذه المشكلة حتى يفكر بالشكل الصحيح ويتمكن من حلها، وتختار الزوجة أيضاً شخصاً من أهلها يحتوي على هذه الصفات ويوكلوهما إلى أن يحلا هذه القضية بالنحو المناسب.
فمثلاً عندما يستمع مندوب الزوج ويرى أن ذلك الزوج يطالب بأمور غير مشروعة ليست من حقه ينبغي له أن يرشده ويمنعه من ذلك وكذلك بالنسبة لمندوب الزوجة، فإذا أفضى كل من الزوجين بما يريدان إلى الوكيلين أو الحكمين فعلى هذين الحكمين أن يصنعا الإصلاح والتوافق، فإن توصلا إلى الحل فعليهما أن يرجعا إلى الزوجين ويخبرانهما بما يجب عليهما فعله، وحكم هذان الحكمان يعتبر نافذ أي يجب على الزوجين أن يطيعا كلام الحكمين.
ولو فرضنا أن الحكمين توصلا إلى أن الطلاق هو الحل الانسب للطرفين فلا يجوز لهما أن يقوما بأمر الطلاق، لأن هذان الحكمان يكون أمرهما نافذ في جهة التوافق والإصلاح فقط، ولا يكون أمرهما نافذ في جهة الطلاق والشقاق بل ينبغي عليهما ان يرجعا إلى الزوجين ويخبرانهما بأنهما عجزا عن إيجاد مخرج وحل، لأن الدين يريد الإصلاح فإن كانت نية هذان الحكمان هي التوافق والإصلاح فإن الله سبحانه وتعالى سيوفق بين هذين الزوجين كما قال في كتابه الكريم: ((إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً ))، ولذلك لا بد للحكمان أن يعلما أن الله خبير بنيتهما فيجعلانها نية إصلاح حتى يحصل التوفيق من الله عز وجل.
يأتي السؤال هنا بأنه لماذا كان التوجيه إلى التحكيم الاسري وليس التحكيم الخارجي؟ الجواب هو لأن إمكانيات الإصلاح والتوافق في التحكيم الاهلي أكثر من إمكانيات التوافق والإصلاح في التحكيم الخارجي، فلو جاء الزوجان إلى أحد المحاكم فسيقوم الزوج بذم الزوجة لدى القاضي وكذلك الزوجة وسينشر كل منهما أسرار الآخر على المستوى العام، وقد تكون بعض القضايا خاصة جداً لا ينبغي التكلم بها على المستوى العام في المحكمة، وكذلك قد يهاجم الزوجان بعضهما بكلام بذيء أمام الناس في المحكمة وعندها ستكون إمكانية الرجوع إلى بعضها أمراً صعباً، لذلك وجه الشرع إلى التحكيم الأهلي اولاً لما فيه من عاطفة وقرابة وحرص من الحكمين على الستر، وهذا فرض شرعي لا ينبغي أن يعترض عليه الزوجان.
الفرض الآخر الذي أخبرت به الآيات المباركات هو أنه لو كانت المشكلة والنشوز من طرف الزوج فما الذي يجب فعله، قال الله عز وجل: (( وإن امرأة خافت من زوجها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحصنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ))، سبب نزول هذه الآية المباركة هو أن رجل من المسلمين يسمى رافع بن جريح عندما كبرت زوجته قليلاً ذهب وتزوج امرأة أخرى شابة وترك الأولى وأعرض عنها، فراجعته الاولى في أمره فقال لها بأن الأخرى الشابة أحب إلي وأريد أن أطلقك، فحدث بينهما مشكلة وأنتهى الامر بينهما إلى الطلاق، ثم جاءا بحكمان من أحلهما وأرجعها ثم طلقها مرة أخرى عندما طالب بحقوقها، وبعد ذلك أرجعها فتنازلت عن ليلتها حفاظاً على تلك الأسرة، فالشرع الذي حلل له الزواج من أخرى لم يقول له أن ينسى سنين الخدمة والتاريخ الممتد الذي عاشه معها، فلو أصبحت لديه ثروة فقد كانت من أثر الإستقرار الذي وفرته له تلك الزوجة بإهتمامها ورعايتها لأبنائه فقد حملت له ووضعت عنه، فإعراضه عنها يعتبر إنكار للمعروف وقد يتعرض إلى من يعامله كذلك في المستقبل من قبل عمله أو أولاده لأنه بذلك يسن سنة لو سار عليها غيره فلا ينبغي أن يبتأس.
فهنا يبين الشرع للمرأة التي تخاف من بعلها نشوزاً أو إعراضاً بأن تتدارك الأمر حتى لا يقدم زوجها على ما هو الأسوأ وهو الطلاق، فيتم التصالح بينهما وفي التصالح يوجد معنى التنازل سواء التنازل عن نفقتها أو عن ليلتها أو غير ذلك وهذا يعتبر أهون الضررين حتى تصون هذه المؤسسة الزوجية، لكن نجد أن المشكلة هنا في قوله تعالى: (( وأحضرت الانفس الشح ))، والشحيح هو البخيل فشح النفس ليس كشح اليد فقد يكون لدى الإنسان أموالاً طائلة ولكن نفسه شحيحة فيبخل على زوجته حتى بالكلمات الطيبات أو النظرة الطيبة، ولو عرض الإنسان عمل الطلاق على تقوى الله والخوف منه وعرضه على الإحسان الذي قامت به الزوجة في حقه لوجد أن تلك الزوجة تستحق الإحسان وليس الطلاق.
بطبيعة الحال لا يمكن أن يُقرر على الزوج أن يحب الزوجة الأولى كالزوجة الثانية لأن أمر القلوب لا يمكن أن يتعامل معه بالإيجاب الشرعي، فقد يكون لدى الإنسان ولدان من صلبه ويكون أحدهما مطيع مؤمن وجاد في حياته، اما الثاني فقد يكون متمرد، فبطبيعة الحال سيميل قلب الأب إلى الولد الاول حتى وإن لم يظهر ذلك، فهذا الرجل لا يستطيع أن يقسم بين ولديه الحب السوي فكيف يستطيع ذلك بالنسبة للنساء، ولذلك يقول القرآن الكريم: (( ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتهم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ))، أي ان المساواة في المحبة القلبية غير ممكنة ولكن هناك تكليف شرعي وهو ( لا تميلوا كل الميل )، أي لا مانع من بعض الميل القلبي ولكن الله نهاهم عن الميل الذي يجعل المرأة كالمعلقة وكأن لا زوجاً لها، وهنا أرشد الإمام الصادق عليه السلام في الجمع بين الآيات، بين آية (( انكحوا ما طالب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )) وبقرينتها (( فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة )).
هناك سؤال وإشكال أصبح على الآيتين في قوله: (( لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ))، وقوله: (( فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ))، وقد كان هذا السؤال محرجاً قد طرحه الزنادقة كشبهة على القرآن الكريم وعلى كلام الله وقد عجز عدد من الفقهاء في ذلك الزمان عن الإجابة عليه، وكان آخر شخص طُرِح عليه هذا السؤال هو هشام بن الحكم، فقد جاء عبد الكريم بن أبي العوجاء وقال لهشام: يا هشام ألا تقولون بأن الله حكيم، قال: بلا، قال ابن أبي العوجاء: فأي حكيم يقول هذا الكلام؟ انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع بشرط العدالة ثم يقول لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء، فاستعصت هذه المسألة على هشام بن الحكم بالرغم من حكمته وأنه رجل فحل في المناظرات وقال له أنظرني حتى آتي لك بخبرها، فشد الرحال من الكوفة إلى المدينة المنورة متوجهاً إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فقال له الإمام: يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة أتيت؟، فقال له سؤال سألنيه ابن أبي العوجاء وأعياني أمر الجواب، فطرح هشام هذا السؤال على الإمام الصادق فتبسم الإمام الصادق عليه السلام وقال له: يا هشام لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء في محبة القلوب وأما الأمر بالعدل فالعدل في النفقة والملبس والسكن، فقال له هشام: فرجت عني يا أبا عبد الله فرج الله عنك.
وهكذا كان أئمة أهل البيت سلام الله عليهم موئل حاجات الناس ومحط إلى التحديات الفكرية خصوصاً شبهات الزنادقة عندما جاؤوا في أوائل زمان الدولة العباسية ولم تستطع الحكومة العباسية إيجاد مخرجاً لها إلا بالقتل، فالقتل لا ينهي المشكلة لأنه كلما قتلوا شخصاً ظهر آخر وهكذا وإنما الذي يرد على الشبهات هي البراهين والأدلة العلمية وهذا الذي مارسه ائمة أهل البيت سلام الله عليهم وكان حرياً بالأمة أن تنصر منهج الائمة وأن تقتفي اثرهم وأن تعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإئتمام بأئمتها وأن تنزلهم المنازل التي أنزلهم الله إياها، منازل القيادة والعلم وإدارة المجتمع الإسلامي، لكن هلم الخطب وانظر كيف تعاملت الامة مع أهل البيت عليهم السلام، فقبور أهل البيت شاهد على ذلك فقد توزعت قبورهم ما بين الدول، وكذلك طريقة موت اهل البيت شاهد على ذلك بين سم وقتل وتشريد وإيذاء وتعذيب، فما ذنب أهل البيت حتى منهم أخلوا ربوعه؟، فماذا صنعوا غير التقوى والفضيلة؟، وماذا كان رد بعض الحاكمين عليهم فقد كان رد بعضهم هو القتل وكان رد بعض أطراف الامة هو التخاذل.
|