الامام علي شباب في خدمة الرسالة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/9/1432 هـ
تعريف:

الإمام علي عليه السلام شباب في خدمة الرسالة

 

كتابة الأخت الفاضلة زهراء اليوسف

تمهيد :

قالت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها [1]: ( وما الذي نقموا من أبي الحسن ! نقموا منه والله نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله , والله لو تكافئوا على زمام نبذه رسول الله إليهم ؛ لسار بهم سيرًا سجحًا لا يُكلم خِشاشه ولا يتعتع راكبه ولأوردهم منهلًا , صافيًا رويًا , فضفاضًا غدقًا ولأصدرهم بطانًا.. )[2] صدقت سيدتنا ومولاتنا فاطمة صلوات الله وسلامه عليها . حديثنا يتناول جانبًا من مرحلة الشباب في حياة أمير المؤمنين عليه السلام , وخصائص تلك المرحلة .  

       مناسبة الحديث أننا نجد اليوم أن الشارع العربي والمسلم يتموج بحركات الشباب السياسية والمطلبية , و لا ريب أن هؤلاء الشباب وهذه الحركات تحتاج إلى مثال ونموذج تقتدي به , ولن يكون هناك نموذج بعد النبي صلى الله عليه واله أفضل من علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لذلك نحاول أن نسلط الضوء على أهم ميزات مرحلة أمير المؤمنين الشبابية .                                              

وصف السيدة فاطمة الزهراء لأمير المؤمنين (ع) :

السيدة الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها تلقي في هذه المقطوعة من الكلام إضاءة على جانب من حياة أمير المؤمنين (ع) في مرحلة الشباب حيث أن الصديقة فاطمة (ع) كانت مع أمير المؤمنين عليه السلام في فترة ما بعد الهجرة , وما بعد غزوة بدر إلى أن توفيت في السنة الحادية عشرة للهجرة في وقت كان أمير المؤمنين عليه السلام كان قد بلغ قرابة الثلاثين سنة تزيد أو تنقص قليلا وهي بالتالي تتحدث عن المرحلة التي سبقت هذا الزمان وهي مرحلة الشباب , نلقي بإضاءة سريعة على معاني الكلمات ثم ننتقل إلى ذكر ميزات تلك المرحلة في حياة الامام عليه السلام , تقول :( ومالذي نقموا من أبي الحسن ! .. ) مالذي جعل القرشيين يرفضون خلافة وولاية أمير المؤمنين (ع) , لماذا أبعدوه عن الخلافة ؟ ماهو سر نقمتهم عليه , هل لأنه مثلا لم يكن كفؤا , لم يكن قادرًا , شجاعًا , عالمًا بالشأن العام .... كلا , وإنما تقول : ( نقموا منه والله نكير سيفه .. ) .

  كانت المعركة بين رسول الله صل الله عليه واله وسلم من جهة , وبين قريش من جهة أخرى معركة فاصلة ورأس حربتها كان من طرف النبي أمير المؤمنين عليه السلام , وكان لابد أن يفعل الأفاعيل في جيوش قريش , حتى يحقق النصر فعمل فيهم أعمالًا استنكروها , رأوها شيئًا كثيرًا فخلّف في كل بيت واعية[3] , ورأوا أن هذا لا يمكن معه أن يتولى الخلافة .  وقلة مبالاته بحتفه) كان يُقْدِم غَير هَيَّاب ولا متردد في المعارك مع النبي صلى الله عليه واله وسلم , غير مبالٍ بحتفه ( وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله عزوجل ) بينما كان الغير يتراجع , يهرب , كان هو متنمرًا في الهجوم وفي المبادرة والإقدام , ثم تشير عليها السلام إلى قضية مهمة يُستفاد منها أمر وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأمير المؤمنين (ع) ؛ تقول :( والله لو تكافئوا على زمام نبذه رسول الله إليهم ؛ لساربهم سيرًا سجحًا ) , الزمام هو الشيء الذي يُقاد به الركب , الراحلة والقافلة والناقة يُعلق فيها زمام ويُطلق على تولي السيطرة والامور, يقال فلان بيده أزمة الأمور يعني القيادة بيده , فاطمة الزهراء (ع) تقول : ( لو أنهم تكافئوا ) أي لو أتو متوالين واحدًا بعد واحد على زمام نبذه رسول الله- صلى الله عليه واله وسلم - إليهم , شخص بيده هذه القيادة , هذا التقدم ,هذا الزمام وقد ألقاه إليهم رسول الله ودلهم عليه وأشار إليه - وفي هذا معنى الوصاية  ( لسار بهم سيرا سجحا) سيرًا متوازنًا ,معتدلًا , مريح ( لا يُكلم خِشاشه [4]) أي لا يجرح , الناقة إذا لم يتمكن راكبها من قودها يجر الزمام بقوة إلى أن يخرم أنفها يقال كَلِمَ خِشاشُها . ولا يتعتع راكبه ) الراكب أيضا مرتاح في هذا المركب , لا يلقى العنت والمشاكل , (ولأوردهم موردًا هنيئًا فضفاضًا... ) جاء بهم إلى محل الماء وشبعوا واستفادوا منه , هذه صورة توضحها السيدة فاطمة عليها السلام .

  بعض مميزات مرحلة الشباب التي عاشها أمير المؤمنين (ع) :

الميزة الأولى / انتماء الإمام (ع) المبكر إلى الرسالة : منذ أن أعلنت دعوة رسول الله صلى الله عليه واله , وأعلن عن بعثته , سارع أميرالمؤمنين (ع) وبادر إلى تصديقه وأعلن إيمانه بذلك , لم ينتظر أخذ الإذن من أبيه مع أن أباه أبا طالب كان منسجمًا مع الدعوة ولم ينتظر مشاورة إخوانه الذين يكبرونه سنًا فجعفر بن أبي طالب أكبر من الإمام علي (ع) بعشر سنوات وأسلم فيما بعد , وعقيل بن أبي طالب أكبر من الإمام علي (ع) بعشرين سنة , كان عمر علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في ذلك الوقت بحدود ثمانية سنوات , ومع ذلك لم ينتظر أحدًا في انتماءه إلى الرسالة وإلى دعوة النبي صلى الله عليه واله وسلم , هذا يعطينا إشارة وتنبيه ؛ أنك إذا رأيت عملًا رساليًا , قضية خير أخروي بادر إلى ذلك , ولا تنتظر أحدًا لأن الله أذن لك قبل أن يبدأ الأخرون بالإذن لك - وفي كثير من الأحيان تأتي أعمال التثبيط والتزهيد فتمنع انتماء الانسان إلى رسالته , إلى آخرته , إلى دعوته وإلى إسلامه ودينه - بادر الامام عليه السلام في انتمائهللدعوة بدون تأخير , حتى لقد قيل أن النبي (ص) بُعث يوم الاثنين , وبات ليلًا ثم أعلن علي إسلامه يوم الثلاثاء , طبعًا نحن لا نعتقد أن عليًا أسلم وإنما أعلن إسلامه التفصيلي برسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

    النبي صلوات الله عليه واله وسلم يعرف قبل غيره أن الولد الصغير عبارته مسلوبة , نحن عندنا في الفقه أن (عبارة الصبي مسلوبة ) , مثال : لو أن الصبي ورث من أبيه بيتًا , وجاء في اليوم الثاني وقال هذا البيت أوقفته في سبيل الله على المورد الفلاني , يقول الفقهاء : لا يقع الوقف لأن عبارة الصبي مسلوبة لا يترتب عليها الأثر, وهذا في مصلحة الصبي . إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكتف بقبول كلام علي عليه السلام وإنما أضاف إلى ذلك تحميله مسؤوليات رسالية لم يتحملها الأكبر منه سنًا . بعدها بفترة نزلت الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين "[5] - طبعًا نذكر الرواية بالمعنى وليس نصًا – ينقل لنا أمير المؤمنين الرواية [6]: دعاني رسول الله وقال لي يا علي اصنع لنا طعامًا , أنا سوف أدعو جماعة , تولى أمر الطعام فعمدت إلى جَدْي[7] وذبحته وسلخته وأصلحته[8] – هذا وهو عمره تسع سنوات تقريبا - وعمدت إلى شيء من الخبز وجئته به , حتى إذا حان الوقت قدمته لرسول الله والجماعة جالسين , وقبل أن يبدأوا جاء رسول الله وأخذ حذية – أي قطعة - من الجدي ووضعها على جانب وحذيه أخرى وضعها على جانب آخر وثالثة ورابعة – يعني الجهات الاربع - قطّع رسول الله هذا الجدي , ووضع الخبز ثم أهال عليه - هذا المرق مثلا - وأكل من الخبز قليلًا من أماكن متعددة , فبدأوا يأكلون وكانوا أربعين رجلا كل واحد منهم يأكل جديًا بكامله , لكنهم أكلوا وأكلوا حتى شبعوا وتضلعوا [9] ولم يتغير في الاناء شيء , فلما رأى أبو لهب هذا الأمر قال : لقد سحركم محمد , إن الواحد منا يأكل جديًا , ونحن الآن أربعين رجلًا وكلنا في جدي واحد ولم يتغير هذا سحر !! فأفسد الجلسة , طلب مرة اخرى أن يعمل نفس العمل , وهنا بعد أن أكلوا وشبعوا قام النبي مبادرًا وقال : ما جاء أحد قومه بمثل ما جئتكم به إني نذير لكم بين يدي عذاب أليم , وإني رسول الله إليكم جميعًا , فأيكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر, فيكون أخي ووصي وخليفتي من بعدي , فامتنعوا بأجمعهم ولم يتكلم أحد , قام علي وقال : أنا يا رسول الله , أجلسه , مرة أخرى قال نفس الكلام ولم يجبه إلا علي و مرة ثالثة , فلم يقم أحد كذلك , فقال لعلي : أنت أخي ووصي وخليفتي من بعدي . حتى أن أبا لهب قال لأبي طالب مستهزئًا : إن محمد يدعوك لتتبع ولدك هذا – يعني أنت عمرك أكثر من خمسين سنة لا بد أن تستمع وتطيع لولدك الذي عمره تسع سنوات - قد ذكرنا سابقًا في حياة أبي طالب أن هذه من علائم إيمان أبي طالب , فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس فقط قَبِل مبادرة علي (ع) بالإيمان وإظهاره ومناصرته له , وإنما كلفه بمهمة ومسؤولية – مثل أن تقول لشخص جهّز لنا مؤتمر ؛ لندعو جماعة إلى امر مهم - وعمره تسع سنوات , فكلفه بهذه المسؤولية وبعدها نصبه وليًا وإمامًا وخليفةً ووصيًا .

     فيقال إما أن فعل النبي (ص) كان على خلاف الحكمة , وهذا غير ممكن لأنه لا يقول ولا يفعل إلا عن الله عزوجل – وإما أنه يريد أن يبين منزلة أمير المؤمنين (ع ) منذ ذلك الوقت المبكر . فهذه أول صفة من صفات أمير المؤمنين (ع) وهي مبادرته إلى تصديق النبي (ص) وانتمائه الى الرسالة في وقت مبكر وقيامه بمهمات الرسالة منذ ذلك الوقت منذ سن الصبا والطفولة .

الميزة الثانية / أمير المؤمنين كان يتميز بميزات الفتوة .لقد أُعطي له (ع) لقب ( الفتى ) وأنه لا يوجد فتى مثل علي بن أبي طالب (ع) , عندما نادى جبرائيل (ع) في تلك الغزوة : لا فتى إلا علي , لا سيف إلا ذو الفقار . يُنقل أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم و الظاهر أن الواقعة في المدينة وإن كان يُحتمل أيضًا في مكة - فطرق على رسول الله الباب , فخرج النبي في رداء ممشق ( ملون ) فقال له : خرجت إلي يا محمد كأنك فتى – مع أنك كبير إذا كان في المدينة يكون عمره خمسين سنة إذا في مكة عمره في الأربعينات - فقال : نعم أنا الفتى وابن الفتى وأخو الفتى , قال أما أنت الفتى فقد قلت , فكيف ابن الفتى وأخو الفتى ؟ قال : أبي إبراهيم الذي قال عنه القرآن الكريم : " قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " وأما أني أخو الفتى فأنا أخو علي بن أبي طالب الذي نادى عليه جبرائيل لا فتى إلا علي , فأنا الفتى ابن الفتى واخو الفتى.[10]

هنا ملاحظة : أن الانسان ينبغي أن يكون داخل منزله أيضا بملابس مرتبة ونظيفة – في بعض الأماكن يعلقون على بعض الرجال أنه طوال الوقت بملابس غير مرتبة , إذا كانت زوجتك لا تطيق هذا المر او كانت تريد التغيير فعليك أن تتزّين , تترتب في داخل الدار وليس فقط إذا خرجت . خارج الدار هذا الانسان يلبس أجمل وأحسن ملابسه , بخلاف داخل البيت , أين هذه الأناقة التي خارج المنزل !! وهكذا بعض النساء , ففي اليوم التي تتزين فيه المرأة يسألها زوجها هل هناك عرس سوف تذهبين إليه ؟ كأنما هي لا تتزين إلا لأجل العرس , ونفس الشيء يفعله الرجل . رسول الله خرج من داخل منزله – ليس في حالة استقبال - وهو في رداء ممشق , بعضهم كان يقول عن هيئة النبي (ص) الشخصية : لم أرَ ذا لُمّة , يلبس خزًا أحمر , أجمل من رسول الله- صلى الله عليه واله – لباسه لباس جميل وشعره أيضا ذو لمة فيظهر المنظر جميل جدا .

الفتوة هي : أن الانسان حتى اذا كان عمره تجاوز مرحلة الخمسة عشر والعشرين لكن عنده نخوة , شهامة , شجاعة , إقدام , لا يُغير على مال غيره , لا يسرقه لا يتعدى على عِرض الآخرين هذه هي الفتوة . وليست كما يتصور البعض أنها الشخص الذي عنده عضلات , ويستخدم عضلاته في السرقة والتغرير بالفتيات وفي الاعتداء على الأعراض , هذا لا ربط له بالفتوة ولا بالشباب ولا بالشهامة أبدًا , الفتوة صفات وليس عضلات , لذلك قد تجد هذا الانسان حتى وإن كبر سنه إلا أن عنده صفات الفتيان وصفات الفتوة , أمير المؤمنين عليه السلام كان بما يحمل من صفات على هذا المستوى وكان صلوات الله وسلامه عليه بالإضافة إلى إيمانه و فتوته ,أعلن عن انتماءه للدين وعداءه للكفر بصراحة في وقت كان يحتاج الدين فيه إلى هذا الاعلان – الانسان المؤمن ينبغي أن ينظر جانب الحكمة ففي بعض الأماكن تكون التقية هي الفتوة , حسب الوضع تصبح التقية دين وجزء من العقل ولكن في مواطن أخرى يكون الإظهار والاشهار مطلوبًا .

   خرج رسول الله إلى يثرب بعد أن بات أمير المؤمنين (ع) على فراشه , طبعًا الله عزوجل أمر النبي صلوات الله عليه أن يخرج متخفيًا , ولو أنه (ص) لم يؤمر بذلك , لخرج علانية , فالنبي (ص) أكثر شجاعة من علي ابن أبي طالب (ع) وأقوى بأسًا لكنه لم يؤمر بالقتال في ذلك الوقت , فقد أُمر بالدعوة السرية وأن يهاجر سرًا فخرج النبي(ص) سرًا , وكذلك بعض المسلمين كجعفر بن أبي طالب شجاع وبطل مجاهد لكنه خرج سرًا من مكة إلى الحبشة .  أمير المؤمنين بعد أن بات على فراش رسول الله -صلى الله عليه واله وسلم– في اليوم الثاني خرج إلى فناء الكعبة وقال : أيها الناس من كانت له أمانة أو وديعة لدى رسول الله محمد - صلى الله عليه واله وسلم - فليأت إلي لكي يأخذها فإني مغادر مكة إلى يثرب بعد ثلاثة أيام ضحى .

   هذه الكلمة كانت بمثابة صفعة على وجه قريش ؛ أنا أخرج من مكة إلى يثرب بعد ثلاثة أيام في وقت الضحى أيضا , حتى أن بعضهم نسي أمر الودائع وتوجه إلى هذا الأمر كيف أنه يتحدى كبرياء قريش بهذه الصراحة وبهذا الوضوح , فلو ذهب ليلًا أو فجرًا فلن نعلم به , لكن الان يعلن قبل ذلك بثلاثة أيام ووقت الضحى أيضا , فكَبُر على القرشيين هذا الأمر, ورأوا أنها كسر لكبريائهم لذلك حاولوا أن يمنعوه , على الأقل يمنعوه ثم بعدها يفعل ما يريد , في اليوم المعين اصطحب الأمير معه ثقل النبي ونساءه , كان من بينهن بنات النبي (ص) ومن يرتبط به( ص) من النساء – لم يكن بينهن زوجة للنبي لأن السيدة خديجة توفيت ولم يتزوج في ذلك الوقت بأحد من النساء - وكان معه أبا واقد الليثي ( وهو رجل يعرف الطريق بشكل جيد وعمله و يؤجر الجِمال للسفر) فأخذ يحدي بالنياق بسرعة فقال له الأمير (ع) : لم تفعل هكذا !؟ قال : أخشى أن يدركنا الطلب . قال ( ع) : لا عليك , امش مشيًا وئيدًا - ذلك الوقت كان عمر الأمير (ع ) أقل من ثلاثين سنة - , مشوا قليلًا وإذا غبرة من جهة مكة , وإذا بعشرة من العبيد الضخام الأجسام الأشداء تتجه إليهم , كأنما القرشيون أرادوا أن يبعثوا بهم ليحضروا الأمير والرجل الذي معه مقيدين , فلا حاجة أن تأتي قريش بنفسها إليهم , فلما وصلوا إليهم تكلم أحد هؤلاء العبيد الأشداء الفُتّاك - اسمه جناح - ويقال كأنه جبل على حصانه , وبيده سيف كأنه شعلة نار , فقال لعلي : ارجع بالنسوة . قال الأمير (ع): فإن لم أفعل . قال :لنرجعّـن بأكثرك شَعرًا - يقصد رأسه - قال الأمير(ع) : افعل إن شئت ذلك . فتقدم إليه جناح , وبدأ القتال بينهما لكن في الطرف المقابل لجناح كان أسد الله الغالب , في رواية أن علي عليه السلام ضرب جناح بسرعة ضربة في الوسط فتصور من شهد المعركة ان عليًا أخطأ الضربة , لكن ضربات الامير كانت وترًا , أي واحدة لا يحتاج إلى ضربة ثانية , لذلك ضربة علي يوم الخندق وليس ضرباته , وكما يقول المؤرخون كانت ضرباته سلام الله عليه وترًا إذا اعتلى قدّ وإن اعترض قض , أي قطع - ضرب الأمير ضربته ولم يروا أثرا لكن لمّا تحرك فرس جناح قليلا وإذا بالنصف الأعلى منه يسقط والنصف الآخر يبقى على الفرس , لقوة الضربة وشدتها قطعه قطعًا ,وكما قالت السيدة الزهراء صلوات الله عليها ( شدة وطأته ونكال وقعته ونكير سيفه وتنمره في ذات الله ) , لما رأى الباقون أن ضربته بهذا الشكل قالوا اترك سيفك عندك واذهب حيث شئت .                                  

   عداء قريش لأمير المؤمنين عليه السلام :

كان أمير المؤمنين عليه السلام في إعلانه العداء للكافرين وتصريحه بذلك قولا وعملا وهي نقطة قوة له , لكن الاتجاه القرشي والأموي اعتبرها نقطة ضعف , كيف تقتل قريش بهذا الشكل !! حتى بعضهم سأل : لماذا أخّروا علي بن أبي طالب , كان الجواب لأنه جاء إلى قريش وقتل كبارهم وسادتهم فلا يوجد عائلة قرشية الا وعندها مأتم من علي بن أبي طالب فلذلك لم يولوه الخلافة .هل كانوا يتوقعون أن يوزع عليهم الحلوى وهم يقاتلون رسول الله ! هل كان يُتوقع منه سلام الله عليه أن يرى كفار قريش في بدر وأحد وحنين قد سلو سيوفهم لقتل رسول الله ويقول لهم بارك الله فيكم أحسنتم ! أو انه يوزع عليهم الموت الزؤام , وهذا ما صنعه ( ع) وهذا هو ما نقموه منه وظلوا يحسبونها عليه إلى آخر حياته وأبعدوه عن موقع كان به جديرًا لهذا السبب . 

     وكان من المفترض أن يجعلوه تاجا فوق الرؤوس , لكن الاميرعليه السلام دفع ضريبة تنمره في ذات الله وشدة وطأته ونكال وقعته كما قالت السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها . وها هو بعد هذه المدة من الزمن يقول (ع)في خطبة له : ...حتى قالت قريش إن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحربلله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسًا مني واقدم فيها مقامًا مني ! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين , وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع [11]. بعضهم قال أن علي بن أبي طالب هو شخص شجاع وقوي , لكن ليس عنده إدارة عسكرية فيرد عليهم بأنه بدأ القتال والحرب معهم دون العشرين , الحرب تكون بكثرة الممارسة والتجربة , هل يوجد أحد من هؤلاء أكثر خبرة وممارسة ؟ وقد مر عليَ أربعين سنة في ميادين القتال .

لقد جئت يا أمير المؤمنين في زمان غير زمانك وصرت مع قوم ليسوا من جنسك وطينتك بالتالي أنت تحلق في الفضاء وهم لا يزالون في مستنقع الأرض .

لذلك وصل الأمر به صلوات الله عليه إلى أن يدعو : اللهم أبدلني خيرا منهم وأبدلهم شرا مني [12]. توضيح للعبارة : هنا خيرا وشرا أحيانا تأتي في اللغة العربية بمعنى التفضيل يعني أبدلني أفضل منهم وأبدلهم أسوء مني , فإذا كان هذا المعنى يكون إشكال فأمير المؤمنين لا يوجد فيه سوء حتى يأتي أحد أسوء منه , لكن كثير من الأحيان في اللغة العربية تأتي خيرًا وشرًا لا بمعنى التفضيل ولكن بمعنى الكلمة أبدلني عنهم شيئا خيْيرّا وأبدلهم عني شيئًا سيئًا وشرًا فهنا المعنى على القاعدة ولا مشكلة فيه , وتفسره أيضا كلمات أخرى له (ع) : وأرسل عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسًا مصبّرة , وما شابه ذلك , وبالفعل بُدّل أمير المؤمنين عليه السلام بخير المكان : الجنة , وبخير الصحبة : رسول الله صلى الله عليه واله , وبقي هؤلاء بعده يذوقون مرارة الأمويين ويتذكرون أيام أمير المؤمنين عليه السلام بلسان التحسر والتمني . أمير المؤمنين سلام الله عليه قضى في مثل الليلة الماضية وذهب إلى رحاب ربه راضيا مرضيا وجاء بعده من يؤبنه , جاء مثل ضرار بن ضمرة ليتحدث عنه , ويقول : (كان فينا والله كأحدنا يجيبنا إذا سأناه , ويعطينا إذا استعطيناه كان تتفجر الحكمة من جوانبه والعلم من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته , يعظّم أهل الدين , ويعطف على المساكين [13]...) وجاء رجل لم يُعرف وقال : ( رحمك الله يا أبا الحسن كنت للمؤمنين أبا رحيما وكنت على الكافرين عذابا صبا , قمت بالأمر إذ قعدوا وقمت فيهم إذ تتعتوا فسلام الله عليك يوم ولدت ويوم قضيت ويوم تُبعث حيّا [14]) شُيّع أميرالمؤمنين عليه السلام في جوف الليل , إلى خارج الكوفة – النجف الأشرف – حتى لا يتعدى عليه الخوارج ومن يعادي أمير المؤمنين( ع ) , الرواية تقول لما رجع الحسنان عليهما السلام بعد ذلك وهم في أطراف الكوفة سمعوا صوت أنين وبكاء يصدر من خرابة, فذهبوا إلى تلك الخرابة و وجدوا رجلًا كفيف البصر , ضعيف البدن نحيفًا , أقبلوا عليه وسألوه : لم تبكي ؟ قال: كان يأتيني رجل طيب كل ليلة بطعامي وشرابي , ويجلس معي ويؤنسني شيئا من الليل ويحدثني ثم ينصرف , وقد فقدته منذ ليلتين لم يأت إلي ولا أعلمني مالذي جرى عليه , قالوا : ما اسمه ؟ قال :كنت أسأله عن اسمه فكان يقول لي إنما أريد بذلك وجه الله , ماذا ينفعك اسمي .قالوا ماصفاته ؟ فبدأ يحدثهم عن صفاته , تبين لهم فيما بعد أنه أمير المؤمنين صلوات الله عليه..          

 

[1] قالت السيدة فاطمة هذه الخطبة عندما اشتدت علتها واجتمعت نساء المهاجرين والانصار لعيادتها

[2] بحار الأنوار ج43 ص160

[3] الصراخ على الميت / معجم المعاني.

[4] الخشاش : عود يُدخل في أنف البعير يُشد به الزمام / معجم المعاني

[5] سورة الشعراء آية 214

[6] كتاب حديث الدار للسيد علي الميلاني - كتاب تاريخ الامم والملوك للطبري.

[7] الجدي هو صغير الماعز.

[8] أي طبخته

[9] تضلع : امتلأ شبعًا وريًا.

[10] معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص119

[11] نهج البلاغة من خطبة له في بيان فضل الجهاد واستنهاض الناس.

[12] نهج البلاغة للشريف الرضي ص74

[13] نهج السعادة ج3ص199

[14] اكمال الدين للصدوق ص369

مرات العرض: 3473
المدة: 00:46:23
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2591) حجم الملف: 15.9 MB
تشغيل:

الحلم والكرم في حياة الإمام الحسن ع
برنامج عاجل للإصلاح من تجربة الإمام