النبي والإدارة الأسرية : زوجات النبي
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 11/9/1432 هـ
تعريف:

رسول الله والإدارة الأسرية / زوجات النبي صلى الله عليه وآله

 

 كتابة الأخت الفاضلة العلوية ـ العراق
تصحيح الأخت الفاضلة أفراح البراهيم

 قال تعالى في كتابه  الكريم.. بسم الله الرحمن الرحيم: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم)1 صدق الله العلي العظيم

حديثنا سيكون عن رسول الله وجانب الإدارة الأسرية وما يتعلّق بزوجات النبي (ص)
في البدء لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإدارة للأسرة هي مهمة من أشرف المهمات وأصعبها في نفس الوقت ، ومن الخطأ تصوّر البعض أنّ الزواج وبناء الأسرة يختصر في العلاقة الجنسية بين الطرفين تفرّغ فيها الشهوة وينجب من خلالها الأولاد.

   إنّ بناء الأسرة وإدارتها أمر أعظم وأشرف من هذا ،  وأصعب من هذا أيضًا .ولذلك نظراً لأنّ الكثير  من الناس يقبلون على هذه الشراكة والمرحلة من غير تهيؤ ، و من غير تدريب ودون وعي ؛ لذلك يفشلون في إدارة الأسرة وينجم عن هذا الفشل كثرة حوادث الطلاق التي تنتشر في مجتمعاتنا ، حتى وصلت في أماكن كثيرة إلى  نسبة تقارب نصف عدد  المتزوجين مقارنة بين أعداد الطلاق وأعداد الزواج، ففي بعض الأماكن وصلت إلى أربعين بالمئة  والآخر وصل إلى خمسين بالمئة.
    البعض يتصّور  أنّ الشاب مادام قادرًا على الإنجاب فمن المناسب أن يتزوج وكذلك البنت ما دامت قادرة على الحمل فلتتزوج ، ولا ينظر إلى مقدار وعيه وفكره النفسي وهل لديه إلمام بموضوع الزواج  أم لا ، وهل تأهّل للزواج عن طريق  الدورات التثقيفية أم لا، هل حاول أن يقرأ كتابًا بهذا الخصوص أم لا ، البعض يقول بأنّه سيخوض التجربة ويتعلّم منها ولا حاجة له بالتعلّم مسبقًا ، بل إنّه إن كان  منحرفًا فإنّه سوف يستقيم بعد الزواج ، أو إن كان عصبيًا سوف يهدأ بعد الزواج ، لكن النتيجة تظهر بعد  أشهر والتي تنبىء بحدوث الطلاق، مع إنّ الطلاق قد يكون في حالات ضيقة  ونادرة وصغيرة ، وقد يكون هو الخيار الطبيعي مع عدم انسجام الطرفين لأسباب مختلفة.
    وقد أتّضح أنّ نسبة ثمانين بالمئة من حوادث الطلاق تشير إلى فشل في إدارة الأسرة إما من طرف الزوج أو من طرف الزوجة أو كلاهما معًا .لا تستقر الأسرة وبالتالي لا تستمر ويكون مصيرها إلى الطلاق وبالرغم من أنّ الإسلام في الشريعة لم يضيّق شيئًا بمقدار ما ضيّق على الطلاق وما ذمّ شيئًا من المباحات بمقدار ما ذمّ الطلاق ،  وحتى يبعد هذا الأمر قال إنّ أبغض الحلال إلى الله الطلاق ،ومع ذلك نجد النسب المرتفعة في مجتمعاتنا .

تشريعات الدين في تعويق الطلاق :

 وقد ذمّ  الرجل المطلاق وذم المرأة التي تطلب الطلاق من غير مبرر، وفوق هذا سعى إلى تخويف الإنسان من الجانب المادي بالنسبة للزوج  بل وحصر الطلاق في جهة حتى يقلّل منه ،  ولذلك جعل الطلاق بيد الرجل ، وقال للزوج إذا طلقت مع الدخول فقد خسرت مهرك بكامله وإذا كان من غير دخول فقد خسرت نصف مهرك ، هذا بمثابة الضغط المادي على الزوج الذي حصر الطلاق بيده حتى يقلّل من إمكانيات الطلاق.
    وأيضا مع حدوث الطلاق اشترط عدة شروط منها وجود شاهدين عادلين ،لا بدّ أن تتوفر فيهما العدالة  بحيث يشهدان مجلس الطلاق، والغرض من ذلك التقليل من حوادث الطلاق ، بالإضافة إلى وجوب طهارة الزوجة حين الطلاق من الحيض والنفاس ، بحيث منع في  ثلث الشهر حدوث الطلاق أو أقل من ذلك ، إذ أنّ  المرأة في حالة الحيض والنفاس  تصبح  في حالة توتّر فإذا قالت شيء أو تصرّفت بشكل سيء يجب على الزوج أن لا يبادر إلى الطلاق لأّنه ممنوع في هذه الحالة، ، وأيضًا يجب أن يطلّقها في طهر لم يواقعها فيه ، فلو فرضنا أنّ شخصًا طهرت زوجته وبعد عشرة أيام قاربها مع ذلك لا يستطيع أن يطلّقها إلا بعد شهر كامل تقريبّا . كلّ هذه الشروط أملًا في تغيّر الأمور وتحوّل حالة الغضب إلى الرضا ، وكذلك بالإمكان في هذه الفترة أن يتدخّل أهل الخير، فيرجع  الزوج إلى رشده ويتراجع عن الطلاق.
كلّ هذه الأمور والقيود والمحدّدات تستهدف التقليل من الطلاق الذي يشير إلى الفشل في إدارة الأسرة ، إضافة إلى إحاطة الأمر بصبغة أخلاقية حيث أمر الزوجة بالصبر، والزوج بالتسامح والصفح وحدّد الحقوق التي تضمن سعادة الطرفين  ومنها: إذا جهلت غفر لها (إذا قامت بجهالة وأمر غير مناسب غفر لها وتسمح و تنازل )

كيف أدار النبي هذا العدد من الزوجات؟؟

    لو نظرنا إلى  حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أسرته وزوجاته نجد الكثير من الأمور التي تثير التساؤل حول شخصية رسول وكيف أدار هذا العدد من الزوجات ، وكيف كانت بعض الظروف على خلاف الانسجام في داخل بيت رسول الله ومع ذلك عاش رسول الله صلى الله عليه وآله مع زوجاته ولم يطلقهنّ،  ولم تخرج المشاكل بينهن وبينه إلى الخارج إذ كان مسيطرًا عليها بالرغم من أنّ كلّ الظروف كانت معاكسة، على عكس ما نرى الآن من كثرة الطلاق الذي يحدث بين رجل متزوج من امرأة واحدة ، إذ أنّ الطرفين  لا يتحملان بعضيهما، وإذا نظرنا إلى حياة رسول الله  النبي  صلى الله عليه وآله وسلم نجد أنّه  كان له من النساء إحدى عشر زوجة ، توفيت في حياته زوجتان وبقيت معه تسع نساء  إلى آخر حياته.
    لنا أن نتخيّل كيف أنّ كثرة الزيجات هو سبب الخلاف والتشاحن ، فمن له زوجة واحدة يختلف عمّن لديه تسع زوجات ، فكيف إذا كنّ في بيت واحد ذي تسع غرف ، البعض كان لديه زوجتان وكلّ واحدة منهما في بيت  مستقل ومع ذلك يحدث التراشق بينهما ..  فكيف إذا كان في داخل البيت الواحد عدة زوجات ، تسع نساء ذات أعمار مختلفة و من بيئات متباينة وأشكال مختلفة، أعمارهن مختلفة بين زوجة عمرها في الخمسين ،وبين أخرى أصغر بكثير، حيث كانت عائشة بنت أبي بكر على الرأي المشهور عند مدرسة الخلفاء وقت زواجها تسع سنين ، وعلى رأي آخر ستة عشر سنة ، ولهذا كان الفرق واضحًا بين خمسين  وستة عشر سنة، وإن كانت المتقاربات  في الأعمار أكثر انسجامًا وتواصلًا من بين المتباعدات ، إلا أنّ هؤلاء مختلفات أيضًا في البيئات ، جويرية بنت الحارث من بني المصطلق كانت من بيئة اليهود، بينما كانت  مارية القبطية من مصر وكانت مسيحية ، أما البقية كنّ من بيئات عربية ، بعضهن عشن في فترات ليست بالقليلة أجواء الجاهلية قبل الإسلام ، وبعضهنّ من بيئات مقاربة من بيئة الإسلام.
    نجد أنّ النساء اللاتي يكنّ من بيئات مختلفة وأعمارهن مختلفة وعادات مختلفة عادة يكون الانسجام بينهن أبطأ، وأضف إلى ذلك البعض منهن كنّ يجادلن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلامه  وفي فعله وفي قضاياه ، ولن نتصوّر أنّ كل نساء النبي كنّ خاضعاتٍ تمامًا لرسول الله بل لم يكنّ كذلك ، وممّا يذكر في التاريخ أنّ بعض النساء كسرت صحون نساء أخريات ، حيث أنّ إحدى نساء رسول الله أهدت اليه صحن عصيدة في يوم أخرى فقامت هذه المرأة التي كانت ليلتها بكسر الصحن في الأرض.
 وكان البعض  منهنّ يجادل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث نزلت في إحدى النساء  الآية المباركة (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء....)2

 مع كل مناشىء الاختلاف والنزاع وعدم الانسجام إلاّ أنّ رسول الله أدار أسرته إدارة رائعة.
هل كلّ نساء النبي أفضل نساء المسلمات بناءً على حديث القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ؟؟

كان النبي يسعى لتحقيق مشاعر زوجاته :
أشار القرآن الكريم إلى رسول الله وحسن إدارته لأسرته قال تعالى (تبتغي مرضات أزواجك ..)3، النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد أنّ يحقّق الرضا والانسجام في داخل بيته وهنا نشير إلى نوعين من الناس :
أحدهما   يتصرّف بمنتهى الأنانية دون أن يأبه بمشاعر الزوجة فتراه يدخن أو يسهر دون الالتفات لمشاعر زوجته، ضاربًا بها عرض الحائط.
أما الآخر يتمثّل خطى رسول الله ويعتبر أنّ الحياة الزوجية شراكة بين الزوجين وبالتالي يحقّق الاحترام بينهما ، نرى رسول الله مع أنه سيد الخلق وأفضل البشر ، وهو أولى بهنّ من أنفسهن ومع ذلك يقول من أجل تحقيق الرضا والانسجام في البيت لابدّ من التنازل ، يذكر التاريخ تلك القضية المعروفة التي لها أكثر من سبب نزول وما ذكروه في ليلة أنّ النبي صلى الله عليه وآله أهدت إليه مارية وقيل إحدى زوجاته شربة عسل وكان يعجبه العسل وهو محببٌ إليه ، فغارت بعض نسائه من ذلك واتفقن عندما يأتي رسول الله يقولون له إنّنا نشمّ منك رائحة  (مغافير) ( يعني أنّ هذا العسل فيه رائحة منفرة ، بينما كان صلى الله عليه وآله ينفر من الروائح الغير حسنة فكان معطرًا ذاتيًا من الداخل والخارج ، فلما جاء النبي ودخل عليهن وضعت كلّ واحدة منهن  يدها على أنفها .قال لهن ماذا حصل خيرًا قالوا : نشم منك رائحة مغافير رائحة غير طيبة ( وهذه الرائحة تكون من النحل إذا حطّ على نوع ٌمن أنواع الورد من شجر ( العرفط ) له رائحة خبيثة ) ، فأراد النبي أن يحرّم على نفسه شرب العسل حتى لا يشمّ منه رائحة سيئة فنزلت الآية الكريمة ( يا أيّها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات ازواجك. .) ، رسول الله في هذا الموقف غير ملزم بهذا المقدار من التضحية والتنازل والعطاء والتسامح، لكنه كان مستعدًا أن يحرّم على نفسه الأكل الذي يحبّه لكي لا يحدث النفور بين زوجاته والتوتر في علاقته بأسرته.
 البعض من الرجال عندما يلحظ تقصيرًا ولو ضئيلًا على سبيل المثال التقصير في الأكل يقلب الدنيا على رأس زوجته.
بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرص على أن يدير هذه المجموعة الكبيرة من الزوجات المتباينات بحيث يحقّق لهنّ رضاهن ، إذ أنّ الرضا علامة من علامات  نجاح الأسرة ، فالزوج راض عن زوجته وهي راضية عنه، ولا يوجد رضا نهائي ولكنّه ينظر للإيجابيات أكثر من النظر للسلبيات وبالتالي يكون راضيًا رضًا نسبيًا، فلن ترى جمالًا مثاليًا كالحور العين  وجمال يوسف ، ولن تلقى امرأة كالزهراء عليها السلام في حسن التبعّل ، ولن تحصل على العطاء كعطاء حاتم الطائي،
إذن لابدّ للطرفين أن يلاحظ جملةً من الأمور خيرها أكثر من شرّها وهذا الرجل خيره أكثر من شره ، والدنيا لا توفّر أكثر من هذا كحد أقصى
هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتوفر له  الرضا عن زوجاته كما رضي عن خديجة عليها السلام.
 اذا استطعنا أن ندير أسرنا بهذا النحو الذي دار به رسول الله زوجاته حيث يتحرّى الرجل مرضاة زوجته ، وتتحرّى المرأة رضا زوجها ، وأصبح كلًا منهما يتغاضى عن سيئات الآخر، حينئذٍ تستقر الحياة الأسرية وتستمر ولا تواجه أيّ مشكلةٍ تعرّضها للطلاق.
أما إن كان كلًا منهما متطلّبًا ولا يقدّم التنازلات عندئذ يواجهان المشاكل ويصلان إلى مرحلة الطلاق.

زوجات رسول الله

تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احدى عشر زوجة ودخل بتسع منهن  ، وقد نقل ابن الأثير في (الكامل في التاريخ) ترتيب زوجات الرسول على النحو التالي:
 أولا// تزوّج خديجة بنت خويلد عليها السلام
وذكرنا في محاضرة سابقة شيئًا من سيرتها
ثانيا//تزوّج سودة بنت زمعة وهي امرأة ثيّب كبيرة السن ، توفي عنها زوجها النصراني ، وقدً كانت مهاجرة إلى الحبشة ، زوجها كان مسلمًا وهاجر معها ، ثم تنصّر ومات على نصرانيته حيث ختم أمره بهذه العاقبة السيئة ، وبقيت هذه المرأة في الحبشة  ليس لها والي أو راعي وهي في الخمسين من عمرها أو أكثر ،  فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها وتزوّجها.
ثالثاً//تزوّج عائشة بنت أبي بكر وعلى المشهور كان عمرها ست سنوات عندما  عقد عليها ، وتزوجها بالمدينة وعمرها تسع سنين ، وهذا النقل التاريخي محل نقاش حيث أنّ الكثير من المحققين يتأملون  في هذا السن الصغيرة التي تزوّج فيه عائشة أم كانت أكبر من ذلك ، وهذا النقاش موجود في مدرسة الخلفاء كثيرًا ، وقد ماتت في السنة الثامنة والخمسين للهجرة قبل شهادة الإمام الحسين عليه السلام.
رابعاً// بعد عائشة تزوّج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وقد توفيت في خلافة عثمان وقيل في ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام.

خامساً//تزوّج أم سلمة ابنة أمية المخزومية وزوجها كان يسمّى عبد الأسد الذي أسلم وشارك في بعض الغزوات وقيل في بدر أو قبل بدر ، وقد جرح ورجع إلى المدينة وزاد عليه الجرح حتى توفي على أثره ، وكان له أولادًا منها ، و لما انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وينقل عنها أنها كانت جميلة جدًا وقد توفيت بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام في السنة الثانية والستين وقيل في أواخر الواحدة والستين للهجرة.

سادساً//تزوّج رسول الله بعد أم سلمة زينب بنت خزيمة وهذه تسمى (بأم المساكين ) لأنهاً كانت شديدة الحنان على المساكين معروفة  بعطائها لهم، ولأنها للأسف لم تذكر كثيرًا في التاريخ ، وهي ليست زينب بنت جحش التي نزل فيها قوله تعالى (زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج )4،  زينب بنت خزيمة نادراً ما تذكر لأنها لم تصبح علماً وعنوانًا لأحد ، وقد توفيّت في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

سابعا // تزوج زينب بنت جحش ، بعدما طلقها زيد بن حارثة ، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم كما سبق .. وهي ابنة عمة النبي صلى الله عليه  وآله ..

ثامنا //جويرية بنت الحارث من بني المصطلق  التي كانت مسبية وجاءت لرسول الله  تشكي له ما كان عليها وتسأله في كتابها ، فأدّى رسول الله ما عليها وأعتقها ثم تزوّجها.

تاسعا //بعد جويرية تزوج رسول الله أم حبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية  (لذلك معاوية وجماعته أعلنوا في الشام أنّ معاوية خال المؤمنين ، بينما الباقين أمثال محمد بن أبي بكر وعبدالله بن عمر ليسوا بأخوال المؤمنين، إذ أنّ محمد بن أبي بكر أخو عائشة ، وعبدالله بن عمر أخو حفصة ، وإخوة خديجة ليسوا بأخوال للمؤمنين ، وهكذا فقط معاوية هو الذي يصبح خال للمؤمنين.
تزوجها رسول الله وأيضاً زوجها ممّن هاجر إلى الحبشة وهناك تنصّر ومات ، إذن كان زواجه بها وبمن قبلها ( سودة بنت زمعة ) بمثابة انقاذ لهما بعد أن تنصر زوجيهما وبقيتا في الحبشة بلا معين فأرسل لهن رسول الله ليتزوّجهن.
تاسعا//في زمن فتح خيبر تزوّج رسول الله صفية بنت حيي بن أخطب أحد زعماء اليهود لما قتل كعب الأشراف وجيء بها في  السبي ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

عاشراً/ بعد صفية تزوّج بميمونة بنت الحارث.

ويتبادر إلى أذهاننا سؤال / هل زوجات النبي أفضل النساء في عقيدتنا؟

سنقول: كلا لسن أفضل النساء باستثناء خديجة عليها السلام ، وقد يقول أحدهم أنها  أفضل النساء لأنها تزوّجت النبي فأصبحت أفضل النساء  ، ومرة أخرى يقول لأنّها عملت أعمالًا أصعدتها إلى مرتبة أفضل النساء، نقول إنّ السيدة خديجة هي أكمل النساء كما قال رسول الله ، ولم يمدح زوجة غيرها ولم يقل في مدحها أنّها الأفضل لأنّها تزوجته أو لأنها أول زوجة له ، وإنّما قال ( آمنت بي حين كفر بي الناس وصدّقتني حين كذّبني الناس وأشركتني بمالها حين حرمني الناس )5
إذن لم تكن أفضل النساء كونها زوجة للنبي بل لأنّها تأهّلت بعملها ، ولو أنّ زوجة أخرى لم يؤهلها عملها لذلك المقام لأصبحت امرأة عادية ذات فضل بزواجها برسول الله ، بل تقع على عاتقها مسؤولية مضاعفة ، بحيث تحاسب على أعمالها ، فإن عملت أعمالًا كثيرة وذات قيمة  تحصل على مرتبة عالية وإلا أصبحت امرأة عادية ، ونحن على خلاف مدرسة الخلفاء التي تعتبر أنّ نساء النبي أفضل النساء، لأن ذلك خلافًا  لما يقوله القرآن الكريم أنّ في المسلمات من هنّ أفضل من نساء النبي (مؤمنات قانتات و ثيبات وأبكارًا ) وهنّ  أفضل من نساء رسول الله قال تعالى (عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيراً منكنّ مؤمناتٍ قانتاتٍ ثيباتٍ وأبكارًا )6

قصة المرأة التي وهبت نفسها للنبي .. ما دلائلها ؟

يقول القرآن الكريم يوجد في المجتمع المسلم من هي  أفضل منكن ، وقد أيّد هذا الكلام في بعض الحوادث التي وقعت حيث صرّح أنّ  فلانة وهي من غير زوجات الرسول أفضل من فلانة وهي زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ويذكر التاريخ أنّ امرأة أنصارية عرضت نفسها ووهبت نفسها لرسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم وكان هذا خاصًا بالنبي من دون المسلمين ، حيث قال تعالى  (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ)7
إذ أنّ هبة المرأة نفسها لأحدٍ غير جائز إلا لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إحدى نساء النبي رأت هذا الموقف حين جاءت هذه المرأة تقول وهبت نفسي لك يا رسول الله ، فشعرت بالغيرة الشديدة وقالت لها (  ما أقلّ حياءك و أجرأك وأنهمك للرجال )
فقال لها رسول الله (ص): ( كفّي  هي خير منك ، رغبت في رسول الله ولمتها وعبتها ،
ثم قال للمرأة : انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعرّضك لمحبتي وسروري وسيأتيك امري إن شاء الله   فأنزل الله الآية ( وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي ... )8
هذه الحادثة تدلّ على أنّ زوجات الرسول لسن أفضل النساء ، وكان اكرامهن باقترانهن برسول الله فحسب ، بل يتحمّلن المسؤولية مضاعفة ، يقول تعالى ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء  إن اتقيتن ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفًا، وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى )9
القرآن الكريم يخاطب نساء النبي فيقول: أنتم لكم موقعكم الاعتباري وهذا تكليف ومسؤولية ( أن يأتي منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) 10
إذ أنّ مقامكم ومحاسبتكم محاسبة استثنائية ، كالتي تقول لولدها  (أنت ولدي لست كبقية الناس ، أنت من أسرة معروفة ويجب أن لا تخطئ مثل هذا الخطأ لأنه يشوّه سمعتنا وسمعة آبائنا وأجدانا )
وقد ورد في سبب نزول الآية الكريمة ( لا يسخر قومًا من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرًا منهن )11
أنّ بعض نساء النبي كنّ يسخرن من البعض الآخر، فقد كنّ يسخرن من جويرية بنت الحارث ويصفوها باليهودية بنت اليهود لأنّ أسرتها يهودية ، وكذلك  أم سلمة كانت قصيرة القامة قليلاً فكن يعيّرنها بالقصيرة ، ليس هذا فحسب بل كانت تحدث بينهن بعض المشاكل كأن تكسر الواحدة منهن صحن الأخرى ، أو أن تغتاب إحداهن الأخرى، لكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتحدّث معهنّ بكلّ حكمة وروية وما كان يسارعهم بالغضب والعصبية.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذه الحالات حينما تسخر واحدة من الأخرى أو تؤذي الثانية وتتهجّم عليها بالكلام كان يدير الأمر إدارة حسنة بحيث يطفئ هذا الشرر، إذن زوجات النبي مهما كنّ نساء مؤمنات يتفاوتن في الفضل  ومجرد زواجهن برسول الله لا يعني ويعطي لهن ميزة خير النساء ،ولكن الواحدة منهن تصعد مدارج العمل بحسب كسبها ونشاطها.

ماذا يعني كون زوجات النبي أمهات المؤمنين ؟
 ومن ناحية أخرى يقول القرآن الكريم ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم )12
البعض يقول كيف تتحدّث عن زوجات النبي إذن فأنت عاق لأمك ومن عقّ أمه فهو في النار ، نقول بأنّ هذا نوع من التسطيح الفكري ، إذ أنّه لدينا أم حقيقية وهي التي يقول عنها القرآن الكريم ( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) 13  ،وكذلك  أم رضاعية يقول عنها القرآن الكريم (وأمهاتهم اللاتي أرضعنكم ) 14 ،وعندنا ما عدا ذلك تنزّل بمنزلة الأم في بعض الآثار الشرعية كما لو كان مثل قولهم (أنت علي كظهر أمي) والظهار حكم شرعي وهو حرمة المقاربة إلى أن يكفّر عن هذا الظهار الذي قام به,
   أما بشان  حرمة زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتنزيلهن بمنزلة الأمهات  ، نقول هناك حكمان شرعيان:
 
أولًا/ حرمة النكاح معهن بعد رسول الله
الأم لها أحكام كثيرة منها الميراث ، فالرجل يرث أمه وهو يرثها ، ولكن المؤمنين لا يرثون زوجات رسول الله ولا زوجات رسول الله يرثون المؤمنين باعتبارهن أمهات للمؤمنين، وكذلك لا يجوز للرجل أن يتزوّج بنات أمه سواء كنّ من أبيه أو من أمه ، لكن أم المؤمنين يستطيع الإنسان العادي أن يتزوج بناتها ، فقد تزوّج أمير المؤمنين من فاطمة الزهراء عليها السلام ، وتزوّج مسلمون آخرون بنات رسول الله من أمهات المؤمنين كخديجة عليها السلام وأيضا من بنات أم سلمة ، أما من ناحية الانفاق فإنّ النفقة واجبة على الأم خاصة إن كانت محتاجة إذ ليست صدقة ولا إحسان بل واجب ، ولكن بالنسبة لأمهات المؤمنين فلا يجب الانفاق عليهن ولا هي يجب عليها أن تنفق على أبنائها ، وقد بيّنت آيات القرآن  الكريم بقوله ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعد أبدًا ) 15
 نقل مصادر السنة والشيعة أنّ طلحة بن عبيد الله قال (أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوّج نساءنا ، لئن حدث به حدث لنتزوّجنّ نساءه من بعده ) 16

ثانيًا / الاحترام لزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام عندما انقضت حرب الجمل ، لقد انتقد فعل عائشة  لكنّ هذا الانتقاد ليس من باب عدم الاحترام ، إذ قال ( وأما فلانة أدركها رأي النساء وضَعْن غلا في صدرها كمرجل القين ، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل ، ولها بعد حرمتها الأولى والحساب على الله )17

إذن فانتقاد شخص له مكانته كأبيك مثلاً لا يعد من باب عدم الاحترام، فليس هو معصومًا حتى لا ينتقد فعله ، كذلك زوجات رسول الله احترامهن لا يمنع من تقييم أدائهن والتفضيل فيما بينهن ، فهذه أم سلمة رضي الله عنها كانت على خط الولاية وعارضت خروج عائشة على أمير المؤمنين وذكّرتها بكلام الحوأب ، وكانت لها مكانة عظيمة عند رسول الله وعند أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، حيث تنقل الروايات أنّه لما أراد الحسين الخروج إلى كربلاء جاء إليها مودّعًا إياها راعًيا لحرمتها ،ومحبة بها وتقديراً لدورها ، فبعد أن ودّع قبر جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، جاء إلى بيت أم سلمة وقال : السلام عليك يا أماه يا أم سلمة إني قادم لوداعك. قالت له أبا عبد الله أنشدك الله أن لا تخرج إلى العراق ،فإنّ جدك رسول الله أخبرني أنّ مصرعك هناك بأرض يقال لها كربلاء وقد أعطاني تربة ذلك المكان وقال لي إذا رأيتيها قد صارت دمًا عبيطًا فاعلمي أنّه قد قتل ولدي الحسين عطشانًا غريبًا ، الله الله في نفسك أبا عبد الله اخرج إلى أيّ مكان أحببت إلا هذا المكان إني أخاف عليك من هذا الطريق ومقتلك .قال يا أماه أعلم بذلك وأعرف مصرعي وماذا ينتظرني وإني ماضٍ لأمرٍ أمرني به ربي.
------------------------------------------------
1 سورة التحريم آية 1
2 سورة الأحزاب آية 51
3 سورة التحريم آية 1
4 سورة الأحزاب أية 37
5 المراجعات ص315
6 سورة التحريم آية 6
7 سورة الأحزاب آية 5
8 تفسير الميزان ج16 ص 342
9 سورة الأحزاب آية 32
10 سورة الأحزاب آية 53
11 سورة الحجرات آية 11
12 سورة الأحزاب آية 6
13 سورة المجادلة آية 2
14 سورة النساء آية 23
15 سورة الأحزاب آية 53
16 أسباب النزول للسيوطي ص306
17 نهج البلاغة خطب الإمام ج2 ص48

مرات العرض: 6605
المدة: 00:54:19
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 18.6 MB
تشغيل:

الآخوند الخراساني : بطل الدستور
السيد اليزدي : عروة الفقه الوثقى