الرحمة الإلهية في آية البسملة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/9/1431 هـ
تعريف:

الرحمة الالهية في آية البسملة

كتابة الأخت الفاضلة علا نور

قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم ( إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30)

البسملةُ هي نحتٌ لبسم الله الرحمن الرحيم والنحتُ في اللغة العربية أن يُصنَع فعلٌ مشيراً إلى جملة فلو قلنا مثلاً فلان يحوقل فنحن نعني أنه يقول ( لاحول ولا قوة الابالله العليّ العظيم) ولو قلنا أن فلان حَمدَله أي انه يقول (الحمدلله رب العالمين) وكذلك الحيّعلة أي حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل وهذه تسمى الحيعلات ، من نفس الباب يُطلق على ذكر بسم الله الرحمن الرحيم (بسملة) .

لو لاحظنا أيضاً الآية المباركة تبدأ بجار ومجرور فالباء حرف جر والاسم مجرور علماء اللغة يقولون الجار والمجرور لا بد ان يتعلق بفعل فلو قلنا مثلاً بالسيارة !! أو في المكتب!!
سنحتاج الى تفسير ماذا بالسيارة وماذا في المكتب امّا لو قلنا جئنا بالسيارة ، عملتُ في المكتب سيتضح المعنى للسامع لوجود الفعل  وكذلك في "بسم الله الرحمن الرحيم" والباء هنا باء الإلصاق أو الاستعانة فلابد أن يكون هناك قعلٌ مقدر ٌ ينبغي البحث عنه .
هل هو مثلا : اتلوا " بسم الله الرحمن الرحيم" أو أبدأ " بسم الله الرحمن الرحيم" أو يكون فعل أمر ابدأ "بسم الله الرحمن الرحيم" أو اقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم" أو ربما شيء آخر . في الرواية عن الإمام الحسن العسكري "ع" ولها نظيرٌ في رواية الإمام الصادق {بسم الله يعني استعين في كل اموري باسم الله} يعني قرائتي باسم الله ، بداية عملي في كل يوم أستعين باسم الله ، في تعلمي باسم الله في حياتي باسم الله في قيامي في قعودي كل ذلك مرهونٌ باسم الله .
تلاحظ مثلاً في هذه الدنيا أن قسماً الناس يأخذ مشروعيته واستعانته من الحكومة فيقول : باسم الحكومة اقرر كذا وكذا أو باسم المسؤول الفلاني آمرك ان تقوم بكذا و كذا فأنا أستعين في هذا الموقع بالحكومة . أو يقول أحدهم باسم الشعب أو باسم الجماهير أو باسم الناس يعني مصدر قوته هو الناس والجماهير و تأييدهم ودعمهم .

الإنسان المؤمن يُراد منه ان يكون في كل أموره مستعيناً باسم الله الرحمن الرحيم لا يستعين بأحدٍ سواه {  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ  }  فأنت اذا تقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" انت تقدر : أنا أستعين في اموري كلها من قرائتي للقرآن إلى أمور حياتي الأخرى"بسم الله الرحمن الرحيم"الباء هنا باء الاستعانة اُلصِقت بِبسم الله الرحمن الرحيم .

السؤال هنا :

لماذا صارت الاستعانة بسم الله وليس بالله ؟؟

 لاحظوا في القران الكريم وفي الأدعية الشريفة ورد لدينا النحوان ففي الدعاء (اللهم إني أسألك باسمك يا الله) و أيضاً جاء (اللهم إني أسألك باسمك يارحمن يارحيم) وورد في القران الكريم  { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وجاء أيضاً {  فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }
وذلك لأن الإسم قيمته بما يشير إلى المسمى أي علامةً على المسمى ، فعندما تقول اسم الله المقصود هو ذات الله عزّ وجلّ فالإسم علامةٌ وطريقٌ واشارةٌ إليه وهناك جهةٌ ذكرها بعض المفسرين فيها لفتة ليست بعيدة يقول كأن الفاصلة بين العبد وبين الربّ فاصلة كبيرة يعني أنّ العبد عاجزٌ ضعيفُ من الممكنات في أدنى درجات الصِغَر والله تعالى في أعلى درجات العظمة فهو يتوسل إليه ويستعين بما هو قريب ٌمنه لا بما هو بعيدٌ عنه وهذا أدعى للاحترام .
مثلاَ من احترامك لوالدك تقبيل جبينه وهذه درجةٌ عالية لكن إذا قبّلت شيئا يرتبط به ، قبّلت ثوبه مثلاً فهذا اعمق كأنما انت تُعظِم والدك أكثر ، كذلك بالنسبة لاسم الله عزّ وجلّ فالاسم هو عبارة عن السمة . يسمُ سمةً واسماً .اذا أردت أن تعرف الشيء تُشير إليه وتعطيه اسماً فأنت هنا تستعين باسم الله الرحمن الرحيم بما هو مشيرٌ إلى ماهو علامةٌ على الله .

عندما نأتي إلى اسم الله نقول الاسم الاعظم والاسم الاول للذات الإلهية المقدسة هو (الله) وله اسماء أخرى منها ماهو اسمٌ للذات مثل (حيّ) (قيوم) (سلام) (عظيم) ومنها ماهو اسم وصفة للفعل مثل ( الرحمن ) (الرحيم) (الناصر) (الغافر) (الفاتح) (الرازق) قد ينصر وقد لا ينصر ، قد يرزق وقد لا يرزق ، قد يفتح وقد لا يفتح ، بحسب الحكمة الني يتوخاها سبحانه وتعالى في هذا الموضع او ذاك .

بعد اسم الذات المقدسة (الله) جاء بصفات الأفعال (الرحمن الرحيم)ماهو معنى كلمة (الله) ؟؟هل للفظ الجلالة معنى ً في اللغة العربية ؟

الجواب - وأكثر المفسرين على هذا المعنى الذي سنذكره - أصل الكلمة ألِه ، يأله يعني تحيّر ، اندهش ، عير قادر على إدراك الحقيقة وهذا نحن نلاحظه في استعمالنا العرفي حين نقول فلانٌ متولهٌ بفلانة ، متحيّرٌ مندهشٌ متعلق ٌ الى درجة فقدان التركيز . الناس نظراً لأنهم لا يعرفون حقيقة الله عز ّ وجلّ ولا يدركون كنهه حيث لم يُجعل طريقٌ إلى معرفته إلا بالعجزِ عن معرفته فهم في هذه الحقيقة وَالِهون ، متولهون ، متحيرون ، غير قادرين على فهمِ هذه الحقيقة الكبرى والعظمى فهو إله أي مألوهٌ متولهٌ فيه وغير مقدورٍ على فهم حقيقته وهذا الاسم المبارك خاصٌ بالله عزّ وجلّ .

مميزات هذا الإسم العظيم

من مميزاته انه الاسم الوحيد الذي اذا حذفت حروفه تبقى الإشارة فيه الى الله عزّ وجلّ بينما في أي ّ اسمٍ آخر كحسن مثلا ً لو حذفت الحاء بقيت كلمة سن لا معنىً لها ولا يوجد بها أيّ اشارةٍ إلى صاحبها ولو حُذِفت الحاء والسين  بقيت النون وحدها بلا معنى وبلا إشارة أو معنىً لصاحب الإسم بينما الإسم المقدس بحروفه كاملةً هو(الله) وإذا حذفت الحرف الأول منها صار (لله) وهذا إشارة ٌ له على ملكيّته للأشياء . ولو حُذِفت اللام تبقى كلمة ( له)، {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهذه إشارة ٌ للملكية أيضاً . ولو حُذِفت اللام الثانية ايضاً تبقى (هُوَ) أو (هُوْ) تُشير إلى الغيب أو غيب الغيوب { اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ } فمهما حذفت من الحروف تبقى الإشارة الى الذات المقدسة باقيةً بحالها وهذا لا يوجد في أي اسمٍ آخر من الأسماء لا الخاصة بالذات المقدسة ولا الأسماء الأخرى.
فلو أخذنا مثلاً كلمة " رحيم" وحذفت منها الراء لبقيت لديك - حيم - لا معنى لها ولو حذفت حرفين بقيت - يم - بدون أي معنى ايضاً . أما الإسم المقدس مهما حذفت منه تبقى الإشارة للذات الإلهية المقدسة ثابتة .

ميزة أخرى أيضاً لهذا الاسم المقدس أنّه هو الإسم الوحيد الذي يُنادى بهِ ولايُحذف منه شيء ، بقية الأسماء يُنادى بها بعد حذف أل التعريف منها فلو أردنا أن ننادي الطبيب أو المهندس أو التاجر سنقول  : ياطبيب ، يامهندس ، ياتاجر أو أنك تغيّر أسلوب النداء فتقول مثلاً : يا أيّها الطبيب ، يا أيّها المهندس ، يا أيّها التاجر كذلك في أسماء الذات المقدسة الأخرى لا تستطيع ان تقول يا (اللطيف) ، يا (الرحمن) ، يا (الخبير) لكن تستطيع أن تقول يا ( الله) بسهولة  كما ورد في الدعاء (أسألك بك ياالله ياالله ياالله) وذلك خاصٌ بهذا الاسم المقدس فقط .

ميزةٌ ثالثة وهي أن هذا الاسم المقدس (الله) لايُثنى ولا يُجْمع كبقية الأسماء ففي (رحيم) مثلاً تستطيع أن تقول : رحيمان ، رحيمون ، رحماء أو من (خبير) خبيران ، خبيرون ، خبراء بينما في الذات المقدسة لا تستطيع أن تقول - اللهان - تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا - ونحن هنا نتحذث عن الإسم العلم للذات المقدسة وليس عن إله آخر وإلا فهي قابلة لأن تُصبِح إلهان ، وآلهة -

من الناحية المعنوية

يُشير العلماء أنّه لاتُقبل شهادة الإنسان بدخوله للإسلام إلا بالإتيان بهذا اللفظ فلو قال أحدهلام :  إله إلا الخالق ، لا اله الا اللطيف ، لا اله الا الرازق ، لا اله الا الخبير فلا يعتبر هذا شهادة توحيدية !!

الشهادة التوحيدية المدخلة في الإسلام : أن لا إله إلا الله ، محمدٌ رسولُ الله . وقد ذكرنا أن هذا الإسم المقدس من الأسماء القريبة إلى الإسم الأعظم وهو الإسم الأعظم اذا اقترن بتلك الحالة الإيمانية الخاصة التي تحدثنا عنها في ليلة سابقة .

 ثم يأتي بعد ذلك (الرحمن) ، (الرحيم) الرحمن الرحيم كلاهما من مصدر واحد وهو (رَحِم) وكلاهما صيغة مبالغة ، وكلاهما يدلان على وجود رحمة كثيرة ومتنوعة أيضاً .صِيغ المبالغة تدل على الكثرة أو على الأنواع مثلاً إذا رحمك شخصٌ باشكالٍ مختلفة اطعمك وسقاك وكساك ورعاك وآمنك وحفظك ، رحمات متعددة ومتنوعة عليك أنت فقط وأنت واحد هنا يصح أن يُقال عنه (رحيم) لماذا ؟
لأنه ولو كنت شخصاً واحداً ولكنّ هذا المُتَفضِل أحاطك بأنواعٍ متعددة من الرحمة وهذه رحمة تنويع أو احياناً تكون الرحمة واحدة والأشخاص كثيرون ألف انسان مثلاً وهناك شخص ٌ يسقيهم ويرعاهم ويُطعمهم لهذه الكثرة يُقال له رحيم .الله تعالى لديه كلا الأمرين يعني أنّه يرحم العباد جميعاً وهم بالمليارات وفي كلِ شخص ٍ يُنَوِع الرحمات النازلة عليه لذلك هو أحق ُ من بُدعى (الرحمن الرحيم) هل هناك اختلاف بين( رحمن/ رحيم ) ؟؟

في البداية أُشير إلى نقطة بحسب الإحصاء كما ذكر بعضهم أن في القرآن  الكريم توجد كلمة (الرحمن) ٥٧ مرة  وَ ١١٤ مرة (رحيم) فهل هذا له ارتباط باختلاف المعنى أي أن ّ (الرحمن) تحمل شيء مضاعف ، بينما (الرحيم) تحمل شيء مفرد أو لا .وهذا يحتاج إلى بحثٌ خاص في آنّ الأعداد الموجودة في القرآن هل لها اتصالٌ بالمعاني أو لا .موجود مثلاً عدد كلمات الدنيا في القرآن يساوي عدد كلمات الآخرة فهل هذا يدل على التوازن الموجود في حياة الإنسان بين توجهه الى الدنيا وتوجهه الى الآخرة إلى حد التساوي بين عددي الكلمتين أو لا . وهذا بحثٌ خاص بقضية الأعداد يحتاج إلى كثير تأمل وتدبرٍ في هذا المورد .

أيضاً لو عدنا للرحمن كما قلنا أنّها تحمل ضعف ماتحمله الرحيم حتى أن ّ بعضهم قال الرحمن صفة من الرحمة لله عزّ وجلّ تشمل المؤمن وغير المؤمن في خلقه ورزقه وفي تنعيمه بهذه النعم الإلهية {كلًّاًّ نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا  } الرحمن اذن تشمل المؤمن وغير المؤمن والصالح وغير الصالح لكنّ الرحمة بالمؤمن أشمل وأوسع بينما الرحمة بالكافر رحمة محدودة بامور خاصة .بعضهم قال الرحمن تشمل الدنيا والآخرة بينما الرحيم تشمل الآخرة فقط .ويوجد كلامٌ وتقاشٌ عند العلماء و المفسرين و ليست هي مسلمات بل يوجد لكل تفسير نقاش لكن لو افترضنا أن هذا التفسير صحيح وان الرحمن معنىً من الرحمانية تحمل شيئاً مضاعفاً مكرراً إمّا لجهة أنواع الناس من الصالحين و غير الصالحين أو يشمل الأزمنة من الدنيا والآخرة بينما الرحيم يشمل نوع من الناس وزمان خاص من الأزمنة .
آنئذٍ نستطيع أنّ نرى توجيهاً مناسباً إلى كون ماجاء في القرآن من الرحيم أنّه ضِعف ماجاء من الرحمن - س٢ حسب التعبير بينما تلك ذات قيمة واحدة -

اذن الرحمن والرحيم من اعظم صفات الله عزّ وجلّ إن لم تكن أعظمها على الإطلاق ، جيء بها كفاتحة وبداية لهذا الكتاب المقدس بل يظهر أنّها فاتحة لِسائر الكُنب الإلهية المقدسة .
عندنا رواية تقول (مامن كتاب أُنزِل من السماء إلا ّ وبُدِء ببسم الله الرحمن الرحيم) وربما يُشير إلى ذلك ماصنعه النبي سليمان عندما أرسل إلى ملكة سبأ {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (٣٠)} سورة سبأ فهذه البسملة وهذه الكيفية كانت متداولة ومن المضنون جداً أن سليمان أخذها من الأنبياء قبله أو نزلت عليه في الكتب بخسب ماورد في الرواية السابقة .
حتى أن أول الأنبياء نوح عليه السلام عندما أراد أنّ يُحرِك السفينة قال : {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ} (٤١)سورة هود لماذا جاءت البسملة مقرونةً بالرحمن الرحيم ولم تأتي مقرونةً بالقوي القادر او العظيم ؟؟ نحن نستعين في أمورنا كلها بالله عزّ وجلّ والعقل يحكم أن ّ الاستعانة تأتي من الضعيف للقوي فلماذا جائت البسملة على هذا النحو ولم تأتي مثلا ً : بسم الله القويّ القادر ..أو بسم الله القادر العظيم..

الجواب أنّ من يتأمل الرحمة الإلهية ودورها في عالم التشريع والتكوين يتبيّن له لماذا بُدِء القرآن الكريم بِبِسم الله وينبغي للإنسان أن يبدأ كل عملٍ يقوم به بالاستعانة (بسم الله الرحمن الرحيم) حيث ورد في الرواية عن النبي (ص) قال: (كُلُّ أمرٍ ذي بال لم يُبدأ بِبسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع وفي رواية فهو أبتر) أي منقطع ، مبتور ، منتهي ..اذا أردنا أن نتعرف على على مناحي الرحمة الإلهية نرى العظمة والإبهار حيثُ يحقُ لنا أن نبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم - وبحث دور الرحمة الإلهية مفصل ولكن اُشِير بعض الإشارات ولك أن تتأمل آيات القرآن - ونحن هنا نورد بعص النماذج .

النموذج الأول :
النظام الكوني في تعاقبِ الليل والنهار مبنيٌ على رحمة الله ، الأرض التي نعيش عليها مبنية على تعاقب الليل والنهار وهذا له آثار ٌ كثيرة  - باستثناء بعض الأماكن في القطب أو بالقرب منه - تتناقص فيها ساعات الليل إلى أدنى حد ، كبعض الدول الاسكندنافية .هذا النظام أن يكون هناك ليل أو نهار إنّما هو تجلٍّ لرحمة الله عزّ وجلّ بهذا الخلق {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (٧٣) سورة القصص
يقولون هذا من باب النّشر واللّف المرتب ، كيف يكون هذا رحمة !!؟؟اقرأ الآية الأخرى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ } (٧١) سورة القصص لو كان نظام ُ الكرةِ الأرضيةِ قائما على الليل والظلام هل تكون هناك حضارة !!؟؟ هل ينشأ نبات !!؟؟ هل ينتشر هذا الغطاء النباتي والخضرة والطبيعة والغابات والطيور والجمال والحضارة !؟

كلها تتوقف !! ماذا لو انعكس الأمر  ؟؟{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (٧٢) سورة القصص حياة الانسان تتعثر ، يتهتك بدنه ، جرّب أنت وجه الضوء على طائر لمدة ثلاثة أيام ستجده يهلك وينتهي .
لذلك ترى بعض الظالمين يستعمل هذا الأمر كوسيلة تعذيب حيث يتم توجيه إضاءة قوية وعالية للإنسان بشكل متواصل فلا يستطيع النوم بعد يومين أو أقل أو أكثر يصل لحد الهلوسة ، يفقد توازنه .لو صارت البشرية كلها لديها نهار أو كلها لديها ليل لن يستطيع ان يرتاح هذا الانسان ولن يكون هناك أيّ حضارة ، وهذا من احاطة رحمة الله عزّ وجلّ بالناس أن جعل لكم الليل للسكن والنهار لتبتغوا من فضله .

هذه الأرض تعمُر بالخير ، بالماء للزراعة {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ} فإذا أرسل الرياح {حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ} (٥٧) سورة الأعراف تصور لو لم يكن هذا ، ولم تكن الأمطار جزءاً من الرحمة الالهية وأنه يسوقها هنا وهناك حسب حكمته ومشيئته هل تعلم ماذا يحدث ؟!

يحدث التصحر بالعالم على أثر قِلّة الأمطار وجفاف الأراضي ، هذا البساط الأخضر النباتي يتراجع شيئاً فشيئاً ، يتقلص  الأرض تتسخن ، تفقد مواردها وآنئذٍ مع استمرار هذه المسيرة بعد فترة من الزمن يحدث طوفان نوح ..قبل اشهر - لعلكم لاحظتم -  على مستوى العالم جعلوا يوماً باسم الأرض . شعارهم : أيّها الناس انقذوا هذه الأرض اوقفوا التلوث ، حافظوا على بيئتكم من التدمير ..هذه الأرض كانت على موازنة معينة بتجاوز الإنسان للقوانين أزال الغطاء النباتي بشكل جائر ، سخّن الأرض بالمصانع ، تسبب بثقب طبقة الاوزون ، تسخن الأرض يؤدي شيئاً فشيئاً إلى ذوبان الجليد ، تلك الخزانات الثلجية في المناطق المتجمدة تذوب تدريجياً واذا ماذابت ستأتي على الأرض من الأعلى بأمواج هائلة تُغرقها .
في هذه الأيام في الباكستان القليل من الامطار نزلت أغرقت البلاد بالفيضانات وإذا بالملايين يتشردون ، ناهيك عن الخسائر المادية ، ناهيك عن الأمراض والأوبئة التي تنتشر في مثل هذه الظروف . هذا فعل الإنسان وذلك فعل الله عزّ وجلّ ، الله تعالى يريد أن يرحم الإنسان والإنسان يريد أن يدمّر نفسه .

نموذج آخر لرحمة الله ..{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} من رحمة الله تعالى أنه يُبقِي النسل البشري ، ولولا أنّ الله أرسل رحمة من عنده ماكان يبقى هذا النسل البشري على الإطلاق ، لكن الله ابقى عليه لتكون الأرض عامرة والإنسان خليفةً فيها جعل نظاماً هو نظام (الأسرة) { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٢١) سورة الروم تصوّر مع وجود هذه الرحمة الإلهية المجعولة والمودة ومشاكل الطلاق والنزاعات و الاضطراب الأسري والمشاكل الاجتماعية أكثر من أن تُحصى فكيف لو لم يجعل الله المودة والرحمة بين الزوج وزوجته لربما كان في اليوم الثاني من الزواج يقسو عليها يوم ثالث يطلِقها يوم رابع هي تغتاله ... الى آخره وهكذا لايمكن أنّ تستمر الحياة ، لولا أنّ الله جعل رحمةً من عنده في هذه المؤسسة الصغيرة وهذا جزء فقط كما ورد في الحديث الشريف (أنّ الله خلق مائة رحمة فحعل جزءاً منها في هذه الدنيا فبه ترحم الأمهات أولادها والحيوانات صغارها والعباد بعضهم بعضاً)
وهذا جزء من تلك الرحمة يعني أنّ كل ماهو موجود على الأرض من مشاعر حنان هو من فيض تلك الرحمة الإلهية وهو ١% مما خلقه الله تعالى واختص عنده بِتسعٍ وتسعين بالمائة من رحمته إلى يوم القيامة حتى يرحم العباد . ( اللهم اجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين) وَ (رحمته وسعت كل شيء) ليس فقط العِباد فالشمس شيء ورحمة الله هي التي تدبر هذه المنظومة الشمسية الأرض والطبيعة والمياه والليل والنهار وتعاقبهما ومؤسسة الزواج وغير ذلك و كله يدخل ضمن رحمة الله التي وسعت كل شيء ، هذا في عالم التكوين .

أمّا في عالم التشريع والهداية المعنوية و ترقي الإنسان حنى يكون عبداًلله سبحانه وتعالى ويصعد في مدارج الكمال وهنا أيضا ً لابد أن يوجّه الله رحمةً من عنده إلى البشرية حتى ترتقي إلى مستوى الكمال البشري فيبعث الله خاتم الأنبياء محمد (ص) رحمةً للعالمين . { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(١٠٧) سورة الأنبياء
 رحمةً من الله في التكوين تجلي الليل والنهار بهذه الطريقة والحياة الطبيعية مبنية على أُسس . رحمةً من عندِ الله في الطبيعة تزرع الأرض وتنبت النبات وتوفر الماء . تصور لو أنّ الله ما ساق الرياح بشرىً بين يدي رحمته ولا أنزل المطر . إذن لن توجد لدينا آبار جوفية إذن من أين يشرب الناس !؟؟ وهل يبقوا على تحلية البحر ؟؟
أفهل يستطيعون أن يُسقون مزارعهم وأنعامهم وأن يُدبروا أمور معيشتهم اعتماداً على البحر ؟! بالطبع لا يمكنهم ذلك ، لابد أن يستعينوا بمياه النهر أغلب مياه الدنيا الآن مُعتمدة على الأنهار و الآبار الجوفية والينابيع وأغلب استهلاك البشر هكذا .
النيل من منبعه إلى مصبه تصوّر كم من البشر يشربون منه كذلك دجلة والفرات و الأمازون والراين والتايمس ، هذه كلها انهار يشرب منها البشر ويسقون ، ولو أنّ الله لم يرحم العباد وما ساق الرياح بشرىً بين يديّ رحمته فلم ينزل المطر فلم يكن نهرٌ هنا موجود ولا ينبوعٌ هناك ولا آبارٌ جوفيّة إذن الناس تهلك عطشاً .

ففي عالم التكوين كل القضية مرتبطةٌ برحمة الله عز وجل  وفي عالم التشريع أيضاً القضية مرتبطة برحمة الله أكثر من سائر الأمور هذه القضايا مرتبطة برحمة الله {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شيء}(١٥٦) سورة الأعراف المنظومة الشمسية ، الأرض ، النبات ، الماء ، الانسان . لذلك هنا من الطبيعي أنك تستعين بالله الرحمن الرحيم . مايرتبط بنا في هذا الموضوع أن نُجسِّد الرحمة في نفوسنا و قلوبنا لمن هم تحت أيدينا . أنا والد وتحت يدي مجموعة صغار عليّ أن اتعامل معهم كنا يتعامل معي ربي من الرحمة كذلك لو كان تحت يدي عامل لاسيّما في هذه الأوقات من الحرّ الشديد .

ربما يكون امتحانك الإلهي فيه فليس من الضروري أن يكون امتحانك في صومك الحقيقي ولا في صلاتك ولا في مالك وإنّما في هذا العامل الذي تحت يدك كيف تتعامل معه ، لأن الامتحانات كما هي في عالم الدنيا سريّة ولا يعلم الطالب في ماذا سيكون امتحانه ولابد أن يكون متهيئاً . كذلك الامتحان الإلهي قد تُمتحن في المال ، وقد تُمتحن في العبادة ، وقد تُمتحن في معاملاتك مع من حولك . ربما يقول أحدهم أنا اعطيت العامل المبلغ الكذائي كأجرة وعليه أن يعمل شمس كان وإلا مطر لا شغل لي بذلك وإلا لماذا أتى من بلاده !!لا .. لاينبغي للمؤمن أن يتعامل هكذا بلا قلب ولا رحمة . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

 فلا تجِزعن من سيرةٍ أنت سرتها     فأول راضٍ عن سنةٍ من يسيرها

كل ماتعمله في الدنيا من عمل يُعمل لك مثيله يُقال لك لماذا قصّرت في هذه العبادة مثلا؟!! أو لماذا عاملت أجيرك بهذه الطريقة ؟!! تُجيبك الملائكة بمثل قولك في الدنيا لذلك الأجير وتُعاملك بالمثل أي أنك ملزومٌ بهذه العبادة كاملة ً ولا علاقة لنا بتقصيرك .. في ذلك اليوم المهول برحمة تُرحم ..  بقسوة يُشدد عليك ..ونحن نخاف أن يعاملنا الله هكذا ليس لأن الله ظالم فهو عدلٌ لا يظلم ولا يجور وإنما نخاف أن يُعامِلنا الله بعدله ونطمع في أن يعامِلنا الله برحمته وبِفضله .
(اللهم عامِلنا بفضلك ولا تعامِلنا بعدلك) إذا كانت معاملة الله لنا بالعدل وبالمقاييس والملمتر لم ببقْ لنا شيء . لذلك نحتاج أن يرحم بعضنا بعضاً . العامل تحت يدي ارحمه ، الزوجة التي معي ارحمها وأنا صاحب يد ٍعليها ، ابني ، أخي الأصغر ارحمهما وهكذا وإلا ّ في الطرف ِالمقابل {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم} (٢٢) سورة الزمر
من كان قلبه قاسياً فهو موعود بالويل وويل  دركٌ من دركات جهنم . أيضاً عندما يتحدث القرآن عن العذاب الذي اعده الله لبني اسرائيل لما نقضوا ميثاقهم وخانوا الأنبياء ، هل يقول ذبحناهم وعذبناهم ؟!! لا ... بل يقول { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} (١٣) سورة المائدة  العقاب صار هو قسوة القلب وهذا عقاب إلهي شديد . وبالفعل عندما يصبح هكذا ربما يقتل والده ولا يهتز له جفن ولا يتأثر وربما يكفر بالله عزّ وجلّ وقلبه لا يتحرك أبداً ولا يردعه لأن القلب هذا انتهى اصبح قاسياً كصخرة لا حياة فيه قد يرتكب اعظم الجرائم ولا يتحرك .

قِيل للحجاج أنت الآن قتلت الآلاف صبراً ألا تخشى أن يكون بينهم البريء ؟! قال : لو قتلتُ ضِعفهم لما باليت . وهذا يُفسِّر لنا بعض ماجرى في كربلاء على يدِ أعدائهم وإلاّ في الحقيقة الإنسان يتحيّر لأن الإنسان عنده قلب و مشاعر وضمير أين كان ذلك يوم عاشوراء ؟!! اذا كانت طِفلة صغيرة يتيمة مرعوبة تؤخذ اقراطها عنوةً وتُسحب حتى يسيل الدّم من أُذنيها ..وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على قساوة الطرف الآخر ووحشيته .

مرات العرض: 3530
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3418) حجم الملف: unknown file size
تشغيل:

موقف المسلم من الحوادث الكونية
و العاديات. حديث حول أقسام اليمين