بين أهل الكهف وقضية كربلاء
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 20/1/1431 هـ
تعريف:


بين أهل الكهف وقضية كربلاء

 

كتابة الاخت الفاضلة إيمان / البحرين

 " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا"

نتناول في هذا الحديث:

أولاً: شيئا عن قضية أهل الكهف وظروفها.

ثانياً: جهات المشابهة والمشاكلة بين قصة أهل الكهف وقضية الإمام الحسين، ولماذا قرأ الحسين هذه الآية حينما كان رأسه معلقاً.

ونمر على بعض الأحكام التي ترتبط بقراءة القرآن وتلاوته.

الأمر الأول، قصة أصحاب أهل الكهف جاءت جواباً على سؤال تحدٍ وجهه المشركون لرسول الله صلى الله عليه وآله، حيث كان يريد المشركون إحراج النبي وبيان عجزه عن الإجابة عن بعض الأسئلة والتي تنفي كونه من أنبياء الله، ولأنهم لا يعلمون عن قصص الأنبياء والمسائل العقلية كانوا يستعينون باليهود الذين هم أصحاب كتاب سماوي والذي فيه قصص الأنبياء وبعض المسائل العقدية والتي ترتبط بيوم القيامة. ولم يكن المسيحيون مرتبطين مع القرشيين، بعكس اليهود. فسأل القرشيون اليهودَ أن يجهزوا لهم مسائل يحرجون بها النبي (ص)، فقالوا لهم ألقوا عليه 3 مسائل، فإن أجابها كلها وادّعى معرفتها، فهذا متقول، وإن لم يجب على شيء منها فهو كاذب، وإن أجاب على اثنتين وأبقى واحداً فهو صادق.

سلوه عن رجل فتح له في الزمان الماضي المشرق والمغرب بتأييد الله، وسلوه عن قوم مؤمنين أغلق عليهم الغار، وسلوه عن الروح.

جاء القرشيون للنبي (ص) وسألوه، وبعد مدة جاء الجواب من القرآن: " وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْن قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا" وتحدثت الآيات القرآنية عن موضوع ذي القرنين، وكيف سخر له المشرق والمغرب، وكيف أعان بقية الأقوام: جواب السؤال الأول.

والسؤال الثاني نزلت الآيات المباركة في سورة الكهف، وفيها أن هؤلاء فتية آمنوا بالله...

أما السؤال الثالث فامتنع النبي من الإجابة عليه، فقال: يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا، إذ قال النبي أنه في تلك الظروف، ألغى القرآن هذا الجواب وقال هي من أمر الله، وأنتم لا تستطيعون تحمل هذا العلم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

:. سورة الكهف جاءت ضمن تحد للمشركين مع الرسول الذين استعانوا باليهود لهذا الغرض.

سورة الكهف: لم تتعرض للتفاصيل التي لا مدخلية لها في الدروس، فأنت أحياناً تنقل قصة لشخص، أن فلان مر على آخر وقال له هكذا، فيسألك: أي لون شماغه؟؟ فترد عليه أن هذه التفاصيل لا ترتبط بالدروس الموجودة بالقصة، كذلك أهل الكهف، كم كان عددهم؟

"سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا.." فيقول هنا أنت لا تهتم بهذا الأمر، فلا تمار فيهم إلا مراءَ ظاهراً ولا تستفتِ فيهم منهم أحدا، فبالتالي هم فتية كانت لهم قصة نجاح بالتحدي، وبالرغم من قول القرآن "فتية" إلا أنهم كانوا كهول في سن ال45 أو 50 عاماً، ولكن عبر عنهم القرآن بالفتية لجهة همّتهم وقوتهم التي ترتبط بحالة الفتوّة والعنفوان.

هؤلاء كما يذكر القرآن والروايات، كانوا بين زمان عيسى بن مريم ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الملك السلطان المتجبر يسمى تِقيانوس، جاء والناس تتعبد بدين عيسى بن مريم، فألغى هذه الديانة ورفض العبادة إلا له، كقول فرعون أنا ربكم الأعلى، فالسلاطين المتمردين أما يقولونها علنا مثل فرعون، أو تدل عليهم أفعالهم بقتل الناس وتشريدهم وسجنهم. فهذا الملك منع التدين إلا له أو للأصنام، وكان يعاقب من يكون على الدين المسيحي، فاختلف الناس بين من فرّ بدينه، وبين من صمد وقُتل، وبين من غيّر ديانته للملك وعبادة هذا الملك الجبار.

جاء جماعة فقالوا له أنت تقتل الناس، بينما وزرائك ومستشاروك على ديانة عيسى بن مريم؟ كانوا يمارسون التقية إذ كانوا يتعبدون بالطريقة المسيحية ويتظاهرون بخلاف ذلك، وقضية التقية يمارسها الناس في حياتهم وليست دينية فقط، ولكن العقل السليم يقتضي ذلك، " قَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ " لم يقل له أحد بأن يكتم إيمانه، ولكن طبيعة الوضع أما يترك دينه، أو يُقتل أو يمارس هذا الأسلوب لكي يعيش بتدينه وإيمانه. هؤلاء كانوا مثله، فلما شكّ في هذا الأمر أمر بتجريدهم عن أماكنهم، وأعطاهم فرصة للتفكير بأنه سيسافر وإذا رجع وهم على ما هم علي سيقتلون، وإذا غيروا تفكيرهم سيكرمون، وما إن خرج، حتى خرجوا فارّين بإيمانهم، فوصلوا إلى غار_هل هو في الشام أم فلسطين_، فدخلوا فيه ليحتموا في الكهف، وبدأوا يتناقشون في أمرهم، وفي الليل أُلقي عليهم النوم (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) (ولبثوا في كهفهم..) هو الفرق بين السنة الشمسية والقمرية، ف300 سنة هي 3301 يوم تقريباً، وهذه السنوات لو قسمتها على عدد الأيام تكون تسع سنوات وشيء، وهنا اختلاف بين السنوات الشمسية والقمرية، فتكون بحساب 300، وبحساب آخر 309.

فبقى الفتية في الكهف، ورجع هذا السلطان الجائر وفتش عنه فلم يجدهم، فقالوا له يُحتمل أنهم اختبؤوا في الكهف، فقال أغلقوا عليهم الكهف ليكون عقوبة لهم على بقائهم على دينهم، وإذا لم يأكلوا ولم يشربوا سيموتوا في هذا الكهف وسيكون قبرهم.

الله سبحانه وتعالى أبقاهم تلك الفترة: " وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا "

الوصيد: هو فناء البيت والساحة الأمامية له.

فبقى الفتية طول هذه الفترة وهي حالة إعجازية، ثم بُعثوا (تم إحيائهم من جديد)؛ لتتجلى قدرة الله على بعث الخلائق، ولكي يكون تجربةً في انتصار الإيمان.

وهنا يُطرح سؤال: إن بعض الروايات الواردة تقول بأن رأس الحسين عليه السلام تكلم في الكوفة وفي الشام، وفي الكوفة كان يتلو آية " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا"

 بعض من سمع قال: رأسك يابن رسول الله أعجب.

بناءً على هذه الروايات: لماذا تم اختيار هذه الآية من القرآن الكريم؟ لماذا لم تختر سورة الفاتحة وهي أم القرآن، لما لم تُختر سورة التوحيد وهي تعدل ثلث القرآن؟ أو آية الشهداء: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ "

وجوه المشابهة بين رأس الحسين وأصحاب الكهف:

لعل هناك وجوه من المشابهة بين القصتين يكون مبررا لاختيار هذه الآية، فيلاحظ أن:
1.الموضوع غيبي بحت، فلا يوجد رأس ينفصل عن الجسد لمدة أيام يتكلم إلا بطريقة غيبية؛ ذلك لأن النطق والإبصار من الفعاليات التي ترتبط بالروح، وإذا انفصلت الروح عن الجسد، ينقطع كل شيء، فلا يكون البدن قادراً على الحركة والسمع والنطق وغيرها إلا ضمن الإطار الطبيعي والعادي، فوجود رأس مفصول عن البدن يتكلم، هذا أمر غيبي لا تفسير له غير هذا الأمر، وهذا من وجوه المشابهة بين قضية أهل الكهف، والقضية الحسينية.

فقضية أهل الكهف هي الإعجاز في بقائهم هذه المدة ثم بعثهم من جديد، وهذا درس غيبي؛ لإن البقاء 300 سنة من دون غذاء وشراب يعرض الإنسان للانتهاء، فأقصى ما يحتمل أن يكون الإنسان بلا طعام 25 يوم، فبعض الناس في هذه الحالات يخفض فيها البدن استهلاكه للطاقة، وأقصاها لمدة 25 يوما، فكيف يبقى 300 سنة؟!

بقي هؤلاء يمارسون حياتهم الطبيعية من التنفس وهم نائمون دون ري وسقاية وطعام، وكذلك كلبهم معهم، فهذه قضية غيبية بالكامل، مثل كلام الحسين وهو مفصول عن بدنه.
1.نفس التجربة والقضية، فخلاصة قصة أهل الكهف أنهم فئة قليلة من المؤمنين، وإذا احتفظت بالإيمان ستُقتل، وصمدت ولم تستسلم وإنما تركوا المناصب والدنيا وفرّوا بدينهم ضمن إطار الاحتفاظ بالإيمان في مواجهة هذا الجبار الظالم، وكذلك الحال بقضية كربلاء، إن الحسين وأهل بيته فئة قليلة، بالقياس مع دولة بأكملها، فالجيش 300 ألف، ولكن الدولة بأكملها وراء الحسين، ويتحرك والي مكة في نفس الإطار، ووالي الكوفة كذلك، وأمير البصرة يأتي لهذا الغرض، وكذا الشامè فكل البلد في وجه الحسين بالإضافة للجيش، والغرض هو تنازل الحسين، ومع ذلك لم يتنازل ونال الشهادة.
2.في النتيجة في قضية أصحاب الكهف، تحول الكهف إلى مسجد ومرقد، وظهر حقهم حيث أن أصحابهم أقاموا عليهم مسجدا، "قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا "، وكذلك بالنسبة للحسين على المستويين القريب والبعيد، ففي عصر العباسي لم يكن مر على استشهاد الحسين قرنين إلا وكانت الناس تعتبر قبر الحسين محجة وتزوره، مما جعل المتوكل يحرث قبر الحسين ويعاقب كل مايزوره بسبب العدد الهائل الذي كان يزور الحسين وبالذات في النصف من شعبان، فتحول قبر الحسين لمشهد، بالإضافة للثورات في الكوفة وغيرها.

:. تأييد الغيب وتدخله في القضيتين، وأصل القضية والنتيجة، لذلك كان الحسين يتلو هذه الآية، وتلاوته للقرآن توضح الاهتمام بالقرآن على مستوى القراءة والتلاوة، فالإنسان مسؤول أن يحسن تلاوته، وشرعاً لا يجوز للإنسان أن يتعمد قراءة سورة يخطأ فيها في الصلاة، ويجب عليه أن يتعلم ولو بحدود قراءة الفاتحة وسورة أخرى لتصح صلاته، وبعض العلماء يقول من كان لا يستطيع القراءة بشكل حسن، فالأحوط له أن يرجع لصلاة الجماعة؛ إذ أن في صلاة الجماعة تسقط القراءة عن المأموم ويتحملها عنه الإمام وهو غير مطالب بالقراءة.

إشكالان:

è الآن يوجد توجه من قبل الفتيات والشباب، ووجد لجان القرآن الكريم وينبغي تشجيع كل هذا، ولكن هناك نقطتان:

الأمر الأول: أن قسم من الناس قد سألوا عن شهر رمضان، فيقول البعض أن من يقرأ قراءة غير صحيحة في نهار شهر رمضان، يبطل الصوم وقراءة القرآن بشكل غير صحيح في نهار شهر رمضان يعتبر من الكذب على الله.

* علينا أن نحسن قراءتنا ما استطعنا له سبيلا، ولو بتأمل وتأني لكي لا يخطأ.

* على المؤمن أن يقرأ برجاء الثواب، وباحتمال كون هذه القراءة صحيحة، فلو قرأت لا تصر على أن ماتقرأه هو القراءة الصحيحة، فيقول أنا أقرأ ولا أعتقد أن كل الآيات التي أقرأها هي من القرآن، فلا ينبغي أن يمتنع الإنسان عن قراءة القرآن في شهر رمضان أو غيره بزعم أنه يقرأ خطأ وهذا كذب على الله ورسوله، فالمبطل هو تعمد الكذب على الله ورسوله، فشخص يعلم أن (اهدنا الصراطَ) هي الصحيحة ولكنه يقرأها بضم الطاء، فهنا يكون الخطأ والكذب.

الأمر الثاني: أحيانا بعض من يتعلم القرآن وبالذات الدورات التجويدية_وهو شيء حسن وطيب جدا_ ولكن أحيانا يكون هذا الي أصبح متخصص بالتجويد، يعتقد أن كل الباقين قراءتهم خطأ، فيرى أن إمام الجماعة لا يقرأ جيدا، وكذا فلان وفلان، والبعض يعزف حتى عن صلاة الجماعة.

عندنا أن ضبط إمام الجماعة للحركات الإعرابية، ويلفظ الكلمة والحرف بشكل صحيح، فلا يقلب الراء غاءً، أو الفاء للسين. حتى وإن كان عالم كبير أو حتى مرجع التقليد، لا يجوز لي الصلاة خلفه إذا تغير الحرف، كمن يقل غير المغضوب.

وكذلك المد الواجب التي تُعد بحروف، مثل (ولا الضآلين) التي تمد بمقدار 6 حركات، بعض العلماء يحتاط بقرائتها والبعض يفتي، أما الإدغام والإقلاب وغيرها فلا تخل بصلاة الإمام ولا المأموم، نعم الأفضل أن يُؤتى بها ولكنها ليست واجبة، لذلك ينبغي للإنسان أن يميز بين ماهو واجب الالتزام به في الصلاة، وبين ماهو من الأشياء المحسنة والمفضلة عند قراءة القرآن، فلا يترك ثواب صلاة الجماعة من أجل هذه الأمور، بل في التدبر في القرآن وفهمه والتأمل فيه لأنه هداية يؤثر في روح الإنسان وشخصيته وأخلاقه بمقدار ما يتأمل فيه، والإمام الحسين كان قد طلب الإمهال ليلة العاشر لغرضين، لكي يصلي ولكي يقرأ القرآن، فقال صلوات الله عليه: "فإن الله يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة القرآن".

مرات العرض: 3382
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3230) حجم الملف: unknown file size
تشغيل:

شبابنا أمل المستقبل
النقد الذاتي على مستوى الفرد والأمة