أيها الناس لكم النموذج
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 10/1/1428 هـ
تعريف:

البداية محاضرة

لسماحة الخطيب الشيخ فوزي آل سيف

تصرف في الخاتمة والمصيبة مع التعليق ومراجعة المصادر

الشيخ حسين مبارك

محاضرة في اليوم العاشر عنوانها >أيها الناس إليكم الأنموذج<

بسم الله الرحمن الرحيم

عِبرة وعَبرة

قال سيدُنا رسول الله ’: >إن الحسين مصباحُ الهدى وسفينة النجاة<.

بالرغم من أنَّ اليوم هو يوم المصيبة الكبرى والفاجعة العظمى، وأنَّ شجى المصيبة وأسى الفاجعة يخيِّمُ على النُّفوس ويعيشُ في القلوبِ ويَظهرُ في العيونِ دموعاً، إلا أنه ينبغي أيضاً أن ننطلقَ إلى جانب العِبرةِ بعد العَبرَةِ، وجانبَ العِظةِ بعد المأساة.

دماء الحسين أبلغ عظة

وأيُّ عظةٍ أبلغُ من عظةِ الحسين، وأيُّ واعظٍ أفصحُ من الحسين ×، لقد قال الحسين من خلال دمائه الزكيَّةِ كلَّ ما يستطيعُ الوُعَّاظُ والخطباءُ أن يقولوه، ولقد برهن بموقفه على حقائقَ يعسرُ على المتكلِّمين أن يصلوا إليها بالألفاظ والجمل.

إن الحسين (ع) لم يمت

لقد قال الحسين إذا كان لهذا الإنسانِ عمرٌ محدودٌ من حيث الزمان، لا يلبث أنْ يقضيه بعدَ فترةٍ من الزمان، فإنك ميتٌ وإنهم ميتون، لكن عمرَ الخلود والتأثير، وعُمرَ المعنى يبقى ثابتاً لا يحدُّه الزمان ولا يقيِّدُه المكان أبداً.

الحسين لو لم يقتل في كربلاء، ترى كم كان يعيش؟ يعيش كجدِّه رسول الله ’ ثلاثاً وستون سنة أو كأبيه المرتضى قريباً من ذلك، أو كأخيه الحسن سلام الله عليه، سنوات وإذا به أيضاً يذهب من هذا العالَـم، وهذا الحال بالنسبة إلى كل إنسان، سوف يبقى على هذه الأرض مدَّةً محدودةً من الزمان، طالت أو قصُرتْ لكنه ليس بخالدٍ أبداً، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْـخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْـخَالِدُونَ}([1]) كلا {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْـمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْـخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}([2])، أما عُمْرُ المعنى وأمَّا بقاءُ القِيَم التي يفصِّلُها هذا الإنسانُ بموقفِهِ ودمِهِ، فإنَّها تبقى لا يحدُّها زمنٌ ولا يَحيطُ بها مكانٌ ولا تعترفُ بالمسافاتِ أبداً.

الحسين × اليوم يُبعدنا عنه أكثر من ثلاثةَ عشرَ قرناً من الزمان، ولكنك لا تزال تراه حيَّاً باقياً يؤثِّرُ في الجموعِ ويحرِّكها ويثقِّفها، ويحييها بعد أنْ ماتتْ ويبعث فيها شعورَ العزَّةِ والكرامة والإباء.

هل رأيتَ أحداً على بُعدِ ثلاثةَ عشرَ قرناً من الزمانِ، يستطيعُ أن يؤثِّر كما يؤثِّر الحسين ×، ويستطيع أن يحرِّك الجموع، وأن يوجِّهَ هذا الإنسان لكي ينفقَ خالصَ مالِه من أجلِ قضية الحسين، ويحرِّكُ ذلك الشابَّ لكي يتركَ عملَه حتَّى يأتي في مجلس الحسين، وذاك الكبير يعطِّل أعمالَه وقضاياه حتَّى يجلس مستمعاً إلى قضية حدثت قبل ذلك الزمان، فيتأثَّرُ بها ويتفاعلُ معها، وتبقى آثارُها مؤثِّرةً فيه إلى سنةٍ أخرى.

تأثير المجالس تراكمي

لا تظنُّوا أنَّ هذه المآتم والمواكب والعزاءَ والمجالسَ، لا تؤثِّر في النفوس، كلا، هي ذاتُ تأثيرٍ تراكميٍّ، ليس لها تأثيرٌ حدِّيٌّ مباشِرٌ تغييريٌّ في نفس الوقت، ولكن تأثيرها تأثير تراكمي.

في هذه السنة أنت تتأثر من دون أن تتأثر من دون أن تشعر بمقدارٍ من المقادير، قلبك يتأثر، ونفسك تتأثر، وفكرك يتغيَّر تغيراً في كلِّ هذه المستويات، وأنت لا تشعر به، وفي السنة الأخرى يحصل تغيرٌ جديد وإضافةٌ جديدة، تتراكمُ التغيرات على قلبك وفي نفسك وفي ثقافتك، على مدى السنوات سنةً بعد سنةً، وشهراً بعد شهر، فإذا بكَ بعد فترةٍ من الزمانِ أصبحتَ حسيني النفس والفكر والثقافة.

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة في كل شيء

هل رأيتَ مؤثراً يؤثرُ في أحدٍ وهو ميِّتٌ بحسب الظاهر، وهو جديل وصريع؟ لم نر أحداً في مثل تأثير الحسين × وصدق جدُّه الذي قال: >إن الحسين مصباحُ الهدى وسفينة النجاة<، الهدى في كلِّ القضايا، في داخل النفس، وفي السياسة وفي الأخلاق وفي الاجتماع وفي الثقافة، تحتاج فيها إلى مصباحٍ وإلى إضاءة، ولن تجد كالحسين سلام الله عليه مصباحاً، وفي تلاطم هذه البحار، بحار الأهواء والظلمات الفكرية سوفَ تجدُ سفينةً منجية هي سفينة النجاة الحسينية صلوات الله وسلامه على صاحبها.

الحسين فاتحٌ والحسين منتصرٌ والحسين باقٍ وفي ذلك عظة.

أرادوا وأراد الله ولم يكن إلا ما أراد ولن يكون إلا ما يريد

لقد رأت زينب سلام الله عليها مستقبل الأيام، وقالت ليزيد ولكل اليزيديينَ الطواغيت: >فَكِدْ كَيْدَكَ وَاسْعَ سَعْيَكَ وَنَاصِبْ جُهْدَك‏‏<([3])، دمِّر القبر إن استطعت، وزِّع أشلاء الحسين، هم أرادوا هكذا، أرادوا أن يبقوا الحسين × أولاً بلا رأس ثم يرضُّوا جسده الشريف بحوافر الخيل؛ لكي يتحطَّم ثم بعد ذلك يُتركُ هكذا؛ لكي تأتيَ الوحوشُ والطيورُ الجارحة فتأكلُ من جسده ويتوزَّعُ هنا وهناك، فلا يبقى له أثرٌ ولا يبقى له ذكرٌ وينتهي الحسين بدناً ورمزاً واسماً، حتى يستطيعَ أولئك الطواغيت بأن يتمتَّعوا بدنياهم.

فالحسين الذي يملكُ كلَّ هذا التأثير هو باقٍ وخالدٌ وهذه عِظةٌ كبرى من عِظاتِ الواقعة، أنَّ ما كان لله يبقى وينمو ويباركُ الله فيه.

فاسعَ إذا سعيت أن يكون عملُك لله، ومالك وجهدك وفكرك كلُّه لله؛ لأنَّ هذا هو الذي يبقى وغيره يتبخَّر وينتهي بانتهاء أمده الزمني([4]).

لن يجد العالم أنقى من راية الحسين

الحسين × نقدمُه لعالم المسلمين مشروعَ وحدة ومشروع إصلاح، ألم يقل الحسين لجيش أمية: انسبوني من أنا، ألستُ أنا ابن بنت نبيكم وابن وصيِّه؟ أليس حمزة سيد الشهداء عمَّ أبي، أليس جعفر الطيار عمي([5]).

ـ لماذا كان يقول هكذا؟

ـ لكي يقول لهؤلاء: أنني في موقعي ينبغي أن أكون محوراً يلتف حوله المسلمون جميعاً، فأنا نقطة اشتراك، وأنا نقطةٌ لا ينبغي أن يختلف عنها أحد، لا هذه الطائفة ولا تلك الطائفة، فإنني أنا ابن رسول الله، أنا ابن مؤسس هذه الدولة وهذه الديانة، وهذه الدعوة، ولذلك فإنني مرشَّحٌ لأنْ أكونَ محورٌ يلتفُّ حولي جميعُ الناس.

في هذا الزمان العالم الإسلامي كلُّه ينادي بالإصلاح ويريده، الإصلاح في السياسة وفي الثقافة الدينية وفي الوضع الاجتماعي.

لن يجد العالم الإسلامي رايةَ إصلاح أنقى وأصفى وأولى بالاتباع من راية الحسين × الذي يقول: إنما خرجت لطلب الإصلاح([6])، إنما هنا للتحديد وللقصر، يعني لا يوجدُ أيُّ غرضٍ عندي إلا غرضَ الإصلاح.

وإذا خُضتُ صِراعاً مع يزيد فأنا لم أكن راغباً في القتال ولم أكن راغباً ولا مبادراً في المواجهة.

وهكذا كان حالُ رسول الله ’ فإنه لم يبدأ بالمواجهة حتى مع كفار قريش، كان يوجِّه ويرشد ويدعو، وكانوا في المقابل يحاربون ويؤذون أتباعه ويهجِّرونهم، حتى إذا ذهب رسول الله ’ إلى المدينة ذهبوا خلفه لكي يقاتلوه في مكانٍ بعيدٍ، آنئذٍ لم يجد بُدَّاً من مواجهتهم.

إني أكره أن أبدأهم بقتال

الحسين سار على نفس المنهج، شعارُه كما كان شعار جدِّه، فكان شعار جدِّه عندما يقول له بعضُ المسلمين: هلا ندافعُ عن أنفسِنا لأن عندنا سلاحاً ونستطيع أن نقاوم، قال: لم أؤمر بقتال.

والحسين × يكررُ هذا الشعار، فيقول: >إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِقِتَال<‏([7]).

الحسين كان بإمكانه في المدينةِ أن يقومَ بمواجهةٍ عسكريةٍ وأن يحتلَّ مثلاً قصر الإمارة، وأن يقاتل الوليد بن عتبة، لكنه × لم يكنِ المبادر للقتال، ولا الراغبَ في المشكلة، وإنما كان يريد الإصلاح، خرج من المدينة لعله يتيسر له أن يغير وضع الأمة بطريقةٍ أخرى، الطرف الآخر كان يريد القتال على كلِّ حال، أرسل مقاتلين إلى داخل الحرم المكي لكي يقتلوا الحسين ×، فخرج [بأبي هو وأمي] من ذلك المكان لم يكن خوفاً ولا جبناً، فإنَّ هذا نفس أبيه بين جنبيه.

والفضل ما شهدت به الأعداء

رجلٌ يقول: لو اجتمعتِ العرب على قتالي لما ولَّيتُ عنها([8])، هذا أمير المؤمنين × وهذا ابنه يقول فيه بعض من حضر: فوالله ما رأيت مكثوراً قط([9])، والمكثور هو من أحاطت به الكثرة([10])، واحد في الوسط والجيش قد دار عليه من كل جانب، محاصر من كل الجهات، لو أراد أن يقاتل الذي أمامه فالذي خلفه يستطيع أن يقتله، والذي على جانبيه يستطيع أن يرميه، >مَا رَأَيْتُ مَكْثُوراً قَطُّ ... أَرْبَطَ جَأْشاً وَلَا أَمْضَى جَنَاناً<([11])ـ قلباً ـ من الحسين بن علي.

هل يخاف الموت!، إنما يخاف أن تهتك حرمة الكعبة، يخاف أن تلقى الأمة في معركةٍ في بداية الأمر مع أنه لم يَستنفذ وسائلَهُ في إصلاحها إلى آخر لحظاتِ حياتِهِ، إلى مثل صبيحة هذا اليوم، عندما بدأ يومَه بموعظتِهِم وخطابتِهِ فيهم، وكلامِه معهم وتحذيرهم من الدنيا وغرورها وخداعها، ومحاولة إيقاظهم إلى الفترة الأخيرة، إلى أن أُغلقت كلُّ الطرق، وجاء عمرُ بن سعد ورمى سهماً وبدأ القتال، فجاءت السهام، على أثر ذلك قال الحسين: قوموا إلى الموت الذي لابد منه فهذه رسُلُ القوم إليكم([12]).

الحسين (ع) أراد أن يحيي القيم والأخلاق في النفوس

الحسين × يوجِّه صراعَه إلى جهة القيَم والأخلاق، فهو يقول لهؤلاء الذين يتصارعون في كلِّ بلاد المسلمين لا تتسابقوا إلى القتال، فَبَدْأُ القتال لا يشكل حلاً للمشكلة، القتال هو آخر المطاف.

ولو فهم المسلمون هذا المعنى لما وجدنا هذه المشكلةَ في العراق ولا في أفغانستان ولا في فلسطين ولا في سائر الأماكن الأخرى، ليكن القتال آخر شيء بعد أن تُستنفذَ الوسائلُ كلُّها، لا أولَ شيء لكي يوجَّه الناسَ إلى هذا المعنى.

يقول لهم: أن الصراع أيضاً فيه أخلاق وقيَم، أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جُناح، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم([13])، ارجعوا إلى القيم الإنسانية إذا لم تكن الأحكام الشرعية تضبطكم وتقيد من حركتكم، ارجعوا إلى أخلاقكم وإلى أصولكم وتاريخكم، وانظروا هل يصح أن تضربَ النساءُ وأن تقتل، وأن يقتل الأبرياء ويفجَّر الأطفال، ارجعوا إلى هذه القيم لو لم يكن لكم دينٌ أيضاً.

حاجتنا إلى الحسين لا تنحصر في زمن أو مكان

فالحسين × تزداد الحاجةُ إليه في كلِّ زمنٍ ولا سيما في زماننا، ومن المؤسف أنَّ فريقاً من أبناء الأمة لا يتعرَّضُ لعطاء الحسين، من الحرمان هذا.

جعل الحسين قصراً وحكراً على فئةٍ من المسلمين واعتبرَ قسمٌ آخر من المسلمين، أنَّ الحسين وقضيتَه لا تهمهم من قريبٍ ولا من بعيد، فتمرُّ ذكراه ولا أثر في هذه الأجهزة الإعلامية!!!

لقد كان طاغيةٌ جلَّادٌ شغلَ الناس في مقتله على مدِّةِ شهرٍ من الزمان، بينما سبط رسول الله وابن بنت رسول الله، هذا الثائر الإسلامي الأول، يُستشهد فلا يُذكرُ إلا لُماماً وبصورةٍ ضئيلة، بينما لو تعرَّض الناس لعطائه لفازوا ونجحوا.

نسأل الله أن يجعلنا في جملةِ أنصار الحسين، وأن يكتبنا من أحباب الحسين، وأن يحشرنا معه ومع آبائه الطاهرين، إنه على كلِّ شيء قدير.

جانب العَبرة

لا نطيل الحديثَ كثيراً؛ فإنَّ المصيبةَ تسيطر على النفوس وتتغلغل إلى داخل القلوب، كأنَّ في قلبك مأتماً، وكأنَّ في عينِك عَبرةً، وكأنَّ في داخلِكَ أسىً وشجى، أطلقه هذا اليوم لا تتحفَّظ، فإنَّ هذا الوقت بالضبط بعد صلاة العصر، يعني حوالي الساعة الرابعة أو قريب منها الحسين سلام الله عليه، قد صُرع على الرمضاء.

تصوَّر بقلبِك كربلاء، تصوَّر بقلبك الواقعة، ارجع بنفسك إلى ذلك الزمان؛ لكي تتصوَّر الحدثَ كما جرى لحظةً بلحظة حتى تصلَ إلى هذا الوقت من النهار وتجدُ الحسين × عفيراً، متى عايَنَتْهُ الكُماتُ يختطف الرعبُ ألوانَها.

أقول([14]): الأحداث التي جرت في يوم عاشوراء كثيرة ومتعددة، والكلمات والمواقف التي أطلقت في تلك الساعات سواء الخطب أو الأشعار أو غيرها، من إمامنا الحسين وأصحابه وأهل بيته مهمة وعظيمة، فهي تشكل لنا دروساً عالية المضامين، وتربي أنفسنا تربيةً يرضاها الله ويريدها لنا، فلا ينبغي أن نغفل عنها ونتجاوزها وإن تجاوزناها في قراءة اليوم العاشر من محرم الحرام، فليكن ما نقرأه محفِّزاً للتعرف على باقي المواقف بدقة وتأمل.

الحسين (ع) يعظ القوم ويحذرهم (بعض كلامه (ع) يوم عاشوراء)

بدأ الحسين يومَه بخُطبةٍ أمامَ القوم فقال([15]):

الْـحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الدُّنْيَا فَجَعَلَهَا دَارَ فَنَاءٍ وَزَوَالٍ مُتَصَرِّفَةً بِأَهْلِهَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ، فَالْـمَغْرُورُ مَنْ غَرَّتْهُ ‏وَالشَّقِيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا تَقْطَعُ رَجَاءَ مَنْ رَكِنَ إِلَيْهَا وَتُخَيِّبُ طَمَعَ مَنْ طَمِعَ فِيهَا، وَأَرَاكُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى أَمْرٍ قَدْ أَسْخَطْتُمُ اللهَ فِيهِ عَلَيْكُمْ وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَنْكُمْ وَأَحَلَّ بِكُمْ نَقِمَتَهُ وَجَنَّبَكُمْ رَحْمَتَهُ، فَنِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا وَبِئْسَ الْعَبِيدُ أَنْتُمْ؛ أَقْرَرْتُمْ بِالطَّاعَةِ وَآمَنْتُمْ بِالرَّسُولِ مُحَمَّدٍ ’([16]) ثُمَّ إِنَّكُمْ زَحَفْتُمْ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ وَعِتْرَتِهِ تُرِيدُونَ قَتْلَهُمْ، لَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاكُمْ ذِكْرَ اللهِ الْعَظِيمِ، فَتَبّاً لَكُمْ وَلِمَا تُرِيدُونَ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِين...‏([17])

أَمَّا بَعْدُ فَانْسُبُونِي فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا ثُمَّ رَاجِعُوا أَنْفُسَكُمْ وَعَاتِبُوهُمْ، فَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ لَكُمْ قَتْلِي وَانْتِهَاكُ حُرْمَتِي؟! أَلَسْتُ ابْنَ نَبِيِّكُمْ وَابْنَ وَصِيِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَأَوَّلِ مُؤْمِنٍ مُصَدِّقٍ لِرَسُولِ اللهِ ’ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمِّي، أَوَلَيْسَ جَعْفَرٌ الطَّيَّارُ فِي الْـجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ عَمِّي، أَوَلَم ‏ يَبْلُغْكُمْ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ’ لِي وَلِأَخِي هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْـجَنَّةِ؟

فَإِنْ صَدَّقْتُمُونِي بِمَا أَقُولُ وَهُوَ الْـحَقُّ، وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِباً مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ يَمْقُتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي فَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ إِنْ سَأَلْتُمُوهُ عَنْ ذَلِكَ أَخْبَرَكُمْ، اسْأَلُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ وَأَبَا سَعِيدٍ الْـخُدْرِيَّ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُخْبِرُوكُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هَذِهِ الْـمَقَالَةَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ’ لِي وَلِأَخِي أَمَا فِي هَذَا حَاجِزٌ لَكُمْ عَنْ سَفْكِ دَمِي (وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِي‏)([18])؟!. فأصبحوا لا يكلمونه([19])، فقال([20]):

>أَلَا وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ بَيْنَ السَّلَّةِ([21]) وَالذِّلَّةِ وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ أَلَا وَإِنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الْأُسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَخِذْلَةِ النَّاصِرِ<...

فَإِنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً

 

وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا

وَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ

 

مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَا

إِذَا مَا الْـمَوْتُ رَفَّعَ عَنْ أُنَاسٍ

 

كَلَاكِلَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا

فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سرواة [سَرَوَاتِ‏] قَوْمِي

 

كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوَّلِينَا

فَلَوْ خَلَدَ الْـمُلُوكُ إِذاً خَلَدْنَا

 

وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إِذاً بَقِينَا

فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا

 

سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

قام غيرُه وخطب، قام زهير وقام بُرير، وقام غيرُهم وخطبوا، لكن:

قَسَتِ القلوبُ وَلَـمْ تَـمِـلْ لِـهِدايَةٍ

 

تَبَّاً لِـهَاتِيكَ القُلوبِ القَاسيه

مرات العرض:

3388
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3211) حجم الملف: unknown file size
تشغيل:

النقد الذاتي على مستوى الفرد والأمة
اسئلة في السيرة الحسينية