الصلاة وجه الدين
كتابة الفاضل علي السعيد
روي عن سيدنا ومولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، عن أبيه الباقر عليه السلام، عن جده رسول صلى الله عليه وآله، أنه قال: "لكل شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة"، صدق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، حديثنا هذه الليلة يتناول شيئا حول موضوع الصلاة، وقد بدأنا بهذا الحديث الشريف الذي فيه خصائص، أول ما يلفت النظر في هذا الحديث أنه يرويه الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه الباقر عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا النمط من الأحاديث الذي فيه يروي الإمام، عن إمام مثله، عن إمام ثالث مثلا، عن رسول الله، يحتمل فيه عدة أمور، لأنه نحن نعلم أن موقع الإمام المعصوم ليس موقع الراوي، وناقل الحديث، وإنما موقعه هو كموقع رسول الله صلى الله عليه وآله، من حيث حجية كلماته، كما أن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله حجة، كذلك كلام الإمام الصادق حجة، هذا مثلا يختلف عن كلام سائر الناس الذي يجب أن يسنده إلى شخص آخر، زُرارة مثلا، محمد بن مسلم، جابر بن عبدالله، لو أتى بكلام نقول له من أين جئت بهذا المفهوم؟ بهذا المضمون؟ فلابد أن ينسبه إلى معصوم كلامه حجة، نحن نعتقد أن كلام الإمام الصادق كلامه حجة الله على الخلق، وهو في هذا يساوي كلام رسول الله صلى الله عليه وآله، فلا يحتاج إلى أن يسنده إلى غيره، فلماذا مثلا هناك نمط من الأحاديث؟ هكذا عن الصادق، عن الباقر، عن رسول الله، قيل هنا عدة احتمالات: الاحتمال الأول أن يكون بعض السامعين أو كلهم ليسوا من شيعة أهل البيت، لَمَّا لا يكون من شيعة أهل البيت لا يعتقد في الإمام العصمة وحجية الكلام، فيحتاج أن يقول له الإمام ترى هذا الكلام ليس من عندي، وإنما ينتهي إلى من؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فيقول الباقر، والإمام الباقر بحسب الفرض رأى جابر بن عبدالله الأنصاري، وعلى رأي أتباع مدرسة الخلفاء سنده إلى رسول الله سند متصل، الإماميُ لا يحتاج إلى هذا الكلام كله، لأنه يعتقد كما قلنا بأن كلام الإمام الصادق هو ككلام رسول الله صلى الله عليه وآله، فلا يحتاج أن يسنده إلى رسول الله، خصوصا أن علمهم من علمه، من علم رسول الله، فهناك احتمال في بعض الأحاديث أن يكون بعض الحاضرين أو كلهم ممن يستمعون هم من غير الشيعة الإمامية، فالإمام ينسب الكلام لا إلى نفسه، لأن ذاك لا يعتقد بإمامته، وإنما ينسبه إلى من؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا احتمال، احتمال آخر لا، حتى إذا كان هناك إماميون، وكان الذين يستمعون من الرواة المؤمنين بعصمة الأئمة عليهم السلام، مع ذلك بعض المواضيع الإمام ينسبها إلى آبائه حتى يقول لهم بطريقة غير مباشرة أن هذا المعنى أيضا أكد عليه النبي صلى الله عليه وآله، وتحدث فيه، وأكد عليه الإمام علي عليه السلام، وتحدث فيه، وأكد عليه الإمام الحسين مثلا أو الحسن عليهما السلام، وتحداثا فيه، وهكذا الإمام السجاد والباقر عليهما السلام، يعني كل إمام من الأئمة أكد على هذا الموضوع، وهذا المعنى لأهميته، فهو وصية كل الأئمة، ليس فقط إمام واحد قاله أو معصوم واحد، وإنما لمزيد من الاهتمام به فقد تحدث فيه أكثر من معصوم، فإذن لابد أن يُنظر إلى ذلك الحديث الذي نُقل عن عدة من المعصومين باهتمام بالغ، لأنه كان محط وصيتهم جميعا، واهتمامهم جميعا، وهذا الحديث من هذا النوع، أن الإمام الصادق عليه السلام أراد أن يُفهم من سمعه أن هذه الكلمات كلماتي، وكلمات والدي الباقر، وكلمات رسول الله، وصيتي، ووصية الباقر، وصية مَن؟ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله، فهذه من ميزات هذا الحديث، في المضمون الخاص به أيضا فيه ميزة، وهي أنه قال: "لكل شيء وجه ووجه دينكم الصلاة"، ما هو فائدة الوجه؟ الآن الإنسان الذي لديه وجه، ما هي فائدته؟ أولا إنه يعرف به، من دون معرفة وجهه لا يُعرف أصلا، ولذلك لو غطى وجهه خلاص، حتى لو كل بدنه ظاهر، مادام وجه مغطى مع ظهور كل البدن لا يُعرف، ليست له شخصية معروفة، ليس له تميز عن غيره، ولهذا حتى لو أنت تعرف اسمه، لا يفيد، إذا لا تعرف وجهه فإنك لا تستطيع أن تتعرف على شخصيته، فلان والله هو جعفر بن عبد الله بن حسن، لما تراه ذاك الوقت تميزه عن غيره، فكل شيء في الحياة له وجه، بهذا الوجه، يتعرف الآخرون عليه، ويكتسب ذلك الشيء شخصية يُعرف بها، الدين كله، فيه صوم، وفيه حج، وفيه زكاة، وفيه اعتكاف، وفيه معاملات، وفي كذا، وفيه كذا، كل هذا بدن، يحتاج إلى وجه يُعرف به، وجه دينكم ما هو؟ الصلاة، وهذا يبين أهمية هذا الفعل العبادي المتميز، بل أكثر من هذا، ما ورد مما هو مشهور في طريق مدرسة الخلفاء، بل أيضا قد يُنقل في بعض كتب الإمامية، أنه إن العهد الذي بين الله وبين العبد هو الصلاة، فإذا تركها -في رواية- فلا عهد بينه وبين الله، في رواية أخرى هي المشهورة عند مدرسة الخلفاء، فقد (كفر)، وهذه صارت يعني محل نقاش، يعني معقولة واحد إذا ترك الصلاة يكفر بالله عز وجل؟ ولذلك سلكوا مسالك مختلفة، سوف نبين ما هو الصحيح منها في الأخير، منهم كرأي المدرسة السلفية، أنه نعم، أي واحد يترك الصلاة كافر، ليس هناك فارق، ليس هناك شيء مائز بين المؤمن وبين الكافر سوى الصلاة، فإذا تركها خلاص هو كافر، ويفتي بذلك بعض علمائهم، بأن تارك الصلاة كافر، هذا بحسب ما يقولون، هذا ظاهر الكلام، ظاهر الحديث، والحديث عندهم صحيح بطرق متعددة، ومعناه أيضا واضح، من ترك الصلاة فقد كفر، يعني تارك الصلاة كافر، هذا رأي المدرسة السلفية، جماعة آخرون لأنهم استهولوا هذا الأمر، كيف شخص بمجرد أن يترك الصلاة يكون كافرا، معنى هذا الآن النسبة الكبيرة جدا في المسلمين، وهم قد يتركون الصلاة، إما فترات طويلة أو فترات قصيرة، معنى ذلك أنهم كفار، فلجؤوا إلى طريق آخر في تفسير هذا، هذا كله ضمن المدرسة غير الإمامية، وهي أن المقصود من (فقد كفر)، ذلك الكفر (العملي)، لا الكفر (الاعتقادي)، وهذا موجود في القرآن الكريم، بأن الكفر على قسمين: (كفر اعتقادي)، بمعنى إنكار الباري سبحانه وتعالى، ويترتب على الكافر بناء على هذا أنه تبين منه زوجته، ويقسم ميراثه، وإلى آخره، وهناك (كفر عملي)، بمعنى ترك للواجب، كقول الله عز وجل: ﴿فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [آل عمران ٩٧]، يعني من تركه فكفر كفرا عمليا، هذا غير الكفر الاعتقادي، فيقول لك بناء على هذا الرأي الثاني، أن تارك الصلاة هو كافر بكفر عملي، وهو شبيه بذلك الفاسق، الذي يترك الصلاة عن تساهل، عن شهوة، عن غير ذلك، هذا يقال لك كافر بالكفر العملي، وليس كافرا بالكفر الاعتقادي، هذا قسم، لعل التوجيه الصحيح لهذا الحديث إن صح عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، أنه يبين عِظَم منزلة الصلاة إلى هذه الدرجة إلى أن هناك شيئا يربط الله بالإنسان، عهد بين الله وبين عبده، هذا العهد هو الصلاة، فإذا انقطع خلاص انقطع هذا العهد، عهده بينه وبين عبده بأن ينصره، لا نصر له، عهده بينه وبين الله بأن يرحمه، لا توجد رحمة انتهى، أنت نقضت هذا العهد، عهده بينه وبين الله أن يغفر له، انتهى الموضوع، أنت في هذه الحالة قطعت حبل الاتصال، تليفون كان قطعته، خلاص، ليس لك عهد عند الله عز وجل، هذه جهة، جهة أخرى إن هذا الحديث يُقَيَّد بقيود أخرى، ويُلْتَزَم بظاهره، إذا قيدنا هذا الحديث كما هو الحال في طريقة فهم الأحاديث هكذا، مثلا يقول لك: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"، واحد يقول: (لا إله إلا الله تدخل الجنة؟) أين الصلاة؟ وأين الصيام؟ وأين الحج؟ وأين ترك المحرمات؟ ما أسهل الجنة إذن، لا، يقول: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة بشرط كذا، وشرط كذا، وشرط كذا، وشرط كذا)، شرط إقامة الواجبات، وترك المحرمات، هنا أيضا من ترك الصلاة تركا إما جحوديا وتكذيبيا، يقول لا توجد صلاة، يقول هذه كلها خرافات، هذه كلها ليس لها معنى، وتَلَعَّب كما قال ذلك الأثيم:
تَلَعَّبَ بِالخِلافَةِ هاشِمِيٌّ .... بِلا وَحيٍ أَتاهُ وَلا كِتابِ
تُذَكِّرُني الحِسابَ وَلَستُ أَدري .... أَحَقّاً ما تَقولُ مِنَ الحِسابِ
فَقُل لِلَّهِ يَمنَعُني طَعامي .... وَقُل لِلَّهِ يَمنَعُني شَرابي
هذا جاحد أصلا، يجحد أن تكون الصلاة واجبة، أو أنه جاء بها رسول الله، أو أن رسول الله جاء بهذا التشريع عن الله عز وجل، إذا كان ترك الصلاة مبنيا على هذا، فهذا كافر اعتقادا بلا كلام، لأن مآله أن يجحد نبوة النبي، أو أن يجحد تشريع الصلاة، وكلاهما تكذيب برسول الله وبنبوته، وبالتالي هذا كفر، ما هو الكفر؟ (مو بعد أحمر أزرق كما يقولون)، فنقيدها واحد بهذا، أنه من ترك الصلاة تركا جحوديا، تركا تكذيبيا، ليس عن فاسق يعلم أن الصلاة واجبة، يعلم أن النبي أيضا جاء بها، فالقرآن موجود فيه ما شاء الله: ﴿أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، [البقرة:43]، لكن شهواته، لكنه ضحك عليه الشيطان، لكن الرفقة السيئة التي جعلته يرتمي في هذا المرتمى، تركته يترك الصلاة، من دون تكذيب لرسول الله، من دون تكذيب لتشريعها، لا، هذا يبقى فاسقا، محاسبا، معاقبا، لا يُقبل منه شيء حتى ينهي ملف الصلاة، أول ما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة هو الصلاة، إن قُبِلت، يُنْظَر في بقية الأمور، ما قبلت، ما يحتاج ينظرون في بقية الملفات أصلا، والله هذا كان يصوم صوما محترما، الواجبات والمستحبات، وذاهب للحج حتى شبع، الصلاة الملف الخاص بها خربان، ما مقبول، ما تنفع هذه الأمور، فإذن إذا صح هذا الحديث المنقول في مصادر المدرسة الأخرى، لابد من تقييده بأنه إذا تركها عن جحود وتكذيب، وقال إنه لم يأت بها رسول أو أن الرسول قدمها من عنده من جيبه أو ما شابه ذلك، هذا إنكار للنبوة، وهذا كفر صريح، أو نلجأ إلى التفسير الثاني، أنه فقد كفر يعني كفرا عمليا، وهنا يفرقون بين فهو: (كافر)، وبين: (كفر)، يقولون فهو كافر، تَلَبَّس بالصفة بشكل نهائي، بينما (فقد كفر)، يعني هذه المرة، (كفر)، فعل فعلا كفريا، لا مانع من أن يتوب عنه، ويصلح أمره، هذا في مقدمة حديثنا بأن الصلاة هي وجه الدين، الصلاة ما بها تعطي للدين شخصية، لكل شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة، فلو أن إنسانا نعوذ بالله جاء بالدين كاملا، ولكن بغير صلاة، هذا جاء بإنسان بلا وجه، بلا وجه، بلا شخصية، بلا تقاطيع، بلا معروفية، هذا الدين دين ممسوح، من أجل ذلك وجدنا أن ديننا الإسلامي، طبعا هذا أيضا موجود في سائر الأديان الأخرى، يعني الصلاة هي من النقاط المشتركة بين جميع الأديان، ما جاء نبي من الأنبياء إلا وأمر بالصلاة، وأوصاني بالصلاة والزكاة، طيب شعار الأنبياء أقيموا الصلاة، في ديننا الإسلامي على وجه الخصوص أنت تجد أنه من أول يوم يولد فيه الإنسان، من ذاك الوقت يُعَبَّأ في ذهنه نداء الصلاة، لاستحباب أن يُؤذَّن في أذنه اليمنى، ويُقام في أذنه اليسرى، أول ما يولد المولود يُستحب أن يُؤذَّن في أذنه اليمنى بالأذان المعروف، ويُقام في أذنه اليسرى، كأنما يراد أن يقال لهذا الإنسان كمبيوتر دماغك أول ملف خاص به، ملف التشغيل الخاص به، هو هذا الأذان وتلك الإقامة، والأذان والإقامة خلاصة العقائد، وخلاصة الدين، الأذان إذا شخص يتوجه إليه، فيه خلاصة العقائد، وفيه خلاصة الدين في الحياة، بعد ذلك تأتي الشروحات، ففيه الشهادة لله بالوحدانية، وفيه الشهادة لمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة، ولأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية، وثم بعد ذلك ينتهي من هذه الشهادات التي هي أصول العقائد لكي يبدأ بالدعوة إلى الصلاة، (حي على الصلاة)، بعد العقائد مباشرة يأتي إلى ماذا؟ إلى النداء بالصلاة، وبالفلاح، الفلاح هو طريق حياة الإنسان في حياته، ينبغي أن يكون من المفلحين، من الفالحين، في أخلاقه، في أعماله، في هدف حياته، بل ليس أي عمل مطلوب منا، وإنما ماذا؟ خير العمل، الحث على (خير العمل)، وقد فسرت خير العمل بتفاسير متعددة: منها أنها: (ولاية علي عليه السلام، وأهل بيته الطاهرين)، ومنها صفو الأعمال، وأفضل الأعمال، إلى أن ينتهي فيما بعد في مثل الأذان، بالتهليل والتكبير وينتهي، فليس عندنا شيء يبدأ بالتهليل وينتهي به كما هو الحال في الأذان، وهكذا الحال بالنسبة إلى الإقامة التي فيها إضافة (قد قامت الصلاة)، فهذه أول ما يولد الإنسان يوضع في ذهنه هذا الملف، ملف التشغيل لحياته، وهو مؤثر جدا قبل أن تتلوث الدماغ والذاكرة والحافظة بشيء ندع فيه هذا الملف، كأنما هو ملف يشغل حياة الإنسان، قضية الأذان والإقامة مهمة جدا، هذا أول يوم من أيام الإنسان، وآخر لحظات حياته أيضا، قبل أن يُدفن ماذا يُصَنع به؟ يُصَلى عليه، الصلاة في أول أيامه، وفي آخر لحظاته، يصلى عليه تلك الصلاة صلاة الجنازة، وفيما بين هذا وما بين ذاك من الوقت دائرة حياة الإنسان المفروض أنها ترتبط بموضوع الصلاة، وما وجدنا عبادة من العبادات تتداخل في مختلف أمورها كتداخل الصلاة في هذا الجانب، خذ مثلا، وقت الإنسان ويوم الإنسان ثلاثة أوقات عادة، أو إذا بالدقة خمسة أوقات، إذا ثلاثة أوقات بحسب الظواهر الكونية، الفجر هذا وقت، يفصل ما بين الليل وما بين النهار الفجر، ثم الزوال، وهو وقت الظهر، انتقال الشمس من الجهة الشرقية إلى الجهة الغربية إلى أن تصل إلى نصف السماء، فتميل هذه الجهة، هذه ظاهرة كونية، والوقت الثالث هو غروب الشمس، وحلول الليل، يترافق هذا التغيير الكوني في ثلاثة أوقاته بالصلوات الثلاثة عندنا الإمامية، أو الخمسة الأوقات عند غيرنا، والقرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى للأوقات الثلاثة: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء - 78]، فهذه ثلاثة أوقات، تغير يومي، كأنما في هذا التغير اليومي الإنسان يتقرب إلى الله بذكره، لأن كل واحدة من هذه هي نعمة من النعم، ﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍۢ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾. [القصص - 71-72]، من يأتيكم بنهار؟ وهكذا، من يأتيكم بليل تسكنون فيه؟ حياة الإنسان مرتبطة بنحو من الأنحاء بهذا التغير الكوني الذي يحدث بشكل يومي، فكان حريا بالإنسان أن يشكر الله على مثل هذا العمل، على مثل هذا الأمر، بفعل الصلاة التي هي تجمع العبودية، والحمد والشكر، وغير ذلك من الأمور، ولو أردنا أن نتحدث في أفعال الصلاة لوجدت شيئا عظيما فيها من تحقيق العبودية، سائر الظواهر الكونية، غالبا بقية العبادات لا ترتبط بها، مثلا الخسوف والكسوف، الزلازل، الجذب، شحة الأمطار، جفاف الأرض، الغالب أن بقية العبادات لا ترتبط، والحج لا يرتبط بها، الصوم لا يرتبط بها، وسائر العبادات، لكن الصلاة ترتبط بهذه الظواهر الكونية واحدة واحدة، بل حتى الظواهر الاجتماعية مثل العيدين، عيد الأضحى، عيد الفطر، هي ظاهرة اجتماعية أكثر منها شيء آخر، عيد إسلامي مقصود منه مقصد عبادي يتلو في مثل شهر رمضان الصوم، ويتلو في مثل شهر ذي الحجة أعمال الوقوف وما شابه، فكان أن جعل الله سبحانه وتعالى لهذه الظواهر الاجتماعية الصلاة، إضافة إلى تشريع صلاة الجماعة التي هي أيضا ليست لها مناسبة وإنما الغرض والقصد فيها تجميع الناس على أرضية العبادة، وأرضية التقوى، وشكر الله عز وجل، الصلاة من ميزاتها أنها لا تسقط بحال أبدا، بخلاف سائر العبادات، الحج من لم يستطع خلاص سقط عنه، ما يحتاج يقولون، حتى لو يقدر يذهب ويكتسب أموالا، يستطيع أن يعمل ويحصل على أموال ويذهب للحج، لا يقولون له اذهب واعمل حتى تحصل على الأموال وتذهب للحج، حصلت لك استطاعة اذهب، لم تحصل على استطاعة لا تذهب، أشتغل (أوفرتايم) أستطيع أن أذهب، لا، لا يحتاج تعمل (أوفرتايم)، إذا فعل لا بأس، لكن لو لم تفعل أنت لست بعاصٍ، أستطيع أن أقترض بسهولة من غيري، لا، لا تقترض، إن حصل لك أحد يهبك بلا مقابل اذهب، لا تحصل على أحد يهب لك، لا تقترض ولا تستدين، فالحج يسقط مع عدم الاستطاعة، الصوم مع عدم القدرة على ذلك يسقط في وقته، ﴿ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [ البقرة: 184] ، ويعوض بغيره في أوقات أخرى، مثل: كبار السن، والمريض الذي يستمر مرضه به، يقولون له أعطِ بدل هذا فدية مكان الصوم، فدية طعام مسكين، انتقل الواجب من الصوم إلى إطعام غيرك، الصلاة بهذا، يا با أنا لا أستطيع أن أصلي، أتعب، حاضر أن أعطي بدل إطعام مسكين واحد سأعطي إطعام مئة مساكين، ليس مقبولا منك، لا ينتقل واجب الصلاة إلى شيء آخر، فضلا عن أنها تسقط، حتى الإنسان وهو غرقان، وهو يغرق، والوقت انتهى، هناك إليه صلاة خاصة به، الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال، في حالة خوف، في حالة رعب، في حالة كذا، لا تسقط الصلاة، نعم تبقى صلاة، ولكن تتغير، مثل الذي في السفر والحضر، في الحضر تصلي أربع ركعات، في السفر تصلي ركعتين، في حالة (المسايفة)، عندنا مسألة في الفقه يذكرونها، وإن كانت نادرة التطبيق لكن حتى تبين لنا هذا الأمر، (المسايفة) يعني فرضنا أن جيش المشركين مع جيش المسلمين واقفون كل واحد ماسك سيفه، (مسايفة)، لا هذا يتراجع، ولا هذا يتراجع، والآن لا يوجد وقت، هناك صلاة خاصة في مثل هذا الوقت، ما دام في وقت انتظر، باقي من الوقت خمس دقائق أو عشر دقائق، عن انتهاء الوقت، يقولون لك هناك صلاة خاصة تسمى بصلاة (المسايفة)، ومن ذلك أيضا ما قيل فيه صلاة الخوف عند الاشتباك والقتال مع المشركين والخاطئين الذين يمنعون الصلاة، وهو ما حصل لمولانا الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، هل كانت صلاة الخوف؟ الرأي الراجح لا لم تكن صلاة الخوف، وإنما كانت صلاة المسافر، فهي من ركعتين، نظرا لأن الإمام الحسين عليه السلام يعلم بسابق علمه أنه يستشهد في يوم عاشوراء، وهو وصل إلى كربلاء في اليوم الثاني من المحرم، فباقي عنده كم من الأيام؟ ثمانية أيام، ثمانية أيام لا يمكن للإنسان أن ينوي فيها الإقامة حتى يصلي صلاة تامة، وإنما يصلي صلاة مقصورة، بل حتى لو لم يعلم، واحد يقول لك أنا كيف أعلم أن الحسين يعلم أو لا يعلم؟ نحن نعتقد أن الحسين عليه السلام يعلم بذلك، بما أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله، وبما كانت حتى ظواهر الأمور تدل عليه، هم غير ذاهبين هناك حتى يبقون فترة طويلة، حتى لو فرضنا أن إنسانا لا يعلم، أنا ذهبت إلى مكان، لا أعلم ستمر علينا عشرة أيام إلى أن نخرج من هذا المكان أو أستشهد أو لا، لا أعلم، يمكن ويمكن، لا، هنا لا أستطيع أن أصلي تماما، وإنما أصلي ماذا؟ أصلي قصرا، متى علم الإنسان بأنه سيقيم عشرة أيام فصاعدا، نعم، وإلا فلا، فالإمام الحسين عليه السلام إنما صلى صلاة القصر بناء على هذا، ولم يصلِ صلاة الخوف، بل صلاها جماعة، بعدما نظر أحد أصحابه إلى السماء، أبو ثمامة الصائدي نظر إلى السماء، ويتبين أن هذا الرجل فعلا محافظ على الصلاة بشكل دقيق بحيث يترقب وضع الصلاة، للأسف نحن بعضنا في هذه الأيام مع أن عنده التوقيت، وعنده الساعة، ويعلم متى يصير الوقت، لكن لا يترقب الصلاة، وربما يأتي وقت الصلاة وتنقضي وقت الفضيلة، وهو مشغول بغيرها