شاعر الحسين والعقيدة الكميت الأسدي
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/1/1443 هـ
تعريف:

 شاعر الحسين والعقيدة الكميت الأسدي


كتابة الفاضلة رائدة

وطيسَ حـــــزنٍ ليوم الحشرِ مسجورا        يـا وقعةَ الطف كم أوقدتِ فـي كبـدي

عيني وكلَّ زمـــــــــانٍ يومُ عاشــــورا        كــأنَّ كلَّ مكـــــــانٍ كربــــــــلاءُ لدى

ظمــــآنَ يرنـو لعذبِ المـــــاءِ مقرورا        لهفي لظامٍ على شاطي الفراتِ قضىٍ

رأسَ الحســـينِ على العسّالِ مشهورا        يـا ليـت عيـــنَ رســـــولِ اللهِ ناظـرةٌ

ثوبا بقانـــي دمِ الأوداجِ مــــــــزرورا        وجسمُه نسجــتْ هُوجُ الريــــــاحِ له

قــبرا بأحشــــــــاءِ مَن والاه محفورا        إنْ يبقَ ملقـــىً بــــلا دفنٍ فإنَّ لـــــه

تجري على جسمه الجرد المحاضيـرا        لــــم يشف أعداه مثل القتل فابتدرت

الشاعر المرحوم الشيخ عبدالحسين الأعسم النجفي    

ذكرنا سابقاً أن للشعر عند العرب موقعاً فريداً، فهو أهم وسيلة إعلاميَّة آنذاك. فالشاعر عين المجتمع والشعرُ ديوان العرب، يسجل كل الأحداث والوقائع التي تحدث حينها ليحفظها التاريخ.. 

ونظراً لأهمية دور الشعر في المجتمع ولاسيَّما الشعر الرسالي الذي يُثبت الحق ويدعو للتمسك به وينكر الباطل ويدعو لعدم اتباعه غير آبهين بما سيجري عليهم مقابل تلك الكلمة، لذا أهتم أهل البيت عليهم السلام بهذا الجانب فنراهم مع بعض شعرائهم يكرمونهم ويدعون لهم كأمثال الكميت الأسدي. 

فنراه يشد الرحال الى أئمته السجاد والباقر والصادق عليهم السلام، مادحاً ومدافعاً عن حقهم في الخلافة، مواجهاً في ذلك السلطة الحاكمة، فاقتضى دعاء الأئمة له.

فقد روي عن مولانا زين العابدين عليه السلام انه قال للكميت ابن زيد: غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما اسررت وما أعلنت واحياك حميدا واماتك شهيدا.

حديثنا يتناول سيرة أحد شعراء اهل البيت ممن نظم ورثى الامام الحسين عليه السلام

وبالرغم من الذين رثوا وذكروا المعصومين عليه السلام في زمنه وزمن الامام الباقر كثيرون، الا ان الكميت كانت له ميزات خاصة جعلتنا نذكره قبل أولئك من هذه الميزات إضافة الى ميزاته الشخصية وتبحره في اللغة العربية وكون شعره من اقوى الشعر وكونه خطيبا متميزا وانه من حيث المعاني يقال انه اول من فتح لشيعة اهل البيت عليهم السلام باب الجدال العقائدي في الشعر القوي

كلها صفات مهمه تميزه عن باقي الشعراء، إضافة لذلك انتمائه لأهل البيت عليهم السلام إنتماءاً قويا فقد وقف شعره تقريبا على اهل البيت عليهم السلام.

نعم لقد كان شاعراً من الشعراء الفحول، ولكنه جعل كل شعره في اهل البيت ينظم فيهم وفي مراثيهم في الوقت الذي كان غيره ربما في نفس الفترة ينظم في الشعر، وعد رثاء ونظم الشعر في اهل البيت أحد اقسام شعره.

الكميت من اول ما بداء الى ان توفي مقتولا على يد جند الامويين قد وقف شعره في اهل البيت عليهم السلام.

اول ما يذكر في اموره ان ولادته كانت قبل شهادة الامام الحسين بعام أي سنة 60 هجرية ولد وسنة 620هـ توفي على أثر ضربة بالسيف على يد الحراس الامويين كما سنذكر لاحقا، فعمره 66 سنه وقفها تقريبا على اهل البيت.

وهذا فيه درس لمن يريد ان يدرس كيف وقف شعره على آل محمد وكيف ان الانسان العادي انتمائه يبلغ به الى هذه الدرجة ان يكون على نشر المذهب والالتزام به. 

ينقل انه كان في بدايات عمره بدأت لديه القدرة على الشعر وجاء الى الشاعر المعروف الفرزدق صاحب القصيدة المعروفة:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأتـه        والبيت يعـرفه والحـل والحـرم

                       هذا ابن خيــــر عبــاد الله كلهــم     هذا التقـي النقـي الطاهـر العلم

                       هذا ابن فاطمــة إن كنت جاهلـه      بـجده أنبيــــاء الله قـد ختمــوا

الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي، أبو المستهل. شاعر الهاشميين. من أهل الكوفة. اشتهر في العصر الأموي. وكان عالماً بآداب العرب ولغاتها وأنسابها، ثقة في عمله، منحازاً إلى بني هاشم، كثير المدح لهم، متعصباً للمضرية على القحطانية. وهو من أصحاب الملحمات. أشهر شعره (الهاشميات) وهي عدة قصائد في مدح الهاشميين، ترجمت إلى الألمانية. ويقال إن شعره أكثر من خمسة آلاف بيت قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت، لكفاهم. وقال عكرمة الضبي: لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان، اجتمعت فيه خصال لم تجتمع في شاعر: كان خطيب بني أسد، وفقيه الشيعة، وكان فارساً شجاعاً، سخياً رامياً لم يكن في قومه أرمى منه.

وهو مضري وهذا مضري أي الاثنين من قبيلة واحده.

فقال له الكميت وكان حينها لايزال شابا: 

فيما يرويه المؤرخون، أن الكميت لما نظم الهاشميات سترها ولم يذعها بين الناس ورأى أن يعرضها على شاعر العرب الأكبر الفرزدق بن غالب ليرى رأيه فيها فقصده وبعد أن استقر به المجلس قال له: يا أبا فراس إنك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن اخيك الكميت ابن زيد الأسدي.

ـ صدقت أنت أبن أخي فما حاجتك؟

ـ نفث على لساني فقلت شعرا، فأحببت أن أعرضه عليك، فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحا أمرتني بستره، وكنت أول من ستره علي، وعجب الفرزدق من حسن أدبه فطفق يقول له: 

أما عقلك فحسن واني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك فانشدني ما قلت، وانبرى للفرزدق يتلو عليه رائعته قائلا:

 الى البيض أطرب        طربت وما شوقا 

من هذه الحادثة نجد انه عندما يعرض الانسان كلاما يتضح رجاحة عقله، فمثلا شخص يأتي ويقول لقد كتبت قصيدة لم يكتب مثلها أحد قبلا، وألقيت خطبة اعجبت الكل، وكتبت كتابا لم ولن يكتب أحد مثله، هنا يبان عقله.

بينما نجد هنا الكميت يقول نفث على لساني شعر، أي ظهر على لساني قصيدة و أحببت أن أعرضها عليك فأنت سيد مضر وشاعر كبير وخبير فاذا كان هذا الشعر جيد فاخبرني لأنشره بين الناس وان لم تجده كذلك فاستره علي وأمرني بذلك فرأى في ذلك العرض تعقلا كاملا فقرأ عليه احدى قصائده المعروفة بالهاشميات وعنده 6 قصائد معروفة بالهاشميات مجموع ابياتها 600 بيت وسميت بالهاشميات لان كلها كانت في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام ومن أقوى قصائده مشروحة بشكل مفصل، هنا اذكرها لكم حتى تتعرف عليه أكثر كيف بدأ وما بينهما كيف كان وكيف انتهى.

فبدأ وقال له اقراء فقراء:

 الى البيض أطرب        طربت وما شوقا 

وقطع الفرزدق عليه كلامه قائلا: فيم تطرب يا ابن أخي؟!  فقال:

وذو الشيب يلعب        ولا لعبـا مني  

وراح الفرزدق يقول: بلى يا ابن أخي فالعب فإنك في 

ولم يطربنـي بنان مخضب        ولم يلهني دار ولا رسم منزل   

وأكبر الفرزدق هذا الشعر وانطلق يقول: ما يطربك يا ابن أخي؟ فقال:

أمر سليم القرن أم مر أعضب        ولا السانحات البارحات عشية 

فقال الفرزدق: اجل لا تتطير فقال الكميت: أوان اللعب فقال:

وخير بني حواء والخير يطلب        ولكن الى أهل الفضائل والتقى

واهتز الفرزدق من روعة هذا الادب العالي فراح يقول: من هؤلاء؟ ويحك!!

قال الكميت:

الى الله فيما نابني اتقرب        الى النفر البيض الذين يحبهم

واستولى الكميت على مشاعر الفرزدق وعواطفه فصاح: ارحني ويحك من هؤلاء؟!!

قال الكميت:

بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب         بني هاشـــــم رهط النبي فإنني          

الــــى كنف عطفاه أهل ومرحب        خفضت لهم مني جناحي مودة          

وملك هذا الشعر احاسيس الفرزدق وانطلق يقول: يا ابن أخي اذع ثم اذع فأنت والله اشعر من مضى وأشعر من بقي.

أي إنك اشعر الشعراء الذين اتقنوا وأبدعوا في الشعر من الاولين والاخرين وهذه الشهادة من الفرزدق ابن غالب الذي يعد من اشعر شعراء الإسلام بالنسبة الى الكميت.

وهذا حسب تعبيره اول ما نفث على لسانه من الشعر وبداء فيه بذكر اهل البيت عليهم السلام واخر حياته حسبما ذكره ابنه المستهل يقول: عندما طعن والدي بسيف جند آل أمية وجدته ينازع ويقل: اللهم آل محمد اللهم آل محم اللهم آل محمد.

فهو في ذكرهم من أول يوم في حياته الى آخر لحظاته وهو مسجى على فراش الموت ، وبينهما قصة في هذه الحياة من المعاناة والصبر والتشريد والسجن، كل ذلك لأجل مدحه وثنائه لأهل البيت وعدائه لبني أمية ، فأنا وانت اذا تعرضنا يوم من الأيام لضيقة في الرزق او الحياة بسب كوننا مع اهل البيت عليهم السلام ، لا نتصور اننا فعلنا شئناً كثيراً، فطريق الجنة محاط بهذه المكاره والمصاعب ، بداء هذا الرجل بمدح اهل البيت عليهم السلام بالهاشميات التي لديه ، وكل قصيدة افخم من الأخرى وكان الشيعة يتعلمونها ويحفظونها ، حتى قيل في الكوفة أن من لم يتعلم ويحفظ هاشميات الكميات فليس بشيعي ، لهذه الدرجة قد شكلت دفاعا وحاجز عن اهل البيت عليهم السلام، ينتصر فيه لحقهم وينصر فيهم وكأنما كانت هذه علامة من علامات المثقف الشيعي في الكوفة انه يحفظ ما قيل من شعر على لسان الكميت ولهذا كافأه أئمة الهدى مكافئات كثيرة .

فعندنا في ذلك روايات عن زين العابدين، وعن الامام الباقر والامام الصادق عليهم السلام، وهو استشهد سنة 620هــ يعني بدايات امامة الامام الصادق عليه السلام الذي استشهد سنة 648 هـ قبلها حوالي 22 سنة استشهد الكميت ابن زيد. 

ومما روي أنه دخل ذات مرة على الامام السجاد عليه السلام فانشده احدى قصائده في اهل البيت عليهم السلام وفي الحسين عليه السلام قيل انها تلك التي بدأها بقوله:

       غَيرِ ما صَبوةٍ ولا أحلاَم        مَن لِقَلبٍ مُتَيَّمٍ مُستَهَام 

ويتعرض فيها الى أفضلية اهل البيت عليهم السلام، وكيف أن النبي أوصى بهم، وكيف انقلبت الامة عليهم، ثم المصائب التي توالت عليهم حتى يصل الى الحسين عليه السلام، فلما فرغ من ذلك الامام السجاد قيل انه جمع له نحو 400 ألف درهم، فقال له الكميت لا والله لا اقبل منها شيء، انما قلت ما قلت من اجل الله عز وجل، ولكن ان ابيت فأعطني ثياب بدنك التي تصلي فيها، وبالفعل قام الامام وجاء له بملابسه واعطاها إياه ثم دعي له هذه الدعوة:

اللهم اغفر للكميت ما قدم وما اخر وما اسر وما أعلن واحيه حميدا وامته شهيدا.

وبالفعل تحقق هذه الدعوة ومات شهيدا باعتداء بني امية عليه.

وما كان منه مع الامام الباقر عليه السلام في موسم الحج، حيث جاء اليه الكميت وكان في منى واراد ان ينشده، فقال له يا كميت انها أيام ذكر ودعاء، وكانت أيام التشريق، فقال ولكنها فيكم يا ابن رسول الله فقال له: هات فاخذ ينشده، فأعطاه الامام عدة الاف من الدراهم فقال له: يا سيدي كلا، ما قلت فيكم الا لوجه الله، فدعي له الامام عليه السلام وقال له: إني لا اقول لك الا كما قال رسول الله لحسان ابن ثابت لازلت مؤيدا بروح القدس ما ذببت عنا.

ونفس الكلام بالنسبة الى الامام الصادق عليه السلام لم يقبل منه مالاً. 

وموقفه لم تكن في مدح اهل البيت عليهم السلام وبيان فضائلهم فقط، ولكنه كان شديد الوطئة في كلامه على بني امية باعتبار انهم الذين ارتكبوا المآثم والمظالم بحق اهل البيت عليهم السلام فكان شديدا في شعره فقد ورد انه قال:

وإن خِفتَ المُهَنَّدَ والقطِيعَا         قُل لِبَنِي أُمَيَّةَ حَيثُ حَلُّوا

وأشبَعَ مَن بِجَورِكُمُ أُجِيعَا        أجَــاعَ اللهُ مَن أشبَعتُمُوهُ

او في موضع آخر في قصيدة من قصائده يصف أئمة الهدى عليهم السلام فيقول:

سَوَاءً وَرِعيَـــــةَ الأَنعَــامِ         سَاسَةٌ لا كَمَن يَرَى رَعيَةَ النَّاسِ

أو سُلَيمَانَ بَعدُ أو كَهِشَامِ        لا كَعَبـــدِ المَلِيـــكِ أو كَوَلِيــــــــدٍ

هؤلاء يعتبرون هداية الناس لديهم تختلف، ليس كبني امية الذين لا فرق لديهم بين من يرعى الأغنام ويرعى الناس، كأنما الناس همهم ان يأكلوا ويضربوا على ظهورهم فهذا الكلام وامثاله كانت مواقف صريحة لبني امية وبنفس المقدار مواقف صريحة لذكر وتأييد مواقف اهل البيت عليهم السلام الى ان اصدر عبدالملك ابن مروان الذي كان شرسا وفاتكا بان يبحث عنه واصدر بيان ان يسجن حتى يأتيهم امره فجندت الكوفة وقتها بجواسيسها وجنودها حتى عثر عليه واخد الى السجن ، وهنا يتجلى دور مهم وهو لامرأة مهمة وهي زوجته التي خشيت عليه من ان يبقى للسجن وان يأخذ للشام ويقتل لاسيما انه اثنى على زيد ابن علي الشهيد الذي ثار على بني امية وعنده فيه قصائد.

وكان ممدوحاً عند أهل البيت عليهم السلام ،وان كان من بعده نحو باتجاه اخر عن فقه آل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما كان منه ومن زوجته الا ان اعدوا خطة لإخراجه من السجن،  وقال لها اذا جئت المرة المقبلة وسمحوا لنا بالزيارة وقت الخلوة فانا انزع ملابس الرجال وانتي ترتديها، وانتي تنزعي ملابس النساء وانا ارتديها واخرج ، فلن يلحظوا ذلك ، وهم لن يبقوك في السجن ، باعتبار في ذلك الوقت سجن امرأة من غير جرم واضح مستنكر في ذلك الوقت، وبالفعل ، جاءت ذات يوم وانتزعا ملابسهما ولبس كل منها ثوب الاخر وخرج الكميت متسللا ، وكانه هي وقد ارخ ذلك في قصيدة من قصائده ، وحينما ايقنت انه ابتعد عن المكان نادت الحارس انه انا فلانه لما تبقوني في هذا المكان ! ففزع الحارس فلم يشأ الا ان يخرجها ويردها لأهلها، وصار البحث عنه من جديد وتنفيذ الحكم في البحث عنه.

هنا كانت التقيه مخرجا له فأرسل اخاه واسمه الورد الى الامام عليه السلام، قيل إنه للإمام زين العابدين والبعض يقول للإمام الباقر عليه السلام، أياً يكن أرسل اليه وقال له يا سيدي انه ولابد ان أقول شيء في بني امية حتى يكفوا بها عني (أي والا فاني سأبقى مطارد طول حياتي لا يسكت عني) أفتأذن لي ان أقول شيء فيهم، قال ان كان كذلك فان التقيه تجوز لك فيما دونك (يعني إذا كان ذلك يسبب ان تحافظ على حياتك وتبقى لأهلك وان لا يحدث لك ولهم مكروه فلا مانع من ذلك)

هنا الكميت أنشأ قصيدة بسيطة المعاني حتى لما عاتبوه فيها قال ان هذه القصيدة لا تقارن بما أقوله في المعصومين عليهم السلام فقال:

والأمور إلى المصاير        فالآن صرت إلى أمية

وفيها بعض الثناء الى بني اميه اوصلها الى مسلم ابن عبد الملك ابن مروان الذي كان وليا للعهد ومتوقعا ان يكون ملكاً ولكن ذلك لم يحدث، وعندما رأى ذلك عطف عليه واوصلها الى الخليفة وقال هكذا يقول فلان، فيبدوا انه قد تراجع عما قال قبلا فاتركوه وشانه، وحصل ذلك بالفعل.

(تعلمون ان موضوع التقيه لكل العقلاء في الدنيا وكل الديانات السماوية، والمسلمين جميعا كلهم يقرون بموضوع التقية اما بالفكرة والنظرية او بالعملية والتطبيق، فالعقلاء عندما تعرض عليهم هذا العرض اما أقول على لساني كلام مخالف لما في قلبي وبذلك انجو واستمر على عبادة ربي أو أعذب ويضيق على العيش وأقتل، هذا هل يسوغ لي ذلك؟ او لا بل ان أبقى على موقفي حتى لو أدى ذلك الى قتلي وسفك دمي ومصادرة اموالي وإيذاء اهلي ، فالجواب اكيد ان يخرج على لسانه ما يخالف قلبه اذا كان ذلك يحفظ له نفسه وأهله ،هذا فعل العقلاء ، الديانات السماوية أيضا فيها ما هو مؤيد للتقية والقران الكريم آياته صريحة ( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)               سورة آل عمران 28

أي لا تكون الا في صورة محدده كما كانت في قصة عمار ابن ياسر المشهور ، فقال كلام بلسانه يخالف عقيدته، فقال كلام مدح فيه الاصنام وخالف عقيدة الايمان ، وقيل انه ذم رسول الله صلى الله عليه وآله وجاء حزينا باكيا لرسول الله وقال: ما تركوني حتى نلت منك يا رسول الله، فقال له رسول الله وان عادوا فعد، أي لا اشكال فيه ، لآن الايمان هو ما في القلوب لا ما في اللسان وهذا حتى عند اتباع مدرسة الخلفاء موجود ولكن هناك انكار له ، لكن من الناحية العملية لاسيما في أيام الخليفة المأمون الذي كان ينكل بعلماء السنة في مشكلة خلق القران فابدوا على ألسنتهم ما يخالف عقيدتهم، فكان هذا أيضا من باب التقيه).

وهذا ما فعله الكميت عندما خالف مبدأه ومدح بني امية ليكفوا عنه واستمر بعدها بمدح اهل البيت عليهم السلام، والى جملة مجاملته لبني اميه انه زار أحد ولاتهم وهو يوسف ابن عمر الثقفي (هذا يعلمنا أيها الاحباب ان نحمل عمل المؤمنين داخل الطائفة على محمل الحلم، فلو رابت أحدهم يمدح أحدا مخالف او في بلد من البلدان التي فيها الوضع ضيق ويقتضي فيه هذا النوع من الكلام فلا تظن فيه ظن السوء لأنك لا تعلم حجم الضيق الذي هو فيه، وهذا يرجع لتقدير الانسان.

والتقية كما يقول الامام أبا عبدالله الحسين عليه السلام في حديثه للمعلى ابن خنيس: (التقية ديني ودين ابائي ولادين لمن لا تقية له).                       وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١٦ - الصفحة ٢١٠ 

اظهار الشيء على طرف اللسان مخالف لما هو في القلب لا ينبغي ان يكون سبة على الانسان وشتيمة لاسيما إذا كان ثابت الايمان.

وكأني به قد وثق حاله التي كان يعيشها في إحدى قصائده بهذا المعنى:

أروحُ وأغــــدُو خائفــــاً أتـرقـــــبُ         ألـم تـرني من حُب آل محمــــدٍ

بهـم أتقـي من خشية العـار أجـربُ        كأنــــي جــان محــدثٍ وكأنمــا

فالكميت كان من ضمن أوضاع التقية التي كان فيها انه زار ذلك الوالي في الكوفة، وهناك حدثت جملت أمور من جملة ما حدث ان بعض الحرس كانت بينه وبين الكميت كلام سابقا باعتباره انه شتم الخليفة وغيرها فاغلظ له القول فقام واحد منهم و وجأ بطنه بسيف أي ادخل السيف في بطنه وشقه وكأنه حسب قولنا ملكي أكثر من الملك حسب التعبير واموي أكثر من الاموين وعلى إثر ذلك وجأ بطنه وعلى إثرها بأيام قضى نحبه.

 يقول المستهل ابن الكميت: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه فكان يفتح عينيه قائلاً: 

«اللهم آل محمد، اللهم آل محمد، اللهم آل محمد».

وكأن امامنا السجاد عليه السلام أشار لهذا المعنى حين قال: اللهم اغفر للكميت ما قدم وما اخر وما اسر وما أعلن اللهم احيه حميدا وامته شهيدا. 

فمات شهيداً، مدافعاً عن أهل البيت عليهم السّلام وعن مولاه الحسين خاصة بمنتهى الجرأة والبسالة، باذلاً مهجته في سبيل الحق، فكان من جملة رثائه للحسين عليه السلام ونختم به في قصيدته اللامية:

 وَهَل مُدبِرٌ بَعدَ الإِسَاءَةِ مُقبِلُ        ألا هَل عَمِّ في رَأيه مُتَأمِلُ

الى ان يقول في قضية الحسين عليه السلام:

حُسَيناً ولم يُشهَر عَلَيهنَّ مُنصُلُ        يُحَلِّئنَ عن مــــاءِ الفُــــــراتِ وظِلِّه

لأَسيَافِهِــــم ما يَختَلِي المُتَبقِّـــلُ        كــأنَّ حُسَينــــــــاً والبَهَالِيـــلَ حَولَه

دَمَـــاً ظَلَّ مِنهُم كالبَهِيمِ المُحَجَّلُ

وَأوجَــبَ منه نُصرَةُ حَينَ يُخذَلُ        يُخضنَ بِهِم من آلِ أحمَدَ في الوَغَى

فلَـم أرَ مَخذُولاً أَجَــلَّ مُصِيبَــــــــــةُ


مرات العرض: 3451
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 49054.74 KB
تشغيل:

الشيخ صالح الكواز وشعره الحسيني 26
دعبل الخزاعي وقصيدة مدارس آيات .