نهضة الحسين : الاصلاح والأمر بالمعروف 1
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1/1/1443 هـ
تعريف:

نهضة الحسين : الاصلاح والأمر بالمعروف

كتابة الفاضلة أنهار آل سيف

روي أن الإمام الحسين عليه السلام عندما أراد الخروج ، خرج إلى قبر جده وصلى ركعات ثم قال :(اللهم إن هذا قبرُ نبيك محمد صلى الله عليه وآله و أنا بن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أُحب المعروف و أُنكر المنكر و إني أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا اخترت لي من أمري ما لله فيه رضا و لرسوله وللمؤمنين) . صدق سيدنا و مولانا أبو عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه. 

هذا النص ينقله ابن الأعثم الكوفي المتوفى سنة 310هـ  و هو من أقدم المؤرخين بعد أبى مخنف الأزدي في كتابه (الفتوح) ونقله أيضاً غيره و كان بمثابة إعلان عن الغاية و الغرض التي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) قبل أن يذهب و يوصي بوصيته إلى أخيه محمد ابن الحنفية والتي كتبها كتابة ( أنّ الحسين يشهد أنّ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسير بسيرة جدي رسول الله وأبي علي بن ابي طالب ) وهذا التصريح الثاني ، ثم تتالت تصريحات الإمام (عليه السلام).

أول ملاحظة نلاحظها في هذا المقام ،أن الإمام الحسين تعمّد اطلاق التصريحات والكلمات التي تُشخص هدفه وغايته، بحسب التتبع وإن كان ليس تتبعا تاماً ، لا نجد نهضة ولا حركة ولا دعوة تحدث فيها صاحبها بمقدار ما تحدث الإمام الحسين عليه السلام خلال هذه الفترة (27 رجب – 10 محرم) فترة حفلت بالكثير من الخُطب المكاتب و التصريحات ،حتى أُلفت كتب في هذا الباب ، ا(لوثاق الرسمية لثورة الامام الحسين عليه السلام ) كتاب ضخم يضم فقط كلمات الامام الحسين و تصريحاته وخطبه منذ بداية خروجه من المدينة إلى شهادته، (موسوعة كلمات الإمام الحسين ) فيها عدد جم من هذه الخُطب.

لا نجد خلال عدة أشهر متحدثاً تحدث عن حركته وغايتها و فلسفتها مثل ما صنع الامام الحسين عليه السلام ،غرضه من ذلك تقديم نفسه واضحاً للناس كذلك حتى لا تُعطى لحركته اتجاه آخر غير التي كانت عليه من قبل أحد من الخارج.

مما نلاحظ التركيز على موضوع الأمر بالمعروف و قلة الحديث عن الجهاد و الحركة العسكرية ، قد لا تجد حضور لكلمة (الجهاد) بنفس حضور كلمات الأمر بالمعروف و الإصلاح . لا تجد كلمات القتال و الحركة الثورية و ما شابه ذلك بنفس مقدار ما تجد ضمن عنوان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . لماذا؟ 

جواب ذلك أننا لا نجد مفهوما من المفاهيم الدينية أوسع وأشمل من مفهوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بحيث يشمل كل ما هو خير و ينهى عن كل ما هو شر.

ذُكر في كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم – المرحوم الشيخ حسن المصطفوي- بعض الطبعات 14 جزء – كتاب في فهم كلمات القرآن) أن مفهوم المعروف في اللغة كل شيء استحسنه العقل و قبله الشرع كالعبادات و الفرائض حيث أن العقل يرى أن هذه أحد أنحاء العبادة لله عزوجل ويؤكدها الشرع و منها : الصلاة و الصوم و الزكاة والأخلاق الحسنة حيث أنها معروفة عند جميع الناس لا تُستهجن و لا يستنكرها العقل و أكد عليها الشرع و هذا متطلب أساسي حتى يصبح للمعروف قيمة.

بالمقابل قضية المنكر و هو كل ما استهجنه العقل ولم يقبل به الشرع : الجرائم ، المعاصي ، القسوة والأخلاق السيئة.  لذلك لا نجد شيئاً أوسع من هذا المفهوم حيث أن كل ما جاء في الشريعة من أوامر وجوبية أو استحبابيه هي أمرٌ معروف سواء في الحياة الشخصية أو المعاملات ، العبادات، أو الأخلاقيات وفي المقابل كل ما ينهى عنه الشرع هو منكر كالانحرافات والمعاملات الباطلة .

هذا المفهوم الواسع استعمله الامام الحسين عليه السلام (اللهم إني أُحب المعروف و أنكر المنكر) في النص الذي نُقل عن فتوح بن الأعثم و وصيته لابن الحنفية، عن ارادته في هذا الاتجاه ، بغض النظر هل تحققت إرادته الإصلاحية أو لا ، هل تحققت في نفس الوقت أو على مدى الأيام .

أولاً: نحن نلاحظ أن الامام الحسين عليه السلام استعمل هذا المفهوم الواسع لخصائص الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لتشخيص حركته وتوضيح هدفها (كل ما يزيد المنكر ينهى عنه – إقامة الدولة العادلة معروف إذاً هو يأمر به وذلك ليخط للناس طريقا حتى يتحركوا في اطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و إرادة الإصلاح) لذلك حينما يأتي أحدهم ويذكر أن الحسين خرج من أجل الحكم  فهو يحصر حركة الحسين في أمر لم يحصره فيه ، أو خرج لإسقاط يزيد فهذا تحديد بلا موجب وهو خارج اطار ما حدد الحسين.

ثانياً: من خصائص الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي يتحدث عنه الامام عليه السلام أنه من المفاهيم القليلة جداً التي يستطيعها كل انسان في حياته بدرجة من الدرجات لإن هذا المفهوم يتحقق بالقلب و اللسان أو حتى بحركة العين كأن تنظر نظرة شزراً لعمل منكر هو أحد أنحاء النهي عن المنكر ، أن تبتسم في وجه انسان يقوم بمعروف هذا من الأمر بالمعروف ، حضور المجلس الحسيني يحتوي على جملة من الأمور التي هي ضمن اطار الأمر بالمعروف من تشجيع على فعل الخير و استمرار ذكر الحسين عندما تقول لمن يخدم في المسجد أو المجلس الحسيني أو موكب العزاء أ(حسنت ، بارك الله فيك) هو من باب الأمر بالمعروف ، بالمقابل من يذهب لحفلة غنائية هو من باب التشجيع المنكر.

لذلك نحن لا نعتقد أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو عمل جماعي أو مؤسسة خاصة بل هو عمل كل الناس }الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{ ولذلك رُتب عليه الكثير من الآثار ذُكرت في حديث الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام "إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَاجُ الصُّالحين  فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَتَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَتَحِلُّ الْمَكَاسِبُ وَتُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَتُعْمَرُ الْأَرْضُ وَيُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَيَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ". 

 هذه الآثار قد لا نراها لو كانت هي عمل خاص بمؤسسة أو بمجموعة يقوم بها اثنان أو ثلاثة.

سبيل الأنبياء : طريقة الأنبياء جميعهم ، فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ : الفرائض كالصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و الخمس و الانفاق هذه تقام بالأمر بالمعروف ،عندما تُوقظ ابنك للصلاة هنا أنت تقيم فريضة من فرائض الله عزوجل من خلال أمرك إياه و عندما تنصح صديقك وتنشر كتاباً و تبادر للمسجد هنا تقام الفرائض و كلما صعد الأمر صار أكثر. هذا كله بمراتبه ، حيث يقرر العلماء بعض المراتب والشروط المختلفة منها احتمال التأثير كذلك بعض درجات الأمر بالمعروف تحتاج إلى إجازة الحاكم الشرعي لكي لا يلزم اختلال النظام ولكن ما دون ذلك غيره فلنفرض أن أحدهم ينكر بقلبه (اللهم إني أُنكر المنكر) كمن يُنكِر قتل الانسان بغير وجه حق حتى لو كان في أقصى البلاد هنا انكار قلبي للمنكر  بالمقابل حين يُؤَيد قتل المظلوم بغير وجه حق هذه مشاركة في المنكر فدرجة القلب درجة اللفظ أن يؤيد الإنسان أعمال الخير والبر وكل ما ينطبق عليه عنوان المعروف هذا كله من الأمر بالمعروف و تترقى الدرجات كمثل الأمر بالمعروف باليد والتي تحتاج إلى إجازة الحاكم الشرعي.

هنا نجد أن هذا المفهوم الواسع جداً و هو ما صرح به الإمام الحسين عليه السلام ، يمكن لكل إنسان و كل مسلم في الدنيا أن يقوم به بدرجة من الدرجات على مستوى القلب أو اللفظ أو أكثر من ذلك ، في أي مجال مثل: أن تنشر فكرة صالحة ،أن تحث على عمل خير ، أن تشجع شيئاً حسناً كل ذلك أمرُ بمعروف، ذهاب الإنسان لأماكن اللهو هو تشجيع للمنكر بينما مقاطعته لها هو نهي عن ذلك المنكر.

نحن نرى أن ما يراه البعض من التركيز على الموضوع العسكري و الثوري و الجهادي فقط للإمام الحسين كأنما الحسين معناه السيف ومعناه هذا الجانب هو تضييق لما لا ينبغي و اختزال لحياة الإمام الحسين كلها . صحيح أن الإمام الحسين عليه السلام خرج ثائراً و كان شجاعاً و بطلا في المواجهة و القتال لكن هذا جزء و جانب واحد من أنحاء أمره بالمعروف و نهييه عن المنكر. 

لهذا قال سيدنا و مولانا النبي محمد صلى الله عليه و آله :( الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا) هذا يعني أن كلا منهما إن قاما فهو إمام و إن قعد فهو إمام و هنا رد غير مباشر على ما سيكون في مستقبل المسلمين . هذا الحديث عن رسول الله للأسف اختفى تقريبا من مصادر مدرسة الخلفاء مع  وجود أحاديث كثير أخرى منها ( اللهم إني أحبهما ف أحبهما و أحبب من يحبهما- الحسن و الحسين و الحسين سيدا شباب أهل الجنة – ألا أخبركم بخير أباً و أماَ و جداً وجدة و عما وعمة و خالا ‏وخالة .....)

ماعدا هذا الحديث حيث ضُيع مع وجود أحاديث أخرى بمعانيه حيث استشهد به الإمام الحسن المجتبى عليه السلام عندما كان يناقش من يعارضه في قضية الصُلح. 

في رواية ينقلها الشيخ الصدوق في كتاب الآمالي تنتهي إلى أبي سعيد عقيصة (أحد أصحاب الإمام الحسن يسأله كيف تصالح معاوية مع ما كان عليه ؟ فقال له الإمام الحسن عليه السلام ألم يقل فيا رسول الله و في أخي الحسين هذان إماما قالما أو قعدا؟ قال :بلى )

وهنا تعمد الإمام الحسن عليه السلام بذكر هذا الحديث عن رسول الله و إن ضُيِعَ في مصادر مدرسة الخلفاء لكي لا يُربط أمر الإمامة بقضية الثأر  وبذلك يرد على ما حدث لاحقاً ، فمنهج الخوارج مثلاً كان قائماً على السيف لذلك من شروط الإمام والولي للأمر عندهم أن ينهض لإنكار المنكر بالقوة ولذلك كانت حركاتهم دائماَ مسلحة.

كذلك يرد على مذهب الزيدية في الشيعة بعد فترة من استشهاد زيد بن الامام علي بن الحسين عليه السلام أخذوا اتجاه غير سليم في تقديرنا حيث اعتبروا أن من شروط الإمام أن ينهض بالسيف حتى لو كان عالماً ولم ينهض بالسيف فليس إماماً ، لذلك بعض أحفاد الإمام الحسن كعبد الله بن الحسن كان يقول أننا نختلف مع جعفر بن محمد أنه لا يرى جهاد  الظالمين فلما نُقل هذا الكلام للإمام الصادق قال (إني أكره أن أدع علمي إلى جهلهم). 

فالإمامة لا ترتبط بالجهاد و السيف وهذا يتعارض مع مبدأ الإمام الحسن الذي اضطر إلى الصلح والمهادنة مع معاوية وهو جهل حيث أن الإمامة تأتي أولاً ثم الإمام يرى هل الظرف مناسب للأمر بالمعروف بطريقة الأمام الحسن أو بطريقة الإمام الحسين حيث أنه ظل 10 سنوات بعد الإمام الحسن لم يحرك سيفه ، كذلك في شهادة الإمام الحسن عليه السلام لما رُميت جنازته بالسهام و مُنِع أن يُدفن عند جده رسول الله و أراد بعض الهاشميين القتال منعهم الإمام الحسين  فقضية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قد يقتضي الظرف هذا الأمر و قد لا يقتضي . 

رفع السيف حتى تصبح إماما هذا من زيدية الشيعة أو خوارج غير الشيعة هذا كلاماً غير صحيحاً . الإمام يكون منصوصاً عليه في عقيدتنا من رسول  الله صلى الله عليه و آله ثم هو يقرر ما هو النموذج الأفضل و السبيل الأكمل للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . 

قد يكون أمره بالمعروف هو نشر علوم رسول الله كما في زمان الإمام الصادق عليه السلام ، و قد يكون الأمر بالمعروف الدخول في ولاية العهد كما كان في عهد الإمام علي بن موسى الرضا و إن كان مضطراً حيث أن ذكر علي و فكر أهل البيت يشيع في بلاط الدولة العباسية .

اخراج قضية الإمام الحسين عليه الصلام على أنه فقط كان مقاتلاً ومسلحاً مواجهاً هذا أمر يضيق حركة الإمام الحسين عليه السلام. نعم عندما اقتضى منه الظرف ذلك بادر إليه بأحسن ما يمكن و بأرفع ما يمكن حين رأى أن الدين يحتاج إلى دمائه الزكية فأصبح الظرف في زمان يزيد يختلف عن زمان والده قال في زمان يزيد (و على الإسلام السلام إذا بُليت الأمة براع مثل يزيد )

الإمام الحسين عاصر 10 سنوات في زمن معاوية لكن الأمة لم تصل لهذه الدرجة في زمن ولده يزيد حيث كانت الأمة معرضة لانهيار الإسلام فيها وهنا أرخص الإمام الحسين عليه السلام دمه الغالي و دماء أهل بيته عليهم السلام.  


مرات العرض: 3454
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 46650.92 KB
تشغيل:

هيهات منا الذلة .. ماذا تعني؟
أخت الحسين ومكانة الأخوات في الأسرة 2