حشر مع الناس= نخوض مع الخائضين 4
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/5/1442 هـ
تعريف:


حشر مع الناس = نخوض مع الخائضين 4

سلسلة الأمثال الخاطئة 4

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

لا يزال حديثنا متتابعاً في موضوع الأمثال الخاطئة الشائعة في المجتمع، وقد سبق أن نبهنا ان لهذه الأمثال على خطئها تأثيراً غير قليل على حياة الناس وسلوكهم بل وعلى عموم رؤيتهم للحياة، حتى أن بعضهم ليتأثر في سلوكه وطريقة حياته بهذه الأمثال أو ببعضها أكثر مما يتأثر بأحاديث المعصومين او بآيات القرآن الكريم، لذلك من المهم أن نتعرض إليها وأن نتعرف على مواطن الخلل فيها، ومن تلك الأمثال ما يبرر به قسم من الناس متابعتهم للمجتمع صائباً كان أم خاطئاً، فهناك قسم من الناس عندما تسأله مثلاً: لماذا أنت تعمل هذا العمل؟ ولماذا تسمع الأغاني بالرغم من أنها محرمة؟، يكون جوابه هو أن كل الناس تسمع للغناء الآن والذي لا يسمع للغناء يعتبر نادراً أو شاذاً.

أو عندما تسأل فتاة لماذا لا تتحجب الحجاب المشروع؟، يكون جوابها بأن كل الفتيات يلبسن هذا الحجاب ويخترن هذا الموديل وحتى إن لم يتناسب مع المواصفات الشرعية، أو عندما تسأل أحدهم لماذا يلجأ في معاملاته إلى أعمال مخالفة كالربا والغش وغير ذلك؟ يكون رده أن كل الناس تفعل ذلك، فإنه يرد بهذا الجواب حتى يبرر لنفسه سلوك نفس الطريق وعلى أثر هذا حاكت المجتمعات أمثلة تناسب هذا الأمر، كالمثال المشهور والمعروف (حشر مع الناس عيد) ويعني أن الإنسان إذا كان مع عامة الناس فهو في حالة فرح وسرور وفي حالة انسجام مع المجتمع، وأما إذا انفصل عنهم فسينظر إليه على أنه بغيض أو معقد ولا ينسجم مع المجتمع، فإذا أراد أن يكون فرحاً مسروراً منسجماً فلا بد أن يكون على النمط الإجتماعي السائد، فهذا المثل حتى في غير اللغة العربية أيضاً، ففي اللغة الفارسة عندهم مثال: ( خواهى نشوى رسوا همرنكـ جماعت شو) ومعناه أنه إذا أردت أن لا تفتضح فكن كلون الجماعة ومن نفس قماشتهم.

هناك أمثلة كثيرة تدل على هذا المعنى أيضاً، فعند البادية يقولون: (مع الخيل يا شقرة) وقد يذكرون له قصة في هذا وهي بأن شخصاً عربياً كان لديه خيول يروضها ويدربها ثم يذهب لبيعها، وأيضاً كان بقرة شقراء صفراء وهذه البقرة عندما ترى الخيول يخرجون تخرج معهم بالرغم من أن المطلوب من البقرة غير المطلوب من الخيول، وفي أحد الأيام تأخرت عن الخروج معهم فقال لها: مع الخيل يا شقرة، وكأنما البقرة غير منسجمة مع الخيول فالبقرة مطلوب منها شيء غير المطلوب من الخيول.

هناك شعر أيضاً ذكرناه قبل عدة أيام قول دريد بن الصمة:

وهل انا من غزية إن غوت غزية            غويت وإن ترشد غزية أرشد

أي أنه واحداً من قبيلة غزية فإن هي اهتدت فهو معهم سيهتدي وإن هي غوت فهو منهم، ويقال بان نتيجة هذا الرجل أنه مات كافراً في غزوة حنين، وهذا يعرفنا بأن هذا المسار الذي يمشي فيه الإنسان مع قبيلته إن كانوا ضالين او مهتدين فهو معهم ليس منفرد عنهم فإن نتيجته ستكون مثل هذا الرجل الذي كان مع قبيلته هوازن وقد وقفوا في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة حنين المعروفة.

عقلية هذه الامثلة وهذه الأشعار: (وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد)، (حشر مع الناس عيد)، (مع الخيل يا شقرة) أو كنا نخوض مع الخائضين كما هو حال المقبلين على نار جهنم يوم القيامة، هذا المثل مثل خاطئ وفكرة باطلة، فأنا إنسان مطلوب مني ان أتوافق مع المجتمع لكن فيما لا حد شرعي فيه.

الناس هنا في المجتمع يرتدون الثوب، فلو ارتديت مثلهم فلا مانع فهو توافق إجتماعي، أو توجد عادات معينة يقوم بها المجتمع فأنا حتى لا أصبح وحيد منفرد ومعزول أقوم وأماشيهم، لكن كل هذا في غير ما كان فيه حد شرعي وحكم شرعي، فمثلاً لو افترضنا أن الناس في البلاد جميعهم سافرات وأقول ان هذا توافق إجتماعي يقتضي مني ان أكون سافرة وغير محجبة، فهذا غير صحيح.

لا مانع ان نتوافق معهم في نمط الأكل الذي يؤكل وطريقة التعازي والتبريكات والإحتفالات، فلا داعي أن يكون الإنسان مدمن خلاف للموضوع الإجتماعي، لكن عندما أقول أن الناس تأكل اللحم الحرام فأنا آكل مثلهم (حشر مع الناس عيد)، فهذا غير صحيح، أو عندما نقول أن الناس في المجتمع عندهم استخفاف بالصلاة فلا يصلوها إلا في آخر وقتها فانا بدوري أن أمشي معهم، فهذا غير صحيح أيضاً، فأصل هذه الفكرة هي نوع من أنواع التبرير الذي افتعله قسم من الناس لأنفسهم حتى يبرروا مخالفتهم لمبادئ الأخلاق ومبادئ الدين وهم يعلمون في داخل ضميرهم وجدانهم أن هذا العمل غير أخلاقي، لكن التبرير هنا أنه كل الناس تفعل هكذا ولو لم أفعل سأكون منبوذ وغير طبيعي في المجتمع، لكن الصواب بان هنا حد شرعي وحكم ديني لا يصح له أن يتجاوزه.

الطريف أن بعض الشارحين لقصيدة دريد بن الصمة يقولون بأن أصل القصة هو أن هذه القبيلة كان عندها كما عند أطباع القبائل السابقة (غزو وغزو مقابل)، أي أنهم يغزون أحد الأحياء ويغنمون منه ثم هذا الحي يقوى ويغزيهم ويغنم منهم ولو بعد عشرات السنين، فدريد كان له أخ اسمه عبد الله بن الصمة، قاموا بغزو قبيلة عبس وغنموا منهم وأخذوا منهم اموال وإبل وما شابه ذلك ثم ذهبوا حتى وصلوا إلى مكان اسمه اللوى ليرتاحوا فيه وهو قريب من قبيلة عبس، عندها نصح دريد أخاه بأن هذا المكان الذي نزلوا فيه ليس مناسباً لأن القبيلة عند استيعابهم للهزيمة سيحملون عليهم حملة ويقتلونهم ويفتكون بهم، فنصح أخاه أن يبتعدوا من هذا المكان لكنه لم يقبل، فلم يصبح الفجر حتى جاءت قبيلة عبس وفتكوا بهم فتكاً كبيراً وقتل أخوه عبد الله، حينها أنشد دريد قصيدة: 

أمرتهم وأمري بمنهرج اللوى      فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

إلى أن يقول: 

وهل أنا إلا من غزية إن غوت غزية       غويت وإن ترشد غزية أرشد

فبعض الشارحين لهذه القصيدة قالوا بأن هذه ديموقراطية بأن يبدي الإنسان رأيه فإن لم يوافق عليه لا بأس ويمشي معهم، هذا الكلام في غير ما فيه حد شرعي وحكم شرعي يكون صحيح، لكن أن يتابع إنسان قومه ومجتمعه مع وجود مخالفة شرعية ويبرر لنفسه بتلك الامثال فهذا غير صحيح ويجب عليه في هذه الحالة أن ينفرد.

نحن نلاحظ في اهم القضايا وهي الصلاة وخصوصاً في صلاة الجماعة، فعندنا في الرواية: (إنما جعل الإمام إماماً ليؤتم به) أي لا بد أن تكون خلفه وتتبعه، لكن إذا اخطأ هذا الإمام فعليك تنبيهه، فإن لم يستجب للتنبيه فعليك أن تنفرد عنه، فهذا في صلاة الجماعة التي نحن فيها مأمورون بالمتابعة للإمام ومع ذلك إذا أخطأ فلا نتبعه، فكيف لنا أن نتابع عامة المجتمع وأكثرهم تسيباً عادةً، فلو افترضنا أن فتاة أخرجت خصلة من شعرها حينها هي التي ستكون متقدمة وبعدها سيتبعنها فتيات أخريات ويخرجون نصف شعرهن وبعدها شعرهن بالكامل، لكن عندما يكون عندنا معرفة بأن الحجاب واجب ولازم وجاء به القرآن الكريم وأحاديث المعصومين والفتاوى الصريحة حينها لا يأتي موضوع التوافق الإجتماعي ولا يسوغ للإنسان المتابعة على هذا الأساس.

نأتي للقرآن الكريم وتوجيهات الإسلام مقابل هذا، فالآية المباركة التي أحياناً حتى الآية تفهم على خلاف معناها قول الله عز وجل: ((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبؤكم بما كنتم تعملون))، الفهم الخاطئ للآية هو عندنا يأتي شخص ويأمر شخصاً آخر بالمعروف أو ينصحه بسلوك طريق الخير يكون رد ذلك الشخص بأن الله تعالى قال في القرآن ((عليكم أنفسكم)) أي لا تتدخل في شأني، وهذا تفسير خاطئ وهذه الآية المباركة في سياق انه إذا ضل الآخرون ومشوا في طريق خاطئ فلا تتأثر بهم ولا تقول حشر مع الناس عيد ولا تتبع غيرك من الخاطئين ولا تسلك سبيل الخائضين فأنت مسؤول عن نفسك هنا وستحاسب بنفسك على نفسك، فلا يضركم من ضل إذا اهتديتم، بعد ذلك يقول الله عز وجل: ((إلى الله مرجعكم جميعاً فينبؤكم بما كنتم تعملون)) هذه الآية فيها إشارة أنه لا يقبل عذر من يعتذر بانه كان مع الجماعة.

هناك آية أخرى في الرد على قول القائلين (فكنا نخوض مع الخائضين)، نلاحظ التعبير في هنا جميل جداً فالإنسان الذي يخوض عادة لا يبصر، فيقول هؤلاء يوم القيامة: (وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين)، أي أنا كنا مع المجتمع ومتأثرون بهم وأفكارنا أفكار خاطئة إلى أن أصبحنا في مواجهة الموت، فيكون الجواب: ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين)، وفي مورد آخر يصرح القرآن الكريم بان حسابك ايها الإنسان منفرد، فقد كنت تنسجم مع المجتمع لتحصيل القوة فتضيف قوة المجتمع المنحرف إلى قوتك وتكون مبرر لك، فيقول الله عز وجل: ((وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً))، وهنا تعبير بأنه كما ان القلادة لا تنفك من عنق الإنسان فإن هذا الكتاب يأتي للإنسان في رقبته فلا ينفك عنه، فلا أحد يقرأ كتابه عنه إلا هو فيقرأ كتابه بنفسه ويقاضي نفسه كما في قوله تعالى: ((اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً * من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى)).

نلاحظ أن هذه الامثال تقول بأن نضيف القوة الإجتماعية إلى أنفسنا ونعتمد عليها ونستند إليها، بينما القرآن الكريم يقول له بأنه منفرد في حسابه وخطابه، فالله سبحانه وتعالى أمره بالصلاة والصيام والحجاب وترك اللغو واللهو والغناء، بغض النظر ماذا يفعل الناس، فلو افترضنا أن كل البشر كانوا منحرفين فلا يضرك من ضل إذا اهتديت.

هناك كلمة للإمام الحسن المجتبى عليه السلام بحثت عنها كثيراً فلم اجدها في مصدر من المصادر الأساسية لكن وجدتها في كتابين، كتاب لأحد علماء أهل البيت بالعربي والأخرى بالفارسي، وقد بحثت عن مصدرها في نفس الكتابين فلم أجدها فانقلها على هذا الأساس لا على أنها مستندة إلى الإمام الحسن عليه السلام وهي ترتبط بقضية حشر مع الناس، ففي ما قيل وما روي عن أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام عندما سمع أحدهم يقول: حشر مع الناس عيد قال: وهل حشر مع الناس إلى النار عيد؟ ، فإذا صح هذا الكلام عن الإمام الحسن عليه السلام فإننا نقول إن كان الحشر مع الناس في الدنيا يجلب الراحة النفسية والتوافق الإجتماعية ويكون عيداً، فهل الحشر مع هؤلاء الناس إلى نار جهنم يكون عيداً أيضاً وفرح وراحة نفسية؟، بالطبع سيكون الجواب هو لا.

في حديث ننتهي به عن الإمام الكاظم عليه السلام قريب من هذا المعنى: (أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمعة، فقال له الراوي: وما الإمعة؟، قال: لا تقل أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: هما نجدان، نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير حتى وإن كان قليلاً سالكوه).

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لأن نرضي ربنا بأعمالنا وألا يكون توافقنا مع الناس سبباً في انحرافنا وتخلينا عن أحكامنا الدينية، إنه على كل شيء قدير.

 

 

مرات العرض: 3446
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (46) حجم الملف: 30201.83 KB
تشغيل:

هل ناقل الكفر ليس بكافر؟ 3
حشر مع الناس= نخوض مع الخائضين