من الأمثال الخاطئة الأقارب عقارب2
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 4/5/1442 هـ
تعريف:

من الأمثال الخاطئة: الأقارب عقارب 2

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

حديثنا في هذا اليوم يرتبط بأحد الأمثال الشعبية الدائرة على الألسن والتي تعبر عن ثقافة خاطئة وبالتالي عن سلوك خاطئ أيضاً.

سبق أن تحدثنا في حديث ماضٍ عن أن الأمثال عموماً والأمثال الشعبية على وجه الخصوص تعبر عن ثقافة وتؤثر في الناس تأثيراً ليس بقليل، ففي بعض الأحيان يتأثر قسم من الناس في حياتهم بمثل سجي أو فكرة خاطئة أكثر من تأثرهم ببعض آيات القرآن الكريم، فإن الأمثال أساساً فيها نقاط قوة لأن ألفاظها سهلة وقصيرة أي يمكن للإنسان أن يحفظها، وكذلك فيها معنى يعبر عنه بشكل سريع ومفهوم، فإذا حملت هذه الأمثال ثقافة خاطئة وفكرة فاسدة، أصبحت هذه الفكرة محفوظة وأصبح الحافظ لها متأثراً بها في حياته.

أشرنا إلى أن القرآن الكريم والمعصومين عليهم السلام استخدموا طريقة المثل وقصار الحكم، كما أوردنا سابقاً بعض الآيات القرآنية مثالاً على ذلك وأيضاً أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلام أمير المؤمنين عليه السلام، ولو أن المجتمع تحفظ وحفظ هذه الأمثال والكلمات القصيرة من القرآن الكريم ومن كلام النبي وأحاديث المعصومين عليهم السلام لاكتفى بثقافته لأن فيهم الشيء الكثير، وقد ذكر بعض المؤلفين أن ما يستخرج من كلمات أمير المؤمنين علسه السم من الأمثال وقصار الحكم يبلغ كثر من ثلاثة عشر ألفاً، وقد أشار إلى ذلك السيد عبد الزهراء الخطيب رحمه الله في كتاب مصادر نهج البلاغة وأسانيده.

من الأمثال الخاطئة والشائعة التي نجدها في المجتمع (الأقارب عقارب)، فلو حدثت مشكلة لأنسان مع أحد أقربائه مثلاً فسيتبادر إلى ذهنه هذا المثل مباشرة، وقد نظمه بعضهم في شعر قائلاً:

أقارب كالعقارب أذاها         فلا تكن لعم أو لخال

فكم عم يجيء الغم منه         وكم خالِ من الخيرات خالي

الظريف هنا بأن قائل هذا الشعر غير معروف على وجه التحديد، ولذلك نسبه بعضهم إلى الجن.

لا ريب أن أرضية هذا المثل خاطئة بالرغم من قوة الصياغة فيه لسهولة حفظه وتناقله وتداوله بين الناس، كما أن فيه جهة بلاغية بالرغم من قصره وهذا يسمى في اللغة العربية بالجناس، فهناك بعض المحسنات البديعية في الكلام تعطي له بهاءً وجمالاً وبلاغةً، فلو أردنا أن نشببها بإلتقاط الصورة في الجوال فإن هذه الصورة ستكون بدقة معينة ولكن إن أضفنا لها بعض التأثيرات ستكون أجمل وألطف، ففي اللغة العربية يوجد هذا الشيء ولكن بالألفاظ، ومنها ما يسمى بالجناس وهو إما استخدام كلمتان يكون اللفظ فيهما واحد والحروف فيهما واحدة ولكن المعن يختلف وهذا يسمى بالجناس التام، أو يكون هناك اختلاف في حرف بينهما ويسمى بالجناس الناقص.

القرآن الكريم يحتوي على جناس تام وجناس ناقص لأننا نعتقد أن القرآن أعلى درجات البلاغة، ونجد أمثلة على الجناس في قوله تعالى: ((والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى))، فكلمة الهوى في الآية الأولى وكلمة الهوى في الآية الثالثة لهما نفس اللفظ ونفس الحروف ولكن تختلفان في المعنى، فمعنى الأولى سقط والثانية تأتي بمعنى الأهواء والشهوات وهذا يسمى جناس تام.

أيضاً قوله تعالى: ((قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد))، فكلمة أحد في الآية الأولى تأتي بمعنى الواحد، بينما في الآية الأخيرة تأتي بمعنى أي شخص أو أي نفر، وهكذا بالنسبة للجناس التام.

الجناس الناقص قد يختلف في حرف واحد ولكن الصيغة والوزن نفسه مثل (الأقارب عقارب)، نجد أن الإختلاف فقط في الحرف الأول بينما الباقي متفق، فهذه من المحسنات البديعية التي تجمل الكلام في اللغة العربية.

هذا المثل (الأقارب عقارب) يلامس القضايا الاجتماعية، لكنه كما نعلم مثل خاطئ، فلدينا في الثقافة الدينية والإسلامية بأن الأقارب ليسوا عقارباً ولا عناكباً، وإنما القاعدة فيها ما قرره مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: (وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير ويدك التي بها تصول)، نجد هنا أن في كلمة تطير وتصير محسن بديعي وبلاغة وجناس ناقص، إن تفسير هذا الحديث هو أن عشيرتك وأقاربك هم أصلك، فلا يمكن لك أن تنفك عنهم، وأيضاً الحالة الطبيعية والإعتيادية هي أنم يريدون سموك ورقيك ويريدون أن تطير بواسطتهم ويحبون لك التقدم والرقي، فهذه هي الحالة الطبيعية في العشائر والقبائل، فإذا كانت هناك عائلة بينهم خلاف ومعركة فهذا خلاف القاعدة، ولكن القاعدة الأصلية هي كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام بأن تكرم عشيرتك وتحافظ عليها لأنهم جناحك، فتارة تحلق بقوتك الذاتية وتارة بمساعدة أقرب الناس إليك وهم أبناء عشيرتك، فالأجنبي لا يهبُّ لك كما يهبُّ لك أخوك أو ابن عمك وابن خالك، ففي حديث آخر أيضاً لأمير المؤمنين عليه السلام: (ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه يد واحدة عنهم وتقبض منهم عنه أيد كثيرة)، أي عندما لا يهتم الإنسان لأمر عشيرته كما هو الحاصل في نمط الحياة المعاصرة الآن فإن ذلك يفتت العلاقات والروابط ولذلك لا بد من التمسك بتلك العلاقات، إذاً فإن الأصل الإسلامي مخالف لحكاية (الأقارب عقارب).

لا ينبغي للإنسان أن يجعل علاقته مع أسرته فقط على أساس المصلحة ولكن هذه المصلحة تتحقق بشكل طبيعي، فعندما يُعرَض عليك شخصان لخطبة ابنتك مثلاً ولهما نفس المميزات من الأخلاق والتدين وغيرها ولكن أحدهما من عشيرتك والآخر ليس منها فينبغي أن تقدم الشخص الذي من عشيرتك لأنه يمتلك نفس المميزات التي يمتلكها الشخص الآخر بل ويزيد عليه بالرابطة الرحمية.

جاء الشرع وعمل مجموعة تشريعات تعزز وتقوي دور الأقارب في الأسرة، ومنها تشريع الإرث والميراث، فالميراث عند الإمامية بل عند غيرهم من المسلمين يقسم على درجات، هذه الدرجات ترتبط بمستوى القرابة بين الناس، فحتى العم والخال وابن الخال هو وارث وإن كان وارثاً متأخراً، فعندنا في فقه الإمامية تقسم الورثة إلى ثلاث طبقات فإذا كانت الطبقة الأولى موجودة لا يصل الدور إلى الطبقة الثانية، فالطبقة الأولى هي الأب والولد والزوج أو الزوجة، الطبقة الثانية هي الأخوة والأجداد، الطبقة الثالثة هي الأعمام والأخوال وأولادهم، فإذاً نظام الأرث في الشريعة الإسلامية مرتب على أساس القرابة.

في قضايا الإصلاح الاجتماعي والزوجي أيضاً، فإذا حدث خلاف بين الزوجين وفقدت إمكانية الإصلاح الداخلية بينهما يأتي هنا قوله تعالى: ((وابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما))، فهنا تكون الأقارب مورد إصلاح ووسيلة إلى الإصلاح، فهذا ما يراه الإسلام في قضية الأقارب.

على خلاف القاعدة من الممكن أن يكون من الأقارب من هم عقارب، بل قد يكونون أعداء كما قال القرآن الكريم: (( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم))، فمن الممكن أن يكون الولد عدواً يورد أبويه المهالك كما صرح مولانا امير المؤمنين عليه السلام في حق الزبير هذا التصريح عندما قال: (ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه الميشوم عبد الله) فقد جول الزبير الذي كان أول سيف دافع عن أمير المؤمنين عليه السلام في قضية الخلافة فإذا به نفس السيف يرفعه على أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل، وفي بعض الأحيان تكون الأم هي العدوة كأم مصعب بن عمير الذي أرسله النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة قبل أن يقدم إليها، فذهب مصعب بن عمير إلى المدينة وجعل أهلها يؤمنون جميعهم قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقرأهم القرآن وعلمهم الأحكام وهو من شهداء أحد، فقد كان والداه من الأثرياء وامه خناس بنت مالك التي كانت ترش عليه العطور إلى درجة أن الناس كانوا يدفعون الأموال إلى القصار (الذي يغسل الثياب) حتى يقوم بغسل ملابسهم بماء ملابس مصعب بن عمير حتى تصبح رائحتهم عطرة، فعندما آمن مصعب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أقسمت أمه بأن لا يطعم منها أكلة ولا شربة ماء ولا أن يبقى ساعة في منزلها، وبقي مصعب بن عمير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن الناس أصبحت ترق لحاله لأنه كان يرتدي بردة واحدة ممزقة وأصبح في شعب أبي طالب وحوصر مع الهاشميين، حتى أصبح يقع ولا يستطيع المشي من شدة الجوع ولكن مع ذلك كان في خط الإيمان ومصراً على إيمانه، فلما هاجر وصله خبر بأن أمه امتنعت عن الطعام والشراب حتى يترك ما هو عليه ولكنه لم يأبه لذلك، بل عندما حدثت غزوة بدر وأسر أخوه طلبوا من أمه أربعة آلاف دينار ليفكوا أسره وهو أعظم فداء لشخص في الأسر، وأيضاً يحكى أنه بعد ما رجع إلى مكة قبل هجرة النبي لم يذهب لمنزله ولا لأمه بل ذهب أولاً إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أرسلت له رسول يخبره بأنه ولد عاق لا يبدأ بأمه فذهب إليها وقال لها لا أبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قالت له: ألا تزال على الصبأ التي أنت عليها؟ أي لا تزال منحرف؟ فقال لها نعم: أنا على دين رسول الله، فطردته من المنزل، الشاهد هنا أن الأم قد تكون عدواً مثل أم مصعب بن عمير، وكذلك الزوج والزوجة من الممكن أن يكونا عدواً فيلغي إيمان الإنسان وعقيدته وأخلاقه، كما يوجد العم أيضاً فأبو لهب عم رسول الله صلى الله علي وآله وسلم وأبو طالب عمه أيضاً، فهذا عم وذاك عم وشتان ما بينهما، فقضية أن الأقارب عقارب ليست صحيحة وإنما منهم من قد يكون عدواً ومنهم من يكون سفينة تركبها في الأمواج.

إذاً فإن القاعدة الأصلية هي أن الأقارب ينبغي إكرامهم وهم ورثة بل ينبغي الإلتصاق بهم كما ينبغي إعانتهم والإستعانة بهم في طريق الحق، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا في عشائرنا وأن يكرم عشائرنا بنا وأن يجعل بيننا وبينهم المعروف إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

 

مرات العرض: 3414
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (45) حجم الملف: 31307.28 KB
تشغيل:

حين أصبت بكورونا
هل ناقل الكفر ليس بكافر؟ 3