نظرة وتأمل في خطبتي الحسين يوم عاشوراء ج1
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
حديثنا بإذن الله تعالى يتناول نظرة في خطب الإمام (ع)، في صبيحة هذا اليوم، يوم عاشوراء، لا ريب أن الكثير من المؤمنين، قد وفقهم الله سبحانه وتعالى ليلة البارحة، ونهار هذا اليوم لاستماع مقتل الإمام الحسين سلام الله عليه، مرة أو أكثر. وهنيئا لهم وتقبل الله منهم العمل وأجزل لهم الأجر، وحشرهم مع الحسين وفي شفاعته إن شاء الله.
استمعوا بلا ريب إلى أن الحسين (ع) كان له في هذا اليوم خطبتان خطبهما في الصباح، ولعل الموقع، حيث أنه يتلى المصرع والمقتل بكامله، فلا يتسع في الغالب الوقت لشرح مفردات وجهات المعنى والبلاغة في هذه الخطب. ولعل الكثير من المؤمنين يحفظونها، لكنها مع ذلك تحتتاج إلى شيء من النظر المجدد، والشرح لها والإشارة إلى معانيها. نتعرض هذه الليلة بقدر ما يتسع الوقت، لشيء مما تتحدث فيه الإمام الحسين (ع) في صبيحة هذا اليوم.
الرواية تقول أن الإمام الحسين (ع) بعدما صف أصحابه هذا اليوم للقتال ونظر في المقابل إلى جمع بني أمية وعسكرهم، رفع يديه بالدعاء إلى السماء وقال: "اللهم أنت ثقتي في كرب، ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل هم نزل بي ثقة وعدة. كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك ووكلته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك، فكشفته وفرجته".
أول ما يلاحظ الإنسان في هذا الأمر، أن الإمام الحسين (ع) قبل أي تعليق، يعني الإنسان عندما يحصل قدامه مشهد مثير للكلام والحديث، قد يتعجب منه، قد يستكثر العدد، وما شابه ذلك، يقول كلاما قد لا يكون مناسبا، شقد هذولا كثير، رح يغلبونا مثلا، شنو نقدر نسوي احنا لهالجموع الهائلة. لاحظوا أيها الأحباب أن ردود فعل الإنسان على الأشياء تكشف عن اعتقاداته. تصيبه مصيبة على سبيل المثال، يتكلم بكلمة جازعة، فيتبين أكو في إيمانه نقص، هذا كان مكانه أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. يصير عنده نجاح مبهر، على الفور يقول: نعم، هذا كله بفضل جهدي ونشاطي وذكائي. آخر يأتي يقول: هذا من فضل ربي. الفرق بين الشحصين، الحدث واحد، ولكن هذا شخص متكئ على نفسه فيما يزعم، وذاك متوكل على الله سبحانه وتعالى. وأنت وأنا نقدر نختبر أمونا في هالحياة بهذي الصورة. في حال المصيبة، أول كلام، أول موقف، شنو نقوله؟ في حالات النجاح، في حالات التفوق، في حالات الرزق، ماذا نقول؟ في حال حصول مشكلة من المشاكل بيننا وبين أناس، أي موقف نقف؟
الإمام الحسين (ع) يعلمنا في هذا، هذا الجمع العظيم، 30 ألف مو شيء قليل أيها الأحباب في ذلك الزمان، أنت الآن تشوف مثلا ساح كبيرة جدا، فيها من الخيول والبغال والأسلحة، كل واحد وياه، فد يتضاعف المشهد في ذهن الإنسان، بين أن يجي يقول أنه شقد هذولي كثيرين، ما راح نقدر، ما راح نسوي، صار هذا في زمن رسول الله (ص) لما قالوا: أن قريش اتجهت إلى المدينة، شقد عددهم كان ذاك الوقت؟ قالوا: ألف. زين. بعض أصحاب النبي قال: يا رسول الله، هذه قريش ما ذلت منذ عزت، هاي تغلبنا خلاص. طيب. فلم يرتض النبي هذا الكلام ولم يقبله، ليش؟ مو محله، مو وقته، على أنه كلام غير صحيح، قريش كانت ذليلة، كما تشير إلى ذلك، سيدتنا الزهراء (ع): "أذلة خاسئين". بس هذا الكلام مو محله.
الإمام (ع) يعلمنا: هالجمع الهائل المتعطش، ثلاثون ألفا في ما هي من روايتنا، عن الإمام الباقر (ع). فالإمام (ع) وجه نظر الناس الذين معه، الأصحاب، إلى قوة الله عز وجل، وإلى الثقة به، وإلى التوكل عليه: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في هم نزل بي ثقة وعدة"، ما أحتاج أنا إلى عدد وأسلحة، وغير ذلك، ما دامت قوتك يا رب تمدني وأنت عدة لي. صحيح "كم من كرب يضعف فيه الفؤاد"، الإنسان بالتالي مو حجر عنده مشاعر، عنده إحساس، وكلما زاد علمه ومعرفته إحساسه يزداد. لذلك مثلا الأكثر حزنا على الحسين (ع)، يتبين هذا إحساسه أكثر، يتبين هذا وعيه للقضية وأطرافها أكثر من ذاك اللي مثلا يقول لك: أنا ما أبكي، أو ما أتأثر. إي، صحيح، قد لا تتأثر؛ لأنك لم تحط علما بما جرى ويجري، هذا أحد الأسباب.
فالإنسان الواعي أكثر، العارف أكثر، هذا قلبه يتأثر: "يضعف فيه الفؤاد"، "تقل فيه الحيلة"، تقدير الإنسان، يقول: مو أنه يقول هذا ما يهمني عن جهل، لا، يدري عددهم كبير، ويدري أن أنصاره عددهم قليل. ولكن هو يعتمد على قوة لا تتناهى وهي قوة الله. "أنزلته بك ووكلته إليك، فكشفته وفرجته، فأنت ولي كل نعمة ومنتهى كل رغبة"، انتهى من هذا الدعاء، طبعا هذا الدعاء نفسه، سبحان الله، نفسه قاله نبينا المصطفى محمد (ص) في معركة بدر لما رأى جموع الكفار، يعادلون على الأقل، ثلاث مرات عدد المسلمين، قرأ هذا الدعاء: اللهم أنت ثقتي في كرب، ورجائي في كل شدة"، وقد نقل ذلك الطبري وابن أثير، وغيرهما، بعضه باختصار وبعضه بتفصيل.
ثم بعد ذلك الإمام الحسين (ع)، وجه كلامه إلى أصحابه، قال: "إن الله أذن في قتلكم هذا اليوم"، انتوا شهداء، هذا اليوم كلكم تقتلون، طبعا وأخبرهم في الليلة الماضية عن مصارعهم واستعلم نياتهم وكشف عن بصائرهم، فالآن يقول لهم هذه الساعة ساعة تنفيذ ذلك الكلام الذي قيل سابقا.
ثم تقرب قريبا باتجاه معسكر بني أمية، بحيث يسمعه الطرفان. احنا هنا لازم نفترض عدة افتراضات: أنه كيف يسمع الإمام الحسين (ع) ذلك الجيش الكبير؟ إما أن نقول: بأن الإمام الحسين (ع) رفع صوته بأقصى ما يستطيع، وأن ذلك الجيش هدأ. الغالب أيضا أنه يصير لما يجي واحد ويريد أن يتكلم، وهو ممن يستمع إليه، الكل يحرص على أن يسمع كلامه. فالإمام الحسين ضمن الظروف الطبيعية أسمع هؤلاء، وهؤلاء، ما كان يريد. أو أسمع أكثرهم لا سيما من كانوا في مقدمات ذلك الجيش. لأن ثلاثين ألف، نحن نفترض أنه لو كان مثلا كل واحد يقف مع سلاحه وفرسه، إذا كان فارسا وغير ذلك، بمعدل مثلا متر واحد، هذا يعني يحتاجون إلى 30 ألف متر مربع، وإذا كان خيول، راح يزداد العدد إلى 60 ألف، طيب.
فإما أن نقول أن الحسين، من جهة: رفع صوته بأقصى ما يمكن، وأن أولئك نظرا لأنهم كانوا يريدون أن يسمعوا: ما الخبر؟ ما القضية؟ طيب، أخفتوا أصواتهم وأصاخوا أسماعهم، أو أنه قسم منهم، لا سيما من كان في المقدمة، وهم عادة الأشخاص اللي عندهم جوانب قيادية أو عسكرية مهمة، واللي هم عندهم قيادة الجيش، أو أن نقول كما احتمله بعضهم: أن الإمام الحسين (ع) استعان بالقوة الغيبية في إسكات هذا الجمع وفي إيصال صوته. يعني أن الإمام الحسين (ع)، وهو عند الله عظيم، وله صلاحية أن يستعمل الجانب الغيبي عندما يحتاج إليه في تبليغ رسالته، بعضهم يعبر عن هذا بالولاية التكوينية، بعضهم يعبر عنه: استخدام المعجزة، وهكذا. فإما نلجأ إلى الطريق الأول، أو نلجأ إلى الطريق الثاني.
ثم الإمام الحسين (ع) بدأ في خطبته تلك. قال: "أيها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم علي"، إنتوا إلكم حق علي، عجيب، لهؤلاء الناس حق على الحسين؟ نعم، هو حق الهداية. ما أخذ الله على العلماء من عهد أن يرشدوا الجهال، أن يعرِّفوا الناس الطريق. العالم ما يقدر يقعد ببيته ويحتفظ بعلمه، وينتهي الأمر. لا، لازم يعلِّم. بالطرف المقابل أيضا، غير العالم، أخذ عليه أن يتعلم، وأن يسعى، ولذلك: لو أن إنسانا جاء يوم القيامة وقال: أنا ما عرفت الأحكام، وما دريت عن العقائد، وما عرفت قضية الصلاة، ولا غسل، ولا كذا، يقولوا له: لا، تعلمت. هذا جواب أبدا ما مقبول من عندك، أنت تعاقب، لأنه كان بإمكانك أن تتعلم، وهي مسؤوليتك في ذلك، فلم تتعلم. في نفس الوقت أكو على العالم مسؤولية، وهي: أن يعلِّم، لو أن شخصا جاء إلى العالم، وسأله مسألة في الدين على وجه الخصوص، يجب عليه، على العالم، إذا كان عارفا بها، فيجب عليه أن يخبره بالحكم الشرعي. إرشاد الجاهل وتعليم غير العالم، هذه مسؤولية العلماء. مو مطلوب منه أن يروح يطارد ورا الناس، ولكن لو جاءه أحد وسأله، وجب عليه أن يجيب، إذا لم يكن هناك مانع من الموانع. فالإمام (ع) يقول: أنتو إليكم علي حق التعليم، أنا عالم، وأنتم غير عالمين، فإلكم حق علي أعلمكم، أعظكم، أرشدكم، أخرجكم من الجهل والظلمة إلى النور والوعي، "حتى أعظكم بما هو حق لكم علي وحتى أعتذر لكم"، أو "إليكم"، "من مقدمي عليكم".
قسم من الناس يتصور أنه "حتى أعتذر لكم"، يعني: أقول أنا آسف. تأسفت، تندمت على جيتي إلكم. لا، ليس صحيحا هذا. هذا إشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم، في حالة الأنبياء، إشارة إلى قول الله عز وجل في سورة الأعراف: (وإذا قالت أمة لما تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) جماعة قالوا للأنبياء: ما يفيد في هذولا الكلام، ليش تعظهم، ليش تقول لهم، هذولا آخرهم إلى جهنم وبئس المصير. (لما تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا)، شنو؟ (معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون). يعني بعملي هذا أكون قد أعذرت إلى الله عز وجل أني أديت مسؤوليتي كاملة ولم يبق هناك أي مجال للتقصير فيها. (معذرة إلى ربكم) من جهة، أكون قد اديت كل مسؤولياتي الإلهية، واستنفدت آخر محاولاتي في هدايتهم، وأيضا (ولعلهم يتقون)، ممكن قسم من الناس تتتغير أفكارهم، وهذا حصل ها، على الأقل ما ذكره المؤرخون: كان هناك اثنان وثلاثون شخصا ممن تأثر بكلام الإمام الحسين (ع) مباشرة، وقسم منهم انضموا إليه وأصبحوا شهداء في هذا المعركة، في صف الحسين (ع). وقسم آخر بقيت تأثرهم فيما بعد، وقاتلوا في وسط معسكر بني أمية. يعني ظلت هذه القضية تتفاعل معهم، قسم منهم، مثل الحر بن يزيد الرياحي، إجا هالصوب، كان في المقدمة، كان من القادة هذا. ابنه، قيل: علي، بن الحر، وقيل: بُكير، ابن الحر، أيضا كان هكذا. وقسم من الذين تأثروا بكلام الحسين (ع) كانوا في السط، بعد ما يقدرون يطلعون من وسط 30 ألف واحد. فظلوا يقاتلوا من حولهم، وقتلوا في ذلك المكان. (ولعلهم يتقون).
فإذن: "حتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم÷ فإن قبلتم عذري)، عذري بمعنى: حجتي هنا، مثل: عذرا أو نذرا. كما جاء في القرآن الكريم. "وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد"، وهذا يفسر معنى العذر. العذر، بمعنى أن أنا أبين إليكم حقيقة أمري، أبين لكم أفكاري، إذا طاوعتموني كنتم بذلك أسعد، وإذا خالفتوني فهذا بعد على مسؤوليتكم، "ولم يكن لكم علي سبيل. وإن لم تقبلوا عذري ولم تعطوا النصف من أنفسكم"، إذا شفتوا أن كلامي، بعد ما أتكلم معكم فيه، أنه ليس فيه حجة كافية، رح نلاحظ أن نمط لخطاب في هذه الخطبة يختلف اختلافا جذريا عن الخطبة الثانية، التي ربما، لعله بين هذه وبين تلك، ساعة أو ساعة ونص هالحوالي، بس تماما هما مختلفتان، تبعا لاختلاف الظرف، رح يتبين كيف هما مختلفتان.
" وإن لم تقبلوا عذري ولم تعطوا النصف من أنفسكم" فشنو؟ هنا يبدأ الاقتباس القرآني، من كلام نبي الله نوح، على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، فقال: "فأجمعوا أمركم وشركاؤكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون. إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين".
عندنا هنا أكثر من فكرة، أول فكرة: قضية الاقتباس الفكري، من فنون البلاغة التي رأيناها في كلمات المعصومين (ع)، من رسول الله، وأمير المؤمنين، والسيدة الزهراء، والحسنين، وسائر المعصومين، أن يقتبس من القرآن آية كاملة، أو أكثر من آية، أو جزء من آية ، ويخليه في كلامه، فتكاد لا تفرق بين الكلامين، لقوة كلام المعصوم. نعم، كلام القرآن الكريم معجز، لكن يدمجه معه دمجا، حتى كأنك تراه كلاما واحدا، مع أن هناك فارق، فارق الإعجاز، لكن شدة المجانسة والمشاركة والمشابهة في الكلامين، وهذا نمط من أنماط البلاغة الكبيرة التي هي لدى المعصومين. لاحظوا هنا: "وإن لم تقبلوا عذري ولم تعطوا النصف من أنفسكم"، تبدأ آية: "فأجمعوا أمركم وشركاؤكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة"، نبي الله نوح، على نبينا، صلوا عليه: اللهم صل على محمد وآل محمد. يتحدث عنه القرآن الكريم فيقول: (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فأجمعوا أمركم وشركاؤكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة)، هذا اقتباس من الإمام (ع) لكلام نبي الله نوح مع قومه، ضمنه هنا، بشكل بليغ ودقيق. كمَّل هذه الآية، جاب آية ثانية من سورة أخرى: (إن وليي الله) وهذا لسان حال نبينا محمد (ص)، (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين).
لا بأس أن أشير هنا إلى إشارة، قبل مدة، في أيام شهر رمضان، بعضهم قال شوفوا أنتو كيف تقرؤا هذا الدعاء، دعاء الجوشن، أو دعاء أبي حمزة الثمالي، الحال أنه فيه آية غلط! الإمام قال آية، ذيلها ليس بصحيح. "والله واسع عليم" هذه ما موجودة في هذه الآية! سامحك الله يا من اكتشفت هذا بزعمك. لا أخي، أنت ما متوجه إلى أن هناك أكو نظام في البلاغة، يسمى الاقتباس من القرآن. فالذي يتحدث وعنده هذه المقدرة، من الممكن أن يأتي بعدة آيات، أو بعدة أقسام من الآيات، وخليها بجنب بعض. إذا بالكتابة رح يصير هناك بين قوسين، بس إذا في الكلام، ما رح يقول: سدو القوس، ورح أفتح قوس جديد، وآية جديدة. وإنما يتريث قليلا، ثم يبدأ في المقطع الآخر. فلما يجون يكتبوها، خصوصا في ذيك الأزمنة، بعد ما في علامات التنقيط هذي، وسد القوس وافتح القوس، وما شابه ذلك، ففي الدعاء قد تجد كلها جاية على سياق واحد، يجي واحد يقول: كيف الإمام يغلط في هذه الآية والآية واضحة وما كو هالشكل. لا أخي. أنت اشتبهت والإمام لم يشتبه، وإنما هذا من الاقتباس. هنا يمكن قسم من الناس إذا يلاحظون: كيف هذي آتيتين! هذي آية في سورة الأعراف، وذيج آية في سورة يونس! كيف يصير! كيف يستشهد فيها الإمام! لا، هذا من الاقتباس ومن البلاغة.
فالإمام (ع) جاء بآيتين. الزهراء عندها في خطبتها سلام الله عليها، كثير من هذا، آية من أول القرآن، وآية من آخر القرآن، وبينهما تمام المجانسة، وبينهما كلامها، وكأن كل الجملة جملة واحدة. فالإمام (ع) اقتبس من القرآن هذا. لما قال: "فلما سمعن النساء منه هذا، صحن وبكين وارتفعت أصواتهن"، باعتبار أن الموقف كان موقف وداعي تقريبا. "فأرسل إليهن أخاه العباس ابنه علي الأكبر وقال: سكتاهن فلعمري ليكثر بكاءهن". ليش مستعجلات على البكاء من الآن، وراهم جاي البكاء. "ولما سكتن حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد"، اللهم صل على محمد وآل محمد، "وعلى الملائكة والأنبياء، وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ولم يُسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه"، هذا كلام منو؟ كلام الرواي وينقله الطبري، يا ليت أن الرواي الأصلي، نقل كلام الإمام (ع)، لأن هذا أيضا وصف النبي، حمد الله عز وجل، والثناء على الله وحمده، هذا يبين مساحة واسعة في معرفة الإنسان بربه، الإنسان اللي ما يعرف من الله إلا الشيء القليل، شايفين مثلا، بعض الأدعية التي تنقل من غير مدرسة أهل البيت، أدعية مختصرة باهتة، ليس فيها ذلك العمق، ليس فيها ذلك التعريف بالله، وتعال شوف مثلا دعاء الجوشن، دعاء الجوشن تدري شنو؟ ألف صفة لربنا سبحانه وتعالى، ألف صفة، مدرسة توحيدية كاملة، تتكون من ألف صفة، كل صفة تحتاج إلى بحوث فيها. طيب، هذا كلام المعصوم، لأن هذا الكلام نابع من معرفة واسعة، فيعطيك كلاما كثيرا بليغا. إذا واحد ما عنده هذه المعرفة، كلش كلش، إذا تورط، يروح إلى قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. وينهي القضية. هنانا يقول: حمد الله، أثنى عليه، صلى النبي وعلى الملائكة وعلى الأنبياء بما لم يسمع متكلم قبله ولا بعده، طيب، مع ملاحظ ذلك الموضع ها، لكل مقام ظرف معين، يعني الآن الواحد اللي في ظرف أحيط به من كل الجهات، والجيش الآن متعطش إليه، هذا كيف يستطيع الانطلاق في وصف الله عز وجل ومدح النبي بما لم يسمع متكلم قبله. في مسجد الرسول شقد قاموا متكلمين. في سائر المساجد شقد قاموا، في حالة ارتياح، واسترخاء، وماكو شيء، مع ذلك لم يتكلموا ككلام الحسين (ع)، في تلك المعركة بلاغة وفصاحة وقوة معنى.
ثم قال: "عباد الله، اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر"، تحذير من الدنيا، واضح الجهة ليش؟ لأن هؤلاء الذين جمِّعوا وجاؤوا وقطعوا المسافات، ما جيين من أجل رسالة يقاتلون فيها، وإنما عندما قال لهم ابن زياد: "وقد زاد الأمير في عطائكم مئة درهم"، هذا قسم، وقسم آخر: اللي ما يطلع يقتل. فإذن: هي قضية دنيا، إما رغبة فيها أو خوف من مفارقتها. الذين خرجوا خوفا من الموت، خائفون من أن يخسروا ذهه الدنيا وبقية العمر، والذين خرجوا رغبة في المئة درهم، رغبة في دنيا، فإذن: الرمكز في القضية ما هو؟ هو: الدنيا، يناسب أن يحذر الإمام الحسين (ع) من الدنيا، " عباد الله، اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت على أحد"، أو "بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء غير أن الله خلق الدنيا للفناء، فجديدها بال ونعيمها مضمحل وسرورها مكفهر والمنزل تلعة والدار قلعة، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، كل جملة من هذي تحتاج إليها شرح في قضية التشبيه، من أين جاء؟ وما هو وجه البلاغة فيه؟ لكننا نطوي عنه كشحا إلى ليلة أخرى نتحدث فيه وفيما بعد حتى لا نطيل هذه الليلة. لا ريب أن أكثر المؤمنين في هذا اليوم من الصباح وبعد الظهر كانوا مشغلوين بالعزاء وبالبكاء والرثاء والمشاركة فلا نطيل عليهم هذه الليلة، وقد بلغنا إلى هذا المقدار.
|