منطلقات النهضة الحسينية تفسيرات ناقصة
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
قال سيدنا ومولانا أبو عبد الحسين صلوات الله وسلامه عليه: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان ولا التماسا لشيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك فتقام المعطلة من حدودك ويأمن المظلومون من عبادك" صدق الله سيدنا ومولانا أبو عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه. عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد.
حديثنا في هذه الليلة، يتناول منطلقات النهضة الحسينية، وما هو من التفسيرات الخاطئة والناقصة التي التزم بها بعض الكتاب والمؤلفين في هذه النهضة. لماذا حدث هذا الصراع والمعركة الطاحنة بين الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه من جهة، وبين يزيد بن معاوية ومن كان معه من جيوش تلك الدولة. ما هي الأسباب الرئيسية التي صنعت هذه المواجهة. هناك تفسيرات خاطئة ونظريات ناقصة سنعرض إليها، ثم نشير في وقت آخر، بعد نقد هذه التفسيرات، إلى المنطلقات الواردة في كلمات الإمام الحسين (ع).
أي حدث من الأحداث، يراه الناس غالبا بصورة متساوية، لكن تختلف تفسيراته بينهم. إذا أعطى ناس مبلغا من المال، هذا العطاء يراه الناس – كحدث – بصورة موحدة، لكن يختلفون في تفسيره، البعض يرى أن هذا إسراف، ليش يعطي هالمقدار هذا من المال في هذا الجانب. البعض يراه بخلا: ليش يعطي هالمقدار، المفروض يعطي ضعفين، ثلاثة. هذا الاختلاف مو في الحدث، وإنما الاختلاف هو في التفسير، فلكي نعرف ما هي تفسيرات الأحداث: إما أن يكون صاحب القضية يقول ذلك، ويكون صادقا، وتصدقه النتائج، مثلا: نبينا المصطفى محمد (ص)، قال للناس بأر القرآن الكريم: (لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القرى)، هاي: (لا أسألكم عليه أجرا)، هو يقول، ما يحتاج أن تعطوني أجر ولا مكافأة، (إلا المودة في القربى)، وهذي أيضا مو إلي، (قل ما سألتكم)، لهدايتهكم، أنتوا المستفيدين، أنا ما يدخل في حسابي شيء. هذا قال هذا الكلام. نجي نشوف التاريخ: هل يصدق هذا الكلام أو لا؟ نشوف أنه لم يسأل النبي أحدا قرشا واحدا، ولم يمن على الناس، أنه فعل لهم كذا وكذا، فنصدق هذا الكلام من عنده.
بالنسبة إلى النهضة الحسينية، فسرها قوم بتفسيرات وذكر الإمام الحسين (ع) كلمات من عنده، رح نشوف أنه: هل تصدق الأحداث والنتائج كلمات الإمام الحسين (ع) أو لا؟ والحال أنها تصدق. لكن يبقى أن هناك فئة من الناس، نظرت إلى هه الواقعة العظيمة وفسرتها بتفاسير خاطئة، بعضها إلى اليوم لا يزال يشكل ثقافة عند قسم من الناس. احنا نعرض إلى قسم منها، من هذه التفسيرات: لماذا حدثت المعركة والمواجهة بين الإمام الحسين (ع)، وبين الخط الأموي، وأي تفسيرات خاطئة يسوقها بعض الناس، لتفسير هذه الواقعة.
أكو تفسير سبق وأشرنا إليه، في ليال مضت، وهو أنها عملية منافسة على الحم وسيطرة على الكرسي بين شخصين، وهذه تعرضنا إليها وأشرنا إلى بعض القائلين بها. هناك تفسير آخر ناقص وغير سليم، أن هذه المعركة وهذه الحادثة هي: صراع قبلي بين فريقين من قبيلة. القبائل يصير فيها تنافس، قد يكونوا إخوة في الجد الأعلى، بس بعدين يتنافسون فيما بينهم، هذا مثلا: الأوس والخزرج، أصلهم ينتمون إلى أب واحد، لكن فيما بعد، على أثر ظروف معين، اشتبكوا فيما بينهم وتحاربوا سنوات طويلة جدا إلى أن جاء رسول الله (ص) وأصلح ما بينهم.
أصحاب هذه الفكرة، يقولون: بأن الصراع بين الحسين (ع) وبين يزيد بن معاوية، هو صراع قبلي من السابق، كل فترة من الفترات، هذولا قبيلة واحدة، وكل فرع من هذه القبيلة، عنده معركة مع الفرع الآخر، هؤلاء جدهم الأعلى: عبد مناف، جد الأمويين، وجد الهاشميين، ينتميان إلى عبد مناف، هو عبد مناف: والد هاشم، ووالد عبد شمس، هاشم من تسلسل الهاشميون، وعبد شمس: تسلسل منه الأمويون. فيقول لك هذولا أول ما كانا توأمين، لما ولدا، ولدا ملتصقين، وكان لا بد أن يزيلهم، ففصلوهم، فسال بينهما الدم، فتشاءم هؤلاء الناس، بأن هؤلاء ستكون بينهم دماء وحروب وما شابه، هذا من التفاسير الناقصة.
يقول لك: بعد هذا أيضا، لما كبر هاشم، وكبر أخوه عبد شمس، التوأم له. هاشم كان معطاء، جواد، سخي، سمي أصلا هاشم، هذا مو اسمه الأصلي، عمر اسمه، عمر العلا ، وإنما سمي هاشم؛ لكثرة ما هشم من الخبز والقمح ثم يريق عليها اللحم والمرق، ويطعم الناس، كان سخي طيب. وفي الطرف الآخر، يقولون: ما كان هكذا. أولا كان غير متمول، فكان يقضي أكثر أوقاته خارج مكة، وراء الرزق، وراء المال، فما كان عنده هذا المستوى الاجتماعي، طبعا هذا ولد أحقاد وتنافر عبد شمس مع هاشم على أنه أي واحد منهم اللي يطلع أفضل بقول الكاهن مثلا، فهو الذي يعترف له الطرف الآخ، قضية طويلة، مختصرها أنه حكم لهاشم، على عبد شمس، وعلى أبنائه، وأنهم هم الخاسرون، فكان هذا بداية صراع، وانتهى الأمر إلى خروج عبد شمس، خارج مكة المكرمة، ما يبقى فيها 10 سنوات، وهذا كان أول الصراع كما يزعمون.
بعدين إجا في المرحلة الثانية، حرب من الطرف الأموين وعبد المطلب بن هاشم من الطرف الهاشمي. عبد المطلب كان زعامة وكان قامة قيادة، وكان يرد الظلم، أما حرب فكان على خلاف ذلك، حتى أنه قتل، أمر أعوانه أن يقتلوا يهوديا حتى يسيطروا على أمواله في مكة. ما عنده أحد، واحد يهودي في مكة يتاجر، فقتلوه وسيطروا على أمواله، فأجبره عبد المطلب بن هاشم، على أن يرد المال وعلى أن يدفع دية، وإلا يعلن عليه الحرب؛ ردا منه لهذا الظلم الذي وقع على ذلك اليهودي. يقول لك: هاي هم حلقة ثانية. معركة بين هذن الفرعين، اللي أصلهم أصل واحد.
ثم كان قضية أبي سفيان مع نبينا المصطفى محمد (ص)، ومقاومة أبي سفيان لدعوة الرسول (ص)، وتحريضه عليه، وقيادته قريشا في مواجهة الإسلام. هاي حلقة ثالثة. وحلقة رابعة: معاية مع أبي طالب، والحلقة الخامسة، هي: يزيد مع الحسين (ع)، فإذن القضية هي قضية صراع قبلي بين طرفين. في كل مرحلة زمنية من المراحل، يعترك هذان الفرعان من القبيلة الواحدة، لأي سبب من الأسباب. وعلى هالأساس ألفت كتب، مثل: كتاب النزاع والتخاصم بين أمية وهاشم، لتقي الدين المقريزي، في هذا الباب مفصل كتاب، وغيره أيضا كتبوا في ذلك. وبعض أفكار هذه الحكاية ذكرها مؤوخون كالطبري وغيره. فقسم من المفسرين للتاريخ جاؤوا وقالوا أن صراع الحسين مع يزيد، هو حلقة من حلقات هذا الصراع القبلي
لا ريب أن هذه الفكرة وإن صحت بنسبة في طرف بني أمية، إلا أنها لا تصح أبدا في جهة الحسين (ع) وحركته. في طرف بني أمية، بالفعل، جماعة عندهم، ويصرحون بذلك، عندهم دوافع شخصية بعضها، دوافع قبلية بعضها، دوافع دنيوية، وشهوية، بعضها، وبعضهم يصرح بذلك. يعني مثلا أبو سفيان لما يجي ويقول، بعد أن يركل قبر حمزة، في زمان الخليفة الثالث، جا المدينة ودفر قبر حمزة بن عبد المطلب، وقال له: يا أبا عمارة أن الأمر الذي كنا نجتلد عليه بأسيافنا، أصبح لعبة بين غلماننا شقد احنا كنا نتعارك على الموضوع! حروب ومعارك كذا، الآن صار لعبة بيد أطفالنا وصغارنا، وصرح بهذا أمام ابن عباس في مجلس حضره بنو أمية، وكان في ذلك الوقت أبو سفيان قد كف بصره، فقال: يا بني أمية تلاقفوها تلاقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما من جنة ولا من نار. القضية، المعركة كانت معركة على سلطة ورئاسة وكذا، واحنا بالنتيجة حصلناها، انهزمنا في قريش، لكن الآن حصلناها. هذا تصريحات ثابتة عن هؤلاء.
معاوية مثلا، ينقل عنه مطرف ابن المغيرة بن شعبة، المغيرة بن شعبة، هذا واليهم، بل هو الذي فتق – كما يقول – على الأمة فتقا لا يرتق عندما على معاوية بأن يولي زيد العهد. والغرض منه: لا يزيد ولا معاوية، هذا سوق المصالح الشخصية. معاوية كان يريد أن يعزل المغيرة باعتبار طوَّل، من زمان عثمان الخليفة، إلى زمان معاوية، سنوات طويلة، وهو والي، وضج منه. فكان يريد أن يعزله عن الكوفة، فشيسوي الآن حتى يضمن بقاءه، إجا إلى معاوية، وأشار عليه، وقال له: ليش ما تولي أنت يزيد ابنك؟ ما شاء الله علم، فهم، تقى، كل الصفات اللازمة للخلافة موجودة فيه، ليش متأخر؟ قال له: أو يقبل الناس بذلك؟ قال: أنا علي الكوفة. معناها: أبقيني فيها. أنا علي الكوفة، زياد على البصرة، وباقي الناس يقبلون، قال: أوتفعل؟ قال: أفعل، نعم، فضمن سلطته على الكوفة. وقدم هذا الاقتراح السيء إلى معاوية.
مطرف بن المغيرة، ابنه المباشر، يقول: أنا كل ليلة كان والدي يأتي، وينقل إلي كلام عن حكمة معاوية، وعن حلمه، وكذا، إلى أن فد ليلة إجا شفته غاضب عليه. قلت له: خير إن شاء الله، شصار. قال: أنا رحت إلى معاوية، وقلت له: بعد الآن الأمور استقرت بيدك، فلو نظرت إلى بني عمك، بني هاشم هذولا، واجد حصلوا أذى، فشوية طيبت خاطرهم وحالهم وخففت عنهم، فقال: "يا مغيرة، لقد ملك أخو تيم فعدل. فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، ثم ملك أخو عدي فعدل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، ثم ملك أخونا عثمان فعدل، فما لبث أن هلك حتى هلك ذكره، وهذا ابن أبي كبشة يصرخ به في كل يوم خمس مرات". منو ابن أبي كبشة؟ يقصد النبي. هذا خلا اسمه وي الأذان وي الإقامة، وكل يوم: أشهد أن محمدا، لذكره الصلوات. اللهم صل على محمد وآل محمد. "لا والله إلا دفنا دفنا". هذا من قبل الطرف الأموي واضح، أن عندهم هذه القضية، وأن القضية قضية دنيوية وانتصار وقبيلتنا، وهذي الأمور، أما أمور مثلا: رسالية ومبدئية ودينية، كلا. فاحنا ما نستبعد هذا الكلام الذي يقال: من أنه صراع بين فرعين في قبيلة، في ذلك الطرف، نعم. تحركهم ددوافع قبلية، دوافع دنيوية، دون هذا الجانب. لا نشك لحظة واحدة أن النبي (ص)، لم يكن يتحرك في مواجهة أبي سفيان مندفعا، من دافع قبلي ولا عاطفي ولا شخصي، وإنما من دافع مبدئي ديني، وهكذا الحال بالنسبة للحسين (ع). فهذا التفسير للنهضة الحسينية، في وجه بني أمية، تفسير ناقص، غير صحيح، خاطئ، إذا كان له صحة، فهو من ذاك الطرف فقط.
تفسير آخر: أن لا، القضية قضية شخصية، بين يزيد وبين الحسين، أكو أحقاد شخصية، يصير إنسان وي إنسان يتعارك وياه، لأن بينهما أحقاد شخصية، فيقول لك: أن بين الحسين وبين يزيد، صار ما ينشيئ هذا، والغريب أنه حتى كاتب كبير، مثل: عباس محمود العقاد، وهو كاتب فخم من الكتاب المسلمين، إلا أنه يكتب في كتابه هذا الأمر، مع أنه، لا أصل تاريخي له، ولا يمكن تفسيره بهذا التفسير، ما هي القضية؟ يقولون: أنه بين يزيد وبين الحسين كانت معركة، لأجل أن الحسين منع يزيدا من أن يتزوج أرينب بنت إسحاق، امرأة اسمها: أرينب، كانت فائقة الجمال، كما يقولون، هذا نقله، صاحب ابن قتيبة الدينوري، صاحب كتاب الإمامة والسياسة وسنأتي بعد قليل عليه، متوفى سنة 270 هجرية.
يقول لك: هذه المرأة كانت فائقة الجمال، سمع بيها يزيد، تعلق قلبه بها بالسماع، شايف شلون، أنو هذه امرأة جميلة فاتنة، كذا، فعشقها عشقا ملك عليه حواسه، واحد من غلمانه، راح إلى أبيه معاوية، وقال له: ترى هذا يزيد، رح يهلك من ورا هذا العشق والحب الذي يكنه لهذه المرأة. قالوا له: عمي هذي امرأة، متزوجة، ذات بعل، قال: ما أقدر أصبر عنها، ولا بد لي منها، منز زوجها، قالوا: هذي زوجها اسمه: عبد الله بن سلام،والي معاوية عل العراق، قال: زين، إذن بسيط الأمر، نعمل الحيلة فيه. استقدم عبد الله بن سلام إلى الشام، حسب هذه الرواية، سنناقشها بعد قليل، استقدمه إلى الشام، وقال له: أنا رغبتي أن أزوجك إحدى بناتي، فلانة. معاوية يقول لعبدالله بن سلام، وبالتالي، بعد أنت تصير جزء من العائلة المالكة والأسرة الحاكمة، طيب، واحنا عندنا رغبة فيك، فهل أنت تقبل،قال: بلى، شلون ما أقبل بعد، الحاكم نفسه يقول له تعال تزوج بنتي! قال: أقبل. فقال له: بس مشكلتنا أن هذه البنت بعد ما عرضنا عليها الأمر، قالت: أن هذا الرجل عنده زوجة، وأنا ما أقدر أملك نفسي من الغيرة، فما أستطيع على ذلك، فقال له: تكرم هي ويكرم أبوها، حسب التعبير. أنا أطلقها. فطلقها ثلاثا في المجلس. زين، وعندهم هذا يجوز، وما عنده مجال بعد للرجعة فيها، فانتظر حتى، قالوا له: انتظر حتى هذي تخرج من عدتها، بعد ما خلصت العدة، عبد الله بن سلام دخل على هذه بنت معاوية، حتى يتفاهموا على الموضوع، فقالت له: والله، أنا ما كنت أتصور أنه أنت رجال كبير وشيبة وكذا، ووكل هالقضية محبوكة، وأنا كنت أتصور رجال شاب وجميل، تبين مو هالشكل، فاسمح لي بعد هذا ما أتمكن منه. فخسر زوجته ولم يربح هذه. في نفس الوقت قالوا: أن معاوية عزله عن العراق. وخسر كل شيء في هذه المغامرة. المهم أنه أرسل إليها من قبل معاوية – حسب هذا النقل – أبا الدرداء، واحد من أصحاب معاوية وأيضا كان من صحابة النبي، بس له ميل للشاميين، أنه روح اخطب إلينا فلانة إلى يزيد. هذا قام راح، قال أول شيء ما دام أنا رايح للعراق، خل أمر على المدينة، أزور النبي وأروح العراق فيما بعد، وأخطبها. مر على المدينة، شاف الحسين، قال له: ها شعندك جاي هنا، قال: رايح إلى العراق، حتى أخطب فلانة إلى فلان. قال له: زين، إذا هي خلية من الزوج، اخطبها لي أيضا، اعرض عليها أن فلان يرغب فيك أيضا. شوف إذا نصيب إلنا حياه، قال: زين، هذا خوش سعي بعد. ما أدري حصل سعي من هذا وهذاك لو لا؟ فذهب إليها وخطبها للاثنين، قال لها: عندي إلش خطابة اثنين، نو تقبلين؟ براحتش. قالت له: أنت شنو تختار إلي؟ قال: لو أنا بنتي، لا أفضل فما على فم قبله رسول الله (ص). فقالت له: إذا هالشكل خلاص إذن، اعقد إلي على الحسين. فعقد لها على الحسين، لما رجع إلى ذلك المكان، إلى الشام، هذا، حسب التعبير، الجهة الأموية، اشماعندهم من شتم شتموه، حسب التعبير، أنه احنا دزيناك حتى تجيبها إلنا، رحت وديتها إلى واحد آخر، فغضب منه غضبا شديدا، بس بعد انتهى الأمر.
هذا عبد الله بن سلام، يقولون: افتقربعدين، وكان قد أمَّن زوجته أرينب، أموال قبل، فراح إليها حتى يأخذها منها،فعرف أن القضية فيها خدعة صار، وعلم الحسين (ع)، فسرحها لكي يتزوجها زوجها من جديد. يقول لك: هذا الأمر خلى يزيد يحقد على الحسين (ع)، ويفكر في قتله.
طبعا هذه الرواية، ليست من الروايات المعتبرة من الناحية التاريخية، أولا: نفس الكتاب هذا، كتاب: الإمامة والسياسة، هناك كلام بين المحققين في صحة انتسابها لابن قتيبة الدينيوري، ابن قتيبة مؤرخ من المؤرخين المعروفين، وله أيضا مقتل للحسين (ع)، لكن هذا الكتاب: الإمامة والسياسة، أكو شكوك حول انتسابه إليه، هذا واحد، الثاني: يذكرون أن هذه القصة لم تذكر في أي مصدر قبل ابن قتيبة، فوين كان عنها المؤرخون، ولم تذكر في التواريخ المعتبرة القوية المعروف نسبتها إلى أصحابها، مثل: الطبري، والمسعودي، وما شابه ذلك. وثالثا: أنه لا يعرف أن هناك واليا لمعاوية اسمه عبد الله بن سلام. فمجموع هذه الأمور تشكك في هذه الرواية، فضلا عن أن تكون سببا في الصراع بين الإمام الحسين (ع) وبين الأمويين، نحن لا نستبعد أن يكون يزيد بهذا المستوى وأسوأ من ذلك، من أنه إذا شاف امرأة جميلة أو كذا، يحاول يسطو عليها، حتى لو كانت زوجة لآخرين. أكو هالشكل، بعض الحكام عندهم هذا. طيب. ولكن هذه الحادثة، لا تتمتع بميزة قوية موثوقة، وإن كان نحن لا نستبعدها من مثل يزيد وأمثاله، هذولا يعيشون لشهواتهم، يعيشون للذاتهم، لا يعيشون للآخرة، يعيشون لهذه الدنيا وما فيها من مصالح. لكن أصل هذه القضية لا يمكن الوثوق بها، وبناء عليه، إذا أصل القضية غير ثابتة، فكيف تصلح أن تكون سببا من أسباب صراع الحسين مع يزيد. هذا واحد، ثانيا: حتى لو فرضنا هي من طرف يزيد هكذا، لكن الحسين لا يتحرك في قضية قتال إلى درجة الشهادة، وخروج إلى درجة الثورة، على أساس قضية امرأة، وأنه يريد أن يمنع يزيد من الزواج منها. هذه القضية إذا صحت فهي تفسر بعض دوافع ذلك الطرف، لا تفسر دوافع الإمام الحسين (ع).
هذا إذن تفسير ناقص، يعني التفسير القبلي تبين أنه ليس تفسيرا حقيقا بأن يكون معبرا عن حركة الحسين (ع) في هذا الاتجاه، وكذلك مثل هذه القضية، اللي هي قضية شخصية، موضوع زواج، حرمان يزيد من هذه المرأة، وإرجاع هذه المرأة لزوجها، لو صحت، فهي تعكس عن مستوى أخلاق رفيع جدا للإمام الحسين (ع) في أنهحتى إذا يريد يعقد عليها من أجل إرجاعها إلى زوجها الأصلي، بس ما تفسر نهضته وحركته العامة بأنها كانت منطلقة من هذه القضية التي لم تثبت من الناحية التاريخية، هذا تفسير أيضا ناقص، وإن ذكره كما قلنا، مؤرخون قدامى، مثل: ابن قتيبة، على تردد في نسبة الكتاب له، وذكره أيضا صاحب كتاب: النصائح الكافية، لمن يتولى معاوية، واعتبر هذا من جملة المطاعن، على يزيد، وعلى أبيه، أنه والي المسلمين وخليفة المسلمين، هالشكل يتصرف في بلاد المسلمين، فيطلق بالخدعة امرأة من زوجها، لكي يزوجها ابنه، إذا صحت، فهذا فد مطعن من المطاعن الأساسية على هذا الرجل.
تفسير ثالث، هو أيضا تفسير ناقص، بل خاطئ، يقول: أنه تمت خديعة الحسين (ع)، من قبل أهل الكوفة، الحسين كان قاعد في مكانه، حسب هذه النظرية، والتفسير الخاطئ، كان قاعد في مكانه، أهل الكوفة، قالوا له: احنا أنصارك واحنا جماعتك، واحنا نحميك، وتعال، وما تشوف إلا كل خير، فلما قدم إليهم، أسلموه، وغدروا به. فانخدع الحسين بأهل الكوفة، وراح إلى هذه المعركة.
جواب هذا، جدا واضح: انخداع الشخص، إما لأن ذاك الطرف، جدا عنده حيل ومكر شديد، أو لأن هذا الطرف ساذج جدا، والحسين (ع) كان رجلا عالما فاهما، يكرر لمن كان يسأله، أنه ليس يخفى علي الرأي. أنا عندي محيط بالقضية كلها، إلى ابن عباس، إلى محمد بن الحنفية، إلى غيره، كلما قالوا إله، قال لهم: أنا القضية مو غافل فيها، الرأي ليس يخفى علي، التخطيط ليس بعيدا عني. إضافة إلى ذلك: المخدوع متى ينتبه إلى أمره؟ آخر شيء. بعد ما يحاصر الحسين (ع)، من أول يوم قال: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي"، من أول يوم قال: "ومثلي لا يبايع مثله"، شنو معنى أن ينخدع! من أول يوم قال، من خروجه من مكة المكرمة، "وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء"، فالقضية إذن، قضية واضحة، بينة، سيتبين لنا إن شاء الله إذا تحدثنا عن منطلقات الحركة الحسينية، من خلال كلام الإمام (ع)، أن الحسين يعلم أنه يقتل ويستشهد في هذا الخروج، مو هو يدري، سائر الناس الذين يعرفون حديث رسول الله كانوا يعلمون بذلك. هو كم سمع من أبيه، ومن جده، وسمع من أمه الزهراء، وسمع من أم المؤمنين أم سلمة، عند خروجه، كل هذا، كله، يسمعه ولا يصدقه، ويروح يصدق بعض الأغمار ممن يرسل إليه، ويكون غافلا ومخدوعا.
الذي يقول هذا الكلام، يهين من هو أدنى من أدنى أتباع الإمام (ع)، مو للإمام سلام الله عليه. أي واحد الآن يعرض عليه أمر، يقلبه، يشوف، القرائن على وين، هل هناك وفاء أو خيانة، أو غير ذلك، إنسان عادي، يقدر يتوصل إلى هذا بالتحليل السياسي والرؤية العادية، فكيف بالنسبة إلى الإمام الحسين (ع) وهو الذي يمتلك عقلا راجحا لو قيس به كل من كان في ذلك اليوم، إلى جانبه، لرجح به الحسين سلام الله عليه.
فإذن هذه لا يمكن أن تكون سليمة ولا صحيحة، وإنما كما قال الحسين (ع): "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا"، أو "الذي كان منا، تنافسا في سلطان، والتماسا لشيء من فضول الحطام، ولكن لنري" في رواية، "المعالم من دينك"، يعني: كأنما المعالم، معالم الدين اختفت، فاحنا نري الناس معالم الدين هذه.
في رواية أخرى: "ولكن لنَرُدَّ المعالم من دينك"، كأنما معالم الدين لما جعلها رسول الله في الأمة، من جاء من الظالمين بعد رسول الله، ولا سيما في الحقبة الأموية، نفوا هذه المعالم، وحذفوها من واقع الأمة، فنحن نجي نرد تلك المعالم، ونعيدها إلى المجتمع.
أو "لنَرِدَ المعالم"، مثل ما واحد يرد الماء، (ولما ورد ماء مدين)، نرد المعالم: نوصل إلى معالم الدين، ويوصل الناس بوصولنا إلى هذه المعالم. "لنري المعالم من دينك، فتقام المعطلة من حدودك، ويامن المظلمون من عبادك". فنهض الحسين (ع)، في هذه النهضة، وواصل المشوار، ولم يتوقف إلى الأخير، حتى بعد أن استشهد مسلم بن عقيل، ووصل إليه الخبر وهو في الطريق، واصل مشواره صلوات الله وسلامه عليه، وظل يتواصل مع شيعته من أهل الكوفة، ويرسل إليهم حتى يلتقوه في كربلاء، على موعد من الشهادة. وكان من أولئك الذين أرسل إليهم الحسين (ع) حبيب بن مظاهر الأسدي سلام الله عليه.
|