الحمد لله الواحد الأحد الصمد 10
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 2/8/1441 هـ
تعريف:

الحمد لله الواحد الأحد الصمد 10

تحرير الفاضلة أم سيد رضا

 تحدثنا في حلقة سابقة من دعاء الإمام الحسين عليه السلام عن أن الداعي يشهد بحقيقة إيمانه وثم يبدأ بتفاصيل نعم الله عليه في بدنه من مجاري بصره وأسارير صفحة جبينه، فيشهد شهادة متيقنة واعية بأنه لا يستطيع أن يؤدي شكر نعمة واحدة من نعم الله عز وجل عليه ولا يستطيع أن يحصي ذلك، لكنه مع ذلك يقرر موقفه بالإيمان جازماً بأنه يحمد الله تعالى الذي ليس له ولد ولا شريك ولا ظهير ولا ند، فإن عجز هذا الداعي عن بلوغ غاية الشكر لله إلا أنه غير عاجز عن الإقرار بالتوحيد وعن نفي الشركاء وعن التأكيد على أن الله سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لك يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وهو الذي سوف يحمده حمداً كثراً يعادل حمد ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين.

 من الذي ينبغي أن يحمد؟ وما هي المؤهلات التي لا بد أن تحصل حتى يُحمد صاحبها؟

الحمد إما أن يكون لكامل الذات المنزه عن النقائص، فالحمد هو مرحلة عليا من المدح كأن يحمد شخص شخصاً آخر لأنه في جهة الكرم كريم فيُمدح بذلك ويُحمد عليه، او يُمدح بالشجاعة ويُحمد على ذلك، فإذا كملت صفة من الصفات في ذات مدح بها أثني عليها فيها ثم حُمد عليها، فربنا سبحانه وتعالى في صفاته وكمالاته له الأسماء الحسنى والأمثال العليا بما لا نتصوره نحن البشر، فهذا الكمال الامتناهي في صفاته وأسمائه يستوجب منا ان نحمده سبحانه وتعالى على ذلك حيث أنه هو المطلع الذي لا حدود له في كماله.

جهة أخرى يحمد عليها المحمود وهي الإحسان، فإذا أحسن إليك أحد في عطاء وفي عمل من الأعمال استحق ذلك الإحسان والحمد والشكر، فالإنسان يشكر والديه ويحمدهما على تربيته لأن هذا الإنعام منهما في التربية من الصبر والعطاء والتجلد والإنفاق يستوجب عليه أن يحمدهما ويشكرهما، فكيف بالمنعم الأعظم والمتفضل المنان الأكبر الذي هو الله سبحانه وتعالى ولذا فإنه يستوجب منا الحمد والشكر.

هناك جهة ثالثة أيضاً، أن من يرجى نواله وعطاؤه في المستقبل فإنه يُحمد ويُشكر ويُمدح لإستمطار المزيد من عطائه ولإستدراج الآلاء منه وهذا بالنسبة للإنسان العادي، فكيف إذا كان ربنا سبحانه وتعالى الذي يكون الخير منه مستمر ودائم، والنعمة من طرفه جارية ولا متناهية.

وأيضاً من يُخشى عذابه وعقابه فإنه يُمدح ويُحمد حتى يُتقى بذلك عذابه وعقابه، فلو أنكر الإنسان وجحد وتمرد فإنه يتعرض للعقوبة، ولأن العقوبة الإلهية هي أعظم العقوبات للجاحدين فإن هذا يدفع الإنسان العاقل لأن يحمد ربه وأن يشكره ويترك الجحود والتمرد عليه حتى لا يتعرض لهذا العذاب، فهذه جهات مختلفة للحمد أشار إليها الشيخ عباس الريس البحراني في كتابه أصول المعرفة في شرح دعاء عرفة وهو كتاب ممتع ومفصل من ثلاثة أجزاء مطبوع قبل أكثر من ثلاثين سنة ولكنه كتاب نافع ومفيد في هذا الباب، فقد أشار فيه إلى هذه الجهات المتعددة من عوامل حمد الإنسان لربه سبحانه وتعالى.

الفقرة التالية التي نشير إليها في قوله عليه السلام: (أجل ولو حرصت أنا والعادّون من أنامك أن نحصي مدى إنعامك سالفه وآنفه ما حصرناه عدداً ولا أحصيناه أمداً هيهات أنى ذلك وأنت المخبر في كتابك الناطق والنبأ الصادق، وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، صدق كتابك اللهم وأنباؤك وبلّغت أنبياؤك ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك وشرعت لهم وبهم من دينك، غير اني يا إلهي أشهد بجهدي وجدي ومبلغ طاقتي ووسعي وأقول مؤمناً موقناً، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً فيكون موروثاً ولم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما ابتدع ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع فسبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وتفطرتا، سبحان الله الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الحمد لله حمداً يعادل حمد ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وصلى الله على خيرته محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين المخلصين وسلم).

بعد أن أورد الدعاء ذكر أننا لا نستطيع إحصاء نعماء الله عز وجل وقال هيهات ولو حرصتُ أنا والعادون من أنامك لو تحول كل البشر إلى حساب وكتاب ليحصوا مدى إنعامك سالفه وآنفه، قبل وجودنا وبعد وجودنا وحياتنا ما كانوا حصروه عدداً ولا أحصوه أمداً، لا من حيث العدد ولا من حيث الزمان، فكيف لنا ان نستطيع ذلك وأنه الواقع الذي أكده الله تعالى في كتابه الناطق والنبأ الصادق: (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ))، صدق كتاب الله وأنباؤه التي لا يتطرقها الشك، فماذا يعني أن يأتي الناس في الأزمنة المتأخرة متأثرة بقول بعض غير المسلمين بأن قصص القرآن غير واقعية وأن الطوفان كذا وأن موسى وعيسى كذا، ويقولون هذا وكأنه هو القول الفصل، فأي جحود أكثر من هذا وهم في هذا يتشدقون أنهم متقدمون وعلميون.

( وبلّغت أنبياؤك ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك وشرعت لهم وبهم من دينك )، لم يتخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلمة واحدة ولا حرفاً واحداً عما أخبر الله عز وجل به عن طريق جبرئيل، فسواء كان الامر في جهة قصص القرآن الكريم ونقله للحوادث وإنبائه عن الماضي أو من جهة التشريع والقوانين فإن كل ذلك صادق وهو من عند الله عز وجل.

ما دمنا لا نستطيع نحن ولا جميع الخلق من العادّين على أن نحصي هذه النعم فماذا نصنع؟ يقول هنا الإمام الحسين عليه السلام: (غير اني يا إلهي أشهد بجهدي وجدي ومبلغ طاقتي ووسعي وأقول مؤمناً موقناً، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً فيكون موروثاً ولم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما ابتدع ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع )، أي أنا يا إلهي جاد ومجتهد لست عن غير علم وإنما بذلت أقصى ما أستطيع من قدرتي العلمية وكل ما لدي من الطاقة والجهد لأن أشهد وأقول الحمد لله، فيجب على المؤمنين والمؤمنات في كل أوقاتهم، في سرائهم وضرائهم، نجاحهم وفشلهم أن يقولوا الحمد لله رب العالمين، فالمشهور عندنا في الآثار ( الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه )، فهو مكروه في نظر الإنسان وفي لحظته الحاضرة ولكنه لا يعلم أن هذا المكروه المؤقت قد يكون الله دفع به ضرراً عظيماً، فالحمد لله الذي لم يتخذ ولداً فيكون موروثاً.

من الجميل في الأدعية المروية عن المعصومين أن محتواها ليس فقط التضرع وإحياء الجانب الروحي، وإنما فيها أيضاً تعليم وأفكار ومدارس، ففي هذه الكلمة يرد الإمام الحسين عليه السلام على اليهود والنصارى الذين قالوا عزير بن الله والمسيح بن الله، فيقول عليه السلام أنه الله لو كان له ولد لكان موروثاً لأن اتخاذ الشخص والذات للولد يعني طمع في الإستمرار ولكن الله سبحانه وتعالى لم يتخذ ولداً لأنه لو اتخذ ولداً لكان هذا الولد يرث ما لدى الوالد وهذا لا يحصل بالنسبة لله عز وجل، وأيضاً بعض المسيحيين اعتبروا أن عيسى شريكاً لله ومن هذا الباب يُطلق على هؤلاء مسنى المشركين، وكذلك بالنسبة للوثنيين الذين يجعلون الأوثان والأصنام والأرواح والشياطين وغير هؤلاء  شركاء لله عز وجل، فالدعاء يقول أن وجود شريك لله يقتضي ان تتضادّ إرادات الشريكين عندما قال عليه السلام: (ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع)، فعلى سبيل المثال لو كان هناك شخصان في شركة واحدة فإنه يحصل بينهما اختلاف في الرأي والتجاذب في القرارات والآراء ما هو ملحوظ وواضح، ثم يكمل عليه السلام ويقول: (ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع)، فلماذا يتخذ الإنسان ولياً أو مساعداً أو معيناً أو كبيراً؟ ذلك لحاجته إليهم وضعفه عن القيام بكل شؤونه، لكن الله سبحانه وتعالى لو كان له ولي بسبب ضعفه وذله وعجزه لرفده فيما صنع، لذلك نجد أنه ليس هناك إلا خلق واحد من قبل واحد وليس هناك إلا نظام واحد لا يتصرف فيه إلا الواحد.

(فسبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وتفطرتا)، أي أننا ننزهه تنزيهاً بعد تنزيه ونرفض وجود الشريك والولد والولي، فلا إله  إلا الله، ولو كان فيهما آلهة إلا الله سواء على نحو الشراكة أو على نحو الوالد والولد أو على نحو المعين والمستعين لفسدتا وتفطرتا، ولذلك نحن شيعة أهل البيت نرفض كل نحو من أنحاء نسبة النقص لله عز وجل والإشارة إلى أن هناك من يساعد الله ويشاركه ويعينه ولو جاءت بذلك كل الكتب فإنه يضاد أصل التوحيد ولا صحة له عند علماء اهل البيت وشيعتهم.

ويردد سلام الله عليه مرة أخرى: ( سبحان الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)، إن رأس الأذكار وأهمها هو التسبيح لأنه تنزيه لله عز وجل، فسورة التوحيد المباركة التي ضُمنت بعض آياتها في هذا الدعاء هي من مستحبات الصلاة المؤكدة، بل وورد في روايات أهل البيت عليهم السلام أن هناك تقريع وتوبيخ على من يترك قراءة سورة التوحيد في صلاته، وذلك لما فيها من المعاني ولما فيها من خالص التوحيد الذي يفهمه عامة الناس، وكذلك من أراد التعمق في قضايا التوحيد فطريقه هو سورة الإخلاص، حتى أنه ورد عن المعصومين عليهم السلام أنهم قالوا أن الله علم أنه سيكون في آخر الزمان أناس يريدون التعمق في مسائل التوحيد وصفات الله عز وجل فأُنزلت سورة التوحيد.

هناك طريقتان من الحمد والتسبيح وذكر الله عز وجل، فتارة يقول الإنسان الحمد لله رب العالمين ثلاث مرات، هذه هي حمدٌ لله عز وجل ويثاب عليها الإنسان، وتارة أخرى يلحقها بصفة من الصفات وكمٍ من الكميات كما قاله الإمام الحسين عليه السلام في دعائه: (الحمد لله حمداً يعادل حمد ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وصلى الله على خيرته محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين المخلصين وسلم)، فنحن هنا لا نعلم كم حمد الملائكة المقربون ربهم، وكم مره حمد الأنبياء والمرسلون إلههم، لكننا نعلم أنه في غاية الكثرة ولا مجال لحصره وعده لأن الملائكة ذائبون في حمد الله وتسبيحه مذ خلقوا إلى يوم يُقبضوا وكذلك الأنبياء والمرسلون كانوا في حاله حمد وشكر وذكر، فهي كميات هائلة وهذا يحقق للإنسان ثوباً بمقدار ذلك الثواب، لذلك نجد في الخُطَب: الحمد لله عدد الرمل والحصى وزنة العرش على الثرى، الحمد لله عدد حبات الرمل، الحمد لله عدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه، فيجب على المؤمنون والمؤمنات أن يحرصوا على أن يكون حمدهم في هذه الاذكار وتسبيحهم ملحوق بوصف لا سيما فيما جاء مأثوراً، مثل ان يقولوا: سبحان الله كما يحب الله أن يُسبَح وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، الحمد لله كلما حمد الله شيء، أي الحمد لله بمقدار ما يحمده كل خلقه وكما يحب أن يُحمد، فقد لا نستطيع الوصول إلى كيفية محبة الله لحمده فالحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها، ونجد أيضاً أن الصلاة على النبي وآله جزءٌ من الدعاء وليس فقط تزيين أو تحليه للدعاء أو مجاملة منّا، فالإمام الحسين عليه السلام عندما يدعو الله فإنه يصلي على النبي وآله وهو منهم، وكذلك النبي محمد صلى الله عليه وآله عندما يتشهد في الصلاة فإنه يصلي على محمد آل محمد.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بحمده وشكره وأن يعيننا على ذلك وأن يجعلنا من خير حامديه ويجعلنا من المصلين على نبيه المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.





مرات العرض: 3380
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 44882.58 KB
تشغيل:

لماذا لا يمكن إحصاء نعم الله 9
اجعلني أخشاك كأني أراك 11