12 بين جدية الحياة وإدمان الألعاب
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/1/1441 هـ
تعريف:

بينَ جديّة الحَياة وإدمَان الألعابْ

كتابة الفاضلة/  ليلى الشّافعي
تدقيق وتهميش الفاضلة سلمى آل حمود
 قال الله العظيم في كتابه الكريم : " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون*"(1)
هذه الآيات المباركات تشير إلى رؤية الإسْلام في خلق الحياة وخلق الإنسان والكون . " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون*"، أيّ أنّه لو كان هذا الكون وهذا الخلق على أساسٍ غيرُ هادف ، لو كان عابثًاً ، أو كان لهوًا ، أو كان لغوًا  لكان لا يحتاج لكل هذا النظام التكويني والتشريعي . فالعبث واللعب واللهو لا يحتاج إلى نبوات وأنبياء ودسَاتير وأحكام، وكل دستورْ لابد أن يكون فيه علةٌ أو حكمَةٍ تكمُنُ ورائه ولا يمكن أن يكون ذلك اعتباطًا ، فهذه الآلاف المُؤلفة من الرسل التي أرسلت، وأضعافها من أوصيائها ما كان يحتاجها هذا الأمر اللاعب العابث.
 " بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ" فجعل اللهْو، واللعب، والعبث من مصاديق الباطلْ لأنه لا يوجدْ استقرارٌ له ولا دوامٍ أو بقاء، فالباطل في أصل تعريفه هو ذلك الشيء الذي لا  يبقى ولا يستمر بخلاف الحق الذي يعني الثبات والاستقرار والبقاء. فنقذف بالحق وهو هدفيّة الحَياة وهو أنّ هذا الكون خُلق من أجل غاية، وأنّ الكائنات سائرة إلى غاية ربانية و أنّ هذا المعنى (نقذفه على الباطل) أي (العبث واللهو) فيدمغه أي يُنهيه لأن ذلك لا استقرارٌ له ولا قيمة "وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون" أيّ أنّ أصلْ خلق هذا الكون السماء والأرض وما فيهما وما بينهما قائمٌ على أساس الهدفية وبعد ذلك جعل اللهو واللعب في مقابل الدار الآخرة

الفرق بين اللهو واللعب :

نلاحظ أنه في القرآن الكريم غالباً ما يأتي فيه وصفٌ للحَياة بأنها لعبٌ ولهو. فماذا يعني اللعب وماذا يعني اللهو ؟
ولماذا هذا الترتيب ؟
 معنى اللعب :
   اللعب من اللعاب التي اشتق منها اللعب، فما وجه المشابهة بينهما؟ فالكلمات عندما تتشابه لا بد أن يكون لها أصلٌ واحد ويُشتق منها اشتقاقات مثل كلمة الجن نجدْ أنّه يُشتق منها الجنين، والجنة، وجُنة، وهذه  كلها تدل على معنىً واحد و يدل أن فيها خفاء. وبالنسبة للعبْ واللعابْ حيثُ أنُّهم قالو بأن اللعاب فيه خواصْ ليس له بقاءٌ واستمرار، فإما أنْ يجتمع فيبصقه الإنسان وإما أنْ يبتلعه، وبالتالي فإنّ هذا له فترةٌ مؤقتة ثم لا يلبث أن يزول فلا يبقى ولا يستمر، أضف إلى ذلك، أنه شيء ليس ذا قيمة فلا تبذل أنتْ أموال فيها إذ أنّك لا تستطيع بيعه ولا شراءه، فمن جهةٍ لا بقاء له ولا استقرار ولا استمرار، ومن جهةٍ أخرى ليس له قيمةٌ كبيرة، هاتان المناسبتان قيل أنهما قد أُخذا في قضية اللعب، فاللعب أيضًا شيء غيرُ مستمر وليس له قيمةٌ حقيقيةٌ للإنسانْ، يعني أنّ اللعب في مقابل الجد، وفي مقابل الانشغال بما هو مفيد ليس له قيمة .
 معنى اللهو :
  واللهو هو كلْ ما يشغل الإنسانْ عمّا يُعنيه سواء كان محللاً أو غيرُ محللْ. لذلك ورد في حديثٍ نُسِب إلى نبينا المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) أنه قال : ( كل لهو المسلم باطل إلا في ثلاث : في رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنّهن )(2) وإلا باقي الأشياء ليس لها قيمة . واللعب مختصٌ بفترة الطفولة و بينما اللهو في مرحلة الشباب وما بعده لذلك غالبًا ما تأتي آيات القرآن الكريم التي فيها وصف الحياة الدنيا بأنها لعبٌ ولهو بتقديم اللعب على اللهو إلا في موردٍ واحد وذاك لسببٍ خاص لسنا الآن في معرض الحديث عنه .
انظروا إلى الآية ، يقول الله عز وجل : "إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ" (3) 
آيةٌ أخرى :"وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ"(4).
 فوصف سُبحانه وتعالى الحياة الدنيا بأنها لعبٌ ولهو هذا بالنسبة لمن يتخذها كذلك لا أن كل شيءٍ في الحياة الدنيا هو لعب ولهو لأنه قد سبق القول: " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ"(5) فليس من المعقول أن يقول الله عزّ وجل: ما خلقناهما لاعبين وبعد ذلك يقول: الحياة الدنيا فقط لعب ولهو . إنما هو سبحانه وتعالى يقرع من يؤمن بهذه الفكرة . فأولئك قالوا : " وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ "(6) فكل، واشرب، والعب إلى أن تنتهي المسألة . فهذه هي الحياة اللاهية العابثة اللاعبة .فعلى مستوى الخلق للعالم كله، فإنّ هذه الحياة مطلوبٌ فيها الجدية وعلى مستوى المقارنة بين الحياة الدنيا المطلوبة إلهياً أيضًا فمطلوبٌ فيها الجانب الجاد . بل أكثر من ذلك حتى اللهو مع الأمور الحسنة والمحللة لا ينبغي أن تُلهي الإنسان عن أهدافه الحقيقية : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ"(7)، مع أن الملاعبة والمداعبة مع الأولاد هي من الأمور المستحبة والمستحسنة وكذلك الأموال ، لكن قضية اللهو غيرُ مطلوبة من الإنسان حتى بالنسبة لهذه الأمور المحللة ، إنما المطلوب منه أن يكون جاداً في حياته، أنْ يعرف من أين وإلى أين وفي أين ؟ فالله سبحانه وتعالى من أين جاء بك ؟ وإلى أين سيأخذك ؟ وفي أين أنت مَوجود الآن .فالله جاء بك من العدم وأعطاك مختلف النعمْ وصَرف لك الأشياء حتى تصِل في الطريق : "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" (8)هذه نتيجتك فانظر أين أنت الآن وكم من الطريق قطعت ؟ وكم من المهمة أنجزت؟  وماذا صنعت من أجل ذلك الهدف ؟
فهَذه منْ المشاكل المُهمة التي تعترض طريق الإنسان وهي أنّه غافلٌ عما يراد به كما هو في الدعاء : ( يا غفلتي عما يراد بي )(9) فتُنفق أيامه ويَذهب عمُره ولا يستطيع إيقاف الزمن و يستنفذ رصيده ساعةٍ ساعَة، ويومًا يومًا، وشهرًا شهرًا إلى أن يرى نفسه في يومٍ ما وقد انتهَى رصيده وهو إلى الآن لم يقطع نصف المسافة المطلوبة منه . فهل جربت في أحد الأيام أنك ذاهبٌ إلى مشوارٍ طويل بالسيارة وفي نصف الطريق نفذ منك الوقود ؟ فإذا كانَ هنا بإمكانك الاتصال بأحدٍ ليأتيك بوقودٍ إضافي ، فبالنسبة لحَياة الإنسان لا مجال لذلك، لأن عُمر الإنسان من الأشياء النادرة التي لا تتدارك . ففي الخبر ( كل يومٍ يمر على ابن آدم يناديه : يا بن آدم يقول أنا يوم جديد وغدًا عليك شهيد فقل فيَ خيرًا واعمل فيَ خيرًا فإنك لا تراني بعد هذا أبدًا) فيوم العاشر من محرم لعام 1441هـ قد ذهب و لا يأتيك إلى يومْ القيامة، فإذا أتى يوم العاشر من محرم في سنةٍ أخرى فهذا يكون علامة على أنك خسرت من عمرك سنة كاملة، فلا تستطيع استرجاعه حتى لو بذلت كل ثروتك لتسترجع نصف نهار فإنّكَ لا تقدر، والمشكلة أنّه إذا انتهى ذلك اليوم فقد انتهى جزءٌ منك .
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:( يا بن آدم إنما أنت عدد أيام فإذا ذهب يومك فقد ذهب بعضك ).
فلو قيلَ لشخصٍ ما له أنك في كل يوم يقطع منك مقدار بعد مدة من الزمان تستنفذ أعضاؤك وتنتهي، وهذا هو عمرك ، أيامك هي أجزاء من بدنك فكلما ذهب عنك يوم فإنّه جزءٌ من بدنك قد ذهب إلى أن ينتهي الرصيد  مثلُ الساعة الرملية تُملأ من الأعلى ثم تنزل حبةٍ حبة إلى أنْ ينتهي رُبعها، ثم نصفها، ثم تنتهي بأكملها ، فعمر الإنسان هكذا يتبخر بهذه الطريقة .

كيف يتعامل العاقل مع عمره :

فالعاقل الحكيم هو من يتعَامَل معَ الحَياة بالجدية المطلوبة الكافية، وأن لا يتصَور أنه يقتل الفراغ، فالفراغ يقتلك ، أو بأن يقول أنا سأقضي وقت لأنّ الوقت يقضي عليك. فنحن لا نلتفت لهذ المعنى . فقد تلاحظ أنّ رصيدك في البنك قد نقص بهذا المقدار اليوم، وبذلك المقدار أمس، وهكذا وتأتيه رسائل تنبهه. وكذلك العمر هُناك رسائل تنبهنا فاللحية البيضاء منبه، والأمراضْ التي تعتري الإنسان منبه، فمن مدة من الزمنْ كنت تصعد خمسة طوابق جرياً والآن إذا تصعد درجتين لا تستطيع التنفس! فهذا منبه . ظهري يؤلمني، وركبتي توّجعني ولا أستطيع المَشي وإلى آخره . فكثيراً ما يغفل الإنسان عن هذا المَعنى فيكون ساهيًا، ولاهيًا، وعابثًا في أمرٍ ليس مما يراد به .
فنقرأ في الدعاء ( يا غَفلتِي عمّا يُراد بيْ ) فأنا مشغول، ولكن مشغول بأي شيءٌ يختلفْ عن الهدف الأصلي الذي من أجله خلقت؟!
وهذا يقتضي منّا أن ننظر إلى الحيَاة بجديةٍ كافية لأنها مُتصرمة، وأيامها مُستنفذة وهي تأخذ منا الليل والنهار . يقول الإمام علي عليه السلام: ( الليلُ والنهارْ يعملانْ فيك فاعمل فيهما )(10) فهُما يشتغلان على هدم بدنك فاعمَل فيهما حتى تستثمر بدنك، فإذا ذهب يومُك وأنت قد استثمرته فيْ الهَدف الأساسي فأنت الرابح . فاستثمرته وأنت ماضٍ لمقصدك إذن لن تخسر شيئاً. أما ذاك الذي يقضيْ اليوم تلو الآخر في لهوٍ، ولعبٍ، وعبثٍ وعدم جديّة هذا الذي يجب أن يتأسف على عمره إذا ذهب ، فالحياة إذنْ لا تحتملْ كما يريدُها الدينْ وهي أن ينظر إليها الإنسان على طريقة اللهو واللعب .

أثر الألعابْ الإلكترونية :

وهذا يُجرنا إلى أمرٍ آخرْ وهُو ما يرتبط بالمُلهيات الحديثة الجديدة التي قد تتحول في بعض الأحيان إلى إدمانٍ عند بعض الناس مثل الألعاب الإلكترونية الحَديثة، فعندنا مُشكلة مع الأطفال ومُعظم الأطفال حالياً تكون موجودة في أيديهم الهواتف الذكية  وغيرها من الأجهزة، ويؤثر ذلك على الكثير منهم و على تحصيلهمْ الدراسيْ وهذا له بحثه الخاص و لن نتحدث عنه الآن . إنما حديثنا على أثر هذه على الكبار، وعلى الشبابْ، والأزواج، والزوجات ومن تقدم في العمر فذاك طفلْ قد لا تستطيع أن تفهّمه بشكلٍ كاملْ فيما يخصْ أطراف القضية وأوضاعها، المشكلة الآن أنّه أصبح لدينا نوعٌ من الإدمان عند الكبار وعند الشباب ، القوة الحقيقية الفاعلة للأمة هي القوة العلمية والعملية، و هي التي تبتلى بهذه الألعاب الحديثة التي لها كثيرٌ من الأسماء! فكل فترة من الزمان تأتي موجة مختصرها العام جماعة يلعبون في الانترنت ويتشاركون فيما بينهم، وينزلون في صحراء أو غيرها، وهذا يقتل هذا إلى أن يبقى في الأخير  شخصاً واحداً ويُعتبر هو الفائز. وهذه الأمور أيضًا فيها قدرة على جعل الشخص مدمنًا ًعليها .

  نظرية المؤامرة :

يَعتقد قسمٌ من الباحثين أن الأمر لا يخلو من قضية مؤامرة أصلًا على شباب الأمة وقدراتها، فيقال: أن هذه الأمة إذا أرادتْ أنْ تصْعد وتتحرّك، فستتحرك على يد قوتها الشبابية من الناحية العلمية والعملية ، فالحل هو أنْ نُشغِل هذه القوة بما لا ينفع، هذا ما يقوله أصحابْ هذه النظرية، وعندهم كلامٌ كثير مختصره: أنّ العالم أشبه برقعة شطرنج فيه قوى كبرى فاعلة، فكيف أنّ للشطرنج طرفان متنافسان، وأمامهما بيادق وأنّ كلُّ حركة يحركها كأنّه يُحرك الفرس أو الوزير أو غيره ، فكل حركة محْسُوبةٍ للقضاءْ على ذاك، والغلبة عليه وذاك أيضًا يعمل الشيء ذاته إما دفاعاً وإما هجوماً ، فلا يُوجد حركةٍ طبيعية اعتيادية، فيقولون: أنّ مثل هذه الألعاب بهذا المقدار من الإنفاقات عليها والترويج لها، إذ أنّ بعضهم يقول أنّ مثل هذه الألعاب لها أوقاتُ بثٍ استثنائي على بعضْ الدول المسلمة التي يتوقع فيها تحرك علمي وعملي فهذه موجه لها بشكل خاص فهم يزعمون هكذا .
فالأمر حَسْب رأيهم ليس خاليًا من وجُود جهة تعمل على هذا ، وأكثر الباحثين يقولونْ أنّ هذه مُبالغات فكلْ جماعة تريد المَال، والاستثمار، فلا يهمه من يلعبها ولكلٍ رأيه وحجته و نحن لسنا في صددها ، لكن النتائج المترتبة عليها فعلًا نتائج فيها خطورة لذلك نحن نشير إليها ونذكّر بها لعل بعض من يسير وراء الإدمان عليها يخفف من هذه الغلواء .

نتائج هذه الألعاب :

أولًا : فإنّ منظمة الصحّة العالميّة وهي مُنظمة مُعترفٌ بها وبتقاريرها، قد صَنفت الإدمان على الألعاب الإلكترونية على أنه مرضٌ يهدد الصحة العقلية للمدمنين عليها. بمعنى أنّ هذا ليس مجرد لهو وتضييع وقتٍ فقط! بل هناك خطر جدي يتهدد الصحّة العقلية للمدمنين على هذه الألعاب . فهُو يلعب في اليوم ثلاث، أو أربع، أو خمس ساعات ، فهذا أولًا يحمل خطورةٍ صحيّة حيثُ أنّهم يقومون بتقديم بعض الإحصاءات التي تدعم هذه الفكرة . فنحن نخاف على أجيالٍ من شباب هذه الأمة يصَابون بآثارٍ غيرُ مُستحسنة على صحتهم العقلية .
 ثانيا: حينَ يُدمن هذا الشخص على مثل هذه الألعاب ( حيثُ أنك تجد بعضهم حتى في الصلاة و بين الفرضين يفتح جواله ويلعب! و هذا بدلاً من تسبيحة الزهراء عليها السلام أو التعقيبات الأخرى، أو يتكلم معَك وهو يلعبْ، وأحيانًا تجده في العمل  في الدائرة، و تنتظره يُنجز مُهمته وهو يكمل لعبته، فكيف يقطع هذه المرحلة ! فتصبح لديه حالة من الإدمان ) وإذا صارت حالة الإدمان فماذا يحدث ؟
 أول شيء و بالذات  فيما يخصْ هذه الألعاب العنيفة التي يوجد فيها القتل، وتصفيّة الخُصوم سيصبح انطباعاً عند هذا الشخص ولو بمرور المدة أنّ حلْ المشاكل في الحياة والانتصار إنما يقوم على أساس العنف، والقتل والضرب والتصفية وما شابه ذلك .. وهذا غيرُ بعيدٍ بالنسبة لبعض الأشخاص وهو أن يزيد جرعة العنف والغلظة فيهم . لأن هذا الإنسان له قابلية أن يكون إنسانًا رحيمًا عطوفًا لينًا حسن المعاشرة ، وله قابلية في التنمر وفي القوة والعنف والشدة على غيره . فأي بيئةٍ أنت توفر له ؟ فإذا وفرت له بيئة طيبة صَالحة مؤمنة هادئة سَتهدأ نفسه ويتأثر بها. وإذا وفرْت له بيئة و  لاسيما مع التواصل، و مع بيئاتٍ أخرى نجد حينها أنّ الشاب عندما على مثل هذه والانترنت متاحاً له على كل العالم من بيئاتٍ مختلفة، وثقافاتٍ مختلفة، ونفسيات مختلفة، قد يكون فيهم أناس معقدو الشخصية والنفسية فيتأثرون بالتدريج بهذا، حتى أحيانًا يتعلمونَ منهم كلمات، وحركات وغير ذلك . والمشكلة الأكبر هو عندما يصبح عنده ثقافةٍ جديدة غيرُ حسنة و أن الحياة تدار بهذه الطريقة بالعنف والقتل وتصفية الحسابات .
والشيء الآخر الأكثر سوءاً هو أن هذه الألعابْ تقطع الإنسان عن واقعه بآلامه وآماله وتنقله إلى واقع افتراضي غير حقيقي، فيحقق انتصاراتٍ هناك على الشاشة وهو غارقٌ في الفشل في حيَاته الدراسية، والعملية، والزوجية ويحقق انتصاراته على الشاشة ويأخذ مرحلة بعد مرحلة، ويأخذ نقاطاً كثيرة وعلى هذا المعدل ، فيستبدل الأمر عنده فالحياة ليست تلك التي فيْ الخارجْ، إنما الحَياة هي التي يراها على الشاشة. ولكَ أن تتصورْ لو أنّ أبناء الأمة وشبابها صار عندهم هذا الانطباع وهو أنّ الحَياة هي هنُاك وليست الحَياة هي العالم الخارجي! وأن العدو ليس إسرائيل وإنما ذاك الذي في الشاشة فيصرخ عليه، ويطلق عليه بهذا الرصاص المزيف . وليست نفسه التي بين جنبيك هي أعدى أعداؤك حتى يقاومها ويجاهدها ويصلحها، لا .... وإنمّا هو المَوجود على الشاشة . وليس هو الشيطان .... فتتغير كل نظريته عن الحياة في بعض هؤلاء . فعدوه غير عدو، وصديقه غير صديق، وساحة حربه غير ساحة، ومواجهته في مكانٍ مختلف، وهذا بالتالي يجعل عدوّنا ليس الشيطان كما يقول الله تعالى ( فاتخذوه عدوًا ) صَار العدو هو هذا الذي في الشاشة يغتالنا ونغتاله، وعدونا ليس من يحتَلْ أرضنا وإنما عدونا هو تلك الرّسْمة أو الصورة أو ما شابه ذلك . فتصور لو أنّ كل شباب الأمة الإسلامية  صارَ عندهم هذا الانطباع ! فإنّ نجاحات وفشل الإنسان يتغير أين ينجح وأين يفشل .. فإذا نجحْ في تلك الألعاب وجاء مع أصحابه وقال وصلت المرحلة الفلانية، وقتلت هذا، وأخذت ذاك هو هذا النجاح ... أما نجاح في اختراع، أو ابتكار، أو تقدمٌ علميْ أو تقدم عمليْ فهذا نتركه لغيرنا .
أحد المدمنين على هذه الألعاب كتبَ في أحد المواقع يقول أنا صار لي يومين متواصلين على هذه اللعبة ( لا أدري هل هو يصلي في هذين اليومين أو لا ؟ يذهب للمدرسة أو لا ؟ يخدم أهله أو لا ؟ وإذا كان متزوجاً فهل يخدم أهله أو لا ؟ وإذا كان عنده أولاداً فهل يعرف أولاده في هذه الفترة أو لا ؟
وهذه إحدَى المَشاكل التي صارتْ عند الأزواج ، فالزوجْ يأتي من عمَله ويجلسْ على هذه الألعابْ، وينقطعْ الاتصَال به لثلاثُ ساعات ، أربع ساعات ، خمس ساعات .... فالبيت يَحتاج لإدارة، ويحتاج إلى التفات، وبعض الحَاجَات ، والأولاد يَحتاجون إلى تربية واهتمامٌ دراسْي ... لا فلا تشغلوه أبدًا!! . فإذا احتاج الأولاد إلى أمورٍ مُهمة يقول لهم لابد أن أنهي المرحلة . وكثيراً ما صارت هذه منشئاً لمشاكلٍ بين الزوجين وفي بعض الأماكن حصل الطلاق على أثر هذا . فالزوجة ترى زوْجهَا وقد أصبح مَنطقةً مُحتلةً من قبل هذه الألعابْ ولا حَاجة لها فيه لا في فراش، ولا في إدارة بيت، ولا تربية أولاد! وأحيانًا بالعكس، قدْ نجد بعض الزوجات هكذا، فهذا الأمرْ لا يقتصرْ على الذكور ْفقط، فهي للكبير والصغير والكهل وغيره، لذلك لابدْ من الاهتمام الجدي بهذا الموضوع ، و لا بدْ من التحذيرِ منه والالتفات إليه . فأنت لمِ تُخلق لهذا الأمرْ فعمرُك يمضي في شيءٍ لا ينفعك  فتقول ترفيهٍ عن النفس؟ فلنحسبها ، هل رأيتَ لاعب كرة يلعب في اليوم لأربع ساعات أو خمسُ ساعات ! فهل يلعبْ وهو يُبدل ملابسه ؟ أو يلعب الكرة بينَ الفرضين؟ أو تخيل أن يأخذ الكرة وهو في مجلسْ !
لكنْ هذا الإدمانْ صار بهَذا المقدار . بمعنى أنه يُهدد تهديدًا جديًا للحياة الزوجية والعملية ، فبَعضُهم حتى وهو في العمل على الرغم من أنّه من المفترض أنْ يستلم راتباً ليقضيْ حوائجْ الناس وليسَ للعبْ .
فهذا منْ الأمور الخطرة التي لا بد من الالتفات إليها ولا بد من إلفات النظر إليها، فمن جهة الآباء لا بد أن يكون عندهم تحرك وتشديد على هذا الجانب، والأخوة ينصَحون ويعظون ويُبينون الأخطار . فأساساً نحن لمْ نُخلق لمثل هذا ولا لسلكنا هذا الطريق و هو طريق اللهو واللعب، وهذه الحَياة التي تستنفذ وتستفرغ في مثل هذه الأمور وأمثالها إنما هو طريق أعداء أهل البيت فهم كانت هذه حياتهم .
يقول أبو فراس الحمداني  عن بني العباس :

     تنشا التلاوة في أبياتهم سحرًا         وفي بيوتكم المزمار والنغم
     ما في بيوتهم للخمر معتصــرٌ         ولا بيوتهــــــم للشر معتصم
     منكم علية أم منهم وكان لكم           شيخ المغنين إبراهيم أم لهم (11)
فحياة اللهو، اللعب، والعبث هي في ذلك الجانب أوتارٌ ومزاميرْ وأغاني، أما طريق أهلُ البيت فهو طريق العلم ، كتلاوة القرآن الذي يعلم الإنسان ويثيبه ويقربه إلى الله .

كما أن بيوت الخمر هي بيوت أولئك فقد كانوا يجلسون على هذه الموائد ويمارسون الشرور بأنواعها . وهم أرباب الطرب والغناء واللهو وهذا نصيبهم وليس نصيب أهل البيت .

فإذا كنت تريد أن يكونْ إمامكْ  جعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى وهم الذين كانت حياتهم جادة ؟ أم تريدْ هارون والمنصور وأمثاله الذين منهجهم الحياة اللاهية والعابثة ؟ أو يريد الإنسان أن يكون رائده وقائده يزيد بن معاوية الذي يقول :

اسقني شربةً تروي مشاشي (عظامي)      ثم مل فاسقِ مثلها ابن زياد
 صاحب السر والأمانة عندي                  ولتسديد مغنمي وجهادي
وأما منهج أهلُ البيتْ عليهُم السلام (ما تركت عمتي زينب صلاة الليل حتى في ليلة الحادي عشر من المحرم)  كما ينقل الشيخ جعفر النقدي رحمه الله في كتابه (زينب الكبرى) فهذا الكلام عن بعض المقاتل أنّ الإمام السجاد عليه السلام قال هذا في حق زينب.  فلماذا هذا الارتقاء حتى في ليلة الحادي عشر من المحرم ؟ لأنهَا كانت أصعب ليلةٍ مرت عليها، تعبٌ بدنيْ، وتعبٌ نفسيْ، فهي كانت مستيقظة منذُ الصباح سلام الله عليها في يوم العاشر، و هذا على فرض أنّها نامتْ في ليلة العاشر . فعادةً إذا كان الإنسان  ينتظر حادثاً مريعاً، وخطيراً فإنّه لا ينام في كثيرٍ من الأحيانْ، فكيف بزينب عليها السلام وهي تعلمْ أن يوم غدٍ سَوف يقتل أهلها وإخوتها، وأبناء إخوتها، وربما يصْعب عليها أن تنام ليلة العاشر . أما في يوم العاشرْ فقد شهدت تلك المعركة بتفاصيلها منذُ الفجرْ، ثم بعد ذلك شهدت سلب النساء، وإحراق الخيام وضرب الأيتام، بل هي كانت مضروبة، حيثُ أن الشاعر يخاطب الحسينْ عليه السلامْ على لسان زينب عليها السلام فيقول :
       حال الردى بيني وبينك يا أخي       لو كنت في الأحياء هالك موضعي
       مضروبةٌ منهوبةٌ مسحـــــوبةٌ        مسلوبةٌ حتى الخمـــــــار ومقنعي(12)               
    
الهوامش:
1- سورة الأنبياء، آية 16 إلى 18.
2- دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية - الشيخ المنتظري - ج ٢ - الصفحة ٧٥٩
3- سورة محمد، آية 36.
4- سورة الأنعام، 32.
5- سورة الأنبياء، آية 16.
6- سورة الجاثية، آية 24.
7- سورة المنافقون، آية 9.
8- سورة الانشقاق، آية 6.
9- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٧ - الصفحة ٤٠٨
10- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢١١٣
11- أبو فراس الحمداني وشعره في الغدير، العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني.
12- يا نفس عن فعل الخطايا فاقلعي، ديوان الشاعر المرحوم السيد محمد بن مال الله الملقب بالفلفل.

 

مرات العرض: 3406
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2552) حجم الملف: 67648.48 KB
تشغيل:

11 الناس عبيد الدنيا
13 ألم نشرح لك صدرك عقل الجمع وعقل التناقض