يوفون بالنذر : الحادثة والدلالات
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/12/1438 هـ
تعريف:

يوفون بالنذر الحادثة والدلالات

كتابة الفاضلة تراتيل

قال الله العظيم في كتابة الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا . عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا . يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا . وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا  ﴾سورة الانسان  5-11
في شهر ذو الحجة تمر مناسبات متعددة لذلك اطلق بعض العلماء والموالين على الأسبوع الثالث منه بأسبوع الولاية باعتبار انه شهد هذا الأسبوع حادثة الغدير والمباهلة و قصة التصدق على اليتيم والفقير والمسكين والتي جاءت في سورة الانسان  .
فكأن هذا الحشد من المناسبات كلا يأخذ بعضد الأخرى في بيان ولاية امير المؤمنين عليه السلام واهل البيت وتقدمهم على من سواهم من الخلق
سبق منا حديث في موضوع المباهلة كحادثة ودلالات ونتحدث أيضا عن حادثة الاطعام والوفاء بالنذر التي جاءت في هذه السورة المباركة
الحادثة كما ينقلها القران الكريم عن الابرار انهم يشربون من كاس كان مزاجها كافور ويشربون من تلك العين التي يفجرونها – أي يستخرجونها و يستخدمونها متى ما شأوا- ثم يأتي على ذكر الحادثة ويقول انهم يوفون بالنذر ويقول ويخافون يوما كان شرة مستطيره, ويتحدث عن دخيلة انفسهم بعد ان اطعموا الطعام  على حب ذلك الطعام أي مع شدة الرغبة فيها  لصومهم او على حبه أي بمعنى على حب الله أي في سبيل ربهم و محبة لخالقهم لا لشهرة ولا لسمعة ولا غير ذلك من الدوافع
ثم ان القران يكشف عن نياتهم وقد اخفوها وعن دخيلة انفسهم ولم يظهروها فيتكلم عنهم ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾‏ . في السيرة والحديث مقتصر القضية ان الحسنين مرضا فنذر علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام ان يصوما لله اذا شفى الله الحسن والحسين وبالفعل عندما شفي الحسنان صام علي وفاطمة عليهما السلام واقترض علي عليه السلام من شمعون اليهودي الخيبري صاعا من البر – القمح - لكي تخبزه فاطمة وتصنع لهم طعام الإفطار فلما صنعت أربعة أقراص لهم قبل ان يبدؤا جاء من يطرق الباب وقال انه مسكين من مساكين المسكين فتصدق الأمام عليه ما كان يفترض انه افطارهم وفي ليلة أخرى يتيم من اليتامى وفي الثالثة اسير من الاسارى فلما ذهب علي عليه السلام  الى المسجد في اليوم الثالث وقد اثّر عليه  الصوم من جهة والافطار بنحو غير كاف فرأه رسول الله صلى الله عليه و آله فوجد حال فاطمة اشد من حال علي عليه السلام فقال وا غوثاه الى الله وقال : ال رسول الله لا يجدون طعاما لهم! , فنزل الأمين جبرئيل عليه السلام  ومعه السورة وطعام وقال : هنئك الله يا رسول الله في اهلك وعترتك , خذها اليك وتلا عليه الآيات المباركة
هنا بحوث كثيرة فكما قال السيد عبدالحسين شرف الدين صاحب المراجعات – والذي لدية العديد من الكتب من تلك الكتب الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء – حيث قال : انه لتعدد طرق تلك الحادثة و تظافر اسانيدها واشتهارها بين المسلمين فانا لسنا أي ليس هناك داع في البحث السندي في انتساب هذه القصة الى آل محمد والسبب ان القصية والحادثة مشهورة شائعة بين المسلمين ولها طرق كثيرة لذلك لا حاجة الى بحث سندي
نعم من كان دأبه ان ينكر الفضائل عن علي واهل البيت لابد ان يتعلق بكل شك وبكل قشة ترديد كصاحب كتاب " منهاج السنه " الذي كانه اخذ على نفسه عهدا بانه لا تمر فضيلة لعلي عليه السلام الا ويحاول قدر ما وسعه نفيها ولو أدى الى مجانبة الحقائق والمشهورات ومن هذا المورد وقد ردّ عليه بعض من اهل مدرسته وتعجبوا منه
هذه الحادثة فيها معانن كثيرة منها :
1- ان القران سجل ودوّن مناقب تنسب لأمير المؤمنين واهل البيت عليه السلام كهذا المورد وقضية المباهلة والتصدق بالخاتم وما ورد في علي في القران وفسره أصحاب النبي هو شيء كثير , فهذا ابن مردوية الاصفهاني وهو ليس من مذهب الامامية قد الف كتابا في ما الف في علي عليه السلام من الآيات وقد أورد حوالى مائة وعشرين اية بطرقة واسانيده
هنا هذه الآية المباركة هي حادثة وقعت في علي وفاطمة و سجل القران لهم هذه المنقبة وهذا ملفت للنظر
قد يكون سبب ذلك ان يكون الاستدلال أيضا على ولاية امير المؤمنين بايات القران الكريم على ولاية امير المؤمنين بالنسبة الى كثير من المسلمين اقوى من الاستدلال بالسنة مع اننا نعتقد ان سنة النبي الثابتة بنحو صحيح لا تختلف عن القران في حجيتها ولكن كانه عند الغالب عند المسلمين  - الذهنية العامة – ان الشيء اذا جاء في القران الكريم فهو اقوى من حديث رسول الله . قد يكون لهذا السبب والملاحظة الاجتماعية اننا  وجدنا ان القران يدوّن ما يدل على ولاية علي عليه السلام و تقدمه على غيره حتى يخاطب هؤلاء المسلمين الذين يقولون انهم يريدون فقط آيات قرآنية تدل على ثبوت ذلك
مجيء ايات القران بفضائل امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
النقطة الثانية في هذا العنوان هي اننا نحتمل ذلك , ان الله وهو العالم ما سيحدث من مخالفي اهل البيت و اعدائهم من السطو على مناقبهم و حذف بعضها واتلافها ومن اتلاف بعض الكتب ومن الخوف من بعض الروات في نقل هذه المناقب لكن القران الكريم سيبقى محفوظ من الزيادة والنقصان
نحن نحتمل ان احد الغايات التي سجلت فيها مناقب امير القران في القران الكريم هو لتلافي و لتجاوز هذه المشكلة
حيث سنة النبي ستزور واحاديث النبي سيمنع التحديث بها لمدة مائة سنة منذ وفاته صلوات الله عليه وانه فيما بعد ستضيع وان بعض الحاكمين سيمنعون من التحديث بروايته في فضائل علي ولكنهم لا يستطيعون ذلك بالنسبة للقران بعدما  تعهد الله بحفظه فهذا يبرر ان تأتي آيات القران الكريم ناطقة بفضله مشيرة الى تقدمه وولايته
هذه الآيات المباركات فيها الكثير من مجالات التأمل لاسيما عندما استوقف القران الكريم القارئ واطلعه على دخيلة نفس هؤلاء ليقول أولا ان التصدق بالكم ليس هو المهم فان قرص برّ او شعير ليس غالياً ولكن القران يثبته وهكذا فان الاعمال ليست بمظاهرها فقد يعطي الانسان رياءً وقد يعطي حياءً وقد يعطي خشيةً وقد يعطي انسان مضطرا وقد يعطي مخلصا لوجه الله تعالى فلا يكفي ان يقول الانسان انني اتصدق قربة حيث ان الواقع يكون ليس قربة اذا كان القلب لا يعتقد بذلك
فعندما يكشف الله الداخل الحقيقي الموجود في باطن الناس – مع انهم لم يتكلموا بها واقعا كما حصل في حال علي وفاطمة والحسنيين عليهم السلام حين قال الله عنهم ( انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) فانهم لم ينطقوا بلسانهم بذلك  بل الله ترجم دخيلة انفسهم واخرج ما في باطن مكنونهم لكي يعرف الناس ان هذا الولي وهذه الطاهرة المعصومة انهم لا يعطون الا رضاً لله سبحانه وتعالى
نشير لأمر اخر وهو قضية  النذر , هل النذر هو مطلوب محبوب او مستحب او لا  ؟
ففي مدرسة الخلفاء
النذر مكروه كانه قول واحد , حيث يكره النذر عندهم ولا يستحب قديما وحديثا ففتاواهم على هذا الأساس وقد نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله حديث انه انما يستخرج به من مال الشحيح أي ان النذر هو استخراج المال من جيب البخيل فهو بالحالة العادية لا يخرج شيء ولكن بالنذر سيخرج مبلغ مادي

في مدرسة اهل البيت عليهم السلام هناك رايان
الراي الأول يقول : النذر غير مستحب وهذا الراي يستند الى بعض ما ورد من عندم استحسان النذر كمثل  هذه الرواية المعتبرة التي تنقل عن إسحاق بن عمار عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال :قلت للصادق  عليه السلام:اني جعلت لله على نفسي شكرا لله ركعتين اصليهما في السفر و الحضر , افاصليهما في السفر بالنهار فقال الامام : نعم , ثم قال : اني اكره الايجاب ان يوجب الرجل على نفسه
بعض العلماء فهموا هكذا ان هذا الرجل اوجب على نفسه ركعتين , و في السفر النوافل النهارية تسقط استحبابها فاستفاد بعض العلماء ان ايجاب الانسان على نفسه بالنذر فيه كراهة وليس مستحسنا
, و لكن هذا الرجل نذر على نفسه ركعتين الان أصبحت واجبه لذا قال الامام له صليها ثم عقّب على ذلك الامام اني اكره ان يوجب الرجل على نفسه

الراي الثاني يقول: مستحب , وهذا الراي هو الاوثق بالاعتبار . فقد قال العلماء ان النذر ورد في سياق المدح لامير المؤمنين وفاطمة والحسنين عليهم السلام ولا يعقل ان ينذروا وهو مكروه او مباح وانما لابد ان يكون النذر فيه رجحان فجاء القران الكريم في سياق مدح هؤلاء الابرار بانهم يوفون بنذرهم فيفترض ان يكون النذر بشيء حسنا وان اداؤه بناء على ذلك أيضا هو محل مدح وثناء
إضافة الى ذلك ان سيرة صالح المؤمنين هو النذر فهذه ام مريم بنت عمران قد نذرت ( إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) وهكذا أيضا في قضية زكريا عندما اخبرهم ان لا يكلم الناس الا رمزا, وهذا يدل على ان النذر عند أولياء الله من الوسائل المقربة وما هذا شأنه يصعب ان يكون مكروها
اذن ماذا نصنع في الحديث الوارد عند أصحاب الراي الأول؟ ! والاجابة هي ان الامام كان كلامة بلحاظ احد الامرين :
اما بلحاظ النذر المستمر كأن ينذر الانسان على نفسه ان يصلي ركعتين و يستمر عليها كل يوم طول الحياة فمثل هذا النذر فيه تكلفه ومشقة وايجاب شديد فهو لا يعلم ما يعترضه في الأيام القادمة من مرض او انشغال او سفر او نسيان ففي هذه الحالة هو مضنه للمخالفة  .
واما بلحاظ الأشخاص فهناك اشخاص لوضع خاص لا ينبغي منهم هذا نذر  فمثلا لو نذر شخص ان يتصدق يوميا بعشرة ريالات في حين انه قد لا يمتلك المبلغ في يوما من الأيام لذلك عليه ان لا ينذر هذا النذر

وهكذا يقول أصحاب الراي  الثاني وهو الراجح : ان النذر من الأمور الراجحة وهو تعرض لرحمة الله اذا كان نذر في امر مشروع ومستحب في الشرع فهذا من شروطه,  فلا ينذر الانسان شيء غير مستحسن فضلا عن معصية فمثلا لو قال : نذر لله ان لا ادخل منزلك, فان هذا النذر لا ينعقد او قال: قسما بالله لا ازورك أيضا لا ينعقد هذا النذر او قال : انا حلفت ان لا ادخل الحسينية الفلانية او ان لا ادخل مكان انت فيه او ان اقطع رحمي من جهة اخي او اختي او صديقي وهكذا , كل هذه النذور هي نذور باطلة غير راجحه و هي  لا تنعقد . النذر في المعصية او القطيعة او الخلاف او في المنكر بل حتى في بعض المباحات أيضا لا ينعقد كمن يقول : لله علي ان اتناول الحب – المكسرات-  .
 نعم لو كان راجحا فلا باس كأن يقول : لله على ان اكل لكي اتقوى على العباده " هنا اصبح لدينا رجحان
مثلا: " لله عليّ ان البس لباس نظيف كي اظهر نعمة الله عليّ بين الناس " هنا أيضا فيه رجحان
صيغة النذر
ويشترط للنذر صيغة معينه فليس كل نذر واجب الوفاء به فمثلا لو قالت احداهن: في ذمتي مائة ريال الى فلان ان حصل كذا , هذا لا ينعقد حيث لا بد ان تنطق بالصيغة الصحيحة فتقول :" لله عليّ ان كذا وكذا 
مثلا ان اذهب لأخي كل جمعة، ان اخدم في الحسينية في كل موسم , ان اتصدق على الفقير , ان اقرأ عشر صفحات من كتاب نافع كل يوم ,, كل هذا ينعقد ولا يجوز مخالفته  اما ابتدأً  او لا تعليق على امر ( ان نجح ولدي في الامتحان لله علي ان اتصدق )

نسال الله ان يجعلنا واياكم ممن يوفونا بنذورهم والتزاماتهم وممن يشربون من كاس كان مزاجها كافورا وان يرزقنا شفاعتهم

مرات العرض: 3476
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2567) حجم الملف: 37386.09 KB
تشغيل:

مقاييس الثواب الالهي 22
عقاب الكسب الحرام