8 دعاء عرفة اعتراف وعرفان
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 14/12/1440 هـ
تعريف:

دعاء عرفة اعتراف وعرفان 2

في رحاب دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة 2
تفريغ  نصي الفاضلة أم سيد رضا
من المعلوم أننا لا نستطيع ولا غيرنا ان نحيط بمعاني هذا الدعاء وأبعاده، فإن كل فقرة وكل سطر يحتاج إلى بحث مستوعب ومفصل حتى يفي الإنسان بحقه، لكننا مع عدم قدرتنا على الإحاطة بكل ما جاء في ذلك الدعاء فإننا نشير إلى جوانب منه على سبيل الفهرسة.
وصلنا إلى خطاب الإمام لربه مبيناً فيه عظمة الله تعالى وجانباً من نعمه ثم يبين بعد ذلك موقعه و هو موقع العبد إلى ربه فيقول: ( يا مولاي أنت الذي رزقت أنت الذي وفقت أنت الذي أعطيت أنت الذي أغنيت أنت الذي أغنيت أنت الذي أقنيت أنت الذي آويت أنت الذي كفيت أنت الذي هديت أنت الذي عصمت أنت الذي سترت أنت الذي غفرت أنت الذي أقلت أنت الذي مكنت انت الذي أعززت أنت الذي شفيت أنت الذي عافيت انت الذي أكرمت انت الذي تباركت وتعاليت) فهذه جهة الله تعالى وبعض آلائه ونعمائه على الإنسان العبد، فينبغي للإنسان في كل نعمة وفي كل ربح ونجاح وقضية ان يخاطب ربه بهذا الخطاب حتى لا يتبختر وحتى لا يلقى نفس مصير قارون في المال، فالرزق من الله والكفاية من الله والرخاء والشفاء والهداية والبركة فهي من الله عز وجل، فلو أن الله سبحانه قطع مدده عن الإنسان ولو للحظة واحدة ولو أوكله إلى نفسه طرفة عين لأنتهت مدته ولإنهارت حياته وتحولت إلى جحيم بعدما كانت نعيم.
فلا يتصور الإنسان انه عندما ينجح ويشفى ويربح وهندما يصل سالماً إلى حج بيت الله الحرام أن كل ذلك من نفسه بل كل ذلك من عند الله ولذلك يجب ان يجمد الله على كل تلك النعم، وليكن أول أمر الإنسان في القضايا الدنيوية وقضايا الآخرة هو بسم الله الرحمن الرحيم ثم الحمد لله رب العالمين مهما كانت النتيجة التي يحصل عليها، لقول الله عز وجل: (( وما بكم من نعمة فمن الله ))، فكل ما عند الإنسان فهو من الله، وفي المقابل يفتح الإمام الحسين عليه السلام قوة نافذة على حال الداعي فيقول: ( ثم انا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي أسأت أنا الذي أخطأت أنا الذي همت انا الذي جهلت أنا الذي غفلت انا الذي سهوت انا الذي اعتمدت انا الذي تعمدت انا الذي وعدت أنا الذي أخلفت أنا الذي نكثت انا الذي أقررت أنا الذي اعترفت بنعمتك علي وعندي وأبوء بذنوبي فاغفرها لي يامن لا تضره ذنوب عباده ).
هذا الموقع الذي يختاره الإمام الحسين للداعي هو أفضل المواقع، فإجلاس هذا الإنسان على دكة الإعتراف هو أعظم شيء أخلاقي ممكن أن يصنعه الإنسان وهو على خلاف العادة منه، فمثلاً لو سألت شخصاً هل فعل هو الذي فعل هذا الأمر الغير جيد؟ ستكون ردة الفعل الطبيعية لهذا الإنسان هو لا لم أفعل، أي أنه ينكر وإذا تحقق فعله للأمر يبدأ بإلقاء اللوم والمسؤولية على غيره كإلقاء اللوم على رفقة السوء والظروف وإغواء الشيطان له وغيرها من المبررات، فالإنسان في وضعه الطبيعي لا نستطيع مواجهته مع نفسه، لذلك فإن الإمام الحسين عليه السلام يأتي بهذا الإنسان الذي جاء من كل فج عميق حتى يجلسه ليخاطب ربه ويقول أنا الذي فعلت يا رب تلك الأمور وأنا الذي وعدتك أن لا أعود للمعاصي فأخلفت ذلك الوعد وأنا الذي قلت سأطيعك ثم نكثت هذا الإتفاق، أنا الذي تعمدت في ارتكاب هذه المعاصي والقضايا، أنا الذي كذبت وأخطأت ليس هناك أحد غيري فهذه ذنوبي يا ربي بين يديك فاغفرها لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
يستمر الإمام عليه السلام في هذا الإتجاه وهو اتجاه تكريس الإعتراف وتحميل الذات المسؤولية عن كل الأعمال التي قامت بها واقترفتها، والمعاصي التي قامت بها ولبس أحد سواها إلى أن يأتي ويقول: ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الخائفين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين ) وهكذا يستمر في هذا الإتجاه حتى يكرس تنزيه الله سبحانه وتعالى بعد أن مدحه وحمده من جهة ، ويبين حالاته المختلفة من أنه من الظالمين والمذنبين والمستغفرين من جهة أخرى.
من المعلوم أن الإمام عليه السلام في عقيدتنا الإمامية هو معصوم من الذنوب ولكنه الآن في مقام التعليم للإنسان كيف يخاطب ربه ويتحدث بهذا الحديث، أو أنه يرى أن ترك الدرجات العاليات وإن كان بالنسبة إلى سائر الناس لا يعد ذنباً ولا يعد تقصيراً إلا أنه بالنسبة إلى الإمام عليه السلام حتى لو انشغل بالمباحات عن الرقي في عالي الدرجات هذا يعده تقصيراً في جنب الله عز وجل، ولكن الإمام هو في مقام التعليم ولذلك فهو يتحدث بهذا الإتجاه إلى أن ينهي الدعاء وتأتي الفقرة الأخيرة منه وهي قمة التألق في العرفان، فهذا هو عرفان الأئمة فينبغي أن لا نسلك طرقاً أخرى ملتوية قد تسمى بالعرفان.
العرفان: هو معرفة الله عز وجل في أقصى درجاتها والسلوك إليه والتوجه إلى رحابه وهذا ما نتعلمه من سلوك أهل البيت وطريقهم ودعاءهم ومن مفاتيح الجنان والصحيفة السجادية، ولا يوجد عندنا طريق عرفاني وروحاني وإيماني إلا ما نراه لدى أهل البيت عليهم السلام.
فيقول الإمام عليه السلام: ( إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري، إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي، إلهي إن ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة علي وإن ظهرت المساوئ مني فبعدلك ولك الحجة علي، إلهي كلما أخرسني لؤمي انطقني كرمك، وكلما آيستني أوصافي أطمعتني مننك، إلهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي، ومن كانت حقايقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي، إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي وما أرحمك بي مع قبيح فعلي، إلهي ما أقربك مني وما أبعدني عنك، وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك ).
هكذا يتحدث الإمام عليه السلام وهكذا ينقل الإنسان من هذه الأرض ومن شهواتها ويعلقه برحاب القدس الإلهي ويجعل قلبه طيباً رطباً بذكر الله، خاضعاً خاشعاً متوجهاً إلى الله عز وجل، ولذلك ينبغي لنا ان ندأب على قراءة الدعاء عموماً وعلى دعاء الإمام الحسين عليه السلام على وجه الخصوص حتى تصفا قلوبنا وتزهو أنفسنا وحتى ننطلق من ذواتنا لتغييرها وجعلها على حسب ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى.

 

 

 

 

مرات العرض: 3386
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2595) حجم الملف: 22778.77 KB
تشغيل:

7 دعاء عرفة اعتراف وعرفان
9 مكة بيئة الديانات