بتوكل الايمان نهزم القنوط واليأس 36
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/7/1439 هـ
تعريف:

 

33 بتوكل الإيمان نهزم اليأس والقنوط

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

لا يزال حديثنا في موضوع الأمراض الأخلاقية والصفات السيئة التي قد تحدث في نفس الإنسان فتفسد عليه تعادله الأخلاقي وتوازنه الروحي. وقد وصل بنا الحديث إلى صفة القنوط واليأس، وقد تحدثنا في وقت سابق عن معناهما. وحديثنا في هذا اليوم، يكون بإذن الله عن بعض الآثار السلبية التي تترتب على تمكن اليأس من نفس الإنسان، ثم نتحدث عن بعض التوجيهات الدينية، ولا سيما فيما يرتبط بجانب الأذكار؛ للتغلب على حالات اليأس والقنوط.

بواعث القنوط واليأس وأسبابه، كما ذكرنا في وقت سابق، متعددة. منها: عدم معرفة طريقة الله عز وجل في إدارة الكون. فالإنسان عندما لا يعرف طريقة الله من الناحية النظرية، فلا يدرك كيف يدير الله هذا العالم. يتصور – مثلا - أنه لا ينبغي أن يتعرض المؤمنون إلى البلاء. فإذا رأى بشرق البلاد بلاء على المؤمنين، وفي غرب البلاد محنة لهم، يصيبه يأس وقنوط من رحمة الله. لا، تعال، انظر: طريقة الله عز وجل، فليست هي ما في ذهنك. طريقة الله: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً). فتعرض المؤمن للبلاء هنا وهناك، والفقر في هذه السنة وتلك، والمرض في هذا العضو وذاك، هي هذه الطريقة الاعتيادية في التكوين. فإذا وقعت، فكل شيء يجري على القاعدة. وأنت متوهم عندما تتصور أن حياتك ينبغي أن تكون رفاهية تامة وكاملة ولا تتعرض فيها لأي صعوبة. مشتبه في فهمك لذلك. ولا بد أن تغير فكرتك.

فأحيانا يصاب الإنسان باليأس؛ لأنه لا يعرف طريقة الله، أسلوب الله - حسب التعبير - في إدارة خلقه. هذا واحد. ومما ذكرناه أيضا: ضعف الصبر عند الإنسان، وضيق الأفق عنده. فإذا قيل له أن الله يفرج عن المؤمنين وينصرهم، يتصور أنه ما دام قيل له هذا الكلام، فلا بد أن يتحقق ما قيل له بعد دقيقة. وإذا طال، فبعد يوم. فإذا أطال الله ذلك إلى شهر، أو سنة، فالأمر عنده كأنما منته.

لا، الله سبحانه وتعالى، بيده الزمان، وبحكمته يرسل الغيث بعدما قنطوا، ويرسل النصر بعدما يئسوا. وضيق أفق الإنسان، وعدم صبره، وتعجله النتائج، وفرضه أن المراحل ينبغي أن تحرق حرقا، هذا يجعله، عندما تتأخر الأمور، يقنط. كأن إذا قالوا له: تشفى إن شاء الله. الله يشفي المرضى. فيتصور أنه بمجرد أن انتهى هذا الكلام، سيغدو مشافى. لا. الشفاء له طريقة اعتيادية، تحتاج إلى مدة من الزمان، وليس قفلا كان مغلقا وتفتحه.

قيل له: (إن مع العسر يسرا)، فهو تصور أنه بعد أن تنتهي الآية المباركة، ستتيسر أموره كلها. والأمر ليس كذلك. فيستمكن - أحيانا - اليأس والقنوط من بعض الناس. يرى مثل هذا، وعلى أثر عدم معرفته بطريقة الله، وقلة صبره، وأحيانا قلة ثقته بالنتيجة من عند الله عز وجل. فيستمكن منه اليأس والقنوط، وتحدث على أثر ذلك عدة أمور في داخل نفسه.

واحد من تلك الأمور التي تحصل على أثر اليأس والقنوط: تناقص الإيمان. فإذا تلاحظون، وهذا عندنا معروف بين المسلمين، وليس فقط في المذهب، أن الإيمان يزيد، وأحيانا ينقص. فأصل الإيمان موجود، لكن درجاته درجات متعاليات. فالعبادات مثلا، واحد من أغراضها: تقوية الإيمان. عندما تقرأ سورة الفاتحة، تحمد الله عز وجل، تثني عليه، تطلب منه العون، تطلب منه الهداية، فهذه الممارسة العبادية، المفروض أنها مع تكررها تزيد في إيمانك. الصوم أيضا، المفروض كذلك. المستحبات أيضا، أكثر فأكثر.

هذه ليست مجرد حركات وألفاظ أنت تقولها، لا لشيء، وإنما يستهدف بها زيادة الإيمان. عكس هذا تماما ما تؤديه قضية: اليأس والقنوط. فيأتي أحدهم ويقول لك مثلا: أنتم تعدون أن مع العسر يسرا، والحال أني أرى الأمور مع الوقت تضيق في وجهي. فالعام الماضي رأس مالي مثلا: 100 ألف، أما هذه السنة أصبح: 20 ألف! العام الماضي صحتي معقولة، أما هذه السنة عندي – وقانا الله وإياكم – ضغط وسكر وإلى آخره.

في الفترة الماضية، كانت أموري العائلية مستقرة، أما الآن فتتعقد يوما بعد يوم. وهو من طرف خفي، كأنما يريد أن يقول: أن الله لم يصنع لي شيئا، ليس فقط لم يحسن أوضاعي، وإنما ساءت مع إيماني به! هذا نقص في الإيمان لو زيادة؟ لا شك أنه نقص.

وهذا الذي يفعله الشيطان عادة، الشيطان ماذا يصنع؟ (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)، دائما يسوِّد في وجهك صورة المستقبل. فيقول لك: هذه ... كنت أتحدث مع واحد من الأخوة الشباب، بينه وبين زوجته مشكلة، فكنت أشجعه على أن يتواصل مع زوجته، وأن يحسن إليها، ويتكلم معها كلاما طيبا، وأن الأمور سوف تتحسن. فقال لي: لا، لن يحدث شيء، سيحدث العكس. قلت له: لماذا؟ قال: لأني أعرفها. قلت له: صحيح، فأنت عندك علم بالغيب، ونحن لا نعلم. أيمكنك أن تخبرني: أنت بعد 10 دقائق، ماذا سيحدث لك؟ قال: لا. قلت له: كيف إذن تقول لي هي لن تفعل كذا. هذا معناه: أنك تعلم هي ماذا ستصنع. أي أنت تعلم الغيب، تعلم المستقبل، ونحن لا ندري. فالذي يعلم الغيب هو الله سبحانه وتعالى ومن أطلعه من خلقه. أما أن تأتي أنت وتقول: لن يحدث خير، فهذا إنباء عن المستقبل. فهل الإنباء عن المستقبل بيدك أنت؟ لن يكون فرج. من الذي قال لك: لن يكون فرج؟! لن تتحسن أوضاعي. من أخبرك عن هذا؟! من الذي قال لك: لن تتحسن أوضاعك! من الذي كشف لك حجاب المستقبل، فرأيت أمامك أنه بعد سنة وسنتين، أمورك ستزداد سوءا. من قال لك ذلك؟!

لا أنت الذي يقدر أن يفعل هذه الأشياء، ولا عندك خبرها. الذي عنده خبرها هو الله سبحانه وتعالى. وهذه كلها حالات اليأس، حالات القنوط. تنتهي بالإنسان إلى تناقص الإيمان، في مقابل ذاك الإنسان المتوكل، (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا).

أنا آتي أصدق الشيطان الذي يعدني الفقر، النقص، العجز، المرض، المشاكل، المآسي، فأقول له: نعم، فعلا، الأمور ستكون هكذا. فأنا بهذا تابع للشيطان، أصدق الشيطان. في المقابل، الله سبحانه وتعالى، يقول: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)، وعلى أثر ذلك، ماذا يصنع؟ (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)، (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا).

الله يقول لك: سأنعم عليك، سأغفر لك، ابشر بالمستقبل. (إِنّ َمَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، قل: توكلت على الله، قل: لا قوة إلا بالله. قل: حسبي الله. والله سيغير حالك. لكنك تقول: لا، لن يكون شيء زينا. أنت هنا مؤمن بالله؟ أم أنت مؤمن بالشيطان؟

الذي يتعجل السوء، والفقر، والسلب، والعجز، والمشاكل، والمرض، هذا مصدق ومؤمن بالشيطان. بخلاف ذلك الذي يؤمن بفضل الله ومغفرته ورحمته وتغيير الأوضاع نحو الأحسن، ويستبشر بما لم يأت، بأن الله سبحانه وتعالى، بفضله ولطفه، سيجعله حسنا. هذا واحد من الآثار السلبية.

واحد من الآثار السلبية الأخرى: أن الإنسان يتوقف عن العمل مع اليأس، وينشط مع الرجاء. ينقلون قصة: أن أحد الأنبياء، وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يعرفه على أثر الأمل والرجاء في نفوس الناس، والأثر المعاكس للقنوط واليأس، فمر على عامل فلاح، يعمل بجد، ويضرب في الأرض بمسحاته بقوة، ويزرع هذه الغرسة، ويسقي تلك الغرسة. وبعد قليل. إذا به يترك المسحاة والغرس، ويذهب يتكئ، وجلس كذلك مدة لا يعمل فيها.

فجاء هذا النبي، وسأله: ما هي قضيتك أنت؟ فأول ساعة كنت جادا، متحركا بفعالية. أما الآن فمرة واحدة، قعدت عن ذلك، ونمت نوم العجزة والكسالى. فماذا وقع عليك؟ فقال له: أنا أولا كنت أفكر أن الله سيطيل في عمري إن شاء الله، وعندي عيال، وأريد لهم أن تكون نفقتهم حاضرة، فيكبر بها الصغير، ويتزوج بها الشاب. فقلت هؤلاء يحتاجون إلى نفقة ويحتاجون إلى مال، ولا بد أن أشتغل شغلا جادا وشديدا. فرأيتني أزرع وأغرس وكذا، ثم فجأة صارت عندي خاطرة، أنه: أصلا، من يقول أني غدا موجود على وجه الحياة؟! أنا الآن كبير في السن، وجارنا الفلاني توفي قبلي بكذا سنة، وجارنا الآخر توفي قبلي بكذا شهر. فمن ذا يقول أني، أصلا، موجود غدا وبعد غد؟! إذا لست موجودا، فما الداعي أن أتعب نفسي بهذا المقدار، ولن أر ثمرة لهذه الأمور. فرأيت أن أترك هذا التعب وأستريح باقي عمري بلا داع للزرع ولا للغرس.

هذا مثال لأثري الأمل والرجاء، واليأس والقنوط. نفس الكلام في الحياة العامة. الإنسان إذا كان يأمل بأن الأمور تأتي بخير، سيشتغل من أجل استثمارها. مرت أزمة اقتصادية على بلده، فتارة يتصور أن هذه هي نهاية العالم، وليس من شيء بعد ذلك، فيتعامل معها على أساس أن كل شي منته ولا فائدة لأحد أن يستثمر ويشتغل ويتحرك. جنازة، أمامه جنازة، فماذا تفعل به؟!

وهناك شخص آخر، يقول: لا، الحياة هكذا. مرة تنزل، مرة تصعد، مرة تسوء، مرة تحسن. الآن في فترة السوء، لكن هذا لن يستمر إلى الأخير، سيتغير الوضع، فإذن، أشتغل بجدية؛ لأتجاوز هذه المرحلة.

الإنسان يمرض، أريتم قسما من الناس، مصاب بمرض خطير، وقانا الله وإياكم من الأمراض، ومع ذلك تفاؤله إلى آخر حد، ابتسامته تعترض كامل وجهه، تفاؤله بالحياة تفاؤل عظيم، وهؤلاء غالبا ما ينتصرون على أمراضهم.

وشخص آخر، ربما إصبعه مكشوط حسب التعبير، فيتصور أن هذا سكري، وأنهم غدا سيقطعون إصبعه، ولن يتمكنوا من السيطرة عليه، فسيقطعون يده، ويده لن تلتئم، فتصعد إلى كتفه، وإذا صعدت إلى كتفه، يموت. وكثيرا ما يحصل أن مثل هؤلاء اليائسين القانطين، تحصل لهم هذه الدرجات السيئة. فاليأس والقنوط يصنع من الإنسان جثة لا تتحرك. وشخصا لا فاعلية له. في مقابل ذاك الإنسان الذي عنده تفاؤل، عنده أمل، عنده تطلع، عنده ثقة برحمة الله وبفضله. فينشط، يتحرك، يصعد.

الأذكار الدينية عندنا - وأنا هنا ألفت النظر إليها - تؤكد وتركز على قضية الأمل بالله عز وجل. ولذلك غالبا تقول لك: قم بالأذكار. أول ما تبتدئ يومك، أول ما تقوم، قل: أصبحنا وأصبح الملك لله، لا حول ولا قوة إلا بالله. من هو ذاك الذي يستطيع أن يوقفني. ذاك زيد يأتي ويقول: أنا لدي الموظف الذي فوقي، والمدير في عملي، منعني من الترقي، وحجب عني الأموال، وغير ذلك. لكن، لا حول ولا قوة إلا بالله. فمن يقدر أن يقف أمام قوة الله عز وجل، إذا أراد بك خيرا. ومن يستطيع أن يواجهك إذا اعتمدت على الله وتوكلت عليه، لا غالب إلا الله، ولا ناصر إلا الله.

أقرأ عليكم بعض ما ورد من أذكار. وهي كثيرة، ولكن أقرأها بشكل سريع. في الكافي لثقة الإسلام الكليني، محمد بن فرج، قال: "كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَر"، يعني الإمام الجواد (ع)، "ابْنُ الرِّضَا بِهَذَا الدُّعَاءِ وَعَلَّمَنِيهِ إِيَّاه، وَقَالَ: مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَمْ يَلْتَمِسْ حَاجَةً إِلَّا تَيَسَّرَتْ لَهُ وَكَفَاهُ اللهُ مَا أَهَمَّهُ". سأوضح هذه الفقرة، فيما بعد إن شاء الله؛ لأنها أيضا في غاية الأهمية. ماذا هو هذا القول؟ حديث، دعاء معروف، ولعل بعضكم يحفظه. "بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ، وَصَلَّ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ"، ما هو الجواب عليه في الآية؟ (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا)، هذه آية وجوابها.

كلام النبي: أنا أفوض أمري إلى الله، ولا أعتمد على أن زيد من الناس سيحجب عني الرزق أو عمر سيوقف عني ترقيتي، أو بكر سيفسد علي حياتي الزوجية، أو فلان سيعمل لي عملا كما يزعمون. لا، أفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد. والجواب لهذا ماذا؟ (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا)، (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). لماذا نحن نقرأ هذه في صلاة الغُفَيلة؛ حتى نتأمل فيها: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). والجواب عليها ماذا؟ (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ). هذه حالة أنبياء. حالة عامة الناس المؤمنين، أيضا تتمة لهذا الذكر وهذا الدعاء: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، جوابها ماذا؟ (فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ). ثم أيضا تقول: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. ما شاء الله لا ما شاء الناس. تقول: يتآمرون علي وتقول: يكيدون إلي، وتقول: يؤخرونني، وتقول: كذا. فما شاء الله هو الذي يكون، لا ما شاء الناس.

ما شاء الله وإن كره الناس، ثم تقول: حسبي الرب من المربوبين، حسبي الخالق من المخلوقين، حسبي الرازق من المرزوقين، حسبي الله رب العالمين، حسبي من هو حسبي. حسبي من لم يزل حسبي، حسبي من كان مذ كنت لم يزل حسبي، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرض العظيم.

وجزء من هذا الدعاء هو الذي احترز به إمامنا الصادق (ع) من المنصور العباسي عندما استحضره؛ لكي يقتله. وكان في شدة الغضب. يسأله الربيع، يسأل الإمام الصادق (ع)، هذا كان في أشد حالات الغيظ عليك، يقسم ليقتلنك! فماذا حدص لما أتيت فتغير الحال، فأدناك وأجلسك إلى جانبه. رأيت شفتيك تتحركان، أخبرني ماذا قلت؟ فقال له دعاء طويلا، من جملته هذه الفقرات من الدعاء.

دعاء آخر، في الكافي أيضا، عن أبي عبد الله، أتى النبي محمدا، لذكره الشرف والصلوات، اللهم صل على محمد وآل محمد. رجل فقال: "يَا نَبِيَّ اللهِ الغَالِبُ عَلَيَّ الدَّيْنُ وَوَسْوَسَةُ الصَّدْرِ"، مطلوب لأموال، ولدي مشاكل نفسية: شكوك، ظنون، حالات اكتئاب، قضايا من هذا النوع. فقال له النبي (ص): "قُلْ: تَوَكَّلْتُ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَم يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا"، هذا المقدار البسيط الذي عادة يقرؤه البعض في بداية الآذان.

قال: فصبر الرجل ما شاء الله، وهو يقول هذا الكلام. ثم مر على النبي، فهتف به النبي: تعال. ماذا صنعت؟ ماذا فعلت بالذي قلناه لك. فقال: يا رسول الله أدمنت ما قلت لي. صرت مدمنا عليه، على قراءته. فقضى الله ديني وأذهب وسوسة صدري. هذا التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، هذا الذكر لله سبحانه وتعالى، هذا الثناء على الله سبحانه وتعالى، انتهى بي إلى أن تذهب وسوسة صدري ويقضى ديني.

في مورد آخر، في قصة يوسف، عن أبي عبد الله، الصادق (ع)، لما طرح أخوة يوسف، يوسف في الجب، أتاه جبرائيل، فقال له: يا غلام، ماذا تصنع هنا؟ فقال: إن أخوتي ألقوني في الجب، فقال جبرائل: أتحب أن تخرج منه؟ فقال يوسف: "ذاك إلى الله عز وجل، إن شاء أخرجني"، فقال: إن الله تعالى يقول لك: ادعني بهذا الدعاء حتى أخرجك من الجب، فقال: وما الدعاء؟ قال: قل: اللهم إن أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا"، وكان نتيجة ذلك ما ذكره الله في كتابه.

آخر دعاء أقرؤه لكم، مع أنه هناك أدعية كثيرة، في الفقيه عن الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه، قال: صليت مع أبي عبد الله (ع) أربعين صباحا، فكان إذا انفتل رفع يديه إلى السماء، وقال: "أصبحنا وأصبح الملك لله، اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك، اللهم احفظنا من حيث نحتفظ ومن حيث لا نحتفظ، اللهم احرسنا من حيث نحترس ومن حيث لا نحترس، اللهم استرنا من حيث نستتر ومن حيث لا نستتر. اللهم استرنا بالغنى والعافية. الله ارزقنا العافية وتمام العافية".

بين قوسين، وهذه كلمات أخيرة أقولها، أن بعض الأذكار، تقول: ما دعا بهذا الدعاء رجل إلا قضى الله حاجته، إلا فرج الله همه، إلا كذا، إلا كذا. وهذه لها فهمان، مختصرا أقول: هناك بعض من الناس، يقول لك: نعم، هذه الختمة تعطي المراد. هذا الذكر يوصلك إلى ما تريد. هذا تحتيم على الله سبحانه بلا محتم. الله سبحانه وتعالى يحب الإنسان أن يدعوه وأن يتعرض لنفحاته، ثم حسب الحكمة يستجيب له.

لكن هناك فرق، الآن لو علمنا أنه مثلا، قالوا: يوجد على الانترنت، شخص كريم من الكرماء، يعطي أموالا، يوزع هدايا. فأنت ماذا تفعل؟ تدخل على الساعة الأولى تطلب منه، الساعة الثانية تطلب منه، اليوم الأول تطلب منه، اليوم الثاني تطلب منه، وهكذا. فيصادف - أحيانا - أن يكون هو على الطرف الآخر، يلبي حاجتك بحكمته.

وأحيانا تقول لا، يريد أن يعطيني ليعطيني، أو أنا أدخل اليوم الأول، وأسجل اسمي، الغالب في مثل هذه الحالات أن الإنسان لا يعطى. لكن الذي يلح، ويتردد على المكان، ويطلب باستمرار، هذا هو الحري بأن يستجاب له. لذلك ورد أنه مثلا حاول أن تكون طلباتك بين الفجر وبين طلوع الشمس، فهناك تقسم الأرزاق.

واحد إذا طلب أول الأسبوع، يوم السبت طلب في هذه الفترة، ثم سائر الأيام نام، قد يحصل على نتيجة وقد لا يحصل. أما إذا شخص دأب على ذلك، فإن فرصة حصوله على نتيجته أكثر، بالنسبة إلى هذه الأدعية، أولا: فيها اقتضاء أن تحقق حاجات الإنسان، هذا واحد. ثانيا: لو فرضنا تأخرت الإجابة، فإنها تكمل إيمان الإنسان.

لو فرضنا أني طلبت من الله هذه الطلبات: الرزق، الشفاء من المرض، ثم تأخر علي ذلك. هل خسرت في ذلك؟ كلا. الذي حصل لي؛ لكثرة دعائي وتوسلي وطلبي، اطمأن قلبي؛ لأنه (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وقد ذكرته باستمرار. كما حصل لي شيء آخر، وهو: أن إيماني زاد؛ لكثرة ذكري لله. أيضا، حصل شيء ثالث: أن الله أثابني في الآخرة، ورفع منزلتي على أثر ذكري لله عز وجل. فلو فرضنا أنني لم أحصل على نتيجة دنيوية، فإنه قد حصلت نتائج إيمانية، وروحانية، وأخروية. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لذكره، وشكره، وأن يقضي حوائجنا بحق محمد وآله الطاهرين.

 

مرات العرض: 3389
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2573) حجم الملف: 32279.22 KB
تشغيل:

اليأس والقنوط
التكبر شخصياته غير المعروفة 38