أفكار في تربية الأولاد
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 17/2/1439 هـ
تعريف:

أفكار في تربية الأولاد

كتابة الأخت الفاضلة أم أحمد
مِن كلامٍ لمولانا الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال : ( وأمّا حقُّ ولدِكَ فأنْ تعلم أنّهُ منكَ ومُضافٌ إليك في عاجلِ الدنيا بخيرِهِ وشَرِّه ، وأنَّكَ مسؤولٌ عمّا وَلَّيْتَهُ مِن حُسْنِ الأدب والدلالةِ على خالِقِهِ والطاعةِ له ) صدق سيدُنا ومولانا زيْنُ العابِدين .. هذه الكلمات وردتْ فيما يُسمَّى عندنا الآن برِسالةِ الحقوق ، وهي رسالةٌ وجهها زينُ العابِدين عليهِ السلام إلى أحدِ أصحابِهِ ، وكأنّ ذلك الرجل قد سألهُ عن الحقوقِ اللازِمةِ على الإنسان ، ما هي ؟ وهذه الرسالة ذُكِرت في أكثر الكُتُب الإماميةِ المُتقدِّمة ككُتبِ الشيخِ الصَّدُوق رضوام اللهِ تعالى عليه أحد أعلام المُتَحَدِّثين السابقين والمتوفى سنة 381 هـ ن حيث ذكرها في كتاب مَنْ لا يَحْضُرُهُ الفَقيه ،، وذكرها غيرُه في عددٍ من الكتُب ، اشتمَلَت هذه الرسالة على عناوينَ رئيسيةٍ ، تحتضِنُ 51 حقًّا من الحقوق التي تَلْزَم الانسان ..
عادةً الانسان يعرِفُ حقوقَهُ على الآخَرين ، وأما أن يُقال له إن عليك 51 حقًّا تجاهَ ربكَ أولاً وهو أعظمُ الحقوق ، أو تجاهَ الجوارح التي أعطاكَ الله إياها كنِعمةٍ من النِّعَم من :  يدٍ ورِجلٍ ولسانٍ وشفَتانٍ وفَرْجٍ وأُذنٍ وغيرِ ذلك .. وأيضاً تلزَمُك حقوقٌ تجاه الأفعال العِباديةالواجبةِ عليك : كالصلاة والصِّيامِ والحجِّ والزكاةِ والاعتكافِ والصَّدَقةَ وغيرها ..وأيضاً تلْزَمُكَ حقوقٌ تِجاهَ أرحامِك مِن : أبٍ وأُمٍّ ووَلَدٍ بما يشمَلُ البنتَ والابن .. وأيضاً حقوقُ الأئمة وهم تارة يعنون أئمة الدين ، وتارةً يعنون الإمام السياسي لهم حقٌّ عليك ..ثم حق سائر الفئات الاجتماعية مِن : المُعلم والمُؤذِّن والجارِ والعاملِ وغيره ،،
حق الولد : يشْمَلُ الذكرَ والأنثى ؛ لأن اللهَ سبحانهُ يقول : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيَيْن ) ، وليس صحيحاً مِن الناحيةِ اللُّغَوِيَّة أن يقول الشخص : عندي 3 أولاد و4 بنات مثلاً  ؛ لأن البنات جُزْءٌ مِن الأولاد .. لكن تعارف في لهجاتنا أن يُجعَل الولد في مُقابِل البنت .. والصحيح أن يقول : عندي 3 أبناء و 4 بنات .. وعندما يقول الإمام عليه السلام : ( وأما حقُّ ولدك ) لا يقصد بذلك الولد الذكر وإنما يشمَل الأنثى أيضاً .. لا يكفي أن يأتي الولدُ إلى هذه الدنيا ، لا يكفي أن يُطْعِمَهُ وأن يكْسُوَهُ وأن يصْرِفَ عليه ، وإنما  أن يعلم أنهُ مِنهُ ومُضافٌ إليه ،، وهذا كل شخصٍ يهلمُهُ ، لكن المهم هو التركيز على النقطة الأخرى وهو أنه مضاف إليك في هذه الدنيا بخيرهِ وشرِّه ، فإن كان معروفاً في هذه الدنيا بالخير ينتقلُ هذا الخيرُ إليك ، تُصبِحُ سُمْعَتُكَ حسنة ، يكونُ ذِكرُكَ طيِّباً  ، وبالعكس .. على الأقل أمام الناس وإن لم يكُن مسؤولاً أمام الله .. وهذا يفتح نافِذةً على قضية الاهتمام التربوي بالأولاد ، حيث يقِلُّ الاهتمام بهذا الجانب في المجتمع الإسلامي ، الأب أمام أمرين : النمو البدني للأولاد ، بالإطعام والحماية من الأمراض ، وهو لهذا يعمل بشكل طبيعي يومياً لمدة لا تقل عن 6 أو 7 ساعات أو أكثر من ذلك ، هذا العمل غالباً الغرض منه المعاش والإنفاق على العائلة ، وهذا أمرٌ محبوبٌ ومرغوبٌ فيه ( الكاسب حبيب الله ) ( ملعونٌ ملعونٌ مَنْ ألقى كَلَّهُ على الناس ) .. لكن هذا الوقت 8 ساعات يومياً يعمل من أجل الأبدان .. كم ساعة في المقابل الأب يعتني بأولادِهِ من الناحية التربوية والنفسية والأخلاقية ؟ لو يحصل أن يفرِّغ الأب نفسه ساعتين يومياً من أجل هذا فهذا شيءٌ مثالي سوف يأتي بنتيجة عظيمة ، بل أن بعض الأسر بعد تعب العمل يأتي للبيت ليأكل ويرتاح قليلاً ثم يخرج مع أصدقائه إلى وقت متأخر ليلاً ويخلُدُ إلى النوم ، وبعضهم قد لا يعرف الصف الدراسي لولده ، ولا مستواهُ الدراسي ، ولا أصدقاؤه ،، وهذا يٌشيرُ إلى نقصٍ كبير في الجانب التربوي مع أنه هو الأهم ، فهو يحتاج إلى جلسة ومُباسَطَة وحوار وعناية ، بعضهم يعتبر أن التعب والمشقة والبعد في العمل من أجل أولاده هو الأهم وهو المطلوب ، هذا الاهتمام أنت مُثابٌ عليه ولكن هذا الاهتمام بجانبٍ واحد وهو جانب البدن ، ولكن هذا ليس هو نهاية المشوار ، وإنما هو ما يرتبط بأخلاقة ونفسيته ( وأنَّكَ مسؤولٌ عمّا وَلَّيْتَهُ مِن حُسْنِ الأدب والدلالةِ على خالِقِهِ .. ) ، ماذا فعلت من أجل آدابه ، ودينه ، وإيمانه ، وشخصيتِه ..
بعض الأمور التربوية التي يُفترض علينا الاهتمام بها وتطبيقها :
1 / التربية بالقدوة : عندما يأتي الطفل لهذه الدنيا ، فهو لا يعلم شيئاً ،ثم تتفتَّح مداركُهُ شيئاً فشيئاً بِدْءً من عمر 4 سنوات فصاعِداً يتعرف على الدنيا من خلال أعيُنِ والِدَيه ، ولا يعرف الدنيا وكيفية التعامل معها إلا من خلال والدَيْه ، وهو يعتبرهما أفضل وأعرف وأفهم الناس ؛ ولأجل هذا فإنه يفهم الدنيا من خلال شرحِهِما ، ويتعوَّد على الدنيا من خلال تطبيقهما ومُمَارَسَتِهِما ، ويتعرَّف على الأخلاق والمفاهيم والصفات من خلالهما ، فإذا أحسن الوالدان توصيل هذه المعارف إليه فإنه يكون حينئذٍ على الطريق الصحيح .. نُقِل عن النبي محمد صلى الله عليه وآله : ( كُلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرة ، وإنما أبواه يُهَوِّدَانِهِ أو يُنَصِّرانِهِ أويُمَجِّسانِه ) .. فالطفل صفحة بيضاء على الفطرة لا يوجد فيها ما يُشوِّهُها ، فيأتي الأبوان يُعرِّفاه كيفية الصلاة مثلاً على الطريقة اليهودية أو النصرانية أو أنه لا يُصلي أصلاً فيتعوَّد الطفل على ذلك .. هو أساساً لا يفهم ماذا يعني الكذِب ، كل المعلومات جديدة عليه ويتعرف عليها من خلال أبويه على أنها شيء معقول أو أنها شيء غير معقول .. مثال : يطرق الباب شخص وفتح له الطفل ذو الأربع سنوات فسأل عن والده ، ذهب الطفل ينادي أباه فقال له الأب قل له إن والدي غير موجود ذهب الطفل ببراءته وقال للطارق يقول لك أبي أنه غير موجود قال له الطارق قل لوالدك أحسنت بارك الله فيك .. فلو هذا الأب في مناسبةٍ أخرى يقول لأولاده لا تكذبوا فإن هذا الطفل لن يقبل قول أبيه ؛ لأن رأى أبيه القدوة قد طَبَّق الكذب ، يتركز في ذهنه ما رآه من والده لا ما قاله له ، وهكذا يبدأ الطفل بتعلم الكذب ؛ لأن والداه هما المؤثِّر الأكبر عليه ، فهو هما علَّم ولده الكذب من دون أن يقصد ذلك ، لأن الطفل باعتقاده أن أباه هو الأفهم والأفضل وما يقوم به هو الصحيح عندما يأتي الأب من العمل ويرى أن زوجته لم تُجهِّز الطعام فينفعل ويصرخ بكلام عنيف ، ثم يقول لأبنائه ابتعدوا عن العصبية والغضب !!! هذا الكلام لن يُجْدي نفعاً دون تطبيق من الأبوين .. المشهد الحي أبقى في الذهن وأكثر تأثيراً من المشهد المسموع .. فالانسان يُحاوِل عبَثًا عندما يقول شيئًا ويُمارِسُ شيئًا آخر .. كذلك الخطباء والواعِظِين والمشرفين التربويين يدعون الناس إلى أشياء مثالية وعالية ، فإذا لم يكونوا بمُستواها من حيث العمل والفعل ، فلا ينبغي لهم أن يتوقعوا أن الأبناء سيتأثرون بكلامهم بينما عملهم مُخالِفٌ لذلك .. لذلك كانت التربية بالقدوة هي التربية الأعظم والأكبر والأفضل وهي أعظم أسلوب تربوي ، فالأب في البيت عندما يسمع الأذان يقوم مباشرةً للصلاة ، الأبناء سيفهمون قيمة وأهمية الصلاة في وقتها دون أن يحدثهم والدهم ، وهكذا الأم لو دخلت المطبخ لتحضير الطعام وصار وقت الصلاة لكنها أكملت التجهيز وغسل الأواني ووضع الغداء ثم ذهبت للصلاة في الساعة الرابعة ، هذه الأم عليها أن لا تطمع في أن كون ابنتها حريصةً على أداء الصلاة في وقتها ..  الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة المتوفى سنة 1104  ينقل في كتاب الوسائل عن الإمام الحسن بسَنَدِه : أن أمنا الزهراء سلام الله عليها كانت توقِظُنا عندما تقومُ لِصلاةِ الليل ، ليلة من الليالي سهِرتُ معها وأنا أنظر إليها وهي تُصلي حتى طلع الفجر فرأيتُها قد دَعَتِ اللهَ عزَّ وجل لجيرانها وشيعةِبعلِها وأمةِ جدي ولمْ تدْعُ لِنفسِها .. فقلتُ لها : أمَّاه ما أراكِ قد دعَوْتِ لنفسِكِ بشيء ؟! فقالت : يا بُنَيْ الجار ثم الدار ) هذا المشهد الذي نقله الإمام الحسن رآه قبل أن يبلغ العشر سنوات ؛لأن شهادة الزهراء كانت في بداية سنة 11هـ وولادة الإمام الحسن كانت في سنة 3 هـ ، لكن بقي هذا المشهد في ذاكرته ونقله فيما بعد لأصحابه .. تربية الأبناء على خُلُقٍ مُعَيَّن يكونُ بتطبيقِهِ أمامهم ..
2 / التربية بالربط بالبيئة أو الأصدقاء : يعني أنه حينما لا أستطيع الإحاطة بكامل أوقات أبنائي طوال اليوم ( المدرسو – الأصدقاء – النادي ) ؛ لذا عليَّ أن أربط أولادي ببيئة اجتماعية مناسبة ؛ وبهذا سيُسِّل عليَّ الكثير الكثير مما ينبغي أن يتعلمَّه الأولاد . من البيئات الاجتماعية الممتازة : بيئة المسجد فليسعى الأب أن يربط أبناءه بمسجدٍ من المساجد ، وإن لم يكن الأب مُرتبِطاً بالمسجد فقد يكون هناك مَنْ يُماثِلُهُ في العمر وينسجِمُ في ذلك المكان ، فالمسجد عادة هو طاقة إيمانية فيها دعوة إلى الخير وتعويد للصلاة زكلمات طيبة ، فيها ذِكرُ الله وهذا الذكر له طاقةٌ عجيبةٌ من التأثير ، لذا يحرص البعض على إبعاد الأبناء عن هذه البيئة إلى بيئة اللهو والطرب والعبث .. وبيئة الموكب الحُسَيْني والخدمة الحسينية لا سِيَّما في أيام المناسبات ، علينا أن نجعل أبناءنا جُزءً من العمل في هذه البيئة ؛ لِيَسْتشْعِروا بأنهم يخدِمون الإمام الحسين عليه السلام ، ويتعلَّقون بهذه الرموز ..فهذا سيختصِر على الآباء مقداراً كبيراً من الطريق التربوي ، النادي الهادف والجمعيات التطوعية تعلم الانسان على أن يخدِمَ غيرَه ولا يكون أنانياًّيعبُدُ ذاتَه .. بعض الأشخاص يتضايقون من وجود الأطفال في المساجد ، وأحيانا يتهجمون على من يُحضِر هؤلاء الأطفال إلى المساجد ، وهذا غلط إذا لم يأتي الابن إلى المسجد وذهب للشارع أو صار أسيراً للأجهزة الإلكترونية متى نُربيه ؟ ( مُرُوهم بالصلاةِ لِسبْع ) ..يقول العلماء إن الانسان في عمر السابعة يبدأ يتفهم قضية الله ، ويتفهم ارتباطه المفروض بالله عز وجل .. لو حرمنا الابن من المسجد ماذا سيبقى له ؟ الآن حتى في المنزل قسم كبير من الألعاب الإلكترونية خطير يُغَذي الأبناء بالأفكار السيئة القاتلة العنيفة ، وينبغي لرُوَّدِ المسجد أن لا يَضِيقوا ذرعاً بوجود الأولاد في المساجد فهذه بيئتهم الطبيعية .. الإمامان الحسنين كانا يذهبان إلى المسجد في زمان رسول الله ، يعني حتى قبل السبع سنوات ، وهم قدوة لنا ، وجدهم قدوةٌ لنا حين يأخُذُهم إالى المسجد .. من مسؤولية الوالدين أن ينتخِبا أصدقاء أبنائهم ، وإلاهذا الصديق قد يُفسِد كل ما بَنَياهُ في ابنهم ، يسعيا لربط ابنهما بذلك الصديق الطيب الهاديء والربط بينهما .
3 / التربية على أساس الرقابة الإلهية : للتربية جانب ترهيب وجانب ترغيب غالباً ،، أفضل من هذا أن يربي الوالدان أبناءهم على استشعار أن الله يراهم ، إذا صلى يقول له : بأن الملائكة ستكتب لك هذا العدد من الحسنات ،، وإذا كسر شيئاً أو خالف أمراً بدل التهديد تخبره بأن هناك احتمالاً أن تكون الملائكة قد سجَّلت اسمه مع الأناس السيِّئين ، وأن هناك درجات نقصت منك ، وأن هناك سيِّئات سُجِّلت عليك ، وأن الله ربما لا يُحِبُّك ، وليكن جانب التشجيع والترغيب هو الغالب على الإرعاب والتخويف .. يجب أن يُربَّى الابن على أساس أن الله دائماً يراك ، ويُحِبِّك ، فسيتربى على الرقابة والإيمان وحب الله منذ الصغر ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى ) ناظِر ومُرافِب  ، أما إذا تربى على التهديد والخوف من الوالدين فسيعمل ما يريد بعيداً عن أعيُنِهِما ، ومن دون أن يشعُران به ، وهكذا يتربى على الخداع من طفولته . ( وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرَائِهِم والشاهد لما خَفِيَ عنهُم ) .. ( رَبَّنَا اجْعَلْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن ) عندما ينظُر إلى ابنه بعد سنوات من التعب والتربية والتوجيه يرى أن تلك الجهود لم تذهب هباءً وإنما أنتجت صورة هذا الشاب الخلوق المؤمِن البار بوالديه 
** مما يُذكر في قضايا التربية ما يذكُرُهُ أربابُ الخبر ما كان عليه الإمام الحسين عليه السلام مع ابنته رقية سلام الله عليهما طفلة صغيرة أنْهَكَها الجوعُ والعطش والتعب والحزن كانت قد تعوَّدت أنه إذا كان والدها سيصلي في المنزل فإنها تعتني بسجادته وتُقرِّبها إليه مما أدى إلى التعرف على أوقات الصلاة ، وأذكارها وطريقة أبيها في الصلاة ..        

 

مرات العرض: 3406
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2568) حجم الملف: 35330.81 KB
تشغيل:

هل يعرف الأئمة وقت شهادتهم ؟
أولاد الأئمة : رؤية جامعة