10 إلى اخوتنا في المذاهب إجابة لأسئلتهم حول محرم
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 10/1/1439 هـ
تعريف:

إلى إخوتنا في المذاهب : أجوبة لأسئلتهم حول محرم 

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

      حديثنا بإذن الله تعالى هو بمثابة خطابٍ إلى أخوتنا في المذاهب الإسلامية ودعوةٍ إلى الاستفادة من الموسم الحسيني وإجابةٍ أيضًا عن بعض ما يتردد من أسئلةٍ تبحث عن الجواب.

  في البداية لا بد أن نقسم المسلمين إلى فئتين من الذين هم خارج دائرة أهل البيت ، فنوجه الحديث إلى فئةٍ ونترك الحديث مع فئةٍ أخرى .

   الفئة التي سنترك الحديث معها هي الفئة الطائفية المتأثرة بالنهج الأموي ، فهذه من العبث ( وهذا نكرره مع أخوتنا ممن لديهم حوارات ونقاشات وما شابه ذلك هناك فئةٌ وهي أقليةٌ في الأمة متأثرةٌ بالنهج الأموي وتثير المشاكل الطائفية ويصعب عليها أمر التفاهم بين المسلمين . ولذلك عندما تثير السؤال حول الحسين ، حول الموسم الحسيني ، حول الممارسات ،حول البكاء وحول الإنفاقات ، حول المشروعية ، حول الفائدة ، فهذه الفئة لا تنتظر جوابًا ولو أجبتها لا تنتظر منها أن تقبل الجواب فهؤلاء لم يكرمهم الله بأن يكونوا من الذين ( يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) فضلًا عن أن يتبعوا أحسنه .

   فقبل أن تكمل كلامك هو لا يستمع وهو قد جهز التشكيك الثاني وقد صمم على ألا يقبل منك مهما آتيته من برهان فإنه ليس متهيأً لأن يقبل منك ويتقبل أو يتفهم ، فمن إضاعة العمر ومن العبث أن يبقى الإنسان مع هؤلاء ولذلك أنا أنصح أخوتي أن حدد مستمعك من هو ومخاطبك من هو ؟ فإذا كان من هذا الصنف ومن هذه الفئة فلا تذهب جهدك سدًى لن يؤثر  ، لا تتلف وقتك عبثًا ، لن يستمع لن يتبع لن يتفهم فأنت تزرع في أرضٍ جلمد غير قابلة وغير مهيأة فهذه فئة قليلة ، أما الفئة الأخرى وهم عامة المسلمين فيما نعتقد وهم الذين في الغالب يسألون سؤال تفهمٍ واستفهام ومن الممكن لو وجدوا إجابةً مبرهنةً ومستدلة أن يعذروا أصحابها وإن لم ينفذوها حتى إذا ما قبلها في حياته يقول هذا الطرف عنده دليل وعنده رؤية وبالتالي هو يعمل على بصيرة لنفسه . لهؤلاء نحن نتحدث ومن هؤلاء نستلم السؤال ونحاول أيضًا أن نجيب عليه . والغرض أن يقال أن هذه الأمور التي يقوم بها شيعة أهل البيت عليهم السلام مستندةٌ إلى دليلٍ أو أدلة ، مستندةٌ إلى براهين قد تقبلها أو لا ذاك إليك وهذه تختلف عن الفئة الأولى تماما التي هي مصممةٌ على عدم الاستماع وعلى عدم التفهم وهي مصممةٌ على إدامة التشكيك والتشويش .

   من الطبيعي أننا نعيش في أمةٍ واحدة والآن أصبح الكل مفتوحٌ على جيرانه ، فمرة واحدة عالم المسلمين غير أتباع أهل البيت عليهم السلام يرون في بداية محرم تغيرت الدنيا من  البكاء والعزاء والمراسم والمآتم والإطعام والسواد وغير ذلك فتنقلب الدنيا رأسًا على عقب مرةً واحدة .

ما الذي يدعو هؤلاء لهذه الأمور ؟ فيقال لهم بمناسبة قتل الحسين . هنا يتساءلون سؤالًا آخر . هل هذه الأفعال مشروعة ؟ هل لها أصلٌ في الدين أو لا ؟ هل لها فائدةٌ في الدنيا أو لا ؟

وهذه أسئلة طبيعية ومشروعة وتنتظر الجواب .

كل هذا على الحسين، أليس رسول الله أفضل من الحسين ؟ 

فلماذا لا تصنعون لرسول الله كما تصنعون للحسين ؟ 

هذا سؤال مشروع .

وأمثال ذلك من الأسئلة . لهؤلاء نحن نتحدث .

     لا شك ولا ريب أن النقطة المركزية في إحياء الموسم الحسيني أو الحياة به ( فنحن نقول نحيي الموسم والواقع أن الموسم هو الذي يحيينا ) فأمر الحسين هو الذي يعطينا الحياة ، ولكن هكذا جرى التعارف .

     مرجع كل هذه الأمور التي ترتبط بالموسم الحسيني إلى قضية المأتم وإظهار الحزن هذه أول نقطة ثم منها بعد ذلك تتفرع سائر النقاط . لماذا بهذه الكيفيات ؟ لماذا الحسين على وجه الخصوص ؟ لماذا الإنفاقات بهذا المقدار ؟ فلابد أن نبدأ بالنقطة الأولى والتي إذا تمهدت يمكن أن تتهيأ سائر النقاط وإلا فلا .

   فإذن النقطة المركزية هي كما يحصل من الاجتماع عادةً وإظهار الحزن في صورة البكاء على الحسين عليه السلام في مثل هذه المآتم والمناسبات 

  في الجواب على ذلك نحن نقول أن فعل رسول الله لا شك ولا ريب سنةٌ متبعة ومن يقول أنه يلزم أن تأتي بدليل من القرآن بآية تقول أنه يجوز أن نقيم المآتم على الحسين نقول له اذهب وادرس أوليات الفقه والمعارف الدينية فإنك لا تفقه في أولياتها . لماذا؟ لأنه الذي يصر في كل شيءٍ على آية في القرآن فإنه لم يدرس ولم يتعلم ولم يتفقه ويتفهم فهذا بمجرد أن تقول له أنت عندك في العبادات أعظم من الصوم والحج والزكاة ؟ لا . فهل هناك آية في القرآن تشير أن صلاة الصبح ركعتان وصلاة الظهر أربع وصلاة المغرب ثلاث ، هذه العبادة التي تمارسها يوميًا ليس سائر الكيفيات ، لا فقط عدد الركعات لا توجد آية 

لا ريب أن الطواف والسعي ركنا الحج والعمرة فهل توجد آية واحدة تقول أن الطواف سبعة أشواط . لا تستطيع ذلك . هل توجد آية فيها مقدار الزكاة التي أزكيها ؟ إذا بلغ كم عندي من الحنطة كم أخرج من الزكاة ؟ 

   في الصوم استثني قضية الأكل والشرب وإشارة في قضية المواقعة الجنسية ، لا يوجد هناك شيءٌ يذكر مفطر للصوم فمعنى ذلك أن الإنسان يترك الأكل والشرب فقط في شهر رمضان وبقية الأشياء محللةً له . أين آيات القرآن ؟ هذه أعظم العبادات مع ذلك لا تستطيع أن تتعبد الله فيها بالقرآن وحده ولذلك جاء القرآن كي يقول هناك متمم وشارح وموضح وهو ( ما آتاكم الرسول فخذوه ) فمن يقول أنه لا توجد آية فلا نقبل . نقول له عذرًا نحن لغتنا عبرية وأنت فهمك عربي أو بالعكس .

إذا ثبت عن رسول الله شيئًا فهو سنة وإذا صار سنة فهو في قوة الآية المباركة تمامًا من حيث الحكم الشرعي والحجية في نفس القوة . فيما يرتبط بهذا الأمر إقامة المأتم وإظهار الحزن والتفجع والتوجع أولاً هو سنة رسول الله ( ص)

وأنا أورد لكم ثلاثة أمثلة مختلفة وإن كان يوجد العشرات لكننا نورد هذه الأمثلة لوجود جهات معينة  فيها  

   المثال الأول بحسب الواقع التاريخي أن النبي (ص) بكى على حمزة سيد الشهداء ومن الأحاديث التي تنقل في مصادر مدرسة الخلفاء أنه لما استشهد حمزة جاء النبي إلى المدينة وجلس عند صفية بنت عبد المطلب أخت حمزة عمة النبي فكانت تبكي والنبي يبكي وكانت تنشج والنبي ينشج فالبكاء يصدق حتى على مجرد سيلان الدمع ، أما النشيج فهو يرافقه صوت فلا يقال نشيج إلا إذا رافقه صوت . فلما فرغ وخرج رأى في الدور أن هناك مآتم كثيرة فسأل عنها قالوا : هذه نساء الأنصار فهذه تبكي والدها وتلك تبكي ابنها وتلك زوجها والنساء تغلب عليهن العاطفة والرقة فتخرج أصوات البكاء والنياحة بصوت عال ، فتأثر النبي (ص) وقال : لكن حمزة لا بواكي له . لماذا حمزة لا بواكي له ؟ باعتبار أن أسرة بني هاشم في الوقت الذي استشهد فيه حمزة سنة ثلاثة هجرية لم تكن قد انتقلت كلها للمدينة وماصارت أسرة كبيرة بخلاف بقية الأسر المدنية أساسًا . فلما سمع بعض الأنصار هذا الكلام وعرفوا تأثر النبي بأن حمزة لا يبكى عليه عهدوا إلى أهاليهم أنه لا يبكى أحدٌ إلا ويبكى قبله حمزة وينعى وتذكر مآثر حمزة وينوحون عليه ثم بعد ذلك يبكى ذلك الشخص . 

والنبي لما رأى ذلك أراحه الأمر وظلت هذه القضية جارية فانتهت معركة أحد وصارت الخندق وصار فتح مكة وطيلة زمان الهجرة ونساء الأنصار حتى بعد ثلاث وأربع وخمس سنوات على هذه العادة جارين والنبي يراهن ويسمعهن وصارت سنة ممضاة من قبل النبي (ص) ولم يغيرها ولم ينه عنها . 

    أحد أهم مؤرخي الإسلام وهو الواقدي المتوفى سنة مائتين وثمانية هجرية بعد قرنين من الزمان تقريبًا يقول ولا تزال نساء المدينة إلى يومنا هذا إذا بكين أحدًا من أمواتهن يبدأن بحمزة . فهذه السنة سنها النبي في حياته واستمرت ما يقارب سبع سنوات وسلمها ذلك الجيل إلى الجيل الذي بعده والذي بعده وهكذا إلى سنة مائتين وسبعة كما يذكرها الواقدي وهذا ينفعنا في أن التقادم في المصيبة لا يؤثر على عدم رجحان واستحباب البكاء على ذلك المصاب وإلا لكان بمجرد أن انتهت معركة أحد ودفن وبكوا عليه ثلاثة أو خمسة أو أسبوع هذا يكفي أما أن يستمر الأمر طيلة حياة النبي سبع سنوات فهذا يفيد إمضاء النبي لمثل هذا الأمر . هذا من الناحية الزمانية ثم بعد ذلك في زمان الصحابة نفس الكلام إلى زمان التابعين وأبناء التابعين إلى زمان الإمام الرضا وهذه السيرة والسنة النبوية جارية . 

   المثال الآخر في قضية جعفر بن أبي طالب الذي استشهد في مؤتة هو ورفاقه ابن رواحة وزيد بن حارثة والنبي بكى عليهم في المسجد ثم ذهب أيضًا إلى بيت جعفر وبكى هناك وفي المسجد قال ( على مثل جعفر فليبك الباكون ) وهذه الكلمة تعني أنها ليست خاصة بجعفر وإنما من كان مثله في الإيمان والشهادة والتضحية يستحق أن يبكى عليه .

والإمام الحسين عليه السلام يدخل قطعًا في مثل هذا بل هو متقدم في اعتقادنا على جعفر . أو تقول مثله هذا شهيد وهذا شهيد على الأقل الحسين عليه السلام معروف أنه سيد الشهداء وجعفر لم يلقب بهذا اللقب وإنما لقب حمزة في زمان رسول الله فهذا الأمر الثاني .

والأمر الثالث في خصوص الحسين عليه السلام وهذا مروي عندهم بطرق متعددة وهذه الطرق صحيحة وبعضها مفصل وبعضها مختصر .

فمن شبه المفصل ما جاء في مسند أحمد وقد صححه الألباني أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان متجهًا إلى صفين فمر على نينوى فالتفت وقال : صبرًا أباعبدالله صبرًا أبا عبدالله فسأله من معه مامعنى هذا الكلام فحكى لهم قصة أن الإمام الحسين عليه السلام جاء إلى بيت رسول الله والرسول كان ينظر إليه ويعجب به ويتحبب إليه . في هذه الأثناء نزل جبرائيل فقال له : يا رسول الله أتحبه ؟ قال : بلى . قال : فإن أمتك تقتله بأرضٍ يقال لها كربلاء وأعطاه تربةً من ذلك القبر . 

     فبعضهم نقل المقطع الخاص بالنبي (ص) وبعضهم ذكر بالإضافة إليه ما قاله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . فالبنسبة إلى خصوص مقطع النبي فيه ملاحظة أن النبي بكى في هذه الحالة وفي أكثر من موضع ولمني اكتفيت بموضع واحد لنتمكن من مناقشة البحث الآخر . وقد بكى في وقتٍ لم تنزل فيه المصيبة وهذا أمر حقيقة عجيب وغريب ، فأن تنزل بك مصيبة معقول أن تبكي أما أن تكون في سنة ستة هجرية أو سبعة أو ثمانية والحسين عمره ثلاث سنوات أو أربع ، يبقى أمامنا ثلاث وخمسون أو أربعٌ وخمسون سنة إلى أن تصير المصيبة فيبكي النبي (ص) من ذلك اليوم قبل أكثر من نصف قرن من الزمان يبكي ! هذا أمر غير طبيعي إلا لمن أراد أن يدعو ويسن سنةً في هذا الشأن . ففي ذلك الوقت لم لم يكن أمرًا ابتلائيًا ، فالأمر الابتلائي صار بعد خمسين سنة ، لكن يريد أن يضفي عليها مشروعيةً . وبالنسبة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام فأتباع مدرسة الخلفاء على الأقل يعتبرونه أحد الخلفاء الراشدين وأحد الصحابة الذين تعتبر أعمالهم مشرعة وقد أظهر حزنه وتفجعه وتوجعه في هذه الحادثة وفي غيرها قبل حصولها .

   بل حتى على النبي (ص) صارت نياحة وصار بكاء ، إذ ينقلون عن عائشة زوجة النبي (ص) أنها قالت : لما توفي النبي (ص) قمت وجعلت ألتدم مع النساء وألتدم يعني أضرب بجمع الكف على الصدر بقوة . وليست فقط وحدها وإنما كان معها النساء ، والنساء إما سائر زوجات النبي (ص) أو الصحابيات وعند أتباع هذه المدرسة أن عمل الصحابي والصحابية من مصادر التشريع ، ليس فقط الحزن وإنما الالتدام والعزاء واللطم بجمع الكف وبقوة . فهذه وأمثالها كثير تعرض لها المرحوم الإمام عبد الحسين شرف الدين في كتابه المجالس الفاخرة وأورد عددا كبيرًا ممن بكى عليهم رسول الله (ص) من أسانيد معتبرةً عند القوم انتخبت لك منها ما فيها جهة استثنائية ولو أردنا أن نمد الحديث لكان ذلك ممكنًا .

هذا بالنسبة لأصل المشروعية أمرٌ قام به رسول الله قبل حدوثه ، فيه امتداد زمني ، وبمعونة على مثل جعفر فليبك الباكون يصير تعميم للمسألة إلى غير جعفر ولا ريب أنها تشمل الإمام الحسين عليه السلام .

ما فائدة هذه الأمور ؟

أورد فائدتين علمية واجتماعية إيرادًا سريعًا

الفائدة الأولى : من هذه المراسم والعزاءات والاجتماعات والمآتم فائدة علمية وفكرية لو فرضنا أنه في منطقة قريبة منا أربعمائة ألف إنسان وهم محافظون جدًا على قضية إحياء مآتم الحسين والحضور فيها ، لنفترض أنهم ليس جميعهم يحضرون ولا تسعين في المائة فلننزل إلى خمسين في المائة رغم أن ما نراه أن النسبة تزيد كثيرًا عن هذا . ففي الأسرة الواحدة من الذي يبقى في محرم ولياليه لا يسمع مجلسًا واحدًا على الأقل إلا أن يكون عاجز أو مريض أو مشغول جدًا فنحن سنتنازل إلى هذا المقدار فيبقى مائتين ألف إنسان من أربعمائة ألف هؤلاء يحضرون ثلاث عشرة ليلة بمعدل مجلس واحد مع أن غالب الناس في اليوم يحضرون أكثر من ذلك إما مباشرةً أو عبر التسجيلات فإذا تضرب مائتين ألف في ثلاثة عشر معنى ذلك مليونين وستمائة ألف ساعة علمية وفكرية وثقافية فيها تفسير القرآن والعقائد والأحكام والتاريخ والتهذيب ومناقشة المشاكل الاجتماعية والوعظ والإرشاد والأحكام الشرعية فهذا رقم هائل والحقيقة لو أن حكومات المسلمين التفتت إلى هذا لدعمت هذه المآتم دعمًا بلا نظير لأنها ترفع من المستوى الثقافي العام للمجتمع مجانا.

   فلو أردت أن تحضر دورة زيد من الناس يقيمها مثلًا في المشاكل الزوجية ولنستثني المراكز الخيرية المنتشرة في مجتمعنا ، لكن يوجد خارج هذا الإطار تحضر عشر ساعات  بسبعمائة ريال . وأنت تحضر هنا طول حياتك من الممكن سبعة آلاف أو سبع عشرة ألف ساعةً علمية لا تدفع ريالًا واحدًا . ودرس التاريخ الذي  يدرسه المدرس في المدرسة لا بد أن يدفع له سبعين ريال مثلًا ، وأنا أحضر في مأتم من مآتم الحسين لا أدفع شيئًا لأن هناك من المؤمنين من يتطوع ويتبنى نشر العلم بهذه الطريقة وبالتالي هناك فوائد علمية هائلةٌ تتحقق في مجتمع المسلمين بشكل مجاني ومستمر ودائم دون تعب فلا ميزانيات ضخمة معتمدة من قبل الدول ولا عناءات ، بلا شك هي تكلف ولكن كلها جهود تطوعية وإنفاقات من أهل الخير والعمل الصالح .

    وهذا يحملنا نحن الخطباء مسؤولية عظيمة وهي عندما يجلس أمامهم المئات وأكثر من ذلك ألا يضيعوا هذه الساعات بغير فائدةٍ ، فعليه أن يسعى سعيًا جادًا في أن يقدم أفضل ما عنده .

    هذا التنوع الموجود في المواضيع والمستويات فأنت لست مضطرًا أن تحضر هذا المجلس إذا كنت ترى أنه دون مستواك فتذهب إلى مجلسٍ آخر فهذا النمط من الإحياء لمآتم الحسين فيه إنهاضٌ علميٌ وفكريٌ للمجتمع وفيه تقويةٌ من دون تكلفةٍ واضحةٍ على الجهات الرسمية . هذه بركات الحسين سلام الله عليه ، هذه فوائد المآتم . فأنت الآن إذا تريد أن تحسبها قل أنا الآن عمري خمسين سنة ، في هذه الخمسين كم مجلس حضرت ؟ سوف ترى شيئًا عظيمًا جدًا . هذه فائدة علمية وفكرية ، 

وربما يقال أن هذه الأمور موجودة في المآتم لكن هناك نهي عن قضية النياحة والبكاء فهناك حديثٌ عن النبي أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فإذا بكيتم على الحسين فمن الممكن أن يعذب ! وهذا كفينا مؤونة الرد عليه بنفس الحديث ( وهذا الحديث غير موجود بأسانيد صحيحة عند مدرسة أهل البيت ) وعند مدرسة الخلفاء كفانا المحققون منهم ومنهم بعض الصحابة هذا الأمر فقد ذكر أنه حصل اشتباه في النقل فأول من رد هذا الحديث   وهناك فائدة اجتماعية فالآن مع تباعد الأماكن والانشغالات الموجودة أصبح تلاقي الناس شيئًا ليس باليسير ، ومآتم الحسين عليه السلام توفر فرصةً بديعةً ورائعةً للناس كي يلتقوا على الأقل على مدى ثلاث عشرة ليلة في كل سنة ، فيجتمع أهل المنطقة هذا يرى ذاك ويتفقد حاله وماذا حصل له ويتعرف على أفراد جدد . فلا أنت دفعت أموال ولم تجشم نفسك عناء ولم تأخذ موعد استثنائي من أحد وإنما جئت إلى حيث يحتضنك الحسين سلام الله عليه في أماكن أقيمت باسمه ليس فيها أحد أولى من أحد فأنا وأنت على قدم المساواة فأنا أملك فيها ما تملك وأنت تملك فيها ما أملك من حق الاستفادة ، فهذه فائدة فكرية وهذه فائدة اجتماعية نتجاوز عنها لا نفصل فيها .

  ربما يقال أن هذه الأمور موجودة عندكم ولكن يوجد عندنا نهي عن النياحة والبكاء فهناك حديثٌ عن النبي إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ، فإذا بكيتم على الحسين من الممكن أن يعذب . وهذا كفينا مؤونة الإجابة عليه بنفس مدرسة الخلفاء وطبعا عندنا في مدرسة أهل البيت هذا الحديث غير موجود بأسانيد صحيحة ، فقد ذكر المحققون منهم أمه حصل اشتباه في الأمر فأول من رد هذا الحديث من ناقليه هي عائشة زوجة النبي (ص)

          فعندما نقل لعائشة زوجة النبي (ص) قالت : ( ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى ) فما معنى أن النائح شخص والمعذب شخصٌ آخر ؟! فهذا إذا كان عدو لآخر فعليه أن يقطع نفسه من الصراخ والنياح حتى يعذب في داخل قبره ! فهذا أمرٌ غير معقول . إذن ماالخبر ؟ ذكر المحققون أن الناقل كان متوهم فقد مر النبي على جنازة يهودي وكان يدفن وأهله يبكون عليه فقال : إنهم يبكون عليه وإنه ليعذب . لماذا يعذب ؟ لأنه جاحد لنبوة النبي ولأنه مكذب بالحق لذلك مصيره أن يعذب . وهؤلاء يبكونه باعتبار أنهم من أقاربه فلا ربط بين الأمرين .    فسبب البكاء أنهم من أقاربه وسبب العذاب أنه مكذب وجاحد لنبوة نبينا المصطفى محمد ( ص) .

   وقالوا أن هناك روايات تنهى عن النياحة وعن رفع الصوت عند النياحة وما شابه ذلك . فالعلماء حملوها على النياحة بالباطل يعني شخص لا يوجد عنده أي مؤهل من الأعمال الصالحة فتصنع منه قرين الأنبياء هذا الكريم وهذا السخي وهذا الجواد وهذا العالم ووو وهو كان مسيئًا في حياته . فهذه النياحة بالباطل غير جائزة لأن الباطل والكذب غير جائز سواء كان بالنياحة أو بالفرح لكن عادةً وفي تلك الأزمنة الجاهلية كانوا يستأجرون واحدة تقرأ نياحة على هذا الميت فتعدد فيه من الفضائل ما شاء الله وتكسب بذلك أجرها وهو كله كذب ، فالنبي ينهى عن مثل هذا الأمر ، لا أن بكاءه ونياحته على شخصٍ مثله ينبغي أن يبكى عليه كما قال في حال جعفر فإنه هو أيضًا بكى وأبكى وندب إلى البكاء . 

   هنا يأتي سؤال أنكم بهذه المآتم تثيرون الشحن الطائفي فهي قضية تاريخية انتهت فماذا يعني أن تعيدوا هذه السيرة ؟ عيشوا في الحاضر واتركوا الماضي حتى لا تشحن النفوس وتوغر الصدور وكل مذهب يعادي المذهب الآخر ، أما الجواب عن قضية التاريخ فينبغي أن يكون نفس الاعتراض على القرآن الكريم وقد ذكرنا من قبل أن فرعون ذكر في القرآن الكريم ما يزيد عن سبعين مرة ، فماذا يعنينا من أمر فرعون ، فقضية حدثت قبل آلاف السنين ومات من آلاف السنين وبلى بدنه ولا أحد من الفراعنة موجود ولا من أنصارهم موجود ولا أحد يقدسهم موجود والقرآن الكريم لا تكاد تخلو سورةٌ منه . لماذا ؟ الجواب ، لابد من إسقاط النموذج ، فكما يتحدث القرآن في إعلاء نموذج النبي موسى داعيًا إلى الخير يتحدث عن إسقاط نموذج فرعون باعتباره داعي إلى الشر والباطل . وهذا يجب أن يبقى ليس ألف وثلاثمائة أو أربعمائة سنة وإنما قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار من قبل كل مسلم وفي كل الأوقات . فإذا كانت قضية الحسين عليه السلام تذكر عادةً في محرم فالقرآن الكريم طول السنة يستحب للإنسان أن يقرأ يوميًا القرآن الكريم ، فمعنى هذا أنه طوال عمره عنده معركة مع فرعون . ألم ينتهي فرعون ، لا وإنما لابد من إسقاط هذا النموذج في أذهان الأجيال فحتى لو عرف الجيل الأول فلا بد أن يعرف الجيل الثاني والجيل الثالث نفس الكلام سطرًا بسطر فيما يرتبط بقضية الحسين وظالميه وقاتليه .تأججون المشاعر وتشحنون العواطف ويصير عندكم تشنج طائفي ... لماذا ؟ 

فهل أنت من ورثة بني أمية حتى يغضبك لعنهم وشتمهم فإذا كنت من ورثتهم فلا أعتقد أن أحد المسلمين يشرفه أن يقول نعم أنا ممثل بني أمية على وجه الأرض ولا أسمح بالتعدي عليهم . فهناك من يحبهم في داخله ولكن لا يقولها أحد .

     فهل إذا قيل أن الحسين نصر الدين وأقام شريعة الإسلام وضحى في سبيل الله ، هل هذا يشحن النفوس طائفية ؟

   أو إذا قيل أن يزيد فعل ما فعل إذ يسأل عبد الله والده ابن حنبل والذي هو إمام أهل السنة : ماذا تقول في يزيد ؟ فيقول : من الذين يصدق عليهم أنهم قطعوا أرحامهم ومن الذين يصدق عليهم أنهم يؤذون رسول الله وكذا وكذا نعم ربما ينزلق بعض الخطباء فيما لا يليق بالحديث وهذا موجود سواء كان محرم موجود أو لا . وموجود في داخل الدائرة الشيعية وموجود في داخل الدائرة غير الشيعية وهو مدانٌ سواء خرج من هنا أم من هناك . فأي دعوة طائفية وأي تحريض طائفي وأي إثارة للتشنجات هذه مرفوضة ٌ كائن من كان قائلها . بل بالعكس نحن نجد لاسيما مع أوامر المرجعيات العليا الدينية في توجيه الخطاب الحسيني والذي حتى التعبيرات عندما تعبر المرجعية الدينية عن أتباع مدرسة الخلفاء تقول هؤلاء ليسوا فقط إخواننا بل أنفسنا إلى هذا المقدار وتحث الخطباء والمتحدثين على أن يلتزموا بالمنهج العلمي الداعي إلى الأخوة والتقريب . فلو أخطأ أحد الخطباء فهذا لا يفسد أصل المسألة . فكما أنه في بعض مساجد المسلمين أيضًا هناك دعوات غير حسنة فلا يعني أن نقول أن المسجد وصلاة الجماعة لا ينبغي الدعوة إليها لأن خطيب المسجد الفلاني كانت عنده دعوة طائفية . كلا فالدعوة الطائفية والتشنج مرفوضٌ أينما كان لكن ذكر قضية الإمام الحسين لا يعتقد فيها دعوة طائفية . بل العكس نحن ندعو لأكثر من هذا ، فنقول لماذا في مثل يوم العاشر من المحرم لا يبث مثل مقتل المرحوم عبد الزهراء الكعبي الذي كان يبث من إذاعات بعض الدول العربية في السنوات الماضية كما فعلت بعض دول الخليج التي كانت تبثه في اليوم العاشر قبل أن يستولي عليها الخط الأموي ويغير توجهها . فأن يذكر مصاب الحسين عليه السلام وخطابه ووقائع المعركة أي شحنٍ طائفيٍ فيها ؟ فنحن لا نعتقد بهذا .

أما لماذا كل هذا تفعلونه للحسين عليه السلام وليس للرسول (ص) ؟

    الجواب على ذلك إذا واحد هو يصنع للرسول شيئًا له حقٌ أن يعترض فإذا هو يقرأ وفاة الرسول يومان فله حق أن يعترض علي إذا قرأتها يومٌ واحد ، أما إذا كان لا يدري وفاة النبي في أي تاريخ هل يحق له هذا صاحب الصفر أن يعترض علي إذا قرأتها يوم واحد ليس له حق . أما إذا قال نهاية كلامك أنه أنتم لا تهتمون بالرسول فهل أنتم تهتمون بوفاة النبي وبذكراه وبعزائه ؟ هل تحفظ بيت واحد في رثاء الرسول في سيرة النبي ؟ في وفاته وذكراه وتاريخه وما حصل في لحظاته الأخيرة هذه أمور يحفظها الأطفال عندنا وأنت الذي تقول لماذا هذا للحسين دون الرسول نحن نقول بأننا نتشرف بأن نذكر النبي (ص) بل ربما يعيب علينا غيرنا أننا نكثر ونبالغ من الصلاة على النبي محمد . نكثر من التوسل به ونكثر من الذكر له ومن الحديث عنه . فأنت إذا كنت منصفًا فنعطيك الحق في ذلك عندما تقيم مأتم النبي يومان فاعترض علينا حين نقيمه يومٌ واحد أما إذا أنت أصلًا تضع خط البطلان على هذا الأمر فلا يصح اعتراضك .

الأمر الثاني : نحن نأتمر بما أمر به رسول الله ، فالنبي هو بكى على الحسين وهو سن هذه السنة فنحن نعمل كما أمر ولا يخلو ذكر مجلسٍ من المجالس وأكاد أتيقن من ذكر رسول الله فأول ما يقال في المنبر صلى الله عليك يا رسول الله . 

ثالثًا : نحن نعتقد أن مصرع الحسين عليه السلام جزء ٌ من عظمته وشديد وقعته أنه مثل مصرع النبي (ص) فكأن قتل الحسين كان قتلًا لرسول الله ، وكأن ذبح الحسين كان ذبحًا لرسول الله كما يقول الشاعر : 

  فحياة أصحاب الكساء حياته       وبيوم مصرعه جميعًا صرعوا 

وكثير من الشعراء ربطوا العلاقة بين النبي وبين الحسين عليه السلام . 

    فنحن نرى أن الصحيح أننا نحيي ذكرى الجميع ولخصوصيةٍ في مصيبة الحسين عليه السلام نحييها بهذا النحو وإن أبيت فلنتقاسمها بإنصاف فتحيي أنت عشرة أيام لرسول الله ونساعدك فيها ونحن نحيي عشرة أيام للإمام الحسين والإنصاف شيء جيد  . فمرةً أنت تقول لا تعملوا للحسين لأنكم لا تعملون للنبي فنقول لا نحن نفعل للحسين وللنبي ومرة تقول أنتم مقصرين في حق النبي فتعال أنت وتجاوز التقصير وأعلن عن عشرة أيام لرسول الله (ص) كما هناك عشرة أيام للحسين ونحن نساعدك فيها وسنقتدي بك أيضًا في هذا الشأن  .

   نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أتباع رسول الله حقيقةً ومن أتباع الحسين صدقًا وأن يعيننا على إقامة هذه المآتم والمجالس والمراسم وأن يوفق الأمة لأن تتعرف على الحسين . فحقيقةً لولا هذا المقدار من الإحياء لرأيت أن أكثرية الأمة الإسلامية من الممكن أن تحتفل في يوم عاشوراء احتفالات زينة وهذا حدث مع وجود كل هذا الزخم الحسيني والحزن والحضور ومع ذلك عندنا على الأقل ثلاث دول في العالم الإسلامي بل في العالم العربي عندها يوم عاشوراء مراسم بركة ومراسم حلويات وفرح وثياب جديدة فما يقارب من مائة وسبعين مليون مسلم يحتفل بعاشوراء باعتبارها مناسبة سعيدة ومفرحة مع كل هذا الإحياء للموسم الحسيني فكيف لو قصرنا في الإحياء إلى كم سيتصاعد العدد . فاليوم الذي تهبر فيه أوذاج الحسين سلام الله عليه توزع الحلويات ! هل هذه أمة جده رسول الله .

نسأل الله تعالى أن يحشرنا في أنصار الحسين وأن ينفعنا بشفاعة الحسين عليه السلام .  


مرات العرض: 3392
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2550) حجم الملف: 65931.29 KB
تشغيل:

9 هكذا يهدم الاستبداد الأسرة والمجتمع
11 المجتمع بين الرحمة  الذاهبة والقسوة الغالبة