مناهج دراسة حياة المعصومين : شهادة الامام الجواد
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/12/1438 هـ
تعريف:


مناهج دراسة حياة المعصومين عليهم السلام

 

كتابة المهندس : موالي أهل البيت

تقديم منهجي:

نتحدث في البداية عن أشكال قراءة حياة الآئمة و دراسة شخصياتهم بشكل عام ثم نعرج بعد ذلك على ذكر جانب من حياة الإمام الجواد صلوات الله و سلامه عليه..

من الواضح أننا مأمورون بالتأمل و التدبر في حياة الأئمة قادتنا و سادتنا المعصومين محمد و آله صلوات الله و سلامه عليهم فقد أشار القرآن الكريم إلى جهة التأسي بقول الله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " و في هذا إشارة غير مباشرة إلى لزوم التعرف على حياته ، انت لا تستطيع أن تتأسى بأحد و أن تقتدي به إلا عنما تعرفه و تعرف تفاصيل حياته و سيرته آن ئذ تتأسى به عندما تراه في الكرم يفعل كذا تقتفي أثره ، عندما تراه في العبادة تراه يفعل كذا تحتذي حذوه فإذن هذه إشارة غير مباشرة إلى لزوم أن يتعرف لالإنسان على هؤولاء القادة و في كلام مولانا امير المؤمنين عليه السلام في حق أهل البيت يقول:" انظروا أهل بيت نبيكم اقتفوا اثرهم و اسلكوا سبيلهم فإنهم لن يخرجوكم من هدى و لن يدخلوكم في ردى "

النظر إلى أهل البيت يعني أن نتأمل في حياتهم أن نقرأ سيرتهم أن نتعرف على مواقفهم، طيب، هنا توجد ثلاث طرق في قراءة حياة أهل البيت و في دراسة سيرتهم هذا بحسب التتبع لما هو مكتوب عادة و إلا قد تكون الطرائق أكثر من هذا ..

طرائق النظر إلى حياة المعصومين (عليهم السلام):
1.الطريقة الغيبية: فهم حياة الإمام أو المعصوم بطريقة غيبية و تعتمد هذه الطريقة على أن المناسبة للإنسان ان يقرأ في معاجزهم- لاريب أن للمعصومين معاجز و كرامات-تركز هذه الطريقة على أن يقرأ الإنسان معاجزهم كراماتهم ، هذا هو المهم و سائر الأمور ليس مهما في رأي هذه القراءة، و قد كتبت كتب في هذا المجال ، تركيز هذه القراءة على الجانب الغيبي بدن الإمام كيف هو؟ أشياؤه الخاصة مقاماته الإلهيةتركز هذه القراءة على أن ينحصر إهتمام الإنسان في هذا الجانب تعظيما و تفخيما و اكراما لهذا المعصوم، هذه الطريقة من القراءة فيها فوائد و فيها بعض الجهات السلبية من فوائدها أنها تركز في الإنسان عقيدة أن هؤولاء المعصومين مرتبطون أشد الارتباط بالله عزوجل فإن اصل خلقتهم كانت بنحو خاص و ان رعاية الله لهم من العوالم السابقة كانت رعاية خاصة و انهم جاءوا الى هذه الحياة ضمن رعاية الله عزوجل و حياطته و عنايته ، هذا المعنى معنى مهم و مفيد أن هؤولاء ليسوا بشرا عاديين و هذا يرد على توجهين     التوجه الموجود عند قسم من المسلمين ممن لا يعتقد بأهل البيت عليهم السلام يعتبر مثلا جعفربن محمد الصادق رجلا عالما عاديا حاله حال سفيان الثوري و حال مالك و حال سائر العلماءالآخرين ما عنده ميزة عليهم ، هذه القراءة الغيبية تتجاوز هذا الموضوع ، تقول لا، هؤولاء في أصل تكوينهم كانوا محاطين بعناية الله عزوجل مما ورد في بعض تفاسير الآية المباركة في حق نبينا المصطفى محمد (صلى الله عليه و آله وسلم) من قول الله تعالى : "الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين" أحد تفاسير هذه الآسية المباركة أن لم يزل نبينا محمد نور يتقلب في أرحام الطاهرات و الطيبين تحت رعاية الله عزوجل منذ آدم ، فهذا إذن فيه فائدة بل ترد أحيانا على خط التقصير في حقهم و الذي قد يوجد أحيانا ضمن بعض الأفكار في المذهب الإمامي أن مثلا الأئمة عليهم السلام جانبهم الغيبي جانب مختصر أو بسيط أو ما شابه ذلك ، هذه من الفوائد لهذه القراءة ، لكن لديها أيضا آثار سلبية لو تم الإغراق فيها ، من الآثار السلبية حين يتم الإغراق في هذا الإتجاه ، بدايات تكون الغلو، هناك خط دقيق جدا بين التعظيم و الاكرام و بين غلو الإنسان في الشخص ،و هذا إذا لم يلامسه عالم محقق مدقق، إما يكون في هذه الجهة مفرط أو يكون مفرٌط، لذلك عندنا حديث :" إنك لا ترى الجاهل إلا مفرطا أومفرٌطا " عندما يغرق الإنسان في هذا الموضوع لاسيما إذا يكن تحت هداية عالم من الممكن أن يتورط بالغلو و قد وجدنا بتاريخ المعصومين عليهم السلام أن هنالك حركات غلاة موجودة بتاريخ أئمتنا عليهم السلام، لماذا؟ لأنه ان يركز على هذا الجانب فقط و لا ينظر إلى سائر الجوانب و قد قاوم الأئمة عليهم السلام هذا الاتجاه عندما كانوا يمارسون أشد الأشياء بشرية ، ينقل في زمان الإمام الصادق عليه السلام كان هنالك بعض الغلاة ، فجاء أحدهم إلى الإمام و هو يفكر في نفسه أنه "أنا ذاهب إلى ربي" حسب تعبيره ، و هذا ينهى عنه الأئمة عليهم السلام ، طيب، لما دخل هذا على الامام ، و الامام قرأ ما في ذهنه و يعرف أن هذا الشخص من هذا التوجه نادى بأحد غلمانه و قال : "علي بالإبريق " يعني اتني بالابريق حتى ماذا يصنع ؟ هذا يذهب إلى بيت الخلاء لأن مثل هذا يكسر هذا الوهم الذي في ذهن ذاك الشخص ، الإله أيضا يحتاج إلى بيت الخلاء و يحتاج أن يأتيه واحد ابريق و يروح يفرغ ما في بطنه ، هذا الشخص ظل حائرا للتو داخل عل الامام و هو في باله هذا هو..هو !!! و إذا به يتناول ابريق حتى يدخل إلى بيت الخلاء ، فلما رجع الإمام عليه السلام قال له : يا هذا لا يتعد إلى ما كنت فيه إننا عباد مخلوقون مربوبون لله عزوجل" أعلى ما عندنا أن يكون الواحد منا ماذا ؟ نعم العبد ، أعلى شيء أن يكون النبي محمد (صلى الله عليه و آله ) نقول : و نشهد أن محمدا عبده و رسوله" غاية الفخر غاية السمو له أن يكون عبدا لله عزوجل و في كلمة أمير المؤمنين عليه السلام: إلهي وجدتك نعم الرب فاجعلني نعم العبد" فهذه القراءة فيها ذلك الجانب الإيجابي و فيها هذا الجانب السلبي إذا أحد أراد أن يروح وراها ينبغي أن يأخذ منها الجانب الإيجابي و هو الاعتقاد بأن المعصومين عليهم السلام أشخاص انتخبهم الله اجتباهم اصطفاهم كونهم خلقهم بعناية خاصة من أجل مهمة لإنقاذ هذه البشرية، ليس كأي شخص عادي و لكن في نفس الوقت هؤولاء يبقون في دائرة العبودية لله عزوجل في دائرة البشرية ، إنما أنا بشر مثلكم ، لكن هناك فرق "يوحى إلي " كما في القرآن الكريم . أيضا من الإشكالات التي قد تعتري هذه القراءة أن التركيز عليها كثيرا من الممكن أن يحجب الانسان عن الاقتداء لماذا؟ لأن هذا أيضا تجده عند قسم من الناس لما تقول له : إمامك لم يفعل هكذا !! سيدتك الزهراء لا تقبل بهذا ، قسم من الناس يجيبك مباشرة ذلك إمام تلك معصومة ، هذا صحيح لكن ليس بمعنى أن لا اقتدي بهم بالمقدار الذي استطيع يجب علي أن اقتدي بهم فإذا صار تركيز الانسان دائما على أن هؤولاء خلقتهم مختلفة كل أعمالهم بأمر الله كل حركاتهم تتدخل فيها الإرادة الغيبية، طيب ، و حصرهم كلهم في جانب الغيب، هنا قد قسم من الناس لقلة وعي يحجبهم هذا عن الاقتداء بهم ، نحن نقول نعم المعصومون عليهم السلام لهم هذه الدرجات العاليات و المقامات الكبيرة و العناية الخاصة من قبل خلقهم بهم من قبل الله عزوجل و لكنهم جعلوا حججا و أئمة حتى يقتدي الناس بهم بقدر استطاعتهم
2.القراءة الحركية و السياسية: القراءة التي شهدناها خلال الخمسين سنة تقريبا الماضية هي ما تسمى بالقراءة الحركية و السياسية لحياة المعصومين عليهم السلام ، منذ حوالي خمسة عقود في أكثر من مكان في عالمنا الشيعي صار هناك تحرك لتغيير أوضاع المناطق المختلفة مواجهة الفساد و مواجهة الظلم وغير ذلك ، فانفتح هؤولاء الناس الذين يريدون هذه الأمور على تاريخ المعصومين لما راحوا يقرأوا تاريخ المعصومين قرأوا الجانب السياسي منه ، قرأوا الجانب الثوري منه ، قرأوا الجانب الحركي منه و بعض هؤولاء عندما كتبوا كتبا وكتيبات و ما شابه ذلك كأنهم تصوروا أن الإمام فقط هو زعيم معارضة و هو يفعل هكذا في السياسة و يرد على خصمه بكذا و كذا مثل أي حالة سياسية أخرى و قد تجد بعض الكتب في هذا المعنى كأنما الإمام عليه السلام قائد حرك سياسية قائد تنظيم حزبي أو حركي ، قائد عمل خاص مع جماعة و لا ريب أن المعصومين عليهم السلام غيروا في الأمة قاوموا الانحراف واجهوا السياسات الباطلة هذا بلاريب ، لكن واحد يأتي يفصل لأمير المؤمنين أو الإمام الحسن أو الحسين أو السجاد ملابس معارض سياسي و يلبسها إياه فقط ، هذا أمر غير صحيح ، هذه القراءة فيها بعض الفوائد و فيها بعض المضار ، من فوائدها أنها استطاعت ان تقرب حياة المعصومين عليهم السلام إلى مجاميع الشباب لا سيما من أبناء الحركا ت الإسلامية ، كان جيل واسع في بللد المسلمين و بالذات التابعين لأهل البيت ( عليهم السلام) هذه الطريقة كانت وسيطا لتعريف هؤولاء الشباب الذين قد يكون قسم منهم مشغول بالأمر السياسي و بالمعارضة و مقاومة الظلم يحتاج إلى نموذج ، إليك الحسيبن عليه السلام و كلماته و شعاراته و ما شابه ذلك، فتعرف جمع غفير من شباب الشيعة على حياة المعصومين عليهم السلام و هكذا الحال بالنسبة إلى سائر الأئمة في التغيير الثقافي عندما يتحدث يأتي لهم بنماذج من حياة الأئمة الباقر و الصادق عليهما السلام و هكذا ، هذا الجانب الإيجابي لهذه القراءة أنها استطاعت هذه القراءة لحياة المعصومين و هي القراءة السياسية و الثورية و الحركية التي قام بها بعض مفكري الشيعة قريبت حياة المعصومين عليهم السلام إلى مجاميع الشباب لكن فيها أيضا جانب سلبي ينبغي أن يتلافى ذلك الجانب السلبي أنها ضيقت إلى حد كبير الجانب الغيبي و الجانب المعنوي و الجانب الأخلاقي كأنما صار الإمام عليه السلام، واحد يريد أن يؤسس دولة و يقيم حكومة بأي طريقة من الطرق شغلها هو هذا ، من اول حياته إلى آخرها وراء هذا الموضوع ، و هذا لم يكن صحيحا بتمامه ، أحد أعمال الأئمة عليهم السلام محاربة الفساد السياسي و مقاومة الظلم لكن عندهم آفاق كثيرة أخرى بل رسالتهم الأصلية ليست هذه الرسالة فقط و إنما أوسع و أشمل بما يتناسب و دورهم في هداية الناس للخير كله و لله عزوجل .
3.القراءة من خلال زيارات الأئمة (ع) المأثورة:  هذه الطريقة التي نقترحها و نراها مناسبة هي قراءة الآئمة عليهم السلام من خلال زيارات الأئمة المروية عن المعصومين عليهم السلام ، الآن مثلا عندما نأتي و نقرأ زسيارة وارث للإمام الحسين عليه السلام المروية عن الامام الصادق صلوات الله و سلامه عليه على اختصارها فيها معان كثيرة في التعريف بشخصية الامام الحسبين عليه السلام يحتاج الواحد يتأمل فيها ، السلام يا وارث آدم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله يا وارث إبراهيم خليل الله ، يا وارث موسى كليم الله ثم بعد يشهد ، أشهد أنك قد أقمت الصلاة و أتيت الزكاة أمرت بالمعروف نهيت عن المنكر ثم بعد ذلك يحمل المسؤولية إلى الأمة الظالمة و القاتلة و الخاذلة و على هذا المعدل، تذهب إلى سائر الزيارات، الزيارة الجامعة أيضا فيها معان واسعة و رحيبة نفس زيارات الامام الحسين لو أن واحد يتأمل فيها ، لو تأتي لزيارة عرفة يتأمل فيها في بعضها يتأمل في زيارة الحسين في نصف من شعبان و في نصف من رجب هذه الطريقة تعرف الانسان المؤمن شيئا واسعا من جهة تبين ارتباط هؤولاء المعصومين عليهم السلام بالله عزوجل و من جهة أخرى تبين أن هدفهم الأساس هو نصثر الدين و إقامة الشريعة و تبليغ الرسالة من جهة ثالثة تببن مع كونهم انهم محميين من الله تعالى عزوجل إلا أنهم مع ذلك تحملوا الأذىو تحملوا القتل و الظلم من أجل نصرة دين الله، فلما تأتي بسائر القراءات المختلفة كل بحسبه و بنسبته. في هذه الصلاة الشعبانية و هي مستحبة ليس فقط في شهر شعبان ، العلماء يقولون في كل الأوقات نستثني فقط مثل: و هذا شهر نبيك سيد رسلك ، ما قبلها من الصلوات على محمد و آله (اللهم صل على محمد و آل محمد ) هي عبارة عن تعريف لحياة المعصومين (عليهم السلام) فيه إشارات عامة أن هؤولاء معدن النبوة مختلف الملائكة [1] خزان العلم منتهى الحلم أصول الكرم قادة الأمم ، و كذلك في الزيارة الجامعة و هكذا هنا في الصلوات الشعبانية ، هذه المأثورات تعبر عن تعريف عام للمعصومين عليهم السلام .

في ذكرى شهادة الإمام الجواد عليه السلام:

إمامنا الجواد صلوات االله و سلامه عليه نموذج من تلك النماذج المعصومة التي تجلت فيها إرادة الله عزوجل بشكل واضح ، و لعل ما ورد من الروايات عن الإمام الرضا عليه السلام من قوله في حق ابنه الجواد أنه :" هذا هو المولود المبارك الذي لم يولد في الإسلام –في بعض الروايات- و على شيعتنا –في روايات أخرى- مولود أكثر بركة منه" ( اللهم صل على محمد و آل محمد) نفس هذه الكلمة فيها معان متعددة من بركة ولادة الإمام الجواد عليه السلام أنه ثبت إمامة أبيه الرضا عليه السلام – و هذا شرحناه في محاضرة شهادة الإمام الرضا عليه السلام و علاقته بالدولة العباسية متمثلة في المأمون العباسي- لكن إشارة إلى ذلك أنه من المعلوم عندنا نحن الإمامية أن الإمام كونه كامل فلا يكون عقيما و كانت إحدىحجج المخالفين للإمام الرضا و لاسيما من الواقفية ، يقولون له أنت ما عندك ولد ، يعني عقيم ناقص إذن ما تصير إمام و هذا ما قرروه و إنه ثابت عندنا ، فلما جاء الإمام الجواد عليه السلام كانت ولادته نفيا لهذه االفكرة ( أن الإمام الرضا عليه السلام عقيما) و بالتالي كل ما بناه الواقفية على هذا فهو باطل . هذا واحد من البركة العظيمة .

أيضا من البركة العظيمة أنها تكرار لما حدث مع نبي الله عيسى بن مريم (على نبينا و آله و عليه أفضل الصلاة والسلام) و التي سوف تحدث مع باقي المعصومين ، يعني بالنسبة إلى الإمام الهادي عليه السلام أيضا سيتولى الإمامة و عمره صغير لكن بما أنها صارت في قضية الإمام الجواد عليه السلام يكون قد انتهى الموضوع و حسم بعدها لا أحد سوف يستشكل بخصوص إمامة الإمام الهادي عليه السلام . و ذكرنا في محاضرة ماضية قبل سنة كيف تجاوز الإمام الجواد عليه السلام و الشيعة موضوع صغر سن الإمام و كيفية توليه للإمامة و الولاية العامة بينا بشكل مفصل هذا الموضوع.

الإمام الجواد عليه السلام عاش مع أبيه الرضا سبع سنوات فقط و في هذه الفترة كان الإمام الرضا عليه السلام يتعامل معه تعامل الأب مع شخص مؤهل للإمامة بالفعل ،الرسائل المتبادلة لأن الإمام الرضا عليه السلام فيما بعد أخذ إلى خرسان ، الإمام الجواد عليه السلام ولد سنة 195 هجرية ، الإمام الرضا عليه السلام بحوالي سنة 200 هجرية أخذ إلى خرسان فخلال هذه المدة كان يراسل إبنه الجواد عليه السلام ، رسائل عندما ينظر إليها الإنسان يرى أن أية منزلة كانت للإمام الجواد عليه السلام عند أبيه الإمام الرضا عليه السلام ، هذا ليس واحدا ابن خمس سنوات يخاطبه في هذه الرسالة، يتخاطب مع رجل ناضج عالم كبير موقر من قبل أبيه ، هذا فيه منحى تربوي أشرنا إليه في أماكن عدة، أنه لا ينبغي أن ننظر إلى أبنائنا بنظرة التحقير أو التصغير و إنما قدر الإمكان أن ننظر إليهم بإحترام و أن نخاطبهم بإحترام و أن نعاملهم بإحترام ، فبعد هذه السنوات السبع في سنة 203 هجرية لما استشهد الإمام الرضا عليه السلام آلت الإمامة للإمام الجواد (سلام الله عليه ).

الإمام الجواد عليه السلام من البدايات أوضح، يعني ما اختصه الله سبحانه و تعالى به من منزلة و علم و معرفة، بحيث أذعن له مثل المأمون العباسي ، الذي كان يعد من علماء بني العباس ، لم يكن خليفة عاديا ، لما تأتي تقارن بينه و بين أخيه المعتصم تضع صفر إلى جانب مئة ، المعتصم رجل عسكري أهوج لا يفهم شيئا عنيف المزاج لا يعرف أي طرفيه أطول ، هذا خليفة و ذاك خليفة ، لا نقصد هنا مدح المأمون و لكن نريد أن نقول أن هذا الشخص الذي يعد أعلم بني العباس خضع للإمام الجواد عليه السلام الذي عمره ثماني سنوات ، عندما رأى فيه ما رأى من العلم و المعرفة ، و ما كان الأمر طبيعي لو لم يرى فيه هذه الكفاءات و القابليات ، بل لقد ليم و عوتب لماذا تحلل الجواد مكان أبيه الرضا بإستثناء ولاية العهد ، المأمون أعطى للإمام الجواد عليه السلام من المنزلة و الإحترام ما أعطاه لأبيه الرضا عليه السلام استثنى ولاية العهد، فهذا صنع نوع من الاحتجاج عند بني العباس ، كيف تصنع هذا الأمر ، واحد في مقاييسنا صغير السن و أنت تعطيه هذه المنزلة ؟ غير معقول...

فلما أجلسهم معه و جلسوا عنده رأوا منه ما رأوا و قضيته مع يحي بن أكتم معروفة و واضحة و تنقل عادة و لم يكن هذا هو المجلس الوحيد ، المجلس الأكثر منه كان مع المعتصم العباسي كما ذكرنا ( رجل عسكري غير فاهم و كان منحرفا حتى نقل بعض المؤرخين أن طريقة وفاته كان طريقة سيئة ، يعني كان سكرانا و سقط في بئر ، فقاموا بإخراجه وهو هالك سكرانا، هذا الذي تعظمه بعض كتب التاريخ الرسمي ، أنه ذهب إلى الروم و أنقذ مسلمة و رب وا معتصماه انطلقت ، ومن هذا الكلام الكثير، لكن إذا كتاب التاريخ من نفس هذا التوجه بالتالي ماذا سيقولون ، الشاهد أن المعتصم صارت عنده قضية و هي أن سارقا أقر على نفسه بالسرقة ( أنا سرقت من حرز) طبيعي القانون معروف (والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم)[2] انعقد مجلس اختلف فيه الفقهاء و إلى الآن هي قضية خلافية ، لما تراجع كتب المسلمين ، تجد مثلا ينسب إلى بعض الخوارج أنه يقطع من هنا (اليد) (فاقطعوا ايديهما) لم تشر الآية تحديدا أين تقطع؟ فقط هذه يد كلها ، هذا منسوب إلى بعض الخوارج ، هناك رأي آخر قالوا : لا ، يقطع من هنا (لماذا) لآية الوضوء (و اغسلوا أيديكم إلى المرافق ، اذن هذا المرفق اقطعوه من هنا،قسم آخر و هو لعله الرأي المشهور عند المذاهب الأربعة أنه يقطع من هنا هذه المنطقة (الكرسوع) أو نهاية الكف لماذا ؟ قالوا (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم ) في آية التيمم و هنا المسح فإذن إما حسب رأي بعض الخوارج نسب إليهم أوحسب الرأي الذي يقول من المرفق كما استدل به بعضهم من آية الوضوء أو كما مشهور المذاهب الأربعة المستدل من آية التيمم ، أكثر واحد كان مقرب في ذلك الوقت القاضي المعتزلي في وقته أحمد بن أبي دءادة هذا كان أيضا قاسي ، يعني المعتصم هو كان شرس و حصل له قاضي على شكله و طريقته ، هذا القاضي في قضية فتنة خلق القرآن كان له دور كبير ، كم سجن و كم عذب ؟؟ و كم ضرب و كم كم ...إلخ ، و هي قضية فكرية ، من المشاكل أن الحاكم السياسي يتبنى فكرة معينة و يجبر الناس عليها ، في زمان المأمون ثم المعتصم ثم الواثق كانت هذه المعتزلة مسيطرين على التوجيه الديني و وزارة الأوقاف و وزارة الارشاد و الإعلام الديني كله بأيديهم و كذلك القضاء بقبضتهم فأذوا كثير و كان من حسن إدارة الامام الجواد عليه السلام الذي عاش في هذه الفترة المضطربة و المتشنجة أنه جنب شيعة أهل البيت عليهم السلام الدخول في هذا الصراع، وهذا يحتاج منا إلى بحث طويل ، الشاهد هذا أحمد ابن ابي دءادة القاضي قال من هنا نقطع ، قيل و ما دليلك ؟ قال : آية التيمم (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم ) و نحن نمسح إلى هنا ، طيب ، استدعي الإمام الجواد عليه السلام و كان بذلك الوقت بأواخر حياته بحدود 220 للهجرة سنة شهادته عليه السلام يعني قبلها بقليل – ولادته كانت سنة 195 للهجرة – كل عمره كان 25 سنة بأبي و أمي سلام الله عليه ، فقبل شهادته بقليل لعله في السنة الأخيرة ، لأنمه بعدها بدأ ابن أبي دءادة و الجهاز الحاكم يتحضر للتخلص من الامام الجواد عليه السلام ، فاستدعي الامام الجواد عليه السلام و قال له المعتصم ماذا تقول في هذا؟ فقال له سلام الله عليه : لقد أخبرك الجماعة ، المفتي و آخرون أيضا قالوا ، فما فائدة رأيي أنا ؟ قال له المعتصم : لا، لازم تقول ، حاول الامام عليه السلام أن يعتذر و هذا أيضا من الرغبة في أن يصطدم الامام عليه السلام ، إذا تعين عليه هداية الناس لازم يتوجه ، إذا الناس اختارت طريق مخالف للحق ، لماذا أروح أنا و أفرض نفسي عليهم ؟ ! فأصر عليه المعتصم فقال: إنما تقطع من هنا ، يعني الأصابع فقط، لا يقطع لا من هنا و لا من هنا ، فالحضور تعجبوا من أين هذا الكلام ، يعني تحتاج أنت إلى دليل فقال : ما روينا عن نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم ( اللهم صل على محمد و آل محمد )   من أنه قال : السجود على سبعة أعضاء -و في رواية أخرى- على سبعة أعظُم) الجبهة و اليدين و الركبتين والقدمين أي أطراف القدمين ، و في تفاسير الآية المباركة "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا "[3] فسرت بهذه يعني مواضع السجود ،طيب فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال أن السجود على سبعة أعضاء سبعة عظام فإذا قطعت يده من المرفق أو من الكف أوووو...ماذا أبقيت له، يصير سجوده على ستة أعضاء أو ستة عظام ، و إنما تبقى هذه الكف و يجمع بين القطع الوارد في القرآن الكريم ( فاقطعوا أيديهما) عندما تقطع هذه الأصابع و الراحة (راحة الكف) لكي يحصل السجود على سبعة أعضاء ، طبعا لما رأوا أن هذا المنطق منطق مستدل قبلوا به و أجرى الحكم على هذا الأساس ، طبعا تتحرك هنا النوازع النفسية مثل إبن أبي دءاد ، كيف أنه واحد عمره في ذلك الوقت 24 سنة أو 25 سنة يصير بسن حفيده يقبل قوله و في مجلس مثل ذلك المجلس و يرد به كلام قاضي القضاة الذي هو يستحل الدماء ، الآن ترد فتواه لأجل غلام -حسب تعبيره- حتى واحد من أصحابه يقول : دخلت عليه – على ابن ابي دءاد- في منزله بعد هذه الحادثة فوجدته لا يكاد يعقل من المسألة ، فقلت له: خير إن شاء الله، فقال: ما يقر لي قرار – وهذا موجود –فقلت له : لماذا ؟ قال: غير ممكن منافسة في هذا المكان، فقلت له: الإمام لا ينافسك و لا يطاردك، أنت من أتيت به إلى هذا المكان ، أنت طلبته و المعتصم إلى هذا المكان ، فقط النوزاع النفسية أحيانا و الأحقا الداخلية ما تترك الإنسان يعقل فقام من فوره يقول و ذهب إلى المعتصم ، قال له: أنت الآن سأقول لك كلاما و انظر رأيك، أنت للتو خلصت من أخيك المأمون الذي نصب والد هذا وليا للعهد، وقت وجيز أنك استرحت من هذه القضية ، الحين أنت أتيت بإبنه إلى هذا المكان و رافع منزلته و تتركه يتقدم للإفتاء و تجري الحكم على ضوئه ، ماذا لو جمع لك غدا شيعته و نهض ضدك؟ ماذا تفعل وقتها؟، فبقول: كأنما المعتصم كان غافل و استيقظ –لا على العكس المعتصم كان أسوء من هذه الحالة ، بل كان في باله أيضا أن يتخلص من الإمام الجواد عليه السلام – وهذه طريقة الطغاة و الفاسدين هو أنهم لا يصبرون على إنسان من هذا النوع ، هؤولاء مشكلتهم أنهم يريديون ليس مظاهر الناس فقط بل حتى قلوبهم ، لا يقبلون بالطاعة الظاهرية فقط و إنما تكون حقيقة أنت تحبه !!! فإذا نازعه في محبتك أحد يمكن أن يذهب إليه و ينتقم منه ، فيقول في ذلك الوقت المعتصم لما رأى هذا بدأ يفكر و يعد العدة من الإمام سلام الله عليه و كان الإمام بأبي و أمي قد زوجه المأمون إبنته أم الفضل و لم تكن هذه المرأة لديها ما ينبغي من الوفاء من الزوجات لأزواجهن ، أيضا كانت تأخذها بعض الحاالات المنحرفة النسائية من الغيرة الشديدة و ما شابه ذلك ، الإمام عليه السلام في ذلك الوقت لم يرزق منها ولدا و رزق من أم الإمام الهادي عليه السلام بإبنه علي الهادي ( صلوات الله و سلامه عليه ) بالتالي غير أمور الأخلاق الحسنة و حسن المنبت و ما شابه ذلك ، فكان يرجح تلك المرأة بهذا المقدار و يهتم بإبنها الإمام الهادي عليه السلام بإعتبار أنه امتداد الإمامة و كان هذا يغيض هذه المرأة أم الفضل بنت المأمون أيما غيض ، تقدم قسم من النساء في مثل هذه الحالات على أمر تقشعر له الجلود ، بل حتى قسم من الناس الرجال أيضا يقدمون على أعمال من هذا النوع خيانات ، إغتيالات ، ما أدري كذا من أجل مصلحة مادية من أجل مصلحة زوجية من أجل من أجل ..غير ذلك ، يقوم بها قسم من الناس، هذه المرأة أيضا كانت من هذا النوع ، فوجد المعتصم العباسي أن اسهل طريق و أقرب طريق للتخلص من الإمام الجواد عليه السلام أن يتفق مع أم الفضل بنت أخيه المأمون لكي تدس إلى إمامنا الجواد (سلام الله عليه ) سمًا يجهز على حياته و بالفعل هكذا صار ، قدم لها ذلك السم و جاءت هذه المرأة الخاطئة ، قيل أن الإمام الجواد عليه السلام كان يومها في بيتها و كان صائما - بأبي و أمي- فقدمت له ذلك الطعام المسموم فلما تجرعه الإمام سلام الله عليه ، توغل في بدنه و انتشر في أحشائه حتى كان داخله كأنما يجرح بالمواسير أو يشرح بالسكاكين ...

 

[1] المختلف يعني المكان الذي تختلف إليه الملائكة ، مختلف إسم مكان إذا صار الملائكة تنزل و تصعد يقال، إختلفت الملائكة إلى المكان الفلاني، كان يذهب أحدنا إلى دكان بشكل شبه يومي ، يقال إختلف فلان إلى الدكان الفلاني ، يعني الذهاب بصورة مستمرة ، ذلك المكان مختلف ، و هنا بيوتهم و أماكنهم مختلف للملائكة لكثرة تنزلها بشكل مستمر عليهم .

[2] سورة المائدة الآية 38

[3] سورة الجن الآية 18

 

مرات العرض: 3408
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2563) حجم الملف: 54705.47 KB
تشغيل:

هكذا تحدث المعصومون عن الامام المهدي
من عصر الامام الجواد ودوره