كيف يتم التشكيك في العقائد ؟ 20
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 24/11/1438 هـ
تعريف:

سلسلة الأمراض الأخلاقية 
كيف يتم التشكيك في العقائد؟
كتابة الاخت الفاضلة أمجاد حسن
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين
السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته
روي عن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: "عَلَيكَ بِلُزُومِ اليَقِينِ وَتَجَنُّبِ الشَّكِ، فَلَيسَ لِلْمَرْءِ شَيْءٌ أَهْلَكَ فِي دِينِهِ مِنْ غَلَبَةِ الشَّكِ عَلَى يَقِينِهِ". لا يزال حديثنا في موضوع الشك والتردد كصفة من الصفات الأخلاقية السلبية التي تقابل اليقين، وتعارض اليقين. وقد ذكرنا في حديث مضى: أن الرؤية الدينية تجاه الشك هي رؤية سلبية ناقدة. ففي بعض الآيات المباركات، فسر الرجس بأنه شك، كما في الآية المباركة: (فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ)، في تفسيرها عن المعصومين (ع)، أنهم زادتهم شكا فوق شكهم. بل في بعضها – أي بعض الآيات - أيضا، عبر عنه بالظلم، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ)، يعني: لم يخلطوه بظلم. في تفسيرها عن المعصوم (ع): أنهم لم يلبسوا إيمانهم بشك.
وأما الروايات والأحاديث الواردة في تقبيح الشك، وفي نقده، فهي كثيرة. وقد ذكرنا أيضا، أن الإمام أمير المؤمنين (ع)، عندما يقول: "عَلَيكَ بِلُزُومِ اليَقِينِ وَتَجَنُّبِ الشَّكِ"، المقصود منه: أن عليك بتوفير مقدمات تنتهي إلى اليقين، وعليك بتجنب مقدمات تنتهي إلى الشك.
هذه المقدمات، افترض: مقدمة الوعي والمعرفة تنتهي إلى اليقين، عليك بلزومها، اسع وراءها. السؤال من أهل الذكر والعلم، هذا مما يصنع اليقين، عليك بالقيام به. وهكذا. رجوع الإنسان إلى الأصول العقائدية المتفق عليها، مما يصنع اليقين. عليك بلزوم هذه المقدمات.
يمكن تقسيم التشكيك والشك، إلى أقسام كثيرة، بحسب متعلق ذلك الشك. بماذا يتعلق ذلك الشك؟ وسوف يكون حديثنا في عدة عناوين، منها: ما هو مربوط بالعقائد والمبادئ، ومنها ما هو مربوط بالفقه والفروع، ومنها ما هو مربوط بالحياة الاجتماعية: كالشك في الناس عموما، والشك في دائرة الزوجية.
بالنسبة إلى الموضوع الأول: وهو التشكيك في العقائد والمبادئ، من الممكن أن يتعرض الإنسان إلى أسئلة يثيرها ذهنه أحيانا، أو يثيرها غيره أحيانا أخر. هذا الكون بما فيه من تشعب محل سؤال، وعقل الإنسان جوَّال متحرك. عندما يرى هذا الكون، يتساءل أسئلة في هذا الكون: كيف خلق؟ مما خلق؟ من خلق؟ الخير فيه، من خلقه؟ الشر فيه، من خلقه؟ إلى غير ذلك. فيحتاج هذا الإنسان إلى إجابة على هذه الأسئلة. إذا لم يحصل عليها، لا يقتنع عقل الإنسان بهذا المقدار، وإنما يظل يفتش. فإذا ترافقت – تلك الأسئلة - مع عدم علم، وعدم رجوع إلى أهل علم، تحولت إلى شك.
وفي أحيانا أخر، قد تكون هناك جهات وفئات تعمل على إثارة الشك؛ لأي غرض من الأغراض: إما لغرض تبشيري ديني، أو أحيانا ليس كذلك، هو مجرد إثارة الشك، عند قسم من الناس، مثلا: زيد من الناس، ملحد، كافر، غير ملتزم، لا يريد أن يدعو الآخرين إلى مذهب أو دين، ولكن لا يريد أن يبقى وحيدا في ساحة الإلحاد والانحراف، فيبدأ ببث الشكوك وإثارة الأسئلة. لا بغرض التفتيش عن جوابها، وإنما بغرض أن يتراجع هذا المجتمع عن يقينه وعن إيمانه وعن اطمئنانه على عقائده.
أخص بالذكر، هذه الفئة التي توجهت إلى الدراسة في الخارج، الطلاب الدارسون في الخارج، وعددهم كبير جدا. بعض الإحصاءات تتحدث عن أن المبتعثين من بلادنا - هنا فقط - إلى أمريكا، حتى سنة 2016 - أي خلال هذه المدة - تجاوز 125 ألف مبتعث ومبتعثة ومن يرافقهم. هذا عدد كبير جدا. هذا فقط في أمريكا، وهو لا يشكل إلا 30% من عدد المبتعثين. فإذا 30% من عدد المبتعثين: 125 ألف، هذا يعني أن العدد الإجمالي يصل إلى قرابة 400 ألف أو تزيد قليلا، أو تنقص قليلا. وهذا في الأعراف السكانية قد يشكل إمارة أو دولة صغيرة. فبعض الدول كل عدد سكانها 400 ألف، أي نصف مليون. فإذا تركت بلادنا هذه إلى سائر البلاد الخليجية والعربية، زاد العدد. فإذا تجاوزت هذا إلى الجاليات - فهؤلاء مبتعثون ويرجعون – لكن هناك قسم آخر: جاليات عربية ومسلمة تعيش في تلك البلاد، وتدرس في العادة في المدارس الرسمية، وتتعرض إلى الإعلام العام.
يأتي الأستاذ إلى طلاب خريج ثانوية لتوه، دون العشرين من العمر - والطالبة كذلك- ويطرح عليه أسئلة أكبر من حجمه. يقول له: أنتم تقولون - مثلا - أن هذا الكون يحتاج إلى مدير ورب ومدبر. لا، العلم أثبت الآن حسب نظرية الانفجار العظيم - كما قالوا - أن هذا الكون وإدارته يمكن تصويرها من دون مدبر حكيم، بناء على مقدمات علمية ذكرها أصحاب هذه النظرية. فأنت هذا البناء الذي بنيته في ذهنك، العلم الذي تركض وراءه من بلدك إلى هنا، يقول: العالم لا يحتاج إلى منظم ومدبر.
أنت الذي أتيت من بلد تراثها الديني يقول: أن آدم خلق دفعة واحدة من ماء وطين، ثم نفخ فيه من روح الإله. العلم - بحسب ما ذكر في نظرية النشوء والتطور الداروينية - ينفي هذا الكلام. دينكم يقول: عمر العالم - مثلا - 7000 سنة، 8000 سنة، لكن العلم يقول: أن عمر الكون يمتد إلى ملايين السنوات. وهذه المتحجرات، والباقي من تلك الأزمنة والتجارب وغير ذلك، تفيد غير هذا المعنى. فتثار هذه الأسئلة. طبعا لما يكون طالب لتوه، عمره عشرون سنة، قدم من بلده حتى يأخذ العلم من هذه الجامعة، وأمامه أستاذ بروفيسور متخصص، لن يستطيع في الغالب الرد على مثل هذا السؤال. فتثار الشكوك في ذهنه.
فيما يرتبط بحياة نبينا المصطفى محمد (ص)، وهذه في الغالب تأتي من طرف الجهات التبشيرية المسيحية: من قنوات، وكتب، وأساتذة، وأحيانا يعتمدون على بعض ما ورد في كتب بعض المسلمين، مما لا ينزه ساحة النبي (ص). فتنسب إليه أشياء تعافها النفس، وأفعال يعارضها الحس الإنساني، وهي في اعتقادنا غير صحيحة، لكنها موجودة في قسم من كتب المسلمين، وبعض هذه الكتب، معتبر عند بعض المذاهب الإسلامية.
فيطلع عليك هذا، ويقول: أنتم تقولون في الكتاب الفلاني، الذي هو صحيح ومعتبر عندكم، أن النبي فعل كذا، قتل بهذا الشكل، عاقب بهذه الطريقة، حصل عليه هذا الأمر. وهذا لا ينسجم مع المبادئ الأخلاقية، ولا مع الإيمان بعدالة الله، فيحرج هؤلاء الناس. فإما أن يشكك في بعض هذه الكتب، وهو أسهل الأمور، أو أن يشكك - لا سمح الله - في نفس النبي (ص) وفي شخصيته، أو أحيانا - وهو الخط الأسوأ - يهتز إيمانه بالكامل بمنظومة الدين.
لهذا يعتبر أمر التشكيك - سواء جاء من الخارج أو جاء من الداخل - أحيانا تحدث تشكيكات في داخل دائرتنا الاجتماعية، وقد تؤثر هذه عند قسم منه. فيما يرتبط بالأمور الدينية في التشيع، أيضا هناك من يتحدث بلسان المشكك الذي يخلف آثارا غير حسنة.
سوف يأتي الحديث إن شاء الله بعد قليل: أننا لا نعتقد في داخل الدائرة الإسلامية، أن كل دعوة لإعادة النظر في بعض الأمور، ليست دعوة تشكيك بالضرورة. فقد تكون دعوة إصلاح، دعوة توثيق، قد تكون دعوة لصناعة يقين أكبر. فليس كل دعوة فيها ملاحظة على هذه الفكرة أو تلك، هي دعوة تشكيكية، ينظر إليها بمنظار غير حسن، كلا. وسيأتي بعد قليل الحديث عن الشك العلمي المنهجي، وعن التشكيك التهريجي. ونبين بعض الفوارق بينهما إن شاء الله.
أمام مثل هذا الأمر، هناك حلول على مستوى الطائفة والدين والمجتمع، وهناك حلول على مستوى الأفراد. أما الحل على مستوى الطائفة والمجتمع الديني: فنحن نعتقد أنه لا بد من الدعوة إلى إنشاء مراكز إلى الأبحاث العقيدية التي ترصد الإثارات والتشكيكات، لا سيما فيما يرتبط بالعقائد الأساسية، خصوصا قضية التوحيد والإله، وما يطلق عليه في هذه الأيام: موجة الإلحاد. مع أني لا أعتقد أنها موجة، وأعتقد أن هناك تضخيما كبيرا لها من قبل أصحابها ودعاتها حتى يقولوا: نعم، انظروا، كل المجتمع أصبح ضمن هذه الدعوة. فيشيرون إلى هذا المعنى: أن هذا التوجه، توجه قوي، وله من يؤيده بشكل كبير.
ولعل بعض الإحصاءات التي تنشرها قسم من المراكز الأجنبية عن نسب الإلحاد التي تتصورها في المجتمعات الإسلامية، داخل في هذا الأمر. ترى - مثلا - نسبة الملحدين في البلد الفلاني 30%، نسبة الملحدين في البلد الفلاني 40%، هو قال هذه الحكاية؟ فليسأله أحدهم أنه من أين أتيت بهذا؟ كيف استطعت حسابها؟ كيف أحصيت إحصاء علميا ودقيقا؟ وأين عيناتك وتجاربك؟
فقسم – أحيانا - من مؤيدي هذه الموجات التشكيكية يهوِّلونها، يعظمونها؛ لبيان أنها اكتسحت المجتمع المسلم، وفي هذا معنى من معاني القوة عندهم. وأحيانا ينشرها المدافعون عن الدين. فبعض المؤمنين حتى - مثلا - ينبِّه الناس إلى هذا الخطر، يجعله خطرا عظيما: الناس كلها انحرفت، الناس كلها ألحدت، الطلاب كلهم صاروا كذا، ووو، إلى آخره. فينتج عن كلا الطرفين تضخيما لهذه الحالة. لكن لا ريب، أن قضية التشكيك في العقائد - بل أكثر من هذا: الكفر والإلحاد - ليس شيئا جديدا.
تاريخ الإنسان موجود فيه الإلحاد. عدم الإيمان قبل النبوات وبعد النبوات، موجود في مختلف مراحل تاريخ الإنسان. الحل المثالي في هذا الأمر: هو تشكيل هذه المراكز. من النماذج التي تقدم كمثال جيد، سابقا كان هناك في أيام السيد البروجردي - رحمة الله عليه، متوفى 1380ه – أي في زمانه، نهضة جيدة دينية. وفي الطرف الآخر كانت هناك محاولات تغريب وتشكيك كثيرة. فشكل مؤسسة باسم: مكتب توحيد، يعني: دين التوحيد، أو طريق التوحيد. وكانوا يصدرون مجلة وزينة - وإلى جانبه أيضا - باسم: مكتب تشيع. يعني: مذهب التشيع، أو مسلك التشيع، وهذا المركز كان موكلا برصد الأفكار المنحرفة التي تبث في المجتمع الإيراني في زمانه، والإجابة عليها عبر مقالات، والتصدي للجواب عن الأسئلة فيها. وكان عمله في هذا موفقا جدا. الآن، بعض القامات العلمية، الذين بعضهم الآن مراجع تقليد، كانوا في ذلك الوقت يردون على هذه الشبهات، وكانوا وقتها في منتصف دراستهم الدينية ويعالجون هذه المشاكل. هذا نموذج قديم.
نموذج حديث، الآن موجود، مركز الأبحاث العقائدية، تحت إشراف المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وهو موجود على الأنترنت، وله دور فاعل جدا فيما يرتبط برد الشبهات، والإجابة على الأسئلة العقائدية فيما يرتبط بالمذهب. فهناك إثارات ضد المذهب وضد أفكاره وآرائه من قبل مخالفيه، في هذا المركز هناك علماء وازنون وأقوياء مكلفون بأن يردوا على هذه الشبهات، وهو -أي المركز - بمثابة موسوعة مذهبية دينية.
أنا أقترح على كل الشباب الذين يدخلون على الأنترنت، أن يدخلوا على هذا الموقع. يندر، أقول لكم: يندر أن تجد سؤالا حول مذهب أهل البيت (ع)، لا تجد حوله عدة أجوبة، وليس جوابا واحدا. نادر جدا. طُبِع قسم من إنتاجه في مجلدات كثيرة، وهو من المواقع النافعة والمفيدة جدا. كثيرا ما إذا أنا سئلت مسألة معينة، فقط أعطي الرابط للمسألة في هذا المركز، حتى يرجع إليه السائل؛ لأن المسألة هناك مبحوثة في أكثر من مكان، بأكثر من شكل، في بعض الأحيان مفصلة، وبعض الأحيان مختصرة. وهذا سد فراغا وخلأ كبيرا بالنسبة إلى المذهب. هذا من النماذج الطيبة.
لو أنه حصل شيء شبيه به - ولعل هذا الكلام يصل إلى بعض أهل الرأي - أن تتبنى الحوزة العلمية في النجف الأشرف أو في قم المقدسة، أو حتى في أماكننا هنا، في الحوزات الفرعية، تأسيس مركز لرصد الشبهات التي ترتبط بقضايا التوحيد والخالق وما يخالف ذلك. ولو أن بعض العلماء عندنا، وبعض الأكاديميين، وانضم إليهم قسم من الطلاب، أو ممن كانوا طلابا في الخارج، وأسسوا شيئا من هذا القبيل، لكان شيئا بديعا ورائعا.
بحيث يكون هناك عالم دين، أو عدة علماء. والحمد لله عندنا هنا من يقوم بهذا الشأن، فبعض علمائنا جزاهم الله خيرا، يذهبون بين فترة وأخرى على تلك البلاد، إلى بلاد الابتعاث. وأصبح عند بعضهم خبرة ودراية رائعة في الإجابات في بيان الحقائق، فلو أصبح عندنا في منطقتنا، الآن الحوزات الكبيرة هي تعرف كيف تصنع. بعض علماء الدين عندنا يتفرغ إلى هذا الشأن. زيد من الناس قد لا يكون مشغولا لا بإمامة جماعة ولا خطابة ولا غير ذلك، ولكن عنده قدرة بحثية. لو هذا وأمثاله يجتمعون، وينضمون إليهم - وهذا مهم جدا - بعض الأكاديميين، بعض الدكاترة، ممن لهم خبرة في تلك الساحة الثقافية في بلاد الغرب - هذا مهم جدا - ويضمون إليهم بعض المبتعثين، ثم يرصدون المشاكل الفكرية والثقافية التي تطرح هناك، والأسئلة التي تعرض عليهم. بالتدريج، يمكن أن يتحول هذا إلى منارة من منارات العلم. هذا على المستوى العام.
على المستوى الخاص الشعبي، كما قلت، ينبغي التفريق بين الشك العلمي المنهجي وبين التشكيك التهريجي. أحيانا قسم من الناس بمجرد أن أحدهم يطرح فكرة مخالفة لما هو مألوف: "أوه العقائد كذا، وأنت تفعل هكذا"، فينغلق هذا الباب. لا، لا هذا صحيح، ولا إطلاق المجال لكل فكرة تشكيكة هو الصحيح.
كيف نميز؟ عندنا شك علمي: أن إنسانا يرى أن هذه الفكرة فكرة لا دليل عليها، بادئ النظر، فيذهب وراءها، يستدل، ينظر، من أين جاءت؟ من الذي قالها؟ ما قيمة هذا القول؟ ما هي أدلته في ذلك؟ ماذا يعارضه؟ فإذا ثبت هذا الأمر ضمن نقاش علمي هادئ يمكن الوصول إلى الحقيقة أو اليقين، أو إلى وجه آخر لا أقل. بينما قد تجد في الطرف المقابل، شخصا يقوم بتشكيك تهريجي، لا يملك بحثا علميا، لم يدرس المسألة، لم ير أدلتها وماذا قالوا فيها، ثم يقول: هذا أمر ليس بثابت، وذاك أمر ليس بصحيح.
تعال ابحث وراء المسألة أولا، وماذا يقال فيها أيضا، وهذه مسألة أخرى. أولا: طريقة تناول هذه القضية. هل تناولها من خلال الأدلة؟ من خلال البحث العلمي؟ من خلال النقاش؟ ثم طريقة طرحها، تارة: كما يفعل بعضهم، يطرحها في الإعلام، وفي الوسائط العامة، وبأقسى العبارات، باعتبار هي المثيرة أكثر، وتارة: يطرحها ضمن الحلقات البحثية، والعلمية، ويناقشها مناقشة هادئة. هذا واحد من العلامات التي تجعل هذا شكا منهجيا علميا أو تشكيكا تهريجيا، هذا واحد.
الأمر الثاني، ليقيس الواحد منا: ما هي نتائج هذه الإثارة؟ في الشك العلمي عادة، نتائج الإثارة والسؤال تنتهي إلى تقوية الإيمان. لنفترض أن هناك كلاما حول نبينا المصطفى محمد (ص)، وجاء شخص واستطاع من خلال البراهين والأدلة أن يثبت خلاف هذا الكلام. إذا حدث هذا، فهذا ينتهي - عادة - إلى تكريس الإيمان بشخصية النبي (ص)، وإلى تعميق الإيمان بشخصيته. وأما إذا كان الأمر أمرا تهريجيا، أنه - لنفترض - دين الإسلام كذا، بشكل عام! يأتي فيكسح كل الدين، يكسح كل المذهب، يكسح تاريخ النبي (ص)، فهذا ينتهي إلى ترقيق سوائل الإيمان، وتخفيف حجم الإيمان في النفوس.
ينبغي أن نلاحظ: أن الشك المقبول تكون نتيجته تعميق الإيمان. أما إذا كانت نتيجته تحطيم الإيمان، أو تقليل مستوى اليقين في النفوس، فهذا ليس شكا علميا، ولا يؤيد، ولا ينبغي أن يطرح؛ لأن الإنسان مسؤول عن هذه النتائج التي خلفها. هذا أيضا من الأمور.
ثم أيضا، نقطة على الهامش ونختم بها الحديث، هل الغرض من إثارة هذه الفكرة، إعلاء الذات أو إعلاء الدين؟ تارة: أنا أثير مسألة حتى أبين أنه أنا المبتكر، كل العلماء الذين قبلي لم يلتفتوا إلى هذه المسألة. فقط أنا علامة الزمان، قدرت أن أنتبه لها، وأنا فارس الميدان. ومرة أخرى، أنا قصدي أن هذه الفكرة - التي في رأيي غير صحيحة - أصلحها، وأصححها. وأين يتبين هذا: لو أنك – مثلا – قلت: الفكرة الفلانية فكرة جيدة، لكنها فكرة عمر. هذا زيد الذي هو قال الفكرة يهجم عليك، ويقول لك: لا، هذه فكرتي، أنا اشتغلت عليها. أنا عملت عليها. فيتبين أن هذا توجهه توجه ماذا؟ ذاتي وفردي. يريد هو أن يصعد اسمه. أو لا، إذا فكرته أصلا: أن هذه المعلومة تتصحح بين الناس، فذاك الوقت ليس لديه مانع حتى لو أن واحدا آخر أتى وكتب نفس كتابه وجعل عليه غير اسم المؤلف، ليس عنده مشكلة، لماذا؟ لأنه يريد إصلاح الفكرة، لا يريد إعلاء الذات. فبين شخص يصر على أن تكون هذه الفكرة وإعلاؤها علوا له وبروزا لاسمه، وبين أن يكون غرضه من إثارة هذه الفكرة إصلاحها حتى لو بُينت على أنها لشخص آخر، هذه من العلائم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيد في يقيننا وإيماننا وإيمان المؤمنين ويقينهم وأن يجنبنا الشك وآثاره، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3407
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2580) حجم الملف: 34228.74 KB
تشغيل:

الشك : أقسامه والموقف منه 19
التشكيك وسوء الظن في المجال الاجتماعي 21