هكذا نواجه الرغبة في الخيانة 15
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 2/8/1438 هـ
تعريف:

سلسلة الأمراض الأخلاقية 
هكذا نقاوم الرغبة في الخيانة
كتابة الاخت الفاضلة أمجاد حسن
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين
السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته
حديثنا هذا اليوم، متابعة للحديث في موضوع الأمراض الأخلاقية. وننهي بحديث اليوم، الحديث عن موضوع الخيانة. تحدثنا في عدة أيام عن قضية الخيانة، كيف تحدث القرآن الكريم والأحاديث عن هذه الخصلة الذميمة. تحدثنا أيضا، عن أن المجالس بالأمانة، وأن نقل ما يدور فيها من أمور هو نوع خيانة لهذه المجالس. تحدثنا أيضا، عن الخيانة التي تحدث في أعمال الآخرين أو في أموالهم. وتحدثنا عن الخيانة الزوجية في داخل الأسرة.
حديثنا هذا اليوم، يتناول كيفية مواجهة الرغبة في الخيانة. الإنسان في بعض الأحيان، يرغب في الخيانة؛ وذلك لأكثر من سبب، نشير إلى بعضها. مما يرَّغب بعض الناس في الخيانة: شعور الانتصار الكاذب. بمعنى: أن هذا الإنسان يرى أن هناك أنظمة وقوانين وأعرافا اجتماعية تحكم حركته، قد يكون منها ما هو ديني، وقد يكون منها ما هو اجتماعي، وقد يكون منها ما هو أخلاقي. يستشعر بعض الناس أن يتمردوا على هذه القوانين وأن يتجاوزوها لكي يشعروا بالانتصار. "انظر، لعبت على مدير الشركة وحصلت منه على أموال من دون أن يدري". هنا يستشعر أنه هو بارع، ذكي، ليس سهلا. "استطعت أن آخذ من الشركة كذا وكذا دون أن يشعر بي أحد". يصبح عنده نوع من شعور الانتصار والفخر، وأنه أذكى من غيره، أبرع من سائر الناس. فذاك الموظف العادي، يأتي للعمل من الصباح إلى ما بعد الظهر، ويأخذ في آخر المطاف نفس الراتب الذي آخذه في ساعة وحدة! هذا يغذي عنده شعور بالانتصار الكاذب. 
فلان البعيد، يقول لك: أنا هذه القوانين، لا تذهب من هنا ولا تذهب من هناك، ولا تقضي شهوتك بهذه الطريقة، أو بتلك، هذه قيود، أتجاوزها. ما لا يحدث هنا، يحدث في الخارج، ما لا يكون بالعلن، يكون بالسر. ما لا يقع مع فلانة، يقع مع فلتانة.
فيتجاوز هذه الأمور، ويرى نفسه ذكيا، بارعا، منتصرا، متغلبا على غيره، عندما يحقق هذه الأمور. فيدعوه ذلك إلى شيء من الخيانة: يسرق سرقة خفية، يتجاوز في هذا المكان أو في ذاك، هذا واحد من الأسباب التي تدعو بعض الناس إلى الخيانة.
أيضا، قد يشار هنا إلى أن الممنوع - كما يذكرون - فيه لذة كاذبة خاصة. تأتي إلى هذا الإنسان: أنت متزوج، عندك زوجة. وتستطيع قضاء رغبتك الجنسية بهذا الطريق. فماذا عندك تذهب من هنا وهناك؟! أنت متزوجة، عندك زوج، فماذا يعني أن تتكلمي مع فلان وفلان، مكالمات غير طبيعية؟! أنت تحصل على رزقك المقسوم لك حلالا بطريقة صحيحة، فماذا يعني أن تتطلع إلى أن تخون، وإلى أن تسرق، وأن تكذب وأن تغش؛ حتى تحصل على مقدار إضافي من المال؟! فيقول لك: الممنوع فيه لذة إضافية. وهذا يصدق عليه ما ورد في كلمات أمير المؤمنين (ع): "كَمْ مِنْ ذَنْبٍ تَذْهَبُ لِذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ". تبعة من المعصية والعقوبة والندم وانتظار العقاب. اللذة لكم؟ حتى متى؟ لخمس دقائق، شعور بالانتصار الكاذب أو اللذة الكاذبة، ثم تنتهي هذه، لم نرها مستمرة. لذة جنسية، لمقدار من الوقت. لذة السيطرة على مال، لمقدار من الوقت. وهكذا.
فهذه من الأسباب التي تدعو بعض الناس إلى أن يتورطوا في الخيانة، سواء الخيانة المالية، خيانة الأعمال، الخيانة الزوجية، غير ذلك من خيانة إفشاء الأسرار، أو غيرها من الخيانات التي تطرقنا إليها فيما سبق.
من الممكن أنا المتكلم - ولا سمح الله - أنت السامع وأنت السامعة، أن تُرغِّبَكَ/ وتُرَغِّبَكِ نفسك في أن ترتطم بالخيانة. فكيف نستطيع أن نضعف عوامل الدعوة إلى الخيانة؟ كيف نوقف هذه الرغبة؟ كيف نستطيع أن ننجي أنفسنا من هذه الأمور؟ طبعا كل إنسان يستطيع بمقداره فقط، فأنت تستطيع بنسبة 90%، لشدة ضبطك لنفسك ورقابتك، وأنا لا أستطيع إلا بمقدار 30%، وهكذا.
نذكر هنا، بعض الأمور المرتبطة بهذا الجانب: كيف نستطيع أن نخفف الرغبة الداخلية التي قد توجد في النفس باتجاه ممارسة الخيانة. واحد من تلك الأمور، وهو أهمها على الإطلاق، الإحساس بالرقابة الإلهية. بأن يستحضر الإنسان رقابة الله سبحانه وتعالى ويذكره. لماذا عندنا أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ولكن (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ). ذكر الله هنا، لا يعني الذكر اللساني، وإنما الذكر القلبي، بأن يتذكر الإنسان أنه في محضر الله عز وجل، وتحت إحاطته وعلمه وعينه، وأنه الآن، في هذه اللحظة، ينظر إليه، ويسجل عليه، حال ارتكابه للمعصية.
ولذلك عندنا في الروايات أنه لا تجعل الله أهون الناظرين إليك؛ لأن الإنسان غالبا لا يعصي أمام الآخرين. هل رأيتم أحدا مثلا يزني في السوق؟! لا يحصل هذا. يسرق أمام الملأ؟ عادة لا يحصل. يمارس الحرام، يشرب الخمر، بحضور آخرين من أهل الاستقامة؟ كلا. ولكنه في خلواته يقوم بذلك، مع أن الله حينئذ ينظر إليه! ففي الواقع، في هذه الحالة، أنا عندما أمارس الذنب ولا أحد معي، ولكن أعلم أن الله ينظر إلي، بينما لا أمارسها في حضور أخي، وابن عمي، وصديقي، فكأنما نظر الله عني أقل قيمة، وأهون عليَّ من نظر أخي وابن عمي. فإحساس الإنسان بالرقابة الإلهية مما يجعله يرتدع عن ذلك.
نبي الله يوسف، عندما غلقت الأبواب وقالت هيت لك، قال: معاذ الله. لولا أن رأى برهان ربه. هناك حصل ما حصل من أنه لم يهم بتلك المرأة، بتلك المعصية، فضلا عن أن يمارسها. كذلك أيضا من هو مستقيم: (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا)، أي ذكروا الله سبحانه وتعالى وتذكروا عينه المحيطة بهم.
لا يتصور الإنسان، ولا أتصور أنا، والخطاب لي، قبل السامعين، أنني وحدي. كلا، هناك عدد غير قليل ممن هو معي في بيئة المعصية والذنب. هناك متعددون معي. الملكان الكاتبان، وهذا عندنا في اعتقاد المسلمين شيعة وسنة على أن الإنسان يرافقه ملكان أينما حل وارتحل، ووظيفتهم وظيفة رقابية.
وقد وردت روايات كثيرة في هذا المعنى. وفي الأدعية موجود كذلك. في دعاء كميل، نحن نقرأ: "وَكُلَّ سَيِّئَةٍ أَمَرْتَ بِإِثْبَاتِهَا الْكِرَامَ الكَاتِبِينَ الَّذِينَ وَكَّلْتَهُم بِحِفْظِ مَا يَكُونُ مِنِّي". شغلهم هكذا. حتى لإنه عندنا بعض الروايات تفصيلية في أمر هؤلاء. فإذا مات هذا الإنسان، ماذا يفعلون هؤلاء؟ يصعدون إلى السماء، نقول لهم: السماء مملوءة ملائكة، يبقون في الأرض؟ الأرض مملوءة ملائكة. فإن كان هو – أي الإنسان - قد أحسن سيرته معهم. يبقيان على قبره يستغفران الله له إلى يوم القيامة. اللهم أحسن جوار كرامنا الكاتبين معنا.
مثلهما، مثل صديق لك يحفظ ودك. فلو أنت مت، يقوم هو بتفقدك، يمر عليك، يقرأ لك الفاتحة. هؤلاء الكرام الكاتبون - كما ورد في بعض الروايات – شغلهم هكذا، يبقون على قبر الإنسان المؤمن الذي أحسن مجاورتهم وعشرتهم، فهما معك ربما 70 سنة. فإن أنا وأنت وغيرنا أحسن جوارهما، يبقيان على قبره، يستغفران الله ويدعوان إليه.
في الصحيفة السجادية، دعاء في الصلاة على الكرام الكاتبين، نقرأ: "اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَصَلِّ عَلَى جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَصَلِّ عَلَى أَنْبِيَائِكَ المرْسَلِينَ وَصَلِّ اللهُمَّ عَلَى الكِرَامِ الكَاتِبِينَ". في موضع آخر، في دعاء آخر: "اللهُمَّ يَسِّرْ عَلَى الكِرَامِ الكَاتِبِينَ مَؤُونَتَنَا، وَامْلَأْ لَنَا مِنْ حَسَنَاتِنَا صَحَائِفَنَا، وَلَا تُخْزِنَا عِنْدَهُم بِسُوءِ أَعْمَالِنَا". أي لا تجعل وجوهنا سوداء أمامهم من سوء أعمالنا، فهؤلاء هم آخر من يبقون على قبرنا إلى آخر الوقت، لذلك اجعلنا من خير الناس في صحبتهم، حتى يقوموا بهذا الأمر لأجلنا. وهناك الكثير من الروايات والأدعية في هذا الجانب. هذا أول رقيب من الرقباء على الإنسان، يسجل علي وعليك إن شاء الله كل حسن.
أما ذلك البعيد الخائن، فتسجل عليه خياناته. فماذا ينفعك شعور الانتصار الكاذب لبرهة من الزمان، وقد دُوِّن في صحيفة عملك أنك خنت مال هذا الإنسان، أو عمل ذاك الإنسان، أو تعديت على زوج هذا الإنسان، بما يشمل الزوج والزوجة. ماذا ينفعك وقد ثبَّت الكرام الكاتبون هذا في صحيفة عملك. إذ ذهبت في اللذة، منذ عشرين سنة، ثلاثين سنة، وأنت ترتكب هذا الأمر، أنت نسيت هذا، لكن هؤلاء لا ينسون، في كتاب لا يغادر لا كبيرة ولا صغيرة، هذا رقيب يشاركنا في الرقابة التي نقوم بها.
ذاك البعيد، الذي يخون زوجته مع امرأة من غير علاقة مشروعة، أو تلك المرأة التي - لا سمح الله - تخون زوجها مع غيره، أو هذا الذي يأخذ مال غيره، أو ذاك الذي يغش الآخرين، أو هذا الذي يخدع رب العمل، أو أو ... إلى آخره. هذه اللحظات تنتهي، لكن التبعة والعاقبة لا تنتهي. هذا رقيب ثان.
فالرقيب الأول: الكرام الكاتبين. الرقيب الثاني: بيئة المكان: الحجر، والأرض، والسقف، وكل شيء حول هذا الإنسان، فهو عندما يعصي المعصية ويخون الأمانة، لا يخونها في الفضاء، بل يقف على الأرض ويقوم بهذا العمل. وذاك المنحرف ينام على السرير ويفعل الفعل المحرم. نفس هذه الأرض، نفس هذا السرير، نفس ذاك الكنب، نفس تلك طاولة الخمر، نفس كذا، نفس كذا، هذه تأتي يوم القيامة لتشهد على هذا الإنسان، فالبيئة هي نفس البيئة، ولكنها الآن بيئة لذة، أما في يوم القيامة فبيئة شهادة عليك وتقديم إفادة. هذا رقيب ثان.
الرقيب الثالث: بدنك كله يشهد عليك. عضوك الذي تعصي به، لسانك. فإن تكلمت في آخرين؛ لكي تفسد ما بينهما، يأتي هذا اللسان يوم القيامة ويشهد عليك. رجلك إن سعيت فيها إلى إحنة أو شحناء أو بغضاء أو إفساد بين مؤمنين، أو تخريب حياة زوجية، أو زنا، أو خمر، أو أو .. سواء مشيت بها أو ركبت سيارة، فهذه الرجل تأتي يوم القيامة وتتكلم. فرجك يشهد عليك، أذنك تشهد عليك، يدك تشهد عليك، لسانك يشهد عليك، جلدك، بشرتك، كل هؤلاء يتحولن إلى شهود إثبات لا مجال لتكذيبهم.
حتى القرآن الكريم ينقل من مشهد القيامة هذا المشهد المؤثر: فلو أن إنسانا التفت إليه، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا)، فهذا الجلد الذي أنا أرعاه بالتنظيف، والتغسيل، وغير ذلك، الآن يصبح ضدي. هذه الرجل التي كم عالجتها حتى يذهب عنها المرض، الآن تصبح ضدي! هذا البدن كم صرفت عليه من أشياء؟! الآن يأتي في هذا اليوم الذي أحتاجه فيه، ويصبح ضدي! (لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ)، طبعا هذه فيها تأمل مهم، (أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ): ماذا تعني، (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ)، أنت تذهب وتغلق الأبواب، وتسافر إلى خارج البلد، أو هذه المرأة تجعل زوجها يخرج، أو هذا الرجل يرتب أن تسافر زوجته، أو يصنع لك مختلف الحيل لكيلا يُعلم أمره. هل تهرب من جلدك؟ هل تهرب من بشرة يدك؟ هل تهرب من أعضائك؟ هل تستتر بها وأنت تمارس هذه الأعمال؟ لا تستطيع. هذه نفسها التي تلذذت بها هي أصبحت شاهدة عليك. فلا مجال بعد للإنكار أن تقول: هذا من الملائكة أو أحد أجنبي، لا. نفس عضوك الذي أذنبت به هو شاهد عليك. نسأل الله أن لا يفضحنا بذنوبنا، وأن يستر علينا خطايانا. وفوق كل هذا. "كُنْتَ"، وهو الأهم، "كُنْتَ أَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِمْ، وَالشَّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ". قد يستخفي الإنسان عن الناس، قد لا يعلم الملكان المقربان خلجات القلب، ما هي نيته هذا؟ ممكن أن يسجلا عليه الظاهر، ممكن أن يعلما، وممكن لا. من الممكن أن رجل الإنسان تقول: هكذا حصل، ولكنها لا تعرف خلجات القلب. ولكن هناك من يعلم ذات الصدور، ما في داخلها، وكل حركة قلب، كل نية، كل ضمير في الإنسان، الله سبحانه وتعالى يعلم به.
إذا تيقن الإنسان هذا المعنى، واستحضره دائما، خفف هذا من سعيه باتجاه الخيانة. يحسب الإنسان أنه بالخيانة يصبح ذكيا، ولا يدري عنه أحد. لكن إذا جعل أمامه، أن هناك هذا المقدار من الشهود - فأنت مكشوف. أنت تحت الأضواء، تحت الكاميرات، ربما يتراجع قليلا عن مثل هذا الأمر. الأمر الآخر: أن يتعلم الإنسان الأحكام الشرعية والمسائل الابتلائية التي قد يؤدي الجهل بها إلى خيانات. إذ هناك قسم من الأمور التي ترتبط بالخيانة، أحد أسبابها: الجهل وعدم المعرفة. مثلا: ربما يأتي بعض الناس ويقولون لك: أنا – وهذا ما أكثر ما نُسأل عنه – أنا لدي تأمين طبي. وكل سنة، يوفرون لي نظارة. وعندي – مثلا - تخفيض في المستشفى الفلاني. وعندي، وعندي، وإلى آخره. والآن: لم أستخدم التأمين مثلا، الله عافاني، فلم أذهب طوال هذه السنة إلى المستشفى. لكن أخي، لديه مراجعات كثيرة ويحتاج إلى نظارة طبية وإلى آخره، فهل أهبه ورقة التأمين الطبي خاصتي حتى تُصرف له تلك الأمور؟! أو يقول: أنا فعلت هكذا. هذا لا يجوز من الناحية الشرعية.
ربما قسم من الناس، لا يعلمون أن هذا غير جائز، فيتورطون في خيانة مالية. فيحتاج الإنسان أن يتعلم الأحكام الشرعية المرتبطة بمثل هذا الأمر، هذا أمر ثان. قسم من الأشياء، في حينها، الإنسان لا يعرف حكمها، وهنا أورد قاعدة ذكرها نبينا المصطفى محمد (ص)، وأحببت الإشارة إليها هنا؛ لأنه عادة تُتَداول هذه الفكرة، وهي: ما نقل عن النبي في مصادر الخلفاء من قوله: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ اسْتَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ". هناك قسم من الناس - من غير المتأملين في مثل هذا الحديث، وهو في مصادر الخلفاء. في مصادرنا، لم أعثر عليه إلا نقلا منهم. كما نقله صاحب تفسير الميزان، رحمه الله، عنهم - قد لا يعرفون المعنى الحقيقي للحديث، فيأتي ويقول لك: أصلا، ما هو الداعي إلى التقليد والمرجعية والرجوع إلى العلماء، والنبي بنفسه قال: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ اسْتَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ"؟! فإذن، أنت لا بد أن تستفت قلبك، لا أن تستفت الناس والعلماء.
وهذا المعنى، معنى غير صحيح، وفهم ساذج للحديث؛ لأنه يتعارض مع (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، ويتعارض مع أن الإنسان يُسأل في يوم القيامة: لما عملت كذا، ولم تعمل كذا، فيقول: لم أكن أعلم، فيقال له: هلا تعلمت، فيخصمه. فتلك الحجة البالغة. وقول الله عز وجل: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ). وما دل في هذا المجال شيء كثير. ربما تكون لنا فرصة لنتحدث عنه بشكل خاص.
فإذا صح الحديث أنه صادر عن رسول الله (ص)، فإن الإنسان في موارد معينة، قد لا يعرف الحكم الشرعي. يكون حينها لا يدري هذا جائز أو غير جائز، إثم أو خير. هنا، فليراجع ضميره. أي إذا ليست عنده معرفة شرعية، فليراجع ضميره. فإن الإثم ما حاك في القلب. أي إنسان يُقدم على عمل ليس خيرا، فطرته تعاتبه. عندما هذا الإنسان، يأتي ويأخذ أموالا خلسة من شخص آخر، لو يرجع إلى قلبه وضميره وفطرته، سوف لن يجد أن هذا الأمر حلو وبارد، حسب التعبير. فإذا ضميره ضمير سليم، وقلبه قلب نقي. سيقول له: أنت لماذا أخذت هذا؟ لماذا تعديت على غيرك؟ وفعلت هذا الفعل؟
لذلك يعقب النبي في هذا الحديث بقوله - أقرأ لكم الحديث بكامله - ما نقله في سنن الدارمي ومسند أحمد، عن وابصة قال: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ (ص) وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَدَعَ شَيئًا مِنَ الِبِّر وَالِإثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ"، يعني أريد أن أسأله عن كل شيء خير وعن كل شيء شر. فقال له: "يَا وَابِصَة، أُخْبِرُكَ عَمَّا جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْهُ، أَمْ تَسْأَلُ؟"، يعني أنا أعلم ماذا في ذهنك، وهذا العلم من آيات ومعجزات نبينا محمد (ص). "قَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ أَخْبِرْنِي. فَقَالَ: جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الِبِّر وَالإِثْمِ، ثُمَّ جَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاث، وَأَخَذَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي. وَيَقُول: يَا وَاِبصَة، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الِبُّر مَا اطْمَأَنَّ إِلَيهِ القَلْبُ وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيهِ النَّفْسُ، وَالِإثْمُ مَا حَاكَ فِي القَلْبِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ".
يعني الآن، لا أستطيع أن أعدد لك المحرمات، كأن أقول: أمامك ألف محرم، وألفين شيء من الخير. لكن أستطيع أن أمنحك قاعدة عامة: البر ينسجم مع الفطرة، الخير تطمئن إليه النفس. فأنت الآن تتصدق على فقير، حتى لو لم يكن هناك أمر شرعي، لأنك تشعر أنه عمل طيب، عمل حسن.
لو – مثلا – تذهب وتلقي بأحدهم على الأرض، حتى لو لم يكن هناك نهي شرعي، تجد نفسك غير قابلة بهذا الأمر، تجد قلبك يخالف هذا الفعل. ففي الأماكن التي لا تستحضر فيها الحكم الشرعي، اعرض هذا الأمر على وجدانك، على قلبك، على نفسك. فإذا رأيت أن فطرتك تقبله، ونفسك تطمئن إليه، وقلبك يرحب به، فهذا بر. وأما إذا رأيت أن الأمر فيه تردد: لماذا أنا أخذت من فلان؟ لماذا تعديت على فلان؟ لماذا خنت أهلي؟ لماذا عملت كذا؟ فهذا يعني أنه إثم. هذا في الموارد التي لا حكم شرعي فيها أو لا تعرفه. أما إذا تعرفه، فلا معنى لأن تعرضه على قلبك أصلا، فالحكم الشرعي مقدم على كل ذلك.
أخيرا، ضع نفسك في موقف من تخونه، وانظر هل تقبل بذلك أو لا. قال: أنا لدي تأمين، وسيارتي صدمت، لكن الذي كان يقودها أخي. أو أخي صدم بسيارته، وأنا لدي التأمين، هل أذهب وأتصدى للحادث كأنه بسببي، فأقول: أنا الصادم، وأنا الفاعل كذا؛ من أجل أن تصلح شركة التأمين سيارة هذا؟! مع أنه ذاك الصادم الفاعل ليس لديه تأمين. هنا لا نقول لك شيئا غير: أن تجعل نفسك مكان صاحب شركة التأمين. هل كنت ستقبل من الناس أن يصنعوا بك هذا؟! أنت رب شركة، لست موظفا، ورأيت أنه مثلما أنت تفعل فتأتي ساعة في اليوم، 10 من العمال يوميا يفعلون نفس الأمر. هل ستقبل هذا منهم وتعتبر الأمر طبيعيا؟ اجعل نفسك - وأنت العامل – مكان صاحب الشركة، هل تقبل ذلك؟ مؤكد لا تقبل.
هذا الإنسان الذي يخون أهله، اجعل زوجتك - والعياذ بالله - هي الخائنة، هل كنت تقبل منها ذلك؟ لا تقبل. وهذا لا يعني أنه لو أن إنسانا قَبِل بذلك يصبح له حلالا، لا. ولكن هذا نوع من الاحتجاج على الإنسان، وهنا إشارة إلى حديث رسول الله (ص)، كما نُقل أن فتى شابا أتى النبي (ص)، فقال: "يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنِ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَيهِ، فَزَجَرُوهُ: مَه"، أي: ما هذا الكلام من عندك؟! فقال النبي (ص): "ادْنُ"، يعني: تعال، فدنا منه قريبا، فجلس، فقال له النبي: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، يعني: الزنا الذي أنت تستأذن فيه، تحبه لأمك؟ أي أن تكون أمك مزنيا بها، قال: "لَا وَالله"، قال: "نَعَم، وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِم"، قال النبي: "أَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ"، قال: "لَا وَالله"، أتحبه لكذا، قال لا، لكذا، قال لا، قال: "فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِم وَلَا لِبَنَاتِهِم وَلَا لِعَمَّاتِهِم وَلَا لِخَالَاتِهِم"، مثلما أنت لا تحبه إلى نفسك. ثم دعا له النبي (ص)، وقال: "اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّر قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء أصلا.
طبعا هنا لو فرضنا أن إنسانا منحرفا، قال: نعم، أحبه لأمي. فهل يقال له: اذهب ازن؟! كلا. أحبه لابنتي - إنسان منحرف، متهتك – مع ذلك، لا يسمح له. ولكن هذا يخاطب ماذا؟ وجدانه الداخلي، إن كان عنده وجدان.
نفس الكلام، أنت تخون - أيها البعيد - في داخل الشركة، أتحبه لنفسك لو كنت صاحب الشركة؟ لا تحبه لنفسك. فهذا منبه لهذا أنه من الإثم، وأنه لا يكون محبوبا. بهذا وأمثاله يستطيع الإنسان أن يخفف نوازع الرغبة إلى الخيانة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا له مراقبين، وعن أحكامه مدافعين، ولأوامره طائعين، وأن لا يحشرنا مع الخائنين، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3383
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2563) حجم الملف: 35753.45 KB
تشغيل:

الخيانة الزوجية 14
البخل وشح النفس  16