محورية العقل في توجيهات الامام الكاظم
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/7/1437 هـ
تعريف:

محورية العقل في توجيهات الامام الكاظم عليه السلام

تفريغ نصي الفاضلة رباب محيسن

 تصحيح الفاضل أبي محمد العباد

المقدمة:

  من وصية سيدنا ومولانا الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر سلام الله عليه لهشام بن الحكم رضوان الله تعالى عليه إنه قال ( يا هشام وإنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه ، فقال: ( فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَاب(18) )[1] ، يا هشام: إنّ الله عزّ وجل أكمل للناس الحجج بالعقول، وأفضى إليهم بالبيان، ودلّهم على ربوبيته بالأدلاّء، يا هشام: إن الله وعّظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة، فقال: ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )[2]، يا هشام: ثمّ بيّن أنّ العقل مع العلم، فقال: ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )[3]، يا هشام: إن لله حجتين على الخلق حجة ظاهرة وهم الأنبياء وحجة باطنة وهي العقول).

   هذه الوصية من وصايا الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم وقد نقلها أحد أعلام الامامية المتوفى في القرن الرابع الهجري وهو الحسن بن شعبة الحراني رضوان الله تعالى عليه في كتابه تحف العقول عن آل الرسول، مزامناً ومعاصراً لثقة الإسلام الكليني، وهذا الكتاب بالمناسبة يعرب عن مستوى وحسن مؤلفه في حسن اختياراته، ولذلك ينبغي للإنسان الذي يريد أن يتثقف ثقافة منتخبة من أفضل ما قاله أهل البيت عليه السلام في المسائل التربوية والأخلاقية فليرجع إلى هذا الكتاب، منتخب هذا المؤلف ابن شعبة الحراني، من كل معصوم من المعصومين عيون وصاياهم ومحاسن كلماتهم نخل وانتخب أفضل الخطب وأفضل الوصايا وأفضل الكلمات التي بها معاني تربوية وأخلاقية عالية، وكأنما يصنع برنامج تربوي للإنسان المؤمن، ونحن ننصح إخواننا وأخواتنا من أهل المطالعة والمعرفة أن يرجعوا إلى هذا الكتاب القيم ففيه من جملة ما نقل من كلمات الإمام الكاظم عليه السلام ووصاياه نقل وصيته - أي الإمام الكاظم - لأحد أعاظم أصاحبه وأصحاب أبيه وهو هشام بن الحكم.

   هذه الوصية تكتسب أهمية من أربع جهات :

الجهة الأولى: المتكلم

    كان يكون المتكلم مثلا معصوم وهذا يكتسب لجهة أن المتحدث والموصي ليس شخصاً عادياً.

الجهة الثانية: المخاطب

   تكمن أهمية الخطاب والوصية والحديث من جهة المخاطب أن المخاطب رجلا ليس عاديا من النخبة مثلاً من العلماء من ذوي المستويات الغير العادية، هذا قد يختصه المعصوم ببعض الكلمات الذي قد لا يستوعبها عامة الناس ومن هم دون هذا المستوى باعتبار أن نكلم الناس على قدر عقولهم، فإذا كان واحد من الناس على مستوى عال من التعقل، يعطيه الإمام بمقدار استيعابه من باب أن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها، هذا عنده وعاء العقل عنده وعاء عظيم وكبير فيفرغ عليه الإمام بما يستوعب ذلك الوعاء، بينما لو كان الشخص أقل علماً وعاءه قليل، ظرفيته محدودة لا يعطيه هذه المعلومات.

الجهة الثالثة: مضمون الخطاب

   المضمون تارة في المسائل الأصلية الكبيرة وقد يكون في المسائل الجزئية وقد يكون في العقائد وقد يكون في المسائل الفقهية والفروع، وقد يكون في الواجبات الأساسية وقد يكون في المستحبات والمكروهات، فمضمون الخطاب والحديث والوصية يعطي لها أهمية استثنائية بحسب المضمون الذي يوجد فيها.

الجهة الرابعة: الظرف الزمني السياسي والإجتماعي

إن الظرف الزمني السياسي والاجتماعي المعاش قد يكون أيضاً مأخوذاً بعين الاعتبار، فإذا كان الوضع وضع استثنائي قد يعطي لهذه الوصية أهمية خاصة.

   إذن نقاط اجتمعت في هذه الوصية، القائل لها هو سيدنا ومولانا الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم سلام الله عليه سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام ممن طالت فترة إمامته وامتدت قريب من خمس وثلاثين سنة، وهذا قليل في حياة الأئمة لعل ثلاث او أربع من الائمة المعصومين عليهم السلام امتدت فترة إمامتهم إلى طول هذا المقدار مع إن عمره الشريف لم يكن كبيراً، فعندما استشهد مسموماً في السجن كان عمره خمس وخمسون سنة ولكن فترة إمامته فترة طويلة، الإمام معصوم مسدد من قبل الله عندما يقول كلاماً يكون كلاما مهما مفيداً نافعاً.

الإمام الصادق عليه السلام يبين فضل فضل هشام بن الحكم:

   الشخص المخاطب هو هشام بن الحكم الشيباني الكندي، رجل من أعيان تلامذة الإمام الصادق ومن أكابر تلامذة وأصحاب الإمام الكاظم، توفي بحدود سنة 173 هجرية، يعني قبل شهادة الإمام الكاظم بحوالي عشر سنوات، توفي في فترة الاختفاء، كان مطلوبا من قبل السلطة العباسية شهيد مطارد، وهذا ديدن علماء أهل البيت عليهم السلام مع إنهم في المستويات الرفيعة العالية إلا أن مصيرهم بالنتيجة إما مطاردون أومسجونون أو مقتولون وإلى غير ذلك ، فكان هذا الرجل على مستوى عال، فعندما التحق بالإمام الصادق عليه السلام وكان شاباً - في حدود العشرين من العمر – كانت لديه قدرة عقلية هائلة، لذلك رفعه الإمام الصادق ورفع منزلته على كبار أصحابه، الأمر الذي جعل شيء من التساؤل عند بعضهم، فالإمام أشاد بفضله، قال: هذا ناصرنا بلسانه ويشير إلى ذلك، فالإمام يريد أن يظهر ويبين للناس أنا نحن لا نقدم أي إنسان عبثاً وإنما (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[4].

   في حضور أصحابه بعضهم كبار قال له ماذا فعلت مع عمرو بن عبيد - كبير المعتزلة في وقته - فقال له: إني أخجل، فقال له: إني إذا آمرتكم ففعلوا - لعله يبين للناس من جهة ومن جهة أخرى يبين لهم طريقة النقاش في قضية الإمامة- فقال: ذهبت إلى البصرة الرجل أحدقت به الحلقات وكل واحد يصغي إليه، فقلت: إني عندي سؤال ولكن سؤال ساذج، فقال له: لا مانع، فقال: لكن لا تلمني، قال: تفضل، قال: هل عندك عين ؟ فقال: ما هذا السؤال السخيف، فقال له: أنا قلت لك: من بداية الأمر ويفترض ان لا تعاتبني على سؤالي، فقال: بلى لي عين، قال: وما تفعل بها؟ قال: انظر بها، قال: لك يد؟ فقال: بلى لدي يد، فقال: وماذا تصنع بها؟ فقال: أبطش بها وأتناول الأشياء، فقال له: لك رجل ولك كذا وكذا وهو يعدد؟ فقال: هذه الأعضاء هل تعمل لوحدها أم لا؟ فقال: بلى، هذه العين تعمل اليد تعمل حتى لو لم يكن عندك عين اليد تعمل وحتى لو لم يكن عندك يد فالعين تعمل، فقال له: هل لك قلب؟ فقال له: بلى، فقال: وماذا يفعل القلب؟ - القلب بمعنى العقل – فقال: إذا اشتبهت عليه هذه الأعضاء تأخذ بمركز القرار وتتصرف حسب التعبير وهذا حتى علمياً العين تأخذ أمرها من الدماغ، اليد في التحسس تأخذ أمرها النهائي من الدماغ، فقال له: ربك لم يرضى لبدنك مع أن كل الأعضاء فيه كاملة وجاهزة تعمل بوحدها لم يرضى لها إلا ان يقيم عليها إمام يوجهها وهو القلب أو العقل فهل يرضى إلى هؤلاء الناس كلهم بدون إمام الناس؟! كل هذه البشرية لا تحتاج إمام وبدنك يحتاج إمام؟! فقال: انت من أين؟ فقال: لا عليك، -ربما قال من البصرة- قال: لا انت ليس من أهل البصرة، قال: من الكوفة، فقال: بلى أنت هشام بن الحكم، لم يكن يعرفه من قبل فتبسم الإمام الصادق عليه السلام، فقال: يا هشام من أين لك هذا من الذي علمك؟ فقال شيء جرى على لساني وأسمعك أيضاً انت تتحدث فأنا استنتج من ذلك، فقال: ذلك والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.

لماذا خصص الإمام الكاظم عليه السلام هشام بن الحكم بهذه الوصية دون غيره؟

   رجل بعمر خمس وعشرين سنة وأكثر أو أقل ويخصصه الإمام عليه السلام بمثل هذه الوصية هذا يدل على أنه ليس بإنسان عادي، فعندما يأتي الإمام الكاظم ويفرغ عليه من علمه فهو يفرغ على رجل ذو عقلية كبيرة يناطح ويناظر واحد في مستوى عمرو بن عبيد الذي كان كبير المعتزلة في ذلك الوقت، هذا يعظم مثل هذه الوصية.

    أمر آخر، المضمون ليس مسالة فقهية هشام بن الحكم يقال لم يكن له روايات فقهية إلا رواية واحدة فيما نقلوا وهي رواية السجود على الأرض وفيها أيضاً تعليل علام يجوز السجود يسأل الإمام؟ فقال: على الأرض وما أنبتت الأرض ما لم يكن ملبوس ولا مأكول، فقال: لماذا؟ حتى سؤال الفقه يبحث عن الفلسفة والمقصد لديه، فقال: لأن الناس عبيد ما يأكلون وما يلبسون فالله سبحانه وتعالى لا يريد أن يجعل سجودهم إلى مأكلهم وملبسهم فالرجل بهذا المستوى.

والخطبة مضمونها كلها مضمون عقلي، قضية العقل من ناحية الاهتمام به وتحكيمه والرجوع إليه والاحتكام إلى العقل، وهذه قضية من القضايا المهمة جداً بالنسبة للديانات وغيرها، وهذا غريب لأنه بالعادة أن الإمام الديني يتحدث عن التعبد، بينما الإمام هنا يتحدث عن التعقل، عادة المبعوثين من قبل السماء يتكلمون عن التسليم والخضوع وأن لا تسأل وما شابه ذلك، الإمام يقول إن الله سبحانه وتعالى جعل العقل حجة حاسب الناس على مقدار ما أعطاهم من العقول جعل العقل دليلاً يحث على أن يكمل الإنسان عقله.

إتمام العقل من إتمام النعمة:

 في مثل هذه الخطة يقول إذا أردت أن يتم الله النعمة عليك - نحن بالعادة ندعوا اللهم أرزقنا دابة سريعة ومرأة مطيعة وكذا وكذا- الإمام الكاظم عليه السلام يقول إذا أردت أن الله يكمل عليك النعمة غنى لا حدود له أطلب من الله أن يكمل عقلك فقط، هل أحد منا يطلب في صلاته أن الله يكمل عليه عقله نحن ندعوا أن يرزقنا حلالاً طيباً وكذا وكذا، أما أننا ندعوا أن يكمل الله علينا عقولنا لا ندعوا بذلك مع أن الأدعية موجود فيها مثل هذا كأن يرزقنا الله تعالى لباً راجحاً عقلاً راجحاً، فمضمون هذه الوصية هو هذا المعنى.

ما هو الظرف التي قيلت فيه الوصية؟

الظرف الذي قيلت فيه هو الظرف العباسي -ظرف هارون العباسي - رجل جاء بقسوة وبطش وكان يريد قيام الدولة العباسية بأي ثمن من الأثمان، في هذه الفترة لم يكن عنده أي مانع أن يجرف أي شيء أمامه، مثل هذا الظرف السياسي الذي جاء فيه وصنعه هارون العباسي تحتاج الفئة الشيعية إلى أن لا تستخدم العواطف، لا تحتاج إلى مشاعر إضافية ولا تحتاج إلى أحد أن يأتي ويلهب أحاسيسها، إنما تحتاج الفئة العباسية إلى إكمال العقل، تحتاج أن كل واحد من شيعة أهل البيت عليهم السلام قبل أن يتحرك خطوة من الخطوات أن يفكر فيها بتعقل وبتأمل وبتدبر فضلاً عن كل المجتمع.

أهمية هذه الوصية:

   أربع جهات تجعل هذه الوصية التي قالها الإمام الكاظم لهشام بن الحكم وصية من الوصايا المهمة والأساسية.

   فلنتعرف على شيء ما في هذه الوصية، هذه الوصية طويلة وأنصح إخوتي المؤمنين وأخواتي المؤمنات الذين هم مشغولون عادة بالتثقيف فهناك عندنا الحمد لله في مجتمعاتنا الموالية لأهل البيت دورات دينية ودورات تعليمية نقترح على هؤلاء أن يوجهوا المتعلمين والمتدربين إلى حفظ عيون الخطب والوصايا المهمة والتأمل فيها، وذلك لو فرضنا بأن نعمل مسابقة إلى الأخوات بحفظ خطبة الزهراء عليها السلام وجئنا إلى الشباب وعرضنا عليهم بأن يحفظوا خطبة المتقين لأمير المؤمنين عليه السلام، وعرضنا على جماعة أخرى من النخبة بالتأمل والتدبر في وصية الامام لهشام بن الحكم ففيها مثلاً:

العقل دليل على وجود الخالق:

    بيان أن من أشرف الأشياء التي تجعل العقل شريفاً هو أنه دليل على الخالق، العقل دليلاً ومرشداً إلى الخالق، الإمام عليه السلام يقول الحكمة هي العقل والفهم فعندما نأتي للقرآن الكريم نجد أن ميزة لقمان أنه أوتي الحكمة وأن هذا العقل والفهم ليس خاص بلقمان بل يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد اؤتي خيراً كثيرا، وبعد ذلك يبين دور العقل فيقول (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)[5]، الحكمة هي الخير الكثير نرى الأموال على عظمتها الله تعالى يقول: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)[6] في قضية الوصية، يوصيكم الله فالوصية خير حتى لو مليار أو ترليون لكن الخير الكثير هو العقل والفهم من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا.

العقل رسول باطني:

    مساواة العقل للرسل في الحجية، هذا حجة لله وهذا حجة لله، فالعقل حجة باطنة والرسول حجة ظاهرة، الأساس الأول للإيمان هو العقل والتعقل، عندما نتأمل في القضايا الفرعية في الفقه، نجد العقل أحد الأدلة مثلما أن القرآن أحد الأدلة ومثلما أن سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله هي أحد الأدلة.

   العقل مثل السنة مثل القرآن أحد مصادر التشريع والاستدلال على الأحكام الشرعية والفقهية، فإذا أراد الانسان أن يتكامل غنى بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عز وجل أن يكمل عقله اللهم أكمل عقولنا.

في ما يرتبط بخارج هذا التقسيم الموضوع الاجتماعي نحن عندنا تدين وعبادة وعندنا عقائد وعندنا علاقات وهذه الأمور الثلاثة تحتاج إلى التعقل.

التعقل الاجتماعي:

   التعقل بالمعنى الاجتماعي بمعنى أنه لو طرح إنسان سؤال فأصبح عنده شبهة أو إشكال، فمثلاً لو قال أحد شيء عالم او غير عالم وأنا أحد من الناس لم أفهم مقولته ولكن لأنه أعلم أنه غير لائق ومخالف لي، فبسبب ذلك أقوم بالتهجم عليه وبسبه ولعنه وشتمه والتشهير به، هنا يحتاج الأمر إلى تعقل ويحتاج أن تناقش الفكرة بالفكرة والسؤال بالإجابة المقنعة، فحتى لو لم يكن عندي إجابة يفترض أن لا أهرج عليه، غيري عنده إجابة أنا الآن ليس لدي إجابة سيكون فيما بعد عندي إجابة، أنا لست نبياً من الأنبياء ولا وصياً من الأوصياء (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[7] ليس من اللائق أن يكون بين مجتمع المسلمين أن يثير أحداً سؤالاً أو أن يطرح إشكالاً أو قال كلاماً فيتحول إلى هرجة اجتماعية، نعم العاقل هو من لا يثير المجتمع، لكن لو صار عندي إشكال أو كلام، لا ينبغي إذا طرحته في مواضعه أن تصبح هناك هرجة بل يحتاج إلى تعقل، التدين ليس معناه حزمة مشاعر وعواطف فقط، التدين هو التعقل بمقدار ما يكون إنك سامي حتى دينك يكون سامي ثوابك يكون أكثر لا تتصور أن الجانب العبادي خال عن موضوع التعقل.

   في الحديث عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أثنى جماعة عند النبي على رجل وذكروا عبادته وزهده وفضله، فسأل النبي صلى الله عليه وآله كيف عقله؟ فقالوا: يا رسول الله نخبرك عن اجتهاده في العبادة وحافظته الدائمة على قيام الليل، وكيف تسألنا عن عقله؟! فقال: إن الأحمق يصيب حمقه أعظم من فجور الفاجر، أحيانا لو أن شخص عنده حمق وعنده حماس هذا يفسد ذاك، إنما يرتفع العباد في الدرجات وينالون الزلفة على قدر عقولهم.

   أنا وأنت نعمل عمل واحد نصلي صلاة واحدة ولكن إذا كان عقلك أكمل مني تحصل على ثواب أكثر مني وهو نفس العمل، ونحن لا نتكلم عن نظريات هذه الحركات المسلحة السيئة ماذا فعلت بالإسلام خلال العشر سنوات؟ كم من الناس قد خرجوا من دين الله أفواجا على أثر المناظر التي يصنعها هؤلاء الحمقى في الدين؟! فذاك عنده تدين هذا الذي يقطع الرؤوس عنده تدين وعنده حماس دين، لكن عنده عشرات المرات من الحمق، لو كان عنده عقل ما كان يفعل مثل هذه الأمور، كم أضر بالإسلام من ضرر؟ وكم أضر بعض الناس بالتشيع على أثر حمقهم وأحرجوا أبناء أهل البيت وأتباع أهل البيت بتصرفاتهم بشتائمهم بسبابهم بأعمالهم؟! هذا الشيء له أثر عكسي، نحن لا نتهم أحد قد يكون أكثر عبادة يصلي صلاة الليل أكثر ودموعه تجري على خديه أكثر لكن المشكلة في جهة تعقله العبادة.

   نحن مأمورون أن نبني عقائدنا على أسس عقلية، تأتي الروايات تعاضد الأحكام العقلية ولا تعارضها ولذلك نحن مأمورون بأن نكون نقاد الكلام كونوا نقاد الكلام، أي الكلام الذي يأتي إليك لا تدخله فورا بل دعه يتردد في ذهنك قم بقياسه على المقاييس الأخرى وحاول أن تتأمل فيه وتتفكر فيه.

وهكذا الحال بالنسبة للعلاقات علاقات الناس فيما بينهم وعلاقات المذاهب فيما بينها وعلاقات الأديان فيما بينها، ينبغي أن لا تكون قائمة على المشاعر الحادة.

هشام بن الحكم نموذج للتعايش الاجتماعي مع مخالفيه:

   من أعاجيب ما ينقل هشام بن الحكم والذي يقول عنه هارون العباسي أن لسان هشام بن الحكم علي أشد من مائة سيف، كما نقلنا فهو يهدم الخلافة العباسية او كما يقول الأمام الصادق: ( هشام المؤيد لحقنا وناصرنا بلسانه)، وهذا الشخص الذي عنده هذه المعرفة والاهتمام من قبل الأمام الكاظم هذا في السوق شريك في الدكان مع عبدالله بن يزيد الأباضي -الأباضية فرقة موجودة إلى الآن في عمان وهو المذهب الغالب هناك لا أقل من الجهة الرسمية هم فئة من الخوارج يقولون أنهم تخلوا عن الآراء السابقة فيما يرتبط بالإمام علي والخليفة الثالث ومن الناحية المذهبية هم فرقة أخرى غير الفرقة الشيعية - يقولون أن هشام بن الحكم الذي كان عنده معرفة وتصلب وبراهين في موضوع الإمامة لكن في موضوع العلاقات الاجتماعية والتجارة والسوق والتسالم الأهلي، كان شريك لعبد الله بن يزيد الأباضي فكان الناس يتعجبون من هذا.

   نجد أن في بعض المذاهب وأتباعها الذي تسلم عليه لا يرد عليك السلام، هل هذا هو العقل أو ذاك العقل الذي يكون موضوع العقيدة لديه، ففيما يرتبط بالعلاقات العامة وبالتعايش والتسالم وحتى الاشتراك التجاري معه كانا يعملان في دكان واحد شركاء في تجارة.

أهمية التعقل في أمور حياتنا:

   نحن نحتاج إلى إعادة الاعتبار للموضوع العقلي في أفقنا الديني نحتاج أن نعرض كل شيء يمر علينا على مصفاة هذه المصفاة هي مصفاة العقل، تسمع كلام من قبل قسم الناس تتعجب كيف يصدقونه تسمع حوادث كيف تنطلي على هؤلاء، فمثلاً واحد كما ذكروا في أكثر من مورد ينهب إنسان أمواله باستغفال لأنه لم يستخدم ولم يحكم عقله يأتي يستقبله في مكان من الأماكن يقول له الحمد لله على السلامة أنت ربحت جائزة كذا وكذا نهنئك، فلان ماذا حصلت من جائزة؟ فيقول بيت في المكان الفلاني او مائة ألف دولار في مكان فيقوم بإعطالهم البطاقة وتوقيع. يا أخي ينبغي لك أن تفكر هذا الرجل لا يعرفك وليس بينك وبينه أي علاقة كيف لإنسان هذا السخي الجواد أن يعطيك البيت ولا يدعه لنفسه او يعطيك المال ولا يدعه لنفسه؟ هل لديه جمعية خيريه؟ فيصبح إلعوبة بدل من أن يحصل على أموال يربحها وإذا به يسلب أمواله ورقم بطاقته.

نحتاج أيها الأخوة إلى التأكيد كما أكد سيدنا ومولانا الإمام الكاظم على موضوع العقل واستجلابه إلى حياتنا في كل تفاصيلها من العبادة إلى العقائد إلى العلاقات الاجتماعية إلى الخطوات التي نخطوها لأن نمررها على مصفاة العقل لعل الله يثيبنا على قدر عقولنا.

هذا عن الخطبة وعن الوصية وعن المستمع وعن الظرف الذي كان يعيشه المستمع وأما المتحدث فهو إمامنا الإمام السابع من أئمة أهل البيت وهو من ذرية رسول الله محمد وقد ذكرنا إنه تولى الإمامة بعد أبيه الإمام الصادق.

حسن إدارة الإمام الكاظم عليه السلام للمجتمع الشيعي بعد استشهاد أبيه الصادق عليه السلام:

   الإمام الكاظم عليه السلام ورث من أبيه الإمامة وأحسن الإدارة، كما تعرف أن أي إنسان يأتي بعد شخصية عظيمة كشخصية الإمام الصادق عليه السلام تكون إدارته للموضوع ثقيلة، الإمام الصادق عليه السلام ملأ السمع والبصر ليس على مستوى التشيع بل على مستوى عالم الإسلام، فعندما جاء الإمام الكاظم عليه السلام أدار هذه التركة إدارة رائعة، بحيث أن مثل هذا هشام بن الحكم صاحب القامة العظيمة والذي تتلمذ على يد أبيه الإمام الصادق عليه السلام لا يرى محذوراً أو بأسا أن يأتي ويتتلمذ على يد الإمام الكاظم عليه السلام الذي كان عمره في ذلك الوقت عمر قصير، تولى الإمامة وعمره حوالي عشرين أو إحدى وعشرين سنة، لكن مثل هؤلاء القامات عرفوا الفضل لأهل البيت عليهم السلام وعرفوا أنهم يغترفون من بئر العلم النبوي، فأدار الإمام الكاظم عليه السلام أتباعه إدارة عالية، وقد تحدثنا في محاضرات سابقة عن شيء من حياته وميلاده إلى استشهاده كما تحدثنا أيضاً عن الجانب العلمي والسياسي للإمام، فقط نشير إشارة عابرة، الإمام الكاظم عليه السلام أدار هذا الميراث الذي ورثه من الإمام الصادق أحسن إدارة.

هارون يرتكب سابقة خطيرة لم يسبقه أحد من خلفاء بني العباس في حق أهل البيت عليهم السلام:

  عندما رأى هارون العباسي أن الذي جاء بعد الإمام الصادق عليه السلام لا يقل عنه شأنا في العلم والفضل وفي إدارة جمهوره، هنا فعل خطة تصعيدية لم يصنعها سابقوه مع الإمام الصادق عليه السلام لم يصنعها المنصور العباسي مع الإمام الصادق، فعزم هارون العباسي على سجن الإمام الكاظم سلام الله عليه، وعلى عادة الحكام الكَذَبة الذين يريدون أن يفعلوا أشياءهم وخطواتهم المجرمة يثومون بعمل غطاء شرعي، ففي إحدى زياراته - أي هارون - إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله، قال: يا رسول الله -أمام الناس – يا ابن العم إني أريد أن أعمل شيء مع موسى بن جعفر لأنه يريد الفتنة في الأمة - الإمام الكاظم المعلم والمربي وناشر علم النبي يريد الفتنة في الامة ؟!- فيرى أناسا يصفقون ويطبلون له ولا يروا بأسا في أن يعتقل الإمام وأن يؤخذ إلى البصرة، ففعل ما خطط له، فبعد خروج هارون من المدينة اعتقل الإمام وأخذه إلى سجن في البصرة، وفي البصرة الإمام أبرز من شخصيته وأخلاقه ما هيمن به على والي على البصرة وعلى السجان، هؤلاء رأوا أن هذا رجل قريب من الله متعبد كان يعرف براهب آل محمد حتى بدأ يؤثر على السجان بل على الوالي، فالوالي أرسل إلى هارون بأنه لا يقدر أن يستمر بسجن هذا الرجل إما ينقل أو يطلق سراحه، أحيانا قسم من الناس حتى وهم في دائرة الظلم يستيقظ ضميرهم فأمر أن يؤخذ إلى بغداد في سجن الربيع أحد وزراء هارون، تنقل هنا روايات عن كثرة عبادة الإمام الكاظم عليه السلام وأن الربيع جاء بهارون فجعله يطل على المكان الذي المكان الذي كان قد سجن فيه الإمام فرأى شيئاً مطروحاً على الأرض في وقت الضحى، فقال له: ماذا ترى؟ فقال أرى شيئا مثل الثوب، فقال: لا، هذا موسى بن جعفر هكذا سجدته من بعد الصلاة إلى طلوع الشمس ساجداً لله تعالى هذا الذي يعبر عنه السلام على صاحب السجدة الطويلة والدموع الغزيرة.

 

[1] ) سورة الزمر : آية17- 18

[2] ) سورة الأنعام : آية 32

[3] ) سورة العنكبوت : آية 43

[4] ) سورة المجادلة : آية 11

[5] ) سورة البقرة : آية 269

[6] ) سورة البقرة: آية 180

[7] ) سورة الإسراء : آية 85

مرات العرض: 3426
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2567) حجم الملف: 57737.14 KB
تشغيل:

من العطاء الفكري للامام الباقر عليه السلام
أدوار اعتقال الامام الكاظم وسجنه