الغضب جمرة الشيطان المتقدة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/2/1438 هـ
تعريف:

الغضب جمرة الشيطان المتقدة

تفريغ نصي الفاضلة كريمة الصفار
۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)

هذه الآية المباركة، من سورة آل عمران، تبدأ بالحديث مع  المؤمنين حول المسارعةِ الى أسباب المغفرة. فإن مغفرة الله سبحانه و تعالى هي من شؤونه عزوجل، و هي ليست بأيدينا حتى نسرع إليها و ليست موجودةً  مثلاً في مكان كالكعبة حتى  نذهب إليها، وإنما نسارع الى الأسباب التي تنتهي بنا  الى مغفرة الله عز و جل.  ما يسبب غفران الله من العوامل هذه التي ينبغي أن يسعى الإنسان إليها مسرعاً حتى تتحقق على أثرها مغفرة الله وبالتالي ايضاً يسارع الى ماينتهي بالإنسان الى الجنة التي عرضها السموات والأرض. و قد أعدت للمتقين. و الأعداد هنا كما يراه قسمٌ من المفسرين، بل لعلى الأكثر منهم و من المتكلمين يُشير الى أن الجنة التي وعد المتقون هي حاضرةً وجاهزةً وموجودةً الآن، لا الى أنها تخلق بعد يوم القيامة و أنما هي موجودةً الآن. غاية الأمر أننا لا نراها نظراً لأن أجهزة الإدراك عندنا قد أعدت بنحو تتخاطب مع شؤون القضايا الدينوية .

ولذلك فأن هذه المدركات لا تستطيع إلتقاط موضع الجنة أو أن تعرف أين هي، بل ما دون ذلك.  وسائل الإدراك التي نمتلكها لا تخاطب مع أدنى أشياء الغيب .

الغيوب كثيرةٌ جداً و نحن لا نستطيع أن نراها بل حتى ما يرتبط بالحياة الدنيا. في قسم منها نشعر بأثارها و لكن لا تستطيع أن ندركها بأبصارنا ، هذه الذبذبات، الآن  كأوضح مثال على ذلك، من الممكن أن مكاناً فيه جهاز يبث ذبذبات صوتيةً  الى أقصى بلاد الأرض و أنت  في نفس البناية ساكنٌ معهم ولاتستطيع لا أن ترى هذه الذبذبات و لا أن تسمعها ولا أن تتحسسها بيدك . نعم لو أمتلكت جهازًا مناسبًا لإلتقاطها فإنك تلتقطها. فما ظنك ببعض الأشياء التي أُخذ فيها أن تكون أمراً غيبياً. فأذن  قسم من المفسرين ولعلهم الأكثر والمتكلمين يقولون أن هذه الكلمة، من جملة الدلائل، تدل على أن جنة الله عز و جل التي هيأها و أعدها للمتقين هي موجودةً و قائمةً و مخلوقةً. غاية الأمر أنه  لا يمكن لهذا الإنسان العادي أن يتواصل معاها .

أعدت للمتقين ؟ من هؤلاء المتقون الذين ينفقون في السراء والضراء، الموصوفون بالكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؟ ، الإنفاق لا يرتبط بالغنى فكم من غني في السراء و هو غير منفق و كم من فقير في الضراء و هو منفقٌ، معطي العطاءَ. ايضاً بنسبته قد يكون إعطاء ٥٠٠ ريال مثلاً من غني يعتبر شيئاً زهيداً جداً، و  إعطاء ريالٍ واحدٍ من فقيرٍ يعتبر عطاءًا سخياً. فهؤلاء الذين ينفقون في السراء و الضراء أول صفات المتقين ( هذه الآيات تأتي بعد جملة من آيات تحدثت عن ظواهر سلبية في التعامل مع المال من ذلك قضية  البخل و من ذلك قضية المقامرة والميسر وأخذ الربا و ما شابه ذلك فهذا يأتي في الطرف المقابل الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ). بعض الباحثين في القرآن الكريم قالوا أن الكلمات المتتالية هي درجات لصفة واحدة الكاظمين الغيظ.

كاظم من كظم الشيءَ ،و  كظمه يعني احكم عليه. و يستعمل عادةً في القربة و هي أن القربة عندما تمتلىء بالماء الى أعلها تحتاج الى حبل يشدها فيقول كظم القربةَ،  يعني حفظ الماءَ فيها بواسطة هذا الحبل لكي لا يخرج الى الخارج، هذا في الأصل.  كأنما الغيظ و الغضب في نفس الإنسان يملىء روحه و نفسه الى أعلاها، غير أن الإنسان يعمل على وضع حبل على نفسه يكظمها يمنع الغيظ و الغضب من أن ينفلت و يتسرب الى الخارج ، نلاحظ أنه لايقول و الذين لا يغضبون و إنما يقول الكاظمين الغيظ يعني يغضب و لكن يسيطر على غضبه و يكظمه و يحبسه.  و في آية آخرى يقول " و اذا غضبوا هم يغفرون " لا أنهم لا يغضبون،  لا يوجد إنسان الا و فيه حاسة الغضب و غريزة الغضب بل هي من ضروريات  حياته كما سيأتي في الحديث لاحقاً .

فهولاء لديهم غضب و يستثارون. فهؤلاء ليسوا أنهم  لايغضبون لأنهم عند إذن سيكونون قد فقدوا أحد الاشياء المهمة في حياتهم إحدى الغرائز الضرورية لبقائهم، أحد الامور المفيدة. الغضب فيه قسمان كما سيأتي سلبيٌ و إيجابيٌ. فإذا فقد الإنسان الغضب فقد هذا الجانب الايجابي.

فالقرآن الكريم يقول ليس لأنهم لا يغضبون، يغضبون و لكنهم يكظمون غيظهم  و يحبسون غضبهم و يغفرون في مثل هذه الحالات,  " و الكاظمين الغيظ" هذه درجة أرقى، فوقها "و العافين عن الناس" درجة أرقى،  "و الله يحب المحسنين" درجة  أرقى من ذلك. وهذا ماالتفت إليه فيما نقلوا إلينا، و هي  إحدى الجواري التي كانت تصب على الامام زين العابدين عليه السلام الماء و كان يغسل يده ، هناك بعض الروايات تقول كانت تصب عليه الوُضوء، طبعاً نحن لدينا يكره أن يستعين الأنسان بأحدٍ في قضية الوُضوء ، القراءة الصحيحة هنا ليس الوُضوء الاصطلاحي وأنما الوََضٓوَءَ  هو مايتوضأ به و هو الماء. و مايتوضأ به يشمل ما يغسل به ، لأن أصل معنى الوَضوء: وضىء و يتوضأ و ما شابه ذلك، و هو نوع من التنظف و التطهير. فهنا لم تكن تصب عليه ماءً للوُضوء الشرعي و إنما للوَضوء بالمعنى اللغوي التطهيري و التنظيفي، و إلا فإن من المعلوم أن  مثل الإمام زين العابدين عليه السلام لا يعمل المكروه و خصوصاً في مثل هذه الموارد العبادية و هو زين العابدين عليه السلام .

فالتفتت هذه الجارية الى هذه المعاني المتدرجة تدرجاً تصاعدياً عندما سقط الأبريقُ منها على يد الإمام و يفترض أنه تأثر أو تأذى من سقوط ذلك فنظر إليها، فقالت "و الكاظمين الغيظ",  قال قد  كظمت غيظي، قالت "و العافين عن الناس" قال عفوت عنك,  انا لست فقط لن اعاقبك و إنما هذا الذنب مثل الذي عملتيه أنا أزحته من ذهني هذا الأثر لم يبقَ في بالي لا تستحقين عليه أي نوع من أنواع العقوبة.  قالت "و العافين عن الناس" قال عفوت عنكِ,  قالت "و الله يحب المحسنين". قال اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله. يعني فوق أنه لم يفجر غضبه في وجهها و عفا عن ذلك الخطأ فوق هذا ايضاً أعطاها هدية هي كل حياتها حيث أعطاها حريتها .

هذه الآية المباركة ستكون منطلقًا لحديثنا عن موضوع من المواضيع المهمة التي يبتلي بها و يُبتَلى بها قسمٌ من الناس.  و هو موضوع الغضب و كيفية السيطرة عليه. الغضب من الامور المنتشرة في بعض الاوساط و التي تنتهي الى نتائج تصل الى حد تدمير الحياة الشخصية للإنسان و تدمير صحته في كثير من الأحيان و أنهاء حياته الزوجية و أحياناً تنتهي به الى السجون و الجرائم. كل هذا  أحياناً يحصل من الغضب . 

الغضب يقولون هو حالة إنفعالية تستعتب مثيرات، من أمثال التدخل في حياة الإنسان، من أمثال التهديد له، من أمثال إغاظته، و ما شابه ذلك. هذه الحالة الانفعالية تستبتع جملة أمور ، تستبتع إستثارة في النفس

هذا الإنسان، الذي كان هادئًا راكدًا، تراه بعد حالة الغضب و بعد وجود هذا المثير الإغضابي في حالة متحفزة للأنتقام، للمواجهة، للعراك، للخصام لفظاً، يداً، و أحياناً حتى قتلاً.  هذه حالته النفسية .

حالته البدنية ايضاً تتأثر تأثراً واضحًا. الأطباء يقولون أن الإنسان في حالة الغضب يرتفع عنده مستوى الأدرينالين، و الذي هو اشبه بالتهيئة في داخل النفس للمواجهة. هذا الأنزيم إنما يحصل في حالتين اساسيتين: حالة الخوف الشديد و حالة الغضب الفاقع للإ نسان.

يتحدثون عن أن حركة الدم تزداد سرعةً و نبضات القلب تتسارع حتى تأثيرات في وجه الإنسان تتأثر.  و لك إذا أردت أن تعرف هذا الأمر الآثار آثار الغضب تظهر بشكل جداً واضح ، أولاً في الحيوان و ثانياً في الاطفال.  لاحظوا مثلاً ثوراً غاضباً كيف سيكون ،  الثور الغاضب وجهه يتغير حركاته تتغير.  الحيوانات المفترسة الغاضبة ايضاً نفس الشيء.  لتنقل نفس هذه المعادلة بدرجة أو بأخرى الى هذا الإنسان و ايضاً هذا الطفل، هذا الوجه الجميل البريء المتقطر سماحةً، اذا أغضبَ تجد شكله قد تغير. صَوٓره  في ذلك الوقت و صوره عندما يسترخي و يكون وضعه طبيعيًا!!!,  سوف تجد حتى في شكله الخارجي يتأثر. يقولون حتى هذه الأكتاف أكتاف الغاضب المتجهز لهذه المواجهة تختلف في حركتها وتقوسها عن الإنسان المسترخي العادي ،  المهم هذه الحالة الانفعالية لها آثار نفسية على الإنسان و لها آثار بدنية ايضاً و لكن ليس كل غضب مذمومًا.  هناك غضب ممدوح، و هو الغضب في الله و لله.  الغضب على إنتهاك حرمات الله عزوجل هذا من الغضب الممدوح.   الغضب الذي يمتلك الإنسان على أثر تجاوز الظالمين على المظلومين، و هذا ايضاً  من الامور التي يحمد عليها الإنسان عندما يرى ظالماً ينتهك حقوقًا لمظلوم . طاغوت يتحدى مؤمنين، فيتملكهم الغضب في ذلك هذا من الامور الممدوحه و قد عبر في ذلك في بعض أقسامه بالغضب لله عز و جل.  و هذا إما صدر من بني الله موسى - على نبينا و آله و عليه  أفضل الصلاة و السلام-  عندما رجع الى قومه ( غضباً أسفاً ).  لماذا ؟ لأن هذا التعب الذي تعبه عليهم حتى  أخرجهم  من الظلامات الى النور، و من جور فرعون الى فضاء الحرية و الإيمان، فإذا بهم يتخذون العجل إلٰهً من دون الله عز و جل،  و عبادة الاصنام بدلًا من الخضوع لله سبحانه وتعالى. من صغره،  نبي الله موسى كان يسعى و يعمل من أجل  هؤلاء حتى يؤمنوا. و بمجرد أن غاب عنهم ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتمنناها بعشر) ، أربعين ليلةً فقط، اذا بهم قد عكسوا و قلبوا كل ما كان قد بناءه و شيده من أجلهم.  غضب، من أجل أن هذه الرسالة التي عمل فيها، هو و أخوه هارون و عمل فيها المؤمنون و ذهبت فيها نفوس و تحملت فيها عذابات، و إذا بهذه الرسالة في اسهل ما يمكن أضاعها السامري و من أتبعه من أهل الشهوات.

هذا الغضب غضب محمود و حسن.  الغضب من أجل الأخلاق التي تذهب من بين الناس غضب محمود.  الغضب الذي يحمله المصلحون من أجل إصلاح أحوال الأمة هذا غضب محمود.  فليس كل غضب سيئاً.  الغضب الشخصي لا سيما إذا كان بسبب  أمور بسيطة هذا غضب مذموم.  على سبيل المثال، أنت تمشي في الطريق و واحدّ غير منتبه، و فكره مشتت، و هو مشغول  و غير مركز، فاصطدم بك!  فتتوقف له وأنت غاضب، تتجهز الى قتاله!!!! و ما شابه ذلك.  هذا لا يمكن أن يكون ممدوحًا و لا يمكن أن يكون مبرراً.و لا يمكن أن يكون حسناً. رب شخص من الاشخاص - و لا سيما في ضمن دائرة المؤمنين-  لظرف ما  قال كلمةً سيئةً في حقك، أنت ترد عليها كما يقول بعضهم: اذا تسمعني كلمة؛ أسمعك عشرة! و إذا تعتدي  علي بضربة أرد عليك عشرة!، و أشباه ذلك. مثل تلك الأمور لا تستحق الغضب أبداً،   و لا يمكن أن يكون محموداً و لا إيجابياً.

طيب؛ هذا النحو من الغضب السلبي الذي وصفنا يختلف عن الغضب الإيجابي، له أولاً أسبابه،  و له  دورته، و له  طرق وقاية منه و يمكن لمن يتصف به أن يتعالج منه. هناك أسباب تدعو قسماً من الناس الى أن يكونوا غاضبين. و هم - في هذا - درجات مختلفة.  هناك قسم من الناس يعرف عنهم حالة الغضب أكثر من غيرهم، و هناك قسم آخر أقل.   فما هي الأسباب التي تجعل هذا غاضبًا، و متى  تتملكه مثل هذه الخصلة السيئة؟.  بينما مثلك و أمثالك لو تعرّضت لنفس الموقف لا يكون غاضباً. 

  لنذكر بعضها بمقدار ما يتسع له المقام.  أحد هذه  الأسباب، التي تدفع الإنسان إلى الغضب،  الرغبة في الإخضاع  و أن تسير الأمور كما يحب هذا الإنسان.  هناك  قسم من الناس يتعاظم حب الذات عندهم الى درجة أنهم يريدون أن تسير الأمور كلها كما يحبون و كما يشتهون. فإذا لم تسر الأمور هكذا، و اذا لم تخضع الأشياء لهم في كل تفاصيلها، يتوتر  و يغضب و يتجهم.  في بعض الآحيان، تثيره أمور لا ترتبط به. كأن يكون الطريق مزدحمةً أثناء توجهه صباحًا إلى عمله،  فزحمة الطريق هذه تكون له مدعاةً لغضب شديد.  فلو أن شخصاً حينها غلط عليه قليلاً  و أخذ عليه على جنب، فمر أمامه فإنه لا يسلم على نفسه منه، من نظرات الغضب و من السباب و التراشق الكلامي.  و احياناً يحدث ما هو أكثر من ذلك.  و هذا الأنسان يود حتى لو أنه يكون الأمر بشكل الذي الا الشارع كله  يكون حتى لو كان مزدحم بغيره فقط هو  طريقه سالك وسليم وصحيح.  هذا ينتهي  الى ماذا ؟ هذا ينتهي  كما قلنا الى  أن هذا الإنسان يحب إخضاع الأشياء لصالح نفسه، يريد أن تسير الأمور كما يحب بينما طبيعة الأشياء لها معادلاتها الخاصة. لا يمكن أنت  أن تخضع كل شيئٍ كما أنت تريد. ، ربك سبحانه و تعالى وهو الذي خلق الأشياء كلها بقدرته و هي كلها خاضعة لأمره، فهو جل شأنه مع ذلك لم يجرها و لم يجبرها على أن تسير كما يريد.  صحيح أم لا؟ .

أ ليس الله بقادر أن يجعل الناس أمة واحدة على الهدى أو لا ؟

  نعم، يستطيع أن يجعل البشر كلهم أمة واحدة، جميعهم من أهل صلاة الليل. نعم يستطيع ذالك  بأمر واحد و في أرادة واحدة، لكنه لم يفعل ذلك، بل ترك الناس لإرادتهم فمنهم التقي و منهم الشقي و منهم الصالح و منهم المتقرب و منهم الجاحد. فكيف أنت أيها الإنسان الضعيف الذي لا تملك  نفسك و مع ذلك تتصور  أن الأشياء لابد أن تخضع لك .

وأحياناً نتعجب و يحق لنا التعجب من أن قضية بسيطة  كيف أثارت غصب هذا الإنسان.

 فعلى سبيل المثال، شخص ما يشاهد مبارة بين فريقه المفضل و بين الفريق الآخر،  ففي لحظة ما أحد اللاعبين لا يضرب الكرة بالنحو الذي هو يريده ، طبعاً هو جالس على الكنب يشاهد، فعندما  لا يسدد ذلك اللاعب كرةً نحو الهدف أو في الشبكة، حينها تنتابه حالة غضب فيبادر قائلًا: يا فاعل, يا تارك، ما تفهم، ما تعرف كذا.

هذا الشخص ( و هو جالس تحت المكيف) يريد أن يلعب ذلك اللاعب بالطريقة التي يريدها. يريد أن تجري الأمور كما يحب، بدءًا من الشارع الذي يريد أن لا يزاحمه فيه أحد، الى ذلك اللاعب الذي يلعب الكرة و الذي يرى أن عليه أن يلعب بالطريقة التي يريدها، و الى غير ذلك من الأمور.   قبل مدة  من الزمان تناقل الناس حادثة قتل سببها لعبة ننتندو  و السوني وماشابه ذلك  يلعبون بالتالي مبارة بينه وبين زميله كلاهما من أبناء ١٧ و ١٨ سنة واحد منهم من هؤلاء الغاضبين لم تأتي الأمور كما يريد كما يحب  وفاز عليه صاحبه الآخر فبلغ منه الغضب مبلغه قام وضربه بآلة حادة الى أن مات ذلك الطرف الآخر فعلاً تلك اللعبة تحولت  الى مشروع جنازة.

  هنا أود التنبيه إلى أن هذه الالعاب ليست العابًا برئيةً. إنما هي تنمي في الإنسان حالةً من  العنف و حالة من  الشراسة و تغري الإنسان بأن يتابع غضبه.  فهي باعثة على التذمر الشديد. يلاحظ أن هذه الالعاب تجعل اللاعب لها و لا سيما اذا كان في بدايات  العمر تجعله شرساً.

تجعله يفرغ غضبه ولو كان في اللعبة تخليه يبرز غضبه بأقصاه بحيث إذا كان يقدر يحطيم و يهشيم الطرف الثاني الى آخر مستوى يفعل ذلك بالتدريج تتحول الى  حالة داخلية لدى الشخص فتجعله يجري وراء غضبه دون تروي و تعقل.  لذلك ينبغي تحذير الأبناء من هذا النوع من الألعاب الذي فيها حالة العنف فيها حالة شراسة فيها حالة تذمير.  لا نقول هذه مجرد لعبة يلعبون و تنتهي.  لا،  هذه أداة لتوصيل  مفاهيم تربوية خاطئة الى داخل نفس الأبناء،  فتعودهم على الشراسة و تحبب إليهم التدمير و ترسخ فيهم صفة الغضب.  فصور بعض هذه الألعاب وصور شخصياتها الذي يتحدثون عنها  هي صور الغضب  في أعلى درجاته. تصور الغضب على أنه حالة مقترنه بالبطولة.

و هذا السبب الثاني و السبب الأول هو الرغبة لدى قسم من الناس بحب إخضاع الغير لإرادته،  فيرى أن الأمور يجب أن تجري كما يريدها هو.  فأن تأخرت بدرجة أو بأخرى ، ظهر عليه الغضب. فتراه يستثار و يواجه و يحاول أن يعبر عن رفضه بذلك.

السبب الثاني أن لدينا ثقافةً خاطئةً فيما يرتبط بالغضب. فما هي تلك الثقافة؟

إن الغضب ملازم للقوة، فعليه إن الشخصية المهمة إذا غضب فلا أحد يستطيع أن يكلمه. هذه قناعة ثابتة لدى البعض.   هكذا إنسان بهذه العقلية هو إنسان سيىء.  هذا إنسان طاغيةً. هذا ماذا يعني "لا احد يكلمه"!!! هذه ليست صفة حسنة حتى يفتخر بها.   هذه ليست خصله حسنة حتى يشاد بها أو تعتبر بطولة.  هذه رذيلة من الرذائل.  الانسان المؤمن  هين لين، و كما وصفه أمير المؤمنين "حزنه في قلبه وبشره في وجهه" و  يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة.  الشخصية المثالية ليست هذه الشخصية التي تعبر عنها،  إنه ليس  هذا  الإنسان الذي إذا غضب فليس بمقدور أحد أن يتكلم معه، و إذا جاء الى بيته خيم الصمت على جميع أفراد عائلته. هذه ليست صفةً حسنةً، عشان انت جاي تتجار فيها و تروج عليها.  هذه لا قيمة لها في ميزان الأخلاق. ميزان الأخلاق هو مايقول به القرآن الكريم،  و القرآن الكريم يقول ( واذا غضبوا هم يغفرون )، ميزان الأخلاق "و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين"  هذا هو الميزان الكبير لأخلاق الإنسان الذي ينبغي أن يشاد به و يقاس عليه. هذه واحدة من الأسباب التي تذكر ، و عندنا روايات في هذا الباب كثيرة سوف نتعرض لها بعد قليل،  تشير الى تقبيح أمر الغضب بخلاف  ما هو موجود عند بعضنا الذي يعتبر أن  قضية الغضب مفخرة من مفاخره، و أنه علامة على القوة و على هيبة الشخصية. نبينا محمد المصطفى صل الله عليه و آله و سلم  يقول ( الغضب جمرة من الشيطان ) ما هو مفخرة.  هذه جمرة من جمرات الشيطان، و الامام الصادق عليه السلام يفسر هذا الحديث فيقول: الا تراه حين يغضب كيف ينتفخ شدقاه"،  و ما تشوفه كيف يتغير وجهه و عيناه و كيف تصير. هذا معناه أن جمرة الشيطان اشتغلت  في داخل قلبه.  هذه جمرة الغضب.  فأنت لا تستطيع أن تمتدح واحدًا بهذه الصفة، بل على  العكس من ذالك فهذا محل ذم. في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول:  "الغضب جند من جنود إبليس". و هذا الشخص الذي تكون عنده هذه الحالة يستقوي بجنود إبليس.  و يقول عليه السلام  في موضع آخر " لا نسب أوضع من الغضب".  أنت اذا تريد أن تنسب واحدًا تعطيه نسب،  تعطيه صفة فتقول عنه  مثلاً "فلان الغضبان". فلان الذي دائماً يغضب هذا اسوء نسب تعطيه إياه، لكن إن قلت عنه "فلان الطيب"  فهذه مفخرة له، أو قلت عنه  "فلان العفو الكريم"  فهذه أيضًا مفخرة له.  أما إذا أردت أن تعطيه نسب وضيع، فقل عنه  "هذا الإنسان الذي يكثر غضبه",  أو إذا غضب لا يرد غضبه أحد. أنت هنا تذمه و تسبه و تشتمه في الواقع.

طبعاً لا ينطبق هذا الحكم على الغضب لله عز و جل.  فكما قلنا أن من الغضب ما هو حسن أو إيجابي.  و على هذا المعنى تترتب مسألة تربوية و هي؛  أن لا نعود الأولاد على أن يأخذوا أشياءهم حال غضبهم.  و هذا خطأ قد تتورط فيه بعض الامهات. فمثلًا  يريد الطفل شيئًا ما، فإن لم نعطيه ما يريد، يقوم بتسكير الباب أو يشوف شيئًا فيشدخ فيه. هو يقوم بهذه الاعمال التي تعبر عن غضبه، فيصرخ بصوت عالي و ما شابه ذلك.  بعض الامهات تقول عشان نرتاح منه خلينا نعطيه هذا الشيء الذي يريده،  يريد أن تشتري له اللعبة الفلانية خلينا نشتري له و نستريح من شره. هذا خطأ تربوي.  لماذا؟  لأن هذه الأم تعلم إبنها درسًا خاطىئًا، و هو أنه إذا تريد حاجتك، كسر الأغراض فنعطيك ما تريد.  و هو كذلك يتلقى هذا الدرس فيقول أن هذا الطريق خوش طريق، طريق سهل و يسير.  المرة الثانية بعد خليني اطلب ايس كريم حسب التعبير . الأسلوب السليم أن نقول هذا لا يصلح لك لانك مزكوم مثلاً  أو غير ذلك.  و بنفس الطريقة يستذكر المرة الماضية كسرت هذا و رقعت الباب وصرخت بصوت عالي و أظهرت الغضب فاستجابوا لي، لذا ساكرر نفس السلاح لا سيما الأم مثلاً جاية من العمل تعبانة و الأب كذلك جاي يستريح فخلينا نستر عليه نسكته بإعطاءه الشيء الذي يريده.  فيتربى طفلنا من صغره على عقلية إنه إذا أراد أن يحقق مطلبه  فليغضب. بهذا النحو نحن نعلمه طريقًا باطلًا وخاطئًا.  هذه من الأسباب التي تنتهي بالأنسان الى الغضب.  هناك  بعض العوامل ايضاً تذكر كأسباب للغضب لكنها عوامل خارجية. منها الجوع، ففي أوقات الجوع يكون الإنسان أسرع غضبًا. و منها أيضًا  أوقات الجو الحار، ففيها يكون الإنسان أسرع غضبًا

و منها أيضًا حينما يكون الإنسان متعبًا.

لكنني اعتقد أن هذا الكلام لاأصل له ، فنحن مأمورون بأن نكظم غيظنا في مثل هذه الحالات،  لانها منشأ الغضب.  فلو فرضنا أن هناك إنسانًا شبعانًا  و آخر مرتاحًا و ثالث شبعان نوم أو شبعان أكل، فكل هَٰولاء ليست لديهم  مشكلة و الجو كذلك لطيف، فإن غضب أحدهم، في مثل هذه الحالة، فهو ليس شخصًا سويًا. هذا وضع من أمره فرطًا، فالإنسان السوي لا يغضب في مثل هذه الحالة. لذا نحن مطالبون بكظم غيظنا حين تكون هناك مسببات و دواعي للغضب . فعلينا أن نبتعد عن الحدة في ردة الفعل و أن نمسك أعصابنا. فالتبريرات التي يقدمها الغاضب من أنه كان تعبانًا و تعبه جعله لا يمسك أعصابه أو أنه صائم في نهار شهر رمضان المبارك و هو جوعان و رأسه تؤلمه أو أن درجة حرارة جسمه مرتفعة (عنده سخونة)، كل هذه التبريرات و غيرها لا تقبل كمسوغ للغضب و عدم التخلي بأخلاق القرءان الكريم و آدابه. فهذه هي الأوقات المطلوب  فيها كظم الغيظ و العمل بهذه التوصيات القرءانية التي لم تأت إلا للإبتعاد عن هذا الغضب المذموم.

ليس صحيحًا أن يفكرَ الإنسان أن هناك مبررات لغضبه،  و هي حر و شمس و جاي متأخر وما نايم البارحة،  و كذا و كذا... هذا كله لا يمكن أن يكون صحيحًا.  ففي مثل هذه الأوقات ، يطالب  الإنسان  بأن يكظم غيظه و أن يعفو عن الناس و يحسن إليهم، فالله يحب المحسنين.  هذه بعض الأسباب، فكيف  نستطيع أن نتجاوز موضوع الغضب و نواجهه؟  من الأمور التي نذكرها، ما أشرنا إليه منذ قليل،  و هي تعظيم ثقافة كظم الغيظ  و تقبيح ثقافة الغضب.  لازم يصير عند الإنسان فكرة : أن السيطرة على الاعصاب و كظم الغيظ  و الاحتفاظ برابطة الجأش و الغفران أمام الغضب هي المنزلة العالية.  و هذا يعني أن الغضب  ليس المنزلة العالية، و انما يعني أن الغضب هو الضعف للإنسان الذي لا يستطيع أن يسيطر على نفسه.   لقد مر النبي صل الله عليه وآله وسلم على جماعة يتعاركون "مصارعة تدريبية"،  من الذي يغلب الثاني و يحطه على الارض.  قالوا  يا رسول الله  أنظر أينا أشد!.  أنا أحط هذا  في الأرض والثاني يحط ذاك في الأرض، فلم يتوقف  النبي صل الله عليه وآله عندهم كثيراً  و قال:  (ليس الشديد بالصرعه و إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ).  ليس الشديد القوي هو الذي عنده عضلات ويقدر يغلب في المصارعه في الملاكمة و إنما الشديد والقوي هو ذلك الذي يملك نفسه عند الغضب و يتصرف تصرفات عاقلة.  اذا عودنا انفسنا و مجتمعنا على هذا المعنى سلكنا الطريق الاول في معالجة قضايا الغضب في انفسنا و في مجتمعنا .

من الامور الاخرى ما تذكره الروايات والأحاديث و هو تغيير الهيئة و المكان و ظروف حالة الغضب.  زوج مع زوجته غاضبته أو غاضبها قال لها كلمة فغضبت منه، أو قالت له كلمة فغضب منها.  هنا الروايات تريد أن تقول الى الإنسان: أن  من العوامل المساعدة على كبح جماح الغضب و السيطرة عليه،  أن تغير  من هيئتك أو من مكانك أو من ظروفك.  في الروايات عندنا إذا كنت قائمًا فاجلس،  و إذا كنت جالسًا فقم.  في هذه الغرفة التحدي أو الكلام كان في المطبخ، اطلع و روح غرفة النوم أو بالعكس، اطلع من البيت الى خارج البيت.  هذه تبدد الشحنة السلبية في البيت وطاقة الغضب المنتشرة.   هذه الحالة تتغير و تتبدد و لا تكون دائمةً.  بعض الروايات تشير الى ما هو أعظم من هذا؛ و هي "أذهب وتوضأ".  يستحب للإنسان إذا أستغضب أو غضب أن يسبغ الوضوء.  و في تعليل ذلك أن نور الوضوء و ماء الوضوء يطفىء نار الغضب.  و النبي يقول: الغضب جمرة من الشيطان,  و الوضوء نور من الله عز و جل.  هذا النور الإلهي يطفى تلك الجمرة المتقدة الشيطانية.  غَيرْ هذه الامور فسوف ترى أثر ذلك .

أخيراً، على الإنسان  أن يتذكر غضب الله سبحانه و تعالى. أنت تغضب على من هم تحت يدك؛ تغضب على إبنك فتصفعه،  تغضب على زوجتك فتشتمها،  تغضب على سائقك أو عاملك أو من تحت يدك فتؤذيه.  تذكر أن هناك من هو أقوى منك و إذا غضب عليك حطمك،  و -العياذ بالله- في نار جهنم محقك مع من يمحق ثم  لايبالي بك.  إذا تذكر الإنسان إنه إن أجرى غضبه و أعمله الى آخره في حق الضعيف و الصغير، فهو ايضاً معرض الى هذا من قبل الله تعالى،  و كما تدين تدان.

يوم القيامة ماذا تريد أنت؟!  الآن تقدر تعمل، لكنك يوم القيامة تريد عفوًا ومغفرةً و تجاوزًا  و سماحًا. في هذه الدنيا تريد أن تعلن غضبك وشدة نفسك و كلامك الشديد و ضربك العنيف، إن كنت تريد تعمل هذه الاشياء فتوقع في ذلك المكان نفس الشيء،  الشاعر يقول:

فلا تجزعن من سنة أنت سرتها .... فأول راض سنة من يسيرها.

أنت سويت هذا فأنت في ذلك اليوم ليس لديك حق بأن تقترح على ربك يا رب ارحمني، و يا رب أعفّ عني.  لأنك أنت في دار الدنيا اشتغلت بالطريقة التي هناك  أنت تريدها لك .

هذا ما يقوله الحديث،  ففي الكافي ينقل شيخنا  الكليني  "يقول سمعت أباعبدالله يقول إن في التوراة مكتوب ياأبن أدم  ( هل يحتاج الإمام الصادق أن يستدل بالتوراة؟  لا،  إذاً ليش  يستدل  بالتوراة ،  و ليش يقول بالتوراة مكتوب.  حتى يقول أن هذه العناصر مشتركة بين الأديان السماوية كلها و هذا يزيدها قوة، أصل مشترك بين الأديان وصية مشتركة بين جمبع الأديان)  إن في التوراة مكتوب يا ابن آدم اذكرني حين تغضب،  اذكرك عند غضبي، فلا أمحقك في من أمحق".  إذا تذكرت ربك حين الغضب و تراجعت ذاك الوقت أنت في ملجأ، أما اذا أمضيت غضبك فتوقع أن تمحق ايضاً.  و اذا ظلمت بمظلمة فأرض بإنتصاري لك،  فإن انتصاري لك خيرٌ من انتصارك لنفسك .

و في الحديث الآخر في قضية تغير الهيئة و ما شابه "قال ذكر الغضب عند ابي جعفر الباقر عليه السلام فقال: إن الرجل ليغضب فلا يرضى ابداً حتى يدخل النار". كيف يدخل النار!!!! لأن شفاء غضب بعض الناس لا ينتهي الا بجريمة،  مثل ما تحدثنا فعشان لعبة بلاستيشن طعن صاحبه،  و بالتالي قتله قتلاً متعمداً.  و هذا إذا لم يغفر الله له فإنه في نار جهنم.  قال:  فأي رجلٍ غضب على قوم و هو قائم فليجس من فوره  فإنه سوف يذهب عنه رجس الشيطان،  ووإذا غضب على ذي رحم فليدنُّ منه فليمسه فإن الرحم اذا مست سكنت"  إذا بينك و بين رحم مسألة مغاضبة خلي ايدك على إيده سوف ترى قدر الإمكان أن نفسك قد نزلت.  و هذا صنعه  الامام الصادق صلوات الله و سلامه عليه مع المنصور الدوانيقي الذي استجلبه لكي يقتله جاء الإمام الصادق و جلس الى جانب المنصور و وضع يده على يده،  فهدأ المنصور و تراجع.  و قد كان قبل مجىء الإمام يحلف بالله ليقتلن جعفر بن محمد حتى من راح إليه تعجب!! أين ذاك التحسب!! و أين ذاك القسم في قتل الإمام!!! أم ذاك العفو!!.  ثم سأل  الإمام الصادق و هو خارج أن شفت  هكذا يقول الآن شفت عمله هكذا فاشار إليه أن الرحم إذا مست الرحم استقرت وهدأت يعني احد الاسباب في التهدأ هو هذا الجانب  .

نسأل الله سبحانه و تعالى أن يقينا الغضب و آثاره وأن يوفقنا الى أن نكون من الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و أن يحبنا  ويجعلنا من المحسنين أنه على كل شيء قدير ..

مرات العرض: 3415
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2566) حجم الملف: 58459.77 KB
تشغيل:

هيهات منا الذلة .. ماذا تعني ؟
أضرار وحكم الاستمناء والعادة السرية