7الأخوة في أبعادها النسَبية والايمانية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/1/1438 هـ
تعريف:

الأخوة في أبعادها النسبية والروحية

كتابة الفاضلة ليلى أم أحمد  ياسر

جاء في زيارة الناحية السلام على أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين الفادي بنفسه الآخذ لغده من أمسه، الواقيي المحامي ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتله

يتناول الحديث موضوع الأخوة في أبعادها النسبية والإيمانية تعني مفردة أخ وأخت وأخوة في اللغة العربية المماثل والمشارك في شيئ فنقول أن هذا أخو فلان أي مشابه له ومشارك وملازم له بحيث أنه أذا ذكر هذا فأنه يذكر بالآخر.

ولهذا يصح أن يطلق ( أخ ) على الأخوة في الدين، والأخوة في النسب ، والأخوة في الصنعة. الأخوة في النسب كأن تقول يا أخ العرب بمعنى أن تشارك العرب في الإنتماء إلى هذه القومية ، أو أن تقول يا أخ الأزد ويا أخ تميم فتخاطبه بأنك تشترك معه في النسب . وأحياناً تكون الأخوة بمعنى المشاركة في العقيدة ، سواءً كانت هذه العقيدة صحيحة أم باطلة كقولك يا أخ الإسلام أو يا أخ اليهود أو يا أخ المجوس فيعني ذلك أنك تشاركهم في عقائدهم .

وقد استعمل القرآن الكريم هذه المفردة في أكثر من معنى تنتهي إلى مثل ما ذكرنا يقول تعالى ( وقال الذين كفرو لأخوانهم ) ولا يقصد بذلك الأخوة النسبية ، وإنما يعني بذلك المشاركين لهم في عقائدهم . وقال تعالى ( كلما جاءت أمة لعنت إختها ) والأخوة هنا تعني المشاركة لها في الإنحراف ، والبعد عن طريق الله . هذا في الجوانب السلبية .

وأما في الجوانب الإيجابية يقول تعالى ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء ) ومريم عليها السلام لم تكن أخت هارون نسباً ، وإنما ذكروا (كما هو الراجح عند المفسرين )أن رجلاً من بني إسرائيل كان قد بلغ الغاية في العبادة والعفة والتورع  إسمه هارون فتخاطب الآية مريم فتقول لها أنك أنت مشاركة له وشبيهة له في العبادة والعفة فهو عفيف وأنت عفيفة فكيف تأتين بولد وأنت مشابهة لهارون في العفة. مستنكرين عليها ذلك . فإذن هذا المعنى في اللغة العربية كما قالو أصلٌ يدل على المشابهة والمشاكلة والمشاركة. عندما جاء الإسلام أعطى لمعنى الأخوة مضموناً أكبر وأعطاه مضموناً أخلاقياً أعمق، ورتب عليه أحكاماً أكثر مما كان موجوداً في الأمم السابقة ومما هو في المعنى اللغوي.

فهنا ثلاثة عناوين للأخوة بعد عنوان الإسلام يمكن أن تستل من الروايات العنوان الأول الأخوة النسبية والعنوان الثاني الأخوة الرضاعية والعنوان الثالث الأخوة الدينية

وباعتبار أن ليلة السابع من المحرم هي ليلة مخصصة ( في ذهنية شيعة أهل البيت) لأبي الفضل العباس عليه السلام ولو بمقدار ذكر الرثاء ، لهذا لرجل الذي كان مدرسةً رحيبة من المعاني الأخلاقية، ونحن نستل منها أبرز هذه الدروس، وهو درس الأخوة. وسنتحدث في ضمن هذه المحاور. فبالنسبة للأخوة النسبية تعني اشتراك شخصين أو أكثر في أبٍ وأمٍ ، أو في أب،  أو في أم ،فقد يكون أخ من الأم فيقال هذا أخو فلان من أمه ، وقد يكون هذا أخو فلان من أبيه،وقد يكون هذا أخو فلان من الأبوين .

وقد كان العرب وعامة الأمم يقيمون لهذا المعنى من الأخوة إهتماماً كبيراًولما جاء الإسلام أضاف له مضامين فأضاف له موضوع التوارث فيما بين الأخوين ولم يكن هذا التوارث موجوداً في كل الأمم وفي كل الأزمنة ولكنه كان  في بعضها ، ولما جاء الإسلام قال إن الأخ يرث الأخ في المرتبة الثانية من مراتب الأرث إذا لم يكن هناك أحد من المرتبة الأولى التي تشمل الأبناء والأب والأم ، والمرتبة الثانية تشمل الأخوان والأخوات واذا لم يوجد احد من المرتبة الأولى فإن الميراث يكون للمرتبة الثانية وهم الأخوة ، بالإضافة إلى الأجداد . فهذا إذاً حكم من الأحكام الشرعية يترتب على الأخوة، فالأخ يرث من أخيه ويرث من أخته والجميع يرثون من أبيهم ومن أمهم .

ومن الأحكام التي رتبها الإسلام أيضاً حكم المحرمية الذي يحوي عدة قضايا ومنها حرمة النكاح فكل محرم نسبي لا يمكن للإنسان أن يعقد عليه عقد النكاح ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم )فهؤلاء كلهن محرمات وأثبت الشرع لهن محرمية ، وحرم النكاح معهن ، وبنفس المقدار أيضاً أباح قضايا النظر التي لا تباح بين غير المحارم ، فيمكن للمحرم أن يرى عمته وخالته وجدته وهي مكشوفة الرأس أو شيئ من رجليها ، وقد ظهر أنه لا محذور في ذلك من الناحية الشرعية بينما لو كان المرء غير محرم فلا يجوز له ذلك .

وكذلك رتب الإسلام الحقوق العامة للأخوة التي تحدث عنها سيدنا زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق التي تحوي واحد وخمسين حقاً من الحقوق اللازمة على الإنسان ، ومنها ما هو لازمٌ عليه من حق تجاه الله ، وتجاه النبي وتجاه الإمام ،وتجاه الجماعة وتجاه أقاربه كأخوته وأخواته وأبيه وأمه وزوجته ،وسائر الفئات الإجتماعية وذكر الإمام زين العابدين عليه السلام في هذه الرسالة المباركة حقوق تلزم الإنسان المؤمن تجاه أخيه المؤمن، وأيضاً تلزم بدرجة أكبر وآكد الإنسان المؤمن مع أخيه النسبي ونذكر بعض الكلمات من هذه الرسالة للإمام عليه السلام ( وأما حق أخيك أن تعلم انه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجئ إليه وعزك الذي تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها ، فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ، ولا عدة للظلم بحق الله ، ولا تدع نصرته على نفسه ومؤونته على عدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والإقبال عليه في الله فإن انقاد لربه وقبل عرض النصرة وأحسن الإجابة فهو المراد ، وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه  وأولى بالإجابة)

فهذا هو القسم الأول وهو الأخوة النسبية والذي كان له اهتمام في الجاهلية

ويضرب فيه المثل بما كان بين الخنساء السلمية وبين أخيها صخر . الخنساء هي إمرأة أدركت الإسلام وتوفيت سنة أربعة وعشرون للهجرة وقد ضرب بها المثل في قوة شعرها في رثاء أخيها ، حيث كادت أن تتقطع نفسها حزناً عليه .

كان للخنساء أخوين أحدهما يدعى معاوية ولم يؤثر عنها أنها رثته بشيئ، ولكنها رثت صخراً

وإن صخراً لتأتم الهداة به                  كأنه علمٌ في رأسه نار

وإن صخراً لوالينا وسيدنا                وإن صخراً إذا نشتو لنحَّار

وقد رثته دون أخيه معاوية لأن معاوية كان مستبداً وكان يحاول أن يزوجها بالرغم منها ممن لا ترضاه فوقف في وجهه أخوها صخر ، فلا ينبغي أن تقسر الحرة على من لا تريد فلم تتزوج الا من أرادت .

وكان أخوها صخراً يعينها في المال. ولما مات رثته بأروع أنواع الرثاء . ينقل الشاعر ابن العرندس وهو من فحول شعراء أهل البيت عليهم السلام في الرثاء وإذا أراد أن يرثي فإنه يستشهد بالخنساء

فعيناي كالخنساء تجري دموعها              وقلبي شديدٌ في محبتكم صخر

فيا ساكني أرض الطفوف عليكم             سلام محبٍ ما له عنكم صبر

فكانت الخنساء مضرب المثل في الحزن والرثاء لأخيها .

نحن في ذاكرتنا الدينية أيضاً نحتفظ بصورةٍ أروع وأفضل وهو ما كان من العلاقة بين الإمام الحسين عليه السلام وبين العقيلة زينب سلام الله عليها ، وكذلك بين زينب وبين أبي الفضل العباس ، وأيضاً بين الحسين وأبي الفضل العباس عليهم السلام ، وهذه العلاقة يتجاوز مضمونها بما لايقاس من العلاقة التي ذكرناها بين الخنساء وصخر .

يقول الشاعر في زينب عليها السلام : وتشاطرت هي والحسين بنهضة          حتم القضاء عليهما أن يندبا

هذا بمعترك السهام وهذه في حيث مشتبك المكاره في  السبا

وأما العلاقة القلبية بينهما فحدث ولا حرج ولن تبلغ .  تحدث القرآن كذلك عن العلاقات السيئة بين الأخوة فيبين أن مجرد النسب لايكفي ولابد للإنسان أن يرعى هذه العلاقة بين أخوته يقول تعالى ( فطوَّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) وذلك ما كان بين قابيل وهابيل أبناء آدم وفيما بعد ما كان بين الأمين والمأمون في التاريخ العباسي وهما أخوان حيث قتل المؤمونُ أخيه الأمينَ في معارك .

وفي الطرف الآخر يقدم القرآن نماذج بديعة ورائعة ( هارون أخي اشدد به أزري وأشرك به أمري كي نسبحك كثيرا ونشكرك كثيرا) فهذه أخوة نسبية . اما القسم الثاني فهو الأخوة الرضاعية . إذا تحققت الرضاعة بشروطها ، تحققت أخوة رضاعية وآن إذٍ يترتب على هذه الأخوة حكم المحرمية فقط بمعنى جواز النظر وحرمة النكاح ،ولا يترتب عليها الميراث . لو أن إثنان ارتضعا من ثدي امرأةٍ في مدة الحولين ( السنتين) وكان بالإمتصاص من الثدي لا بشرب الحليب فقط . وقد خالف فقهاؤنا في هذا فقهاء مدرسة الخلفاء حيث أصدر بعض خلفاءهم فتوى فيما يخص بنوك الحليب في أوروبا حيث تتبرع بعض النساء بالحليب ويحفظ بشكل معين ، ليتمكن من يحتاج لهذا الحليب من الأطفال ممن لا تجد أمه رضاعة طبيعية الحصول عليه فيستفيدو من تلك الطريقة . بعض هؤلاء الفقهاء من مدرسة الخلفاء قالو انه لا ينبغي أن تكون مثل هذه البنوك في بلاد المسلمين وسببهم في ذلك أنه ينتهي لتحقيق الرضاع المحرِم حيث تختلط الأنساب وقد يشرب الطفل من حليب تبرعت به أم من سيتزوجها مستقبلا.

هذا الكلام لايثبت في فقه أهل البيت ، نظراً لأن الشرط هو الإمتصاص المباشر من ثدي المرأة ، وأن يكون بمقدار معين وهو أن يشتد لحم المرتضع وعظمه من هذا الرضاع فترةً طويلة وبمقدارٍ كثير ، أو أن يكون على الأقل خمسة عشرة رضعةً متتالية بغير فاصلً بينها برضاعة من مكان أو تغذية من مكان آخر ، فمتى ما تحققت هذه الشروط تحققت الأخوة الرضاعية بين طرفين فيحرم على الرجل  النكاح من أخته بالرضاعة ويجوز له النظر إليها ويحرم عليه من الرضاع ما يحرم عليه من النسب ولا يترتب عليه التوارث ، ويترتب عليه الحقوق العامة للأخوة التي ذكرناها في كلام الإمام زين العابدين عليه السلام

القسم الثالث الأخوة الإيمانية والدينية عندما جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يبني أمة متواصلة وقوية ومتعاضدة ، وكان من جملة الأمور التي أرساها أنه اعتبر أن العلاقة بالإسلام تحقق معنى الأخوة الدينية، وأن الإشتراك في دين الإسلام يحقق معنى الأخوة كما في القرآن الكريم ( إنما المؤمنون إخوة) فأثبت لهم صلى الله عليه وآله الأخوة باعتبار الإشتراك في الدين وفي الإيمان ، وفوق هذا قام صلى الله عليه وآله بخطوة عملية ، فبعد أن ذهب إلى المدينة صنع نظام المؤاخاء ، وعقد عقد الأخوة في المدينة لمن كان حاضراً هناك ، وانتخب لكل شخصٍ من يشاكله ، فلو تتبعت أثنين منهم تجدهما في نفس الإتجاه ونفس الشخصية تقريباً، ونفس الصفات ، متقاربون فيها .

واختص علياً صلوات الله عليه لنفسه أخاً فقال أنت أخي ( في هذا المكان وفي غيره من الأماكن ) وإن كان معنى أخي بحسب علم الكلام والعقائد معنىً أكبر من الأخوة الظاهرية والجعلية والإعتبارية. ولكن فيما يرتبط بأخوة النبي مع عليٍ فهو شيئ أعظم وأكبر من ذلك. يقول العلماء أن كلمة ( أخي ) من رسول الله قطعاً لايقصد بها المعنى الظاهري. وهذه بركة أم أيمن وهي حاضنة النبي وقد دعا لها النبي بالجنة وعندما سمعت قول النبي ( أنت أخي) قالت كيف يكون أخوك وقد زوجته ابنتك ؟ ليس المقصود من كلام النبي انت أخي بالأخوة النسبية ولا بالأخوة الجعلية بين فلان وفلان ، وإنما هو شيئ أكبر كما يقولون وهو المشابهة والمشاكلة

وعلى سبيل المثال حين تقول  أن هذا الثوب أخ هذا الثوب فيعني تماماً أنه مثله أو أن تقول أن هذا البيت أخ هذا البيت فيعني أنه يشبهه تماماً وهذا شيئ صحيح في اللغة العربية . النبي المصطفى صلى الله عليه وآله شابهه وشاكله أمير المؤمنين عليه السلام في صفاته وأموره ما خلا النبوة والوحي وما يرتبط بهما .  وكان أشد الناس شبهاً ومشاكلةً له ومشاركةً إياه كان أمير المؤمنين عليه السلام.هذه الأخوة الإيمانية التي فرضت يترتب عليها أمور

( إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) وبما أن المؤمنون إخوة (فلا يغتب بعضكم بعضا ، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه )فيترتب على هذه الأخوة في الإيمان والدين أن لا تغتابه خلفه، وأن لا تتتبع عثراته. نلاحظ ما نقرأه في يوم الغدير والذي لايزال مستمراً إلى يومنا هذا وأكثر المؤمنين يقومون به في كل عام وهو من المستحبات

وهوأن يأتي الإنسان إلى أخيه المؤمن ويصافحه ويقول آخيتك أو واخيتك في الله وصافيتك في الله وعاهدتك في الله ووافقتك في الله وعاهدت الله عز وجل وملا ئكته وأنبيائه ورسله أني إن كنت من أهل الجنة أن لا أدخلها إلا وأنت معي فيقول الطرف الآخر قبلت ذلك وأسقطت عنك كل الحقوق ما عدا الشفاعة والزيارة .

وهذا منهج دائم وليس فقط عمل مستحب وخط أستراتيجي . فيا أيها المؤمن والذي يفترض بك أن تكون شفيع لأخيك في الجنة هل يجوز لك التعارك مع أخيك من أجل كلمة ، وإذا كنت حاضراً أن تعطيه جنة الأبد والخلد فهل يجوز أن تسوء العلاقة بينك وبينه لمجرد تركه السلام عليك في وقت من الاوقات ، أو أنه لم يعزيك  ولم يهنيك .

 فهذا مستوىً لا يليق بالمؤمن والدين يقول أنك أيها المؤمن في مكان أسمى وأرفع وهوأن تكون شفيعاً في الجنة، فهل هناك علاقة أكبر من هذه العلاقة؟!فالدين يريد أن يرفعنا إلى هذا المستوى .ولا ينبغي أن تكون هناك فتنة بين الاخوة على أبسط المسائل وأبسط القضايا ، أو خصومة بين إخوة من أبٍ وأم تمتد إلى عشرين سنة أو إلى ثلاثين سنة فلايتزاورن حتى ينتقل ذلك إلى الأبناء ، فهذا مستوىً داني ولا يليق بالمؤمن الذي يطمح أن يُدخل الناس الجنة ولا يدخلها إلا معهم .

نذكر هنا بعض الصور السلبية التي تكون في المجتمع في قضايا الأخوة والأخوات:

١ - تحكم بعض الأخوة في سائر الأخوة والأخوات

لسبب من الأسباب ، إما لأنه أكبر من الباقين ، أو لأنه أكثر مالاً ، أو أنه ممن له وجاهةً وشخصية قوية ، فيفرض هيمنته على البيت ، فيلغي حتى وجود أبيه وحجته في ذلك أن الأب لا يحل ولا يربط ، إما لأنه كبير السن أو غير ذلك، فيتحكم هذا الأخ في أخيه وفي دراسته فيجبره على دراسة أحد المجالات التي لا يريدها بهدف نيل الشرف بين الناس .

 فلا يحق للأخ أن يقرر لأخيه ما يختاره في حياته العلمية والعملية، وأقصى ما يستطيع أن ينصحه. وبعض الإخوة يتحكم في زواج أخيه ، فيأمره ان يتزوج من ذلك البيت دون ذلك البيت أو  أن يتزوج من فلانة دون أخرى ، فهذا غير جائز ، ولا ولاية لأخ كبير على أخ صغير ولا أخت لا في مال ولا في نكاح ولا غير ذلك . نعم لو كان قاصراً وكان وصي أبيه فيمكن أن يكون ذلك حتى أن يبلغ راشداً. وأسوأ من هذا ما يكون في حال النساء (تزوجي من هذا ولا تتزوجي من ذاك )

وذكرنا في ما مضى من الحديث ما جرى مع الخنساء حيث رثت أخيها الأصغر ولم ترثي الأخ الأكبر لأنه كان يمارس الإستبداد ويريد أن يجبرها على الزواج في حين أن الأصغر قال أنها حرة في ذلك ،فهذا شأنها وهي من ستعيش مع زوجها.

علينا نحن فقط أن نقدم النصيحة وعليها هي كذلك ان تنظر فيها فلا تختار من لا يستحق ،ومن هو بعيد عن الدين إما أذا كان اختيارها اختياراً موافقاً للموازين ، فليس عليها أن تعتني بإجبار أخوتها . وفي هذه اللية ليلة الأخوة الصادقة بين أبي الفضل العباس وبين زينب عليهما السلام ، وبين أبي الفضل العباس وبين الإمام الحسين عليه السلام يجب أن نتعلم هذا المستوى من الاخوة.

 وكذلك يجب علينا أن نخرج من حالة الشعار، على سبيل المثال من تريد أن تقوم بعمل نذرٍ لأم البنين أو أن تصنع مجلس لأم البنين ، فنعم ما تصنع ، ولكنها وفي الوقت نفسه تفضل أولادها عن إخوتهم غير الأشقاء.وللأسف أنه في بعض البيوت يكون أخ غير شقيق لأخيه ولكن الأم  لا تسمح أن يختلطا ولا تقبل أن يتزاورا فلا تدع هذا يذهب لزيارة أخيه ولا تدع الآخر يحضر لزيارة أخيه ، فأين هذه من أم البنين ، هل تأثرت بحرف واحد من أسطر حياة هذه السيدة الجليلة ، وهل يجوز أن نقوم بأعمال مستحبة ونترك ما هو الأولى؟! إنما يجب أن تعلم منها ونعتبر من حياتها . كيف ربت أبناءها على محبة إخوانهم وطاعة الإمامين الحسنين عليهما السلام فحفظت هذا البيت أفضل حفظٍ . إن شدة العلاقة لأبي الفضل العباس عليه السلام وبحسب تعبيراتنا المعاصرة هو أخ غير شقيق للحسين ولزينب عليهم السلام ولكننا نرى المضمون العجيب لعلاقة الأخوة بينهما.

فهل فعل الحسين وهل فعلت زينب أوفعل أبو الفضل العباس أو فعلت أم البنين ما نلاحظه اليوم . حيث ترى أن كل بيت فيه زوجتان فلا بد أن تكون هناك أحقاد !؟ ينبغي أن تنظر النساء إلى سيرة أم البنين عليها السلام وتتعلم منها فلا يمكن أن تكون إمرأة صادقة في محبة أم البنين وهي تخالف سيرة أم البنين التي تأدب أبناءها على محبة إخوتهم ، في حين أن من تدعي حب أم البنين تربي أولادها على كراهية إخوتهم. أم البنين ترعى ذكر فاطمة الزهراء عليها السلام إحتراماو وإعزازاً ، وهذه المرأة الفلانية لا تذكر الزوجة الأخرى إلا بأسوأ الذكر . فأي أم البنين التي تعرفها تلك المرأة التي تقوم بالمستحبات لأجل أم البنين وهي تخالف أم البنين.

إن أفضل هدية نقدمها لأبي الفضل العباس أن نجسد هذه القيم الراقية التي جسدها وطبقها وتعلمناها نظرياً من أمه الفاضلة الجليلة عليها السلام. إنه لمن المعيب أن يحضر الرجل مجلساً  يبكي فيه على أبي الفضل العباس ثم يعود ليضرب أخته ، لا يمكن لهذا الإنسان أن يكون صادقاً في ذلك .

العباس سلام الله عليه فدى نفسه من أجل  أخيه ، وبذل جهده من إجل إسعاد أخته زينب عليها السلام ، وبالغ في العناية بها . وبذلك فإن من يحضر لمجلس أبي الفضل ثم يخرج ليعكس ما يسمعه فإنه يخالف الموازين.إننا نؤكد على ترك هذه المضاهر ونحذر منها ، فالظلم ظلمات يوم القيامة فما المعنى أن يأتي الأخ ولأنه هو الأكبر  وهو الأقوى ولديه سطوة فيحكم الموجودين ، ويتحكم في كل الأمور  وحتى في الميراث فيرى أنه لا يجب أن يقسم الميراث الآن ولا مانع لترك هذه البناية على سبيل المثال حتى يرتفع سعرها ، أو تترك كإستثمار طويل المدى والواقع أن ذلك لا يحق له ، وكل يوم يؤخر فيه ميراث أخٍ  أو أخت فهو مأثوم لأنه يحول بين الإنسان وبين حقه، كما يفعل الظلمة ، وكما فعل بني أمية حين حالو بين الناس وبين حقوقهم ، وفي هذه الحال فإن من يحول بين الناس وحقوقهم يكون قدوته يزيد ابن معارية وليس العباس ، ومن يمنع إخوته حقوقهم يكون أشد وأنكى وأسوأ من يزيد و عبيد الله ابن زياد الذين منعوا   الناس حقوقهم فيكونون في ذلك قدوته

وكذلك إن من يعتدي على حق أخته فيضربها فإنه بذلك يقتدي بحرملة ويقتدي بزجر ابن قيس. ينبغي أن نلتقت إلى ما نقدمه لسادتنا سلام الله عليهم فمن كان بينه وبين أخيه إحنةٌ أو شحنةٌ من بغضاء أو قطيعةٍ من زمن لأي سبب من الأسباب ، أن يخرج ذلك من قلبه ،فالمؤمن معد لأن يُدخل الجنة معه أخيه الإيماني وليس فقط الأخ النسبي ، وينبغي أن يخرج كل مؤمن ومؤمنة من صدره أي بغضاء على أخيه ويحسب ذلك في رصيد أبي الفضل عليه السلام فيقتدي به في أخوته .

لقد كان قمر العشيرة أبي الفضل العباس سلام الله عليه وقمر بني هاشم في غاية الجمال شكلاً من الناحية البدنية والجسمية وفي غاية القوة هيكلاً ، واجتمع فيه هذين الأمرين شجاعة أبيه المرتضى وشجاعة أخواله وأجداده من طرف أمه .

ولد عليه السلام في سنة ستة وعشرين على المشهور أو ثمانية وعشرون على الرأي الآخر ، فيكون عمره الشريف عندما كان في كربلاء قرابة الثلاثة والثلاثين إلى خمسة وثلاثين سنة ، قضاها مع أخيه الحسن والحسين وفي ضل تربيتهم ، حتى إذا صار في كربلاء أبدى هذا المعنى النبيل من الشهامة ، وقد ادخره أبوه أمير المؤمنين عليه السلام لمثل ذلك اليوم ، وله مواقف كثيرة ومن آخر تلك المواقف ما كان في يوم التاسع حينما جاء خطاب من ابن زياد لشمر ابن ذي الجوشن الذي كان طامعاً قي قيادة الجيش وقد سمع أن عمر ابن سعد يفاوض الحسين عليه السلام فاغتنم الفرصة وذهب لإخبار عبيد الله ابن زياد بذلك وقاله له إن كانت لديك النية فعليك أن تحسم الأمر، قال فماذا تشير ؟ قال اكتب لعمر ابن سعد كتاب أن يعاجلهم بالمناجزة فإن قبل فهو كذلك وإن لم يقبل أخذت مكانه . فكتب ابن زياد رسالة إلى عمر ابن سعد( أما بعد فإني لم أرسلك إلى الحسين ابن علي لكي تمنيه السلامة ، وإنما بعثتك إليه لتأخذ منه البيعة ، فإن بايع فذاك ، وإلا فاحمل عليه واقتله واقطع رأسه ثم أوطئ الخيل صدره وظهره، فإن فعلت ذاك جزيناك جزاء السامع المطيع وإن أبيت فخلي بين الجيش وبين شمر ابن ذي الجوشن.) 

حمل شمراً الرسالة وذهب بها إلى كربلاء في ذلك اليوم وهو التاسع واعطى الكتاب للشمر وقال ماذا تقول ؟ قال لاأجيبك على ذلك ولكن كن على فريق من الجيش ، وأما القيادة العامة فلي .

وأمر بتحريك الجيش ودقت الطبول وتحركت الرايات وكان الحسين عليه السلام يستريح في خيمته، وقد كانت زينب عليها السلام بمثابة المدير وعينها مفتوحة على كل شيئ ولما سمعت الطبول وأن الجيش بدأ يتحرك في مقدمته  ، هرعت إلى الحسين عليه السلام فربتت عليه وقالت أخي أبا عبد الله أنائمٌ وانت وقد دنا منا العدو ،

نظر الحسين عليه السلام وإذا بالجيش يتحرك فالتفت إلى أبي الفضل العباس وقال له إذهب إليهم وانظر ماذا يريدون وسلهم أن يمهلونا سواد هذه الليلة لعلنا نصلي لربنا ونقرأ القرآن ، فجاءهم العباس وسألهم ماذا تريدون ؟ قالو جاءنا أمر من الأمير أن تبايعوا أو ننازلكم القتال ، فاستمهلهم العباس سواد الليلة واختلفو في ذلك حتى قال بعضهم ويحكم لو كانو من الترك أو الديلم وسألوكم سواد هذه الليلة لأجبتموهم ، كيف وهم آل بيت رسول الله ، فخجل عمر وقال بأن المناجزة تكون غداً صباحاً فرجع العباس، وبعد أن انتصف الليل جاء اللعين شمر ابن ذي الجوشن إلى قرب خيام الحسين ونادى بأعلى صوته أين بنو أختنا؟ أين العباس وأخوته

ذلك أن شمراً ضبابي كلابي وفاطمة ام البنين سلام الله عليه بنت حزام أيضاً كلابية كذلك ، فيلتقون في القبيلة العليا ، ولذلك قال أين بنو أختنا، أي أننا أقارب ، كأنما يريد أن يستميل بذلك أبي الفضل وأخوته، ولكن العباس سكت فأعاد شمراً النداء وكذلك سكت العباس ، فقال له الحسين عليه السلام أجبه وإن كان فاسقاً. ذهب العباس وأخوته وقال ما تريد يا شمر ؟ فقال جئتكم بكتاب أمان من الأمير ابن زياد إن تركتم الحسين وصرتم في صفنا وكذلك نجعلك قائد على الجيش فغضب أبو الفضل العباس وقال ويحك ، أتأمننا وابن رسول الله لا أمان له ، إذهب لعنك الله ولعن أمانك.

مرات العرض: 3484
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2563) حجم الملف: 62773.06 KB
تشغيل:

12 المراهقة المرحلة الحرجة
13 النفس الراضية المرضية