9حالات النشوز والشقاق
التاريخ: 1/1/1437 هـ
تعريف: سلسلة العلاقات الزوجية والاجتماعية حالات النشوز والشقاق كتابة الأخت الفاضلة أمجاد حسن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). آمنا بالله. صدق الله العلي العظيم. حديثنا هذا اليوم يتناول بعض حالات النشوز والشقاق والاختلاف بين الزوجين، ضمن نطاق الحديث عن العلاقات الزوجية. هذه الآية المباركة تتحدث عن ثلاث حالات: الحالة النموذجية، وحالة نشوز أحد الزوجين، وهو هنا المرأة، وحالة شقاق الزوجين معا. وسيتحدث القرآن الكريم، في نفس هذه السورة، بعد قرابة مئة آية، عن نشوز الزوج. ونشير إلى ما ورد في هذه الآية المباركة. الحالة المثالية والنموذجية الطبيعية، هي مطلع الآية المباركة، (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ). الحالة الطبيعية ضمن الأسرة المسلمة هي: أن يكون هناك طرف يتسلم قيادة هذه الأسرة، يمارس القوامية بما هي مسؤولية، وباعتبار بعض الميزات التي تجعله أجدر بالقوامة. بعض المفسرين يقول: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) يعني أن الرجل – ولعل هذا كثير من الرجال يتصورونه – أن الرجل هو أفضل من المرأة، والدليل على ذلك الآية (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ). إلا أن هذا الفهم قد لا يكون فهما دقيقا. كأن الآية تثبت تفضيل في جهة. على سبيل المثال، أنت تقول: الطبيب الفلاني أفضل من الطبيب الفلتاني، لا تقصد أنه أفضل في شيء من كل الجهات، وإنما من جهة طبابته؛ بمقتضى أن الحديث عن موضوع الطب. لكن قد يكون الطبيب الآخر في مستوى الإيمان أفضل، أو في مستوى الإنفاق المالي أفضل. وإن كان هذا الأول - في موضوع الطب - أفضل. فأنت عندما تقول: إن الطبيب الفلاني أفضل من الطبيب الفلتاني، فلست ناظرا إلى التفضيل في كل الجهات. تقول: التاجر الفلاني أفضل من التاجر الآخر. لا تقصد في كل شيء، وإنما في – مثلا - جهة الإنفاق في سبيل الله: هذا الأول أكثر عطاء، أو في جهة التجارة أشطر، لا أن كل مجال من مجالاته هو أفضل فيه. لعل ما ذهب إليه بعضهم من الآية المباركة إشارة إلى جهة التفضيل بما يرتبط بالقوامة، قوامية الرجل تستدعي خصالا. هذه الخصال موجودة فيه أكثر من المرأة. إدارة البيت تستدعي مقدمات، هذه المقدمات أفضلية الرجل فيها أكثر من المرأة، قدرة الرجل فيها أكثر من المرأة. فلذلك ذهب بعض الباحثين إلى أن التفضيل هنا ليس تفضيلا عاما ومطلقا، لا لجهة قول الله عز وجل: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)، ليست فقط لهذه الجهة التي فيها جانب تبعيض، وهذا يحتاج إلى بحث، وإنما لأن الحديث هو في جهة القوامية. مثل أن تقول إن الإدارة تحتاج إلى أمور، وفلان لديه فضائل وإمكانات أفضل من فلان الآخر. فأنت هنا تفضله لجهة صفات الإدارة لا لجهة مطلقة. الحالة الطبيعية هي هذه. أن الرجل باعتبار وجود الصفات الأفضل والأنسب لقضية إدارة الأسرة وقيادتها جعلت قوامته وهيمنته وإدارته مقدمة، وجعل هو القوام، القائد، المدير فيها. فهذه، وكأن أيضا فيها إشعار خصوصا في قول الله عز وجل: (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) في هذه الجهة، لعل يقال هذا وهذا، فقط لأجل التوضيح؛ نقول: نلاحظ الآن قسم من الناس ليسوا هم من ينفقون في البيت، وإنما المرأة هي التي تنفق. قد يكون الرجل ينفق نصف أو حتى ربع أحيانا، بينما المرأة هي التي تنفق مناصفة أو بالكامل، لكن هذا أمر ليس غالبيا. ولذلك يقال: أن القوانين توضع على أساس الحالة الغالبية لا على أساس الحالة النادرة. زيد من الناس يقول: - ذاك البعيد - إذا يشرب هو خمر لا يسكر، فأفردوا له حكما خاصا في الخمر، لا تحرموه عليه. كلا. وإنما توضع حرمة الخمر كقانون بناء على أثره الغالبي على الناس وضرره الأكثر على الناس وإن كان في خصوص زيد - مثلا - لا يسكره، فلا يمكن أن نحلل لهذا؛ لأجل أنه لا يسكره هو، لأن القانون طبيعة وضعه على أساس ملاحظة الحالة الغالبية. فلان يقول: أنا أعطيك ضمانا، أنه حتى لو قطعت الإشارة، أكون ملاحظا بشكل دقيق فلا أصطدم بأحد ولا أحد يصطدمني. فأفردوا لي قانونا مخففا في أمر قطع الإشارة، لأني ضامن أن لا أرتطم بأحد ولا أحد يرتطم بي. فيقال له: كلا، لأن وضع القانون المروري تلاحظ فيه الحالة العامة الغالبية في المجتمع ولا تلاحظ فيه الحالة النادرة الفردية. كذلك هنا (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، الحالة العامة الغالبية في المجتمعات هي هكذا. في الطرف الآخر - ضمن الحالة الطبيعية المثالية - أن المرأة في هذه الأسرة تكون قانتة، مطيعة، مستجيبة، باعتبار أن القائد الموجود إذا فرض عدم وجود طاعة له لا معنى لأن يكون قائدا، ولا معنى لأن تدار هذه المؤسسة بواسطته. فهناك قائد قوام وهناك طرف مستجيب مطيع. (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ) أي مطيعات و(حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، أي عند غيبة الزوج تحافظ على هذه الأسرة من الجهة المالية، وتحافظ على حريمها من الجهة الجنسية، وعدم الاعتداء عليها وعدم جعل أحد يدخل في هذا الحريم. هذه الحالة الأولى المثالية التي تتحدث عنها الآية المباركة. الحالة الأخرى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ). هنا يتحدث عن حالة علة، مرض، مشكلة، من قبل الزوجة. (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الكلمة "نشز": أي اختلف وارتفع؛ لذلك يعبر عن المكان المرتفع من الأرض: أنه نشزٌ من الأرض، نشز يعني: ارتفاع. ويقال في الموسيقى: هذي نغمة نِشَاز، يعني: لم تأت على استقامة السلم الموسيقي، وإنما هي مختلفة، مرتفعة، وليست في موضعها الطبيعي. المرأة عندما لا تكون مطيعة، لا تكون مستجيبة، لا تكون قانتة، كما هي الحالة السابقة تكون ناشزة، مرتفعة، متمردة، في غير موضعها الطبيعي من العلاقة، هذه لها حل. (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) إما أن تتركوا الموضوع، وليحدث ما يحدث، أذن من طين وأذن من عجين، وهذا يفاقم الأمر بلا إشكال. أو أدخل آخرين في هذا الموضوع، فيصبح البيت حسب التعبير: سوق، كل يوم فيه جماعة لحل المشاكل البسيطة العادية. لا هذا ولا ذاك، وإنما الطريق المتدرج الذي يضعه الدين هو التالي: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) هذه ثلاث مراحل. المرحلة الأولى: قضية الموعظة، قسم من الناس يقول ماذا هذا؟ الموعظة ماذا تفيد؟ لا الموعظة أكثر شيء فائدة. الموعظة هي رسالة الأنبياء، طريقة الأنبياء. هؤلاء البشر الذين آمنوا بالله ورسوله واستجابوا لنداء النبي محمد (ص)، بماذا استجابوا؟ هل استجابوا لأن أحدهم أتى ووقف على رؤوسهم وظل يجلدهم حتى استجابوا إليه؟ كلا، بالقهر والغصب؟ كلا، بالأموال أعطاهم إياها؟ كلا. وإنما (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ). البشر تغيره الكامل إنما كان على أساس الموعظة، والذي يتأثر بالموعظة يبقى أثرها عليه إلى الأخير. ليس النبي محمد (ص)، بل الله سبحانه وتعالى عمله هو أنه يعظ الله به أوليائه، الله سبحانه وتعالى ماذا يصنع؟ هو لا يأتي للبشر ويجعلهم يؤمنون به بشكل تكويني، وإنما ماذا؟ يعظ، يحذر، وينذر، ويبشر، ويرغب، ويرهب، هذه هي الموعظة. فالدور الأصلي لله سبحانه وتعالى مع البشر فيما يرتبط بالتشريع هو الموعظة، دور الأنبياء هو الموعظة، عمل العلماء في كل التاريخ، تأثيرهم، إرشادهم، إنما كان يتم عن طريق الموعظة. فلا يستهين الإنسان بالموعظة، (فَعِظُوهُنَّ) هذه واحد. والموعظة أيضا ليست الموعظة اللسانية فقط، كثير من الأحيان أن تعظ بفعلك خير لك من أن تعظ بقولك. هذا عدي بن حاتم الطائي، وهو من خلص أصحاب رسول الله ومن أولياء أمير المؤمنين (ع)، الذي جعله يؤمن برسول الله (ص) بالدرجة الأولى هو سلوك النبي (ص). لما رجع، أول ما حدث هجوم على منطقتهم هرب، فراحت إليه أخته، واقترحت عليه، أنه ارجع وناقش محمدا بن عبدالله وانظر ماذا عنده. ألست تقول: إنك ذو دين مسيحي وصاحب علم فتعال تفضل ناقشه. فأتى إلى المدينة المنورة، يقول: فلما رأيت النبي (ص) قد مر في طريق فسلم على امرأة عجوز - امرأة كبيرة - وتبسط معها في الحديقة، فقلت في نفسي: هذا ليس بملك. يعني ليس رجلا صاحب سلطة وأموال ودنيا، الذي يريد السلطة لا يمارس هذا السلوك. حتى إذا مشينا، وصلنا إلى منزله، ودخلنا إلى ذاك المنزل، فجلس على الحصير وأعطاني وسادة، أي جعلني أجلس على الوسادة وهو جلس على الحصير. فقلت في نفسي: هكذا كان يصنع الأنبياء. لا سيما هو مؤمن بعيسى بن مريم، وعيسى بن مريم واضح عليه طابع الزهد. فقال: هكذا يصنع الأنبياء. شيئا فشيئا، هذه الملاحظات السلوكية هي التي فتحت باب عقله وقلبه للدخول في الإيمان. هذه موعظة لكن بماذا؟ بالسلوك. أنا لما آتي وأقول لزوجتي على سبيل المثال: تعالي ... أريد وعظك وإفهامك ما هو الكلام الحسن من غير الحسن، هذا لا يؤثر بالضرورة، بالعكس هذا قد يزيد الأمر تفاقما. هي تريد منك سلوكا حسنا لا كلاما فحسب. وبالعكس أيضا، أحدهم كان يقول: لا تقل قال الإسلام كذا وقال النبي كذا، أرني الإسلام في سلوكك. لا حاجة أن تقول ما قال النبي (ص): "النَّظَافَةُ مِنَ الْإِيمَانِ"، دعني أراك نظيفا. هذا يكفيني. لا تقل لي الحلم زين وسيد الأخلاق. لا، في الموقف الفلاني كن حليما أمامي. فأنا يمكنني فهم قيمة الحلم بهذا. وفهم قيمة الكرم من خلال سلوكك. فالموعظة عندما نتحدث عنها (فَعِظُوهُنَّ) ليست فقط أمر الكلام، ولا سيما إذا الإنسان فرض نفسه مثل المعلم، تعالي إلى هنا واجلسي سأكلمك وأعظك وأفهمك أين الحق وأين الباطل، وحق الزوج على زوجته كذا وكذا وكذا، وإلى آخره، ليست هذه هي الموعظة. الموعظة مفهوم أعظم من هذا بكثير، وأفضل من هذا بكثير. وهي - كما ذكرنا - فعل الله للبشر في ترغيبهم وترهيبهم، في تعريفهم. الموعظة هي فعل الأنبياء، أنت تعال وتجسد مثل هذا الأمر، كيف كان النبي (ص) يعظ أصحابه. حتى بالكلام له أسلوب، حتى باللفظ له طريقة من الطرق، فهذه هي المرحلة الأولى. المرحلة الثانية هي: مرحلة الهجر في المضاجع. طبعا هذه هي مراحل متدرجة، لا يصح الانتقال من المرحلة إلى المرحلة التالية قبل الفراغ والاستنفاد من المرحلة الأولى. أنا رأيتها تفعل كذا أو تخطئ في كذا، أقوم بضربها. هذه المرحلة الثالثة، أنت تحتاج إلى أن تستنفد المرحلة الأولى، وهي الموعظة، بأساليبها المختلفة وطرقها المتعددة ثم بعد ذلك تذهب إلى مرحلة الهجر. الهجر في المضاجع هو من أشد الأمور النفسية إيلاما على المرأة الزوجة. ذكرنا نحن فيما سبق في الحديث عن شفرة اللغة الزوجية والاختلاف الموجود بين الزوج والزوجة، أن المرأة عموما تحتاج إلى اهتمام مبالغ فيه وبالتفاصيل، كل شيء فيها ينادي: اهتموا بي، التفتوا إلي، أنا موجودة، أنا أحتاج إلى الرعاية، أنا أحتاج إلى الملاحظة، أنا أحتاج إلى العناية، كل شيء فيها هكذا يقول. حتى هؤلاء اللاتي يظهرون في المحطات ويمارسون أسلوبا خاطئا، هن يمارسنه من أجل هذه القضية: قضية أني موجودة، بعد لا أزال جميلة فالتفتوا إلي، بعد لا أزال نافعة ومفيدة إذن لا بد أن تمنحوني الرعاية والعناية، لكن هذا أسلوب خاطئ. لكن المرأة، بمعنى الزوجة مع زوجها، كل شيء فيها يقول: اهتم بي، التفت إلي، بدءا من الكلمة الطيبة، إلى الإنفاق عليها، إلى الاستماع لكلامها، وقد سبق أن تحدثنا في هذا مفصلا. أقسى شيء على المرأة هو الإهمال والانصراف عنها. اقتلها ولا تهملها. فأنت إذا كنت في مقام أن واحدة متمردة، تقوم بعمل سيء ولا تنفع فيها الموعظة بأساليبها المختلفة: السلوكية، والكلامية، والكلامية بأنواعها المختلفة المناسبة، فمارس معها هذا الأسلوب: أهملها، اهجرها في المضاجع. لا تذهب إلى بيت آخر، هذا ليس شديدا عليها. ابق معها في نفس البيت، على نفس السرير، لكن لا تكلمها وأدر لها ظهرك ونم. هذا يؤلم أشد إيلام. وهناك مثل معروف ودائر على الألسنة: أن الحقران يقطع المصران. الحقران بمعنى: عدم الاعتناء وعدم الملاحظة والرعاية، يقطع المصران: جمع مصير الذي هو الأعضاء الداخلية من الأمعاء. هذه حقيقة صحيحة أن المرأة أعظم شيء عندها أن يُهتم بها، وأسوأ شيء عندها أن تُهمل وتُترك. طبعا هذا صعب على الزوج نفسه، أن يترك زوجته ولا يؤخذ منها حقه. هذا صعب عليه، ولكن عليها أصل الإهمال لها أصعب بكثير. أحيانا أحدهم يقول: هي تريد ذلك من الله. تقول ما دام هكذا الحمد لله استرحنا وارتحنا، هنا يتبين أن هذه المرأة لا تمتلك المشاعر الزوجية الصحيحة، ولا ريب ثمة مشكلة في مكان آخر، ليست هذه هي القضية، وإنما المشكلة والقضية في أساس أنها تحب زوجها أو لا تحبه. نحن نتكلم عن الزوجين الطبيعيين الذين أساسا يحبان بعضهما لكن طرأت عليهما مشكلة من المشاكل. هذا الأمر الثاني. الأمر الثالث: قضية الضرب. وهنا مسألة من المسائل التي هي محل إثارة وكلام وحديث مفصل، أنا أشير إليها ببعض النقاط، النقطة الأولى: الأصل الأولي أنه يحرم على الرجل أن يضرب زوجته، هذا أصل أولي. لا يجوز للرجل أن يضرب زوجته. والآية المباركة ... على ذلك. تقول: كيف يكون ذلك والآية تقول: (وَاضْرِبُوهُنَّ) وأنت تقول أن الأصل الأولي أنه يحرم؟! العلماء (انقطع الصوت)، وصار تجويز فيها، ومنه يتبين أنه في غير تلك الحالة يكون الأمر ماذا؟ حراما غير جائز. مثلا، عندنا في الفقه يقولون: إذا أراد الرجل الزواج من امرأة جاز له أن ينظر إلى شعرها مثلا وإلى ذراعها وأمثال ذلك. وهذا يفتون به أيضا. وإن كان الوضع الاجتماعي في كثير من المجتمعات المتدينة لا يقبل هذا، لكن هذا من الناحية الفقهية جائز. أن إنسانا صمم على أن يتزوج فلانة، فأراد أن ينظر إليها، يجوز له أن ينظر إلى شعرها، يجوز له أن ينظر إلى ذراعها، ليس كفها، لا، الذراع، وبعض الأماكن الأخر، يقولون: لما جاز له أن ينظر إليها في حال الزواج وإرادة الزواج هذا يتبين منه أنه في الحالة العادية ماذا؟ لا يجوز وحرام. لأنه لو كان ليس حراما في الحالة العادية فهو كان ينظر إليها. فلما قالوا: فقط يجوز لمن أراد التزويج أن ينظر إلى هذه الأماكن تبين لنا أن الحالة العادية حرام إلا في مثل هذا المورد. هنا نفس الكلام. نقول: المرأة الناشز التي لا تنفع فيها الموعظة ولا ينفع فيها الهجر، هذه فقط يجوز ضربها. معنى ذلك أنه في غير هذه الحالة لا يجوز الضرب، يحرم الضرب. فنفس الآية المباركة تشير إلى أن الأصل الأولي بالنسبة إلى العلاقة الزوجية أنه يحرم على الرجل أن يضرب امرأته، كما يحرم على المرأة أن تضرب زوجها. كلا الحالين غير جائز. إنما جاز هنا كمرحلة ثالثة بعد استنفاد سائر الحلول، وهو محدود بحدود كثيرة الحد الأول: حد الهدفية، بمعنى: إنما جاز الضرب هنا إذا كان عاملا مساعدا في رجوع هذه المرأة إلى الطريق الصائب، أما إذا رأينا غير ذلك، كأن المرأة إذا تضرب تزداد عنادا. فلا يصح أن تضرب. لأن الغرض من هذا الضرب إنما كان هدفا معينا، فإذا تحقق، فهذا هو، مثل كثير من العقوبات الموجودة الآن، فإذا لم يتحقق، وإنما كان بالعكس يزيد الأمر سوءا فلا ينبغي أن يكون هذا هو الطريق، هذه محدودية الهدف. ثانيا: محدودية الآلة والمقدار. قال: (وَاضْرِبُوهُنَّ) ليس معنى هذا أن تأتي بآلة حادة أو خيزرانة وتضرب بها، لا، وإنما حدد هذا؛ لأن الغرض منه ليس صنع ألم شديد، وإنما الغرض منه نوع من التأليم النفسي، ولذلك وردت الرواية عن الإمام الباقر (ع): أن يكون الضرب بمسواك. والمسواك معروف عندكم. أما أن يأتي بحطبة حسب التعبير أو ما شابه ذلك فهذا خارج عن هذه المحدودية. وبعض آخر قال: أيضا يجوز بمنديل ملفوف، هذا المناديل لا سيما الطويل منها، بهذا النحو يكون الضرب. وأيضا أن لا يخلف اسودادا أو احمرارا وإلا وجبت فيه الدية. وألا يكون على مثل الوجه وما شابه ذلك. أقرأ لكم الاستفتاء عن السيد السيستاني، والباقون من العلماء أيضا ضمن هذا الإطار يتحدثون، السؤال: ما حكم الزوج يضرب زوجته، قال: الجواب: لا يجوز للزوج أن يضرب الزوجة إلا في مورد واحد، يعني الأصل ماذا؟ الأصل في سائر الموارد، يحرم على الرجل أن يضرب زوجته. لم تعد الغداء، أضربها، حرام عليك. لم تغسل ثيابي، أضربها، يحرم عليك ذلك. في مورد النشوز فقط، حتى لو قالت لك أنا لم أصنع لك الغداء عامدة، ليس واجبا علي. عدم طبخها أو عدم غسلها أو ما شابه مما هو ليس حقا شرعيا لي، لا يحقق النشوز. بعض الحقوق الشرعية أيضا إذا كانت معذورة لا تحقق النشوز. حق الرجل الجنسي التمكين. هي عندها مثلا مرض الآن، بحيث ممارسة هذا العمل بالنسبة إليها من الأمور المؤذية، فهي معذورة من الناحية العرفية. فلو لم تستجب لا نسميها ناشز. أما إذا تحقق النشوز، وهذا فيه بحث خاص: متى يتحقق النشوز. إلا في مورد واحد وهو إذا ما نشزت عن طاعته فيما تجب طاعته. أنا أريدك أن تذهبي فلان مكان. لا يجب عليها أن تذهب. لو رفضت ذلك، ليست ناشزا، هي لا تريد الذهاب إلى البيت الفلاني، ليس واجبا عليها أن تطيعك في هذا. فيما تجب فيه الطاعة لو رفضت طاعة زوجها متعمدة من غير عذر وذلك بعد أن لم ينفع معها الوعظ بشتى طرقه ولا الهجر بشتى أنحائه فإنه يجوز له أن يضربها ضربا خفيفا إذا احتمل أنه يؤثر في العود إلى رشدها. مع احتمال التأثير الإيجابي يجوز. أما إذا لم يحتمل التأثير، لا. وأن لا يكون بقصد الانتقام، وأن لا يوجب احمرارا ولا اسودادا. فإن ضربها بأي وجه وأجب احمرارا أو اسودادا فلها أن تطالبه بالدية. والدية مفصلة في كتب الفقه. آخر ما نتحدث فيه هنا، لماذا الزوج يجوز له أن يضرب الزوجة، بينما الزوجة لا يجوز لها أن تضرب زوجها؟ في قضية النشوز ليس مذكورا أنه لو نشز الزوج على زوجته فلها تضربه، لماذا في هذا الصوب غفور رحيم، ومن ذاك الصوب شديد العقاب؟ الجواب على ذلك: أن العادة ليست على هذا النحو. ليست العادة أن الزوجة تتمكن من أن تضرب زوجها. فالزوج يضرب في بعض الحالات ولكن ليس بواسطة الزوجة، وإنما بواسطة الحاكم الشرعي. يحضره ويعزره. في موارد معينة الحاكم الشرعي يتدخل، يجبر الزوج على أشياء، مثلما صنع أمير المؤمنين (ع) مع ذلك الزوج الذي طرد زوجته. الإمام أمير المؤمنين (ع) في الرواية المعروفة سل عليه السيف، قال له: إذا لم ترجعها إلى البيت، أسقي الأرض من دمك. ذاك بعد لما تنازل وتراجع، فعل ما كان يطلب أمير المؤمنين (ع). حيث العادة أن المرأة لا تتمكن غالبا من هذا النحو، فلكي يبقى حقها محفوظا جعل الأمر بيد الحاكم الشرعي الذي له السلطة على الزوج ولديه قوة القانون ويمكنه أن يقتص منه من الناحية القانونية. وللحديث تتمة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يجعل في بيوتنا نشوزا لا من الزوج ولا من الزوجة ولا من الزوجين، حيث تكون الآية التالية متحدثة عنه، وإنما يجعل نساءنا صالحات (قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) وأن يجعل أزواجنا سكنا ورحمة وألفة لزوجاتهم إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
مرات العرض: 3431

وداع الشهر بزكاة الفطر
الانجيل في المسيحية وعقائدها