هكذا تحدث النبي صلى الله عليه وآله عن الحسين
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1/1/1429 هـ
تعريف:

هكذا تحدث النبي عن الحسين


كتابة الاخت الفاضلة أمجاد عبد العال


روي عن سيدنا ومولانا أبي جعفر الجواد، عن أبيه الرضا، عن أبيه الكاظم، عن أبيه الصادق، عن أبيه الباقر، عن أبيه السجاد، عن أبي الحسين سلام الله عليه، عن رسول الله (ص)، أنه قال للحسين: "مَرْحَبًا يَا أَبَا عَبْدِالله، يَا زَيْن السَّمَوَاتِ وَالأَرْض"، فقال الحسين سلام الله عليه: "وَهَلْ غَيُرَكَ يَا رَسُولَ اللهِ زَيْنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ"، قال: "بَلَى يَا أَبَا عَبْدِالله، إِنَّهُ أَنْتَ زَيْنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ عَلَى يَمِينِ عَرْشِ اللهِ: الحُسَينُ مِصْبَاحُ هُدًى وَسَفِينَةُ نَجَاةٍ، وَإِمَامُ عِلْمٍ وَتُقًى، وَذُخْرٌ وَفَخْرٌ وَعِزٌّ وَفِهْم"، صدق سيدنا ومولانا رسول الله (ص).
هذا الحديث واحد من الأحاديث التي تحدث بها رسول الله (ص) حول الحسين (ع). وحديثنا هذه الليلة تحت عنوان: كيف تحدث النبي عن الحسين. في بحث أوسع: كيف تحدث المعصومون عن الحسين (ع)؟ لكننا نتحدث هذه الليلة عن كيفية حديث النبي عن الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه. وبالطبع سيطول الأمر، لو أردنا أن نستقصي جميع ما تحدث به رسول الله عن الحسين، ولكننا سوف نتعرض إلى بعض العناوين الأساسية، ونستشهد بها على بعض الأحاديث التي نقلت عن النبي (ص). ضمن العناوين التالية:
العنوان الأول: أحاديث رسول الله في التذكير بمأساة الحسين ومصيبة كربلاء، العنوان الثاني: ما يرتبط ببيان فضل الإمام الحسين وشرف محله وشأنه، والعنوان الثالث: ما يرتبط بدور الحسين (ع) في الأمة، والعنوان الرابع: ما يرتبط بتعيين قضية الإمامة بعد الحسين وإلى قيام الساعة.
سوف نؤخر الحديث عن كلام النبي في مأساة الحسين (ع)، ونبدأ بالحديث عن بقية العناوين الأخرى، ونقدم لها بمقدمة مختصرة. فما الذي يختلف في تعريف الحقائق بين العالم والجاهل؟
لو فرضنا، كانت شجرة في هذه المزرعة، وكلنا نمر وننظر إليها ونستوعب جهاتها الظاهرية. فنرى فيها الجذع والأغصان والأوراق والثمار، وهذا كل ناظر يمر على تلك الشجرة، يستطيع أن يدرك هذه الجوانب. لكن عالم النبات، المتخصص في هذا الجانب، لو مر على هذه الشجرة، فإنه ينتقل من المظهر إلى الجوهر، وإلى معرفة سائر الجهات والجوانب فيها. فيعرف هذه الشجرة تنتمي إلى أي فصيلة، وكيف تنمو، وما الذي يؤثر فيها، وكيف تستفيد من الضوء في عملية التمثيل الضوئي، وكيف يمكن تحسين عطائها.
وهذه الجهات المختلفة، يعرفها العالم بالنبات، بينما أنا وأنت، عندما نمر عليها ولسنا متخصصين ولا عالمين في هذه الجهة. لا نستطيع أن نتعرف عليها. فالنظرة للأشياء تختلف بين العالم بها، والجاهل بها، في جهة العمق والاتساع. فالعالم يعرف سعة هذه الحقيقة ويعرف أعماقها، بينما أنا لا أستطيع إلا أن أتعرف على مظاهرها.
الحسين (ع) حقيقة من الحقائق، يمر عليه كثير من الناس، يرونه أمامهم ولكن ذلك العالم بشخصيته، والعارف بحقيقته، والذي يبصر ما سيجري في المستقبل عليه، وبواسطته، هو الذي يعرف حقيقة الحسين، شخصية الحسين، ومن أولى من رسول الله محمد (ص). من أولى من رسول الله في معرفة هذه الشخصية وفي الكشف عن جهات حقيقتها.
يضاف إلى ذلك أن العالم أحيانا يتأثر بحبه وبغضه، ولذلك لا يستطيع الحقائق كاملة، بل قد يوافق هذا الأمر هواه، فيعطيه أكثر مما يستحق، وقد يخالف محبته، فيبخسه حقه. لكن المنزه عن الهوى، والذي لا ينطق لغوا، ولا تجري على لسانه كلمات إلا حقيقة الأمر، هذا يمكن أن يعطي لك كشفا دقيقا وسليما عن هذه الحقيقة.
رسول الله (ص) عندما يتكلم عن الحسين، لا يتكلم من منطلق الهوى، إذ أنه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، ولا ينطلق من منطلق العاطفة المجردة، وإن كان يحتوي على أسمى وأعلى درجات العواطف. ولكنه عند التقييم، وعند إبداء العلم، وكشف الحقائق، يميط العواطف جانبا، ويقدم للناس هذه الصورة. لذلك علينا أن نتعرف على الحسين، من خلال كلام رسول الله (ص)، فكيف تحدث النبي عن الحسين؟
أحد العناوين: بيان النبي منزلة الحسين، ورفعة شأنه ودرجته. للتعامل مع الأشخاص لا بد أن تعرف ميزانهم ودرجتهم وشأنهم، وحتى لا تبخسهم حقهم. لذلك في الآية في المباركة: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا)، لماذا؟ (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ). فعندما ترفع هذا الإنسان، بالإيمان، آنئذ تعرف منزلته وقربه من الله، فتقوم باحترامه، توسع له في المجلس. وعندما تعرف أن هذا عالم، وتعرف أن هذا ممن أوتوا العلم، تفسح له، وتعطيه مكانا، وتعطيه مكانة لائقة بالإيمان والعلم الذي يحمله.
أما لو لم تعرف هذا الإنسان، لم تعرف أنه عالم، لم تعرف أنه مؤمن في الدرجة العالية، فإنك تتعامل معه عادة بنحو عادي. لذلك حرص النبي (ص) أن يبين منزلة الحسين (ع)، وفي أكثر من حديث؛ حتى يتعامل معه الناس على هذا الأساس. فالحسين عندما تعرف أنه زين السموات والأرض، وليس شخصا عاديا هذا الرجل، ولا أن فخره وشأنه في هذه الدنيا، ولا أنه في محيط المدينة، وإنما على مستوى زينة للسموات والأرض جميعا.
في حديث آخر، يتحدث الرسول (ص) عن أنه: "خَيْرُ النَّاسِ"، في الرواية: عن سلمان المحمدي، رضوان الله تعالى عليه، قال: كنا في المسجد، فلما فرغ النبي من صلاة العصر، وكان في الركعة الرابعة، جاء الحسن والحسين، ودخلا إلى المسجد، فلما فرغ النبي من صلاته، أخذ الحسن على فخذه الأيمن والحسين على فخذه الأيسر، ثم التفت إلى الناس: وقال: "أَيُّهَا النَّاس، أَلَا أُخْبِرُكُم خَيْرَ النَّاسِ أَبًا وَأُمًّا وَجَدًّا وَجَدَّةً وَعَمًّا وَعَمَّةً وَخَالًا وَخَالَةً"، فتصور الحاضرون أنه سيشير إلى نفسه؛ لأن النبي هو خير الناس، أفضل الناس، لكنه ليس خير الناس أبا، أي والده ليس خير الناس، ولا جدا، ولا عما، ولا عمة، ولا خالا، ولا خالة. فالنبي هو أفضل المخلوقات لا ريب. لكن والده ليس أفضل المخلوقات. وخاله ليس أفضل المخلوقات، وعمه ليس أفضل المخلوقات. فالتفت إليهم وقال: "الحَسَنُ وَالحُسَين" الذين يجمعان أن أباهما خير الناس، وأمهما خير الناس، وجدهما خير الناس، وجدتهما خير الناس، الوحيدان في الكون، هما: الحسن والحسين، حيث تنطبق عليهما هذه المواصفات. فحتى النبي وهو أفضل منهما لا تنطبق عليه هذه الصفات. والإمام علي، وهو أبوهما، لا تنطبق عليه هذه الصفات، وفاطمة الزهراء، وهي أمهما لا تنطبق عليها هذه الصفات.
هذه الصفات تنطبق بشكل وحيد على الحسن والحسين. قال: "الحَسَنُ وَالحُسَينُ، أَبُوهُمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب"، هذا خير الناس، "أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ"، اللهم صل على محمد وآل محمد، "جَدُّهُمَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَجَدَّتُهُمَا خَدِيجَة بِنْتُ خُوَيْلِد، وَعَمَّهُمَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِب، وَعَمَّتُهُمَا أُمُّ هَانِي بِنْتُ أَبِي طَالِب، وَخَالَهُمَا القَاسِمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ، وَخَالَتُهُمَا زَيْنَبُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ". وهذه الصفات لا تجتمع في أحد غير زين السموات والأرض، وهو الحسين صلوات وسلامه عليه وأخوه الحسن المجتبى.
فقسم من الأحاديث والروايات، أطلقها رسول الله (ص) في مختلف المناسبات؛ لكي يبين شأن الحسن والحسين، "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّة"، "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سِبْطَانِ مِنَ الأَسْبَاط"، هذه الأحاديث تكرس فضل الحسين (ع)، والغاية منها غاية أخلاقية وسلوكية، بحيث ينظر الناس إلى الحسين على حقيقته، وبعد ذلك يتعاملون معه بإكبار، واحترام، وتواضع من جهتهم، ويوقرونه أعظم التوقير. هذا قسم من الأحاديث، وهي كثيرة جدا. لا نستطيع التعرض إليها هذه الليلة.
القسم الثاني من الأحاديث، ما يرتبط بدور الإمام الحسين (ع) في حياة المسلمين الذين عاصروه. فالحسين له دور. إمام من الأئمة، وفي وقته، هو الإمام الوحيد، وعلى الناس أن تتعامل معه معاملتهم مع كل إمام، وهي: الطاعة، والاتباع، والاقتداء.
الشيخ الصدوق – أعلى الله مقامه – ينقل في: كمال الدين وتمام النعمة، أحاديث كثيرة، منها هذا الحديث: أن النبي (ص) كان جالسا فجاء الحسين (ع)، فقال له وأشار إليه: "أَنْتَ سَيِّدٌ وَابْنُ سَيِّدٍ، وَأَنْتَ إِمَامٌ وَابْنُ إِمَامٍ، وَأَخُو إِمَامٍ وَأَبُو الْأَئِمَّةِ التِّسْعَةِ، تَاسِعُهُم قَائِمُهُم". عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وفي هذا الحديث الآخر، ينقل عن السماء: قال: "إنه لمكتوب على يمين العرش"، في هذا النقل، وفي نقل آخر: "على ساق العرش". وأنتم تعلمون أنه لا يوجد عرش لله بالمعنى المادي الذي يُتكلم عنه، أي لا يوجد هناك كرسي، عرش، حتى يجلس الله عليه؛ لأن ذلك ينتهي إلى التجسيم، وأن شيئا ما يحتوي ربنا، وسبحان الله عما يصفون. فالله لا يحتويه شيء، بل كرسيه يحتوي السموات والأرض، ولكن لا يُحتوى من قبل شيء، وهو المهيمن والمسيطر. فلو كان شيء يحتويه، لكان ذلك الشيء أكبر منه وأعظم. ولكن الله سبحانه وتعالى هو المهيمن على كل شيء. لكن هذا تعبير كنائي عن مركز القدرة، والعظمة، والهيمنة، لهذا العالم.
وهناك مكتوب: "إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام علم ويمن وفخر وذخر"، "مصباح هدى"، وفي رواية أخرى: "مصباح الهدى". فإذا مصباح الهدى: يعني: هو المصباح. وإذا مصباح هدى، يعني: من جملة المصابيح التي كان الأئمة عليهم السلام يشكلون باقيها. "وسفينة نجاة"، إذا تلاحظون في هذا الحديث، وفي غيره من الأحاديث، خصوصا تلك التي شبهت أهل البيت، والحسين (ع)، بأنهم سفينة نوح، وفي رواية أخرى: باب حطة، وسنأتي على الحديث عنها إن شاء الله في ليلة أخرى في الحديث عن الارتباط بأهل البيت (ع).
سفينة نجاة: إذا ذهب إلى البحر، وتوسطت فيه، فهناك تشعر بمعنى السفينة، هناك في ذلك المكان، حيث لا ساحل ولا منقذ إلا هذه الأعواد التي يجريها ربك رخاء. فإذا خرقت هذه السفينة، انتهت. وإذا طمست هذه السفينة، أنت انتهيت. فأنت تحتاج في أمواج الحياة إلى سفينة، والحسين سفينة، وليس أي سفينة. وإنما سفينة نجاة.
فعندنا سفينة نزهة، وسفينة لا تبتعد عن الساحل، وسفينة للفرجة، وسفينة دورها الإنجاء والنجاة، والحسين سفينة نجاة. فبعد: "وإمام علم ويمن وذخرٍ أو ذخرٌ"، فالآن، إذا قلنا أن ذخر معطوفة على العلم، تصبح: ذخرٍ، أي: إمام ذخرٍ. أو أنه من الصفات، يعني: هو مصباح، سفينة نجاة، إمام، وذخر أيضا إلى المستقبل. فهناك بعض الأشياء، أنت تستفيد منها وتنتفع بها في هذا الوقت، وهناك شيء، لا، يبقى ذخرا للمستقبل، ويبقى كنزا تعتمد عليه. فالحسين (ع) ذخر للأمة، وليس فقط للمسلمين الذي عاشوا في زمانه، وإنما هو كنز مدخر للمستقبل، من خلال امتداد الإمامة فيه، ومن خلال استمرار منهجه صلوات الله.
هذه من الأحاديث التي تتحدث عن دور الحسين (ع) أنه إمام، أنه مصباح، أنه سفينة. وهناك أحاديث أخرى تتكلم عن الجانب العقدي: "أَنْتَ إِمَامٌ وَابْنُ إِمَامٍ، وَأَخُو إِمَامٍ وَأَبُو الْأَئِمَّةِ التِّسْعَةِ"، وهذا الحديث متكرر في الألفاظ، والمعنى هو واحد، حتى لا يقال أن النبي (ص) لم يعين أحدا، وهذا الحديث من الأحاديث المهمة، واللطيف أنه ينقله الشيعة والسنة أيضا، طيب.
المسألة الفيصل بين المسلمين، هي الإمام: فهل هناك خلافة ثم حكومة، أم هناك إمامة مستمرة إلى يوم الدين؟ بناء على هذا الحديث: أنت يا حسين، أبوك إمام، أخوك إمام، وأنت أبو أئمة تسعة، حجج، تاسعهم - عجل الله تعالى فرجه الشريف - قائمهم.
انظر لهذا الحديث فهو يصنع الفيصل بين ما يذهب إليه شيعة أهل البيت (ع) وبين ما تذهب إليه باقي فرق المسلمين، بل حتى ما بين الشيعة في داخلهم. ففي داخلهم توجد زيدية، وهم شيعة. وتوجد الإسماعيلية وهم شيعة، وهؤلاء أيضا عندما يطلعون على هذا الحديث، يقول: ليس فقط أنت الإمام، بل أيضا أبو أئمة تسعة، فإذن ما يذهب إليه إخواننا الزيدية، من سياق الإمامة في نسل زيد، ليس صحيحا بعد علي بن الحسين، بل لا بد من التسعة المعهودة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الإسماعيلية. فهم موالون لأهل البيت (ع)، وشيعة بالمعنى العام السياسي، والانتماء، والمحبة، ولكن هذا الحديث يصنع فاصلة بين شيعة أهل البيت (ع)، باعتبار أنهم ينهجون منهج النبي، وبين سائر فرق المسلمين، الذين لا يطبقون مثل هذا الحديث. هذا العنوان الثالث.
وقد تحدث عن أن الحسين (ع)، إمام، وأبوه أيضا إمام، وليس خليفة رابعا. فتلك حكومة ظاهرية، وإنما هو إمام وأبوه إمام. وإن من العجب أن مثل هذه الأحاديث بين يدي المسلمين، ومع ذلك يقولون: أن النبي توفي ولم يوص، ولم يشر إلى من يأتي بعده. والحال أنه قد عين الإمام بالإمامة في ذلك الوقت المبكر، بل قبل هذا في فترات سابقة جدا، من يوم الإنذار في الدار، إذ عينه رسول الله (ص) وأكد عليه، وهذا من التأكيدات.
وأخيرا، يتحدث النبي (ص) عن الحسين مذكرا بمأساته، وبثواب البكاء عليه، وبلزوم أن يرتبط الناس عاطفيا بالإمام الحسين سلام الله عليه. وهي أحاديث كثيرة جدا، بدأت منذ اليوم الأول لولادته، وانتهت بآخر لحظات حياة رسول الله (ص).
فأول ما ولد الإمام الحسين (ع)، وكانت قابلته - فيما نقلوا - صفية بنت عبدالمطلب، فجاء النبي (ص)، وقال لها: "يَا عَمَّة، نَاوِلِينِي وَلَدِي". وهذا أيضا فيه تركيز أن النبي (ص) دائما يركز على أن هذا والحسن ابناي، هذان ابناي، إمامان قاما أو قعدا. وهو تركيز على أنهم: أبنائي وأولادي. وهذا فيه معنى سوف يظهر فيما بعد: كيف أن الأمويين، سعوا لرفع العلاقة والارتباط بين النبي وبين ذرية الحسين (ع). وكيف سعى بنو العباس أيضا في هذا الجانب. فكان النبي (ص) وقبله القرآن، يؤكد هذا المعنى.
قال: ناوليني ولدي، فقالت له صفية: "يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أُنَاوِلَكَهُ، وَلَمْ أُطَهِّرْهُ بَعْد"، فبعد لم أغسله، فكيف أناولك إياه، قال: "يَا صَفِيَّة، أَنْتِ تُطَهِّرِيه؟ إِنَّ اللهَ قَدْ طَهَّرَهُ مِنْ فَوْقِ سَمَاوَاتِهِ". اللهم صل على محمد وآل محمد. هذا من أين؟ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ) لاحظوا هنا، قال: يذهب، ثم قال: يطهر، ولم يقل: ليطهركم، مباشرة، لماذا؟ لأن التطهير، إذا يقول: إنما يريد الله ليطهركم، فمعنى ذلك: توجد قذارة أو نجاسة - والعياذ الله - فتأتي أنت وتطهرها. لكنه يقول لك: أنا أذهبت النجاسة، لم أدعها تصل، جعلت حاجزا بين هذا وبين ذا، وبين تلك النجاسة، فالله أذهب الرجس، يعني أبعده، قبل أن يصل، وليس هو رفع، كما يقول العلماء! وإنما هو دفع، دفع القذارات المعنوية والمادية عن أهل البيت (ع)، وتأكيد ذلك: (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
"أَنْتِ تُطَهِّرِيه؟ إِنَّ اللهَ قَدْ طَهَّرَهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتِ"، تقول: فناولته إياه، فقبله، وبدأ يبكي رسول الله. وهو يقول: "قَتَلَ اللهُ قَوْمًا قَتَلُوكَ". وهذا في أول لحظات الحياة، أول لحظات الولادة، فتعجبت صفية: "يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَقْتُلُهُ؟" وهذا ابن النبي! فالناس عادة إذا رأوا أحدا قريبا من شخص عظيم، يوقرونه، ويكرمونه، ولو لأجل ذلك الكريم، وإن كان الحسين هو صاحب كرامة. ولكن لماذا؟ من الذي يقتله؟ قال: "تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، لَا أَنَالَهُم اللهُ شَفَاعَتِي". وهذا في أول الساعات، بعد ذلك أشار إليها، وقال لها: "لَا تُخْبِرِي فَاطِمَة".
نعم، لا تخبري فاطمة الآن، فهي حديثة عهد بولادة، فإذا تخبرينها أن الحسين يقتل من قبل بني أمية، ماذا يكون حالها! لا تخبري فاطمة، لكن الخبر وصل إلى فاطمة، ساعد الله قلبها.
وقد أكثر النبي (ص) من الإشارة إلى هذا المعنى، فهو يدخل - ذات يوم - على بيت فاطمة الزهراء سلام الله عليها، والحسين لعل عمره 4 سنوات في ذلك الوقت، والرواية تقول: فصلى النبي (ص)، ودعا، وذكر الله كثيرا، ثم خر ساجدا، وعلا نشيجه بالبكاء. أي قام يبكي وهو ساجد، فلما رفع النبي رأسه استدنى الحسين. علي بن أبي طالب جالس، فاطمة جالسة، الحسن جالس، لكنه استدنى الحسين، أي أدناه إليه، وضمه إليه، وبدأ يقبله صلوات الله عليه.
أين قبله؟ قبله في منحره، هذا النحر الذي سيكون ضريبة للسيوف، وسيأتي في آخر الزمان وغد لكي يضرب الحسين على حلقه، وعلى رقبته، وهذه محل قبلات رسول الله (ص). أيضا، أين قبله؟ قبله في جبينه، موضع ذلك الحجر الذي رمي به أبو عبدالله الحسين. ثم رفع النبي ثوبه، أي ثوب الحسين، وبدأ يقبل الحسين في صدره، وبطنه، هذه آثار حوافر الخيول التي سوف ترض هذا الصدر المطهر، ثم جعله على صدره، سبحان الله، يومان، يوم: سرني، زادني سرورا، ويوم آخر، زادني أرقا. كما يقول الشاعر، فما هو ذلك اليوم؟ هو يوم الحسين على صدر النبي به
ويوم شمر على صدر الحسين رقا 

وأكثر من لثم الحسين، وقبله في شفتيه. لعل النبي (ص) يتذكر ذبول الشفتين على أثر الظمأ، والحسين ينادي: وحق جدي أنا عطشان. اسقوني شربة من الماء. قبله في ثغره، ثم قبله بين أسنانه، هذه الرواية تقول هكذا، لماذا؟ لأن هذه الأسنان سوف تقرع بعود الخيرزان، فلا بد أن يقبله النبي (ص) فيها. الرواية تقول: ثم يبدأ يقبله في جميع جسده. لماذا؟ لأن لم يبقى موضع من جسد الحسين إلا وصار ضربة لسهم أو سيف أو رمح، أي واحسيناه.
كلهم بدأوا يبكون، علي بن أبي طالب، فاطمة، الحسن، ويتعجبون، ولم يجرؤوا على أن يسألوا النبي، الرواية تقول: التفت الحسين إلى جده رسول الله، يا رسول الله، دخلت إلى المنزل وأنت فرح مسرور، ولكني أراك الآن باكيا حزينا. فما الذي جرى عليك، يا رسول الله؟
"قَالَ: لَمَّا جِئْتُ وَنَظَرْتُ إِلَى جَمْعِكُم، تَذَكَّرْتُ مَا سَيَحِلُّ عَلَيكُم بَعْدِي. فَأَنْتَ تُقْتَلُ يَا أَبَا عَبْدِاللهِ مَظْلُومًا، وَأَخُوكَ الحَسَنُ يُقْتَلُ مَظْلُومًا، وَأَبُوكَ عَلِيٌّ يُقْتَلُ مَظْلُومًا، ثُمَّ تُشَرَّدُ ذَرَارِيكُم فِي الأَرْضِ. قَالَ: عَجَبًا يَكُونُ ذَلِكَ، قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا ثَوَابُ مَنْ زَارَنَا، أَيَزُورُنَا أَحَدٌ؟ قَالَ: بَلَى، إِنَّ لِمُحِبكُم وَزِائِركُم الجَنَّةَ". اللهم اشهد إنا نحب الحسين، ونحب أخ الحسين، وأم الحسين وجد الحسين، فاكتب لنا هذه الشهادة عندك. "أَلَا أَنَّهُ مَنْ زَارَكَ فِي قَبْرِكَ فَإِنَّ لَهُ الجَنَّة". اللهم ارزقنا زيارة الحسين.

 

مرات العرض: 3407
المدة: 00:50:44
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2575) حجم الملف: 5.81 MB
تشغيل:

قراءة جديدة في نصوص شائعة عن المرأة
ارتباط المسلمين بأهل البيت عليهم السلام