اللجاجة تنشئ الحروب
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1436 هـ
تعريف:

اللجاجة تنشئ الحروب


تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري

في الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في قصار الحكم ( اللجاجة توغر القلوب وتنشئ الحروب). 

قصار الحكم أشرنا في بعض المرات إلى أنها فن من الفنون العالية وذلك أن كل إنسان يستطيع عادة بيان فكرته عندما يتاح له المجال نصف ساعة، ساعة، ساعتين يبين فكرته الإنسان. لكن ذلك الذي يستطيع أن يأتي بفكرة عميقة ومفصلة ويوجزها في عبارات قصيرة، هذا يمتلك بلاغة عالية ويمتلك فهم عميق للفكرة. ولذلك عادة الناس تتناقل الحكم ما تتناقل المحاضرات ما شفت واحد يحفظ محاضرة كاملة أو يحفظ كتاب إلا ما ندر، لكن كثير من الناس يحفظون الحكم القصيرة لماذا ؟ لأن فيها أفكار كثيرة في عبارات قصيرة. 

كلمة أمير المؤمنين عليه السلام:( قيمة كل امرء ما يحسنه) هاي من الحكمات العالية .(ألا وإنه ليس بأبنائكم ثمن إلا الجنة) وعلى هذا المعدل شعر أمير المؤمنين علي عليه السلام بأن لديه عددا كبيرا من الكلمات الحكمية القصيرة أطلق عليها قصار الحكم، وألف بعض المؤلفين في هذا المعنى من كلمات أمير المؤمنين مثل الآمدي عنده كتاب إسمه درر الكلم وغرر الحكم لأمير المؤمنين سلام الله عليه. الشريف الرضي أيضا في نهاية نهج البلاغة عنده فصل قصار الحكم ، في البداية خطبه بعدين كتبه ثم بعد ذلك جاء بفصل فيه قصار الحكم لأمير المؤمنين وذكر عددا منها. 

 من تلك الكلمات الحكمة القصيرة قوله :( اللجاجة توغر القلوب و تنشئ الحروب).

اللجاجة معناها شدة الخصومة مع التعصب أو كثرة التتبع من غير مبرر، تقول فلان إنسان لجوج، لجوج يعني لا يقبل الحق يتعصب لرأيه، تعيد الكلام عليه يظهر لك سمعه ثم بعد ذلك يخالف، مرة ثانية يقول لك نفس الكلام وعلى هذا المعدل ما يقبل الحق، ما يقبل الشيء الحسن وإنما يعبر عنه القرآن الكريم :( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون) لذلك عصبيتهم وذاك توجههم غير صحيح.

هذه الحالة وهذه الصفة غير الحسنة لها تجليات كثيرة منها ما هو في شخصية الإنسان نفسه تجاه كل شيء. قسم من الناس هو احيانا يقول لك أنا مو سهل، أنا مو سهل تمشي عليّ الأمور، تفكر أنا أقبل من كل واحد ! هذا يعني جايبنها افتخار إنه ما يقبل من كل واحد، ما يقبل أحد أصلا ولا يسمع كلام أحد، ولا يخضع إلى أحد. هو يأتي بها بعنوان أنها صفة أو صفات المدح والثناء وإنما هي شنو؟ لجاجة واللجاجة صفة سيئة.

بالعكس عندنا في الروايات يأتي ذكر المؤمن الهين اللين الذي يقبل من غيره حتى إذا اعتذر إليه وهو يعلم أنه قد فعلها بل حتى لو يجد لصاحبه عذرا لافتعل له عذرا. واحد يجي لنفترض يسوي هالشيء فانت تخلي في ذهنك في مدحك عليه يجي يعتذر لك، انت تقوله هالكلام يمشي علي انا ! يمشي عليك يابا انا جاي أعتذر منك أخطأت قصرت كان الموضوع هالشكل، ابدأ أنا أناقشه لا ما كان الموضوع هالشكل انت متعمد وانت متقصد .. الخ وهذي مو أول مرة ولن تكون آخر مرة. هذا وين هذا نموذج، بينما الروايات تتحدث عن الإنسان المؤمن هين لين، يعني جا اعتذر لك أقبل منه حتى لو تدري هذا العذر مو صحيح يكفي انه اعتذر فاقبل منه. تدري أن الواقعة هي على غير هذا النحو، جا وطلب منك مسامحة اقبل منه ذلك أعنه على العودة إلى الحق لا تكون سبب في رفضه للحق. هذا لما تكون حالة شخصية عند الإنسان، اشتباه عنده يتصور أنه اذا هالشكل صار يعني صار شي قوي ومهم وإلى غير ذلك. لا مو هالشكل. 

لو أسمعك أحد شيئا من جانبك الأيمن وتحول- مضمون رواية- وتحول إلى جانبك الأيسر وقال لم أفعل أو اعتذر عن ذلك فاقبل منه لا تقوله لا انا ما تمشي عليي هالاشياء هذي وأنا إنسان اذكى منك وأشطر من عشرة مثلك تفكر أنا أقبل كلامك أو أقبل عذرك ! ما أقبل، طيب هذا أحد مظاهر اللجاجة يعني أن يكون الإنسان ذا شخصية لجوجة.

 من مظاهرها في العلاقات ويا الناس أيضا قد يحدث أن الإنسان يكون لجوجا في علاقته مع الاخرين، ينقلون قصة وهي مشهورة في زمان رسول الله محمد - اللهم صل وسلم على محمد وال محمد- وهي قصة سمرة مع الرجل الأنصاري، أحد الأنصار اشترى من سمرة بستانا في المدينة فهذا سمرة قال له ابيعك البستان كله إلا نخلة وحدة، هذي النخلة عزيزة على قلبي، شوف خلاصة او مادري كذا. ما ابيعها هذي، فاشترى البستان و هذا يصير، يصير أن الإنسان يبيع مساحة من الأرض إلا هالمقدار. عدد من النخل إلا هالنخلة او تلك اذا يرتضي الاثنين مافي مانع، فاشتراها غير هذه النخلة التي كانت في وسط البستان، أخذ هذا الثمن وذاك هم مشى ، يوم ثاني سمرة من الصبح جاي إلى البستان بلا إحم ولا دستور ولا يالله دخل داخل فجا هذا الأنصاري قال له وين ! قال له رايح إلى نخلتي، احنا الآن اول الصبح قال بعد هذي نخلتي وانا حر اجي ليها، متى اخرفها، متى أخذ منها، متى اسقيها مو ملكك، ما يخالف. بعد الظهر هم جا إلى هذه النخلة نفس الطريقة ودخل إلى المكان، ما صارت نخلة صارت مزار. فالتفت إليه الأنصاري يا فلان يا سمرة أنا اهلي موجودين في هذا المكان يعني ساكنين في هالبستان وانا اشتريته على أساس إلى أهلي أيضا اذا انت كل يوم تجي في الصبح والعصر والليل وما تخبر ولا تقول ولا تدق الباب، زين انا عندي نساء عندي بنات عندي اهل وهذول ما يقدرون على طول الوقت لابسين ملابسهم يتوقعون الغريب يدخل واحد قاعد في بيته، قال له لا أنا هذي نخلتي وما عليي، أنا اشترطت عليك إن هذي النخلة ليي لو لا ؟ قال نعم. انت دفعت الثمن كله إلا هالنخلة وهذي ملكي وانا ما استأذن في ملكي وأي وقت اللي ابغي اجي. يابا حدد لك وقت وانا افترض مثلا من الصبح انظفها حتى اخلي أهلي يطلعون في هالوقت، أو اذا جيت دق الباب استأذن قول يالله، قال انا ما أحدد وقت ولا استأذن ولا شي وهذا المال مالي واللي بيصير يصير. مر يوم يومين اسبوع وأكثر وهذا تأذى الأنصاري راح طرح القضية إلى رسول الله صلى الله عليه واله، فاستدعى النبي الرجل الأنصاري وسمرة، فقال لهم شنو القضية قالو هالشكل، النبي جاء في طلب حل المسألة، قال له يا سمرة ما رأيك في ما عرض عليك ؟ تحدد وقت كل يوم مرة مرتين وهو ماله حق يمنعك، قال له ما أفهم النخلة ملكي وأنا لا استأذن في ملكي. قال له زين إذا جئت أعلمهم يعني قول يالله قول إحم إلى آخره، قال لا انا مو هالمقدار لا. قال له يا سمرة أنا أشتري النخلة من عندك بأي مقدار تريدها قال له ما أبيع، يا سمرة ما رأيك أن أقايضك عن هذه النخلة ببستان في الجنة، يعني تعطيني هذه النخلة وأعطيك بستان من الجنة أيضا معنى ذلك انت تروح الجنة بسبب هذا. قال له لا، فالتفت النبي صلى الله عليه واله شوف يعني اللجاجة قال انا من أي شيء ما أقبل لا أجر دنيوي لا أجر أخروي لا أبيعها لا أشتريها لا استأذن، هاي حالة اللجاجة أنا ما يمشي عليي حسب تعبير بعض الناس ما يمشي عليي هذا الكلام، فالتفت النبي صلى الله عليه واله إلى الأنصاري وقال له يا فلان اذهب واقلعها وارمها إليه، قول له تفضل خذ هذي نخلتك، وقام راح وقلعها وفلتها برة. قال له إنك ضر مضار يعني تريد الضرر بالآخرين ولا ضرر ولا ضرار. 

 هذي العقلية اللي عند الإنسان أنه أنا أي شيء ما اقبل تعال نحل المشكلة، لا ما أقبل، استأذن ما استأذن، حدد وقت ما احدد وقت، بيع ما أبيع، آخرة وجنة وإلى آخره ما ابغى جنة.. وتبقى المشكلة. 

هذي حالة الإنسان اللجوج، أحيانا إحنا هم نصير نفسه، مو بهالمقدار ولكن احيانا تصير أنا اذكر مثلا زيد من إخواني من أصدقائي يأذيني اذا اقول له فلان كلمة يعجبه شيء، 

وتصير احيانا أيام الطفولة مادري إذا أحد يتذكر أن فلان إذا اقول له فلان كلمة يتأذى فأنا أروح أتعمد أقول له هالكلمة هذي! وأنرزفه فيها، يهدأ شوية اقولها مرة ثانية وثالثة ورابعة وبعضهم يعني على أثر هالممارسات الخطأ يفقد شيء من عقله !. هذا الإنسان اللي يمارس هالعمل عنده لجاجة. أنا أدري أنه انت فلان تنزعج من الراديو، الراديو ما تبغى تسمعه مريض انت! فأنا أروح أرفع الراديو على حده، أنا في بيتنا مو في بيتكم قاعد مشغل الراديو، أنا في المسجد مو في بيتكم أنا اسوي الشيء اللي يعجبني. هذي الحالة من اللجاجة ينبغى أن يبتعد عنها الإنسان المؤمن. 

 ومن العلاقات الاجتماعية إلى الحالة ما بين المذاهب والطوائف، الآن مثلا بعض الوضع الذي نجده بين الإمامية وبين غير الإمامية، مشكلة صارت طيب فقهاء الإمامية، علماء الإمامية جاؤوا وقالو يابا نرفض هذا الكلام السيء ولا نقبله، اللجاجة في طرف آخر عندما يجي يقول لا احنا ما نقبل هذا الكلام لازم واحد واحد كل واحد من أبناء الطائفة يجي يعتذر، كل العلماء لازم يتحدثوا في هذا الموضوع، هاي لجاجة. تحدثوا، لا ما يكفي هذا لازم واحد يشوف الكتب اذا كتاب مكتوب قبل ٨٠٠ سنة وفيه فكرة ناقشها هذا الإنسان يقول لك لا لازم تتبرءوا منها وتحرقوه والى آخره.  

في الحديث أنه مثلا  شيعة أهل البيت يابا ما عندهم غير هذا القرآن، يجي هذا الحجي وهذا الحجي مو من اليوم، من أيام الشريف المرتضى رحمة الله عليه سنة ٤٠٠ هجرية يعني قبل الف سنة الى يومنا هذا والعلماء الشيعة يكرروه ويعيدوه ويرددوه كتابة ونقابة وغير ذلك، يجي فد واحد من هؤلاء المتعصبين يقول اي نعم إحنا نختلف مع الإمامية لأنهم يؤمنون بتحريف القرآن ويملكون كتاب قرآن، الإمامية يمارسون التقية والتقية نفاق، هذه لجاجة أنه انت تجي وكأنه كل هذا الكلام، كل هالتأليفات، كل هالحديث، كل هالكذا اللي تابع ولاحق ودائم وكأن شيئا لم يكن ! يجي فرد من الأفراد المتعصبة يقول نعم الشيعة فيهم كذا وكذا لأنهم  القرآن ولأنهم الصحابة ولأنهم التقية ولأنهم مادري كذا ولأنهم.. الخ. هذه لجاجة، هذا عمل إنسان لا يريد الوفاق ولا الحوار و الهدوء، هالجهد الكامل اللي بذله علماء الإمامية على طول التاريخ في الكتابة و القلد والتقليد والحديث في هذا الاتجاه وانتقاء الخطوات يجي واحد يقول لك لا هذا ما يكفي ! لازم يدوّن كذا ولازم يسوي كذا هو هذا هو معناه مثل قضية سمرة أنا ما اقبل هذا ولا اقبل هذاك ولا اقبل ذاك. طيب هنا يجي كلام أمير المؤمنين عليه السلام( اللجاجة توغر القلوب و تنشئ الحروب ) على مستوى العلاقات ما بين الأشخاص تصير القلوب غير صافية على بعضها البعض، انت اذا تأملت فيها اخيك المؤمن لجيت عليه في أمر من الأمور قلب الإنسان هذا يتأثر من عندك، اذا فئة ويا فئة أيضا نفس الكلام، اذا طائفة ويا طائفة أيضا نفس الكلام، يعني ذاك الصفاء المفروض أن يكون في القلوب لا يكون موجودا. 

ولهذا أقل حادثة تصير من اي نوع في الشارع المعركة، وتنتهي لا سمح الله إلى الحروب، حروب منشأها كثير من هاي الحالة من اللجاجة، حالة من التعصب الذميم الذي لا يريد الحل، الذي لا يريد .. الخ، تنشأ على أثر ذلك الحروب. 

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق أبناء مجتمعنا ويوفقنا إلى أن نكون مصداق المؤمن الهين اللين الذي يقبل ممن يعتذر إليه بل ينتحل العذر لمن يعتذر إليه وأن يوفقنا باجتناب إثارة إخواننا المؤمنين في قضايا شخصية في قضايا اجتماعية أو غير ذلك وأن يوفق الأمة لكي تبصر رشدها باجتنابها عن اللجاجة، شتان ماهو الفرق بين استقراء بعض علماء المسلمين مثل شيخ الأزهر عندما رأو أن علماء الإمامية على المستويات العليا رحبو بهذا الموقف الذي أعلن من قبلهم، استقبلوه استقبالا حسنا وبين طرف آخر في الأمة اللي حالة اللجاجة تعتريه، لا يقبل نصحا ولا عدلا .. الخ وإنما يضل يركز على نفس الكلمات السابقة التي تنتهي إلى سوء القلوب بين المسلمين. 

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتعطف على هذه الأمة بتبصيرها رشدها إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين.

مرات العرض: 3392
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2584) حجم الملف: 2680.99 KB
تشغيل:

كيف تحب أن يعاملك الله ؟
في استقبال شهر رمضان