8/ شرح دعاء الافتتاح
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 11/11/1435 هـ
تعريف:

(8) إضاءات من دعاء الافتتاح 

تحرير الفاضل أحمد الحسين

في دعاء الافتتاح "الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً. الحَمْدُ للهِ بِجَمِيِعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلامُنازِعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلاشَبِيهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ".

 يبدأ الداعي هنا متوجها الى بعض صفات الله الحسنى، فيبدؤها بما يعتقد من ان الله ليس له شريك في الملك وليس له ولي من الذل ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وهذه الجمل والكلمات التي تعتبر من اعلى الاذكار قد ورد التأكيد عليها من قبل ائمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم، إن هذه الجمل تحتوي على عدد من المعاني العقدية، وذلك نجد ان قسما من غير المؤمنين بالله تعالى - كما يجب - قالوا إن الله سبحانه و تعالى قد اتخذ اولادا، فزعم بعضهم ان المسيح عيسى بن مريم هو ابن الله، وزعم اخرون ان عزير هو ابن الله، بل زعم المشركون قبل الاسلام ان الله سبحانه وتعالى قد اتخذ الملائكة بنات له فهو يمتلك الاولاد ولكن اناث ويقصدون بذلك الملائكة. 

وهذا الذكر العظيم ينزه الله سبحانه وتعالى ويقدسه عن أن يتخذ صاحبة أي زوجة، أو عن يتخذ ولدا، أو عن يكون له شريك في الملك، او عن يكون له ولي من الذل، ماذا يعني ذلك؟ 

اتخاذ الصاحبة اي الزوجة هو تعبير عن حاجة الزوج لتكميل نقصه من خلال انثى، من خلال زوجة، من خلال امرأة ف عن طريقها يأنس بها، وعن طريقها يقضي شهواته واشواقه، وعن طريقها يتوفر على حاجياته من خلال مساعدتها. الحاجة الى الصاحبة والحاجة الى المرأة تعبير عن نقص الانسان، وكذلك الحال بالنسبة الى الزوجة ايضا عندما تحتاج الى الزوج وهذا امر طبيعي في المخلوق الممكن، ومن ضمن هؤلاء المخلوقات الانسان فإنه ناقص عاجز محتاج لذلك، هو يحاول ان يغطي نقصه و ان يقضي حوائجه من خلال الاخرين، فتارة من خلال الزوجة. الزوجة ايضا والصاحبة لابد ان تكون لكي تقضي حوائج الانسان ولابد ان تكون مجانسة له، لذلك صاحبة الرجل امراة مجانسة له في الانسانية، لكن هذا مستحيل بالنسبه لله تعالى الله سبحانه وتعالى فالله هو الغني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ليس فيه نقص بل كله كمال بل هو الكمال، ليس فيه عجز بل هو القدرة، ليس فيه ضعف بل هو القوة المطلقة والعظمة المطلقة فلا يحتاج الى اتخاذ الصاحبة، " الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً " الولد ايضا هو تعبير عن حاجة الانسان وعن حاجه المخلوق الممكن فهو يحتاج الى استمرار، و لانه لا يستطيع الاستمرار بنفسه يستمر من خلال ولده فيفكر في الولد، يحتاج الى الولد في كبر سنه وفي عجزه وفي ضعفه وبعد مرور السنوات عليه فيحتاج الى الاعتماد على ولده. اتخاذ الولد والبحث عن الولد هو بحث عن تكميل الذات و عن رفع الحاجة الموجودة في كل مخلوق. 

الله سبحانه وتعالى لا يحتاج الى احد ولم يكن له ولد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) غير المحتاج بل الجميع يصمدون اليه ويرفعون حوائجهم اليه، (اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) و لم يتخذ ولدا ابدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.

وبالتالي ما يتحدث عنه اولئك المشركون او اولئك المنحرفون من اهل الكتاب من ان الله هو ثالث ثلاثة او بتعبير اخر ان مريم العذراء هي ام ابن الله، او ان عيسى ابن مريم هو ابن الله، او ان عزير هو ابن الله، هذا كلام باطل " الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً "

نحن نحمد الله ونشكر الله و نثني عليه في هذه الصفة التي تفرد بها وتنزه بها وتقدس بها، بينما كان سائر خلقه محتاجين، ناقصين، عاجزين يحتاجون الى الغير حتى يقضي حوائجهم عبره. "الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِ" ، لا يوجد هناك شريك على قدم المساواة ولا ولي اعلى منه. الانسان في حياته قد يحتاج الى الشريك، و حاجته الى الشريك نابعة عادة من عجزه وعن اداء حاجاته ومهماته بنفسه، فهو يحتاج الى من يشاركه السعي في تلك الحاجات او يؤدي اليه غرضا من اغراضه، او يكون حلقة من حلقات تحقيق ما يريد. الله سبحانه وتعالى لم يكن له شريك في الملك، له الملك وليس معه احد و ليس له شريك، لا يمكن ان يعدله عدل، ولا ان يكون معه احد، كل من عداه متأثر به ومنفعل به، عبد له، لا يشاركه احد في ملكه، ومن ادعى غير ذلك في اي نحو من انحاء الادعاءات فان دعواه باطلة وهو على حد الشرك بالله.

 لو ادعى احد ان النبي محمد صلى الله عليه واله شريك لله في خلقه وفي تصرفه بالاستقلال او انه في ارادته عَرض ارادة الله له فإن الانسان في عقيدته تلك يعد مشركا بالله ويُتبرأ من عقيدته.  لو ان احدا - لا سمح الله - ادعى ان احدا من الائمة يشارك الله في قدرته، أو يشارك الله في خلقه، أو يشارك الله في ملكه سواء على نحو الاستقلال، أو على نحو الشراكة، أو على نحو ان تكون ارادته في عَرض ارادة ربه، فهذا مشرك عندنا ولم يفهم حقيقة التوحيد ولم يفهم حقيقة الائمة عليهم السلام الذين هم عباد مخلوقون مربوبون لله سبحانه و تعالى.

" ...   وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِ " يعني من سبب الذل لأن من يمتلك الولي في ذلك الجانب هو اقل واذل من الولي. عندما يكون الوالد ولي على ولده الصغير فإن الولد الصغير عندئذ يكون فيه جانب نقص ولابد ان يكون عليه ولي حتى يغطي هذا الجانب، وذلك الولي لابد ان يكون في ذلك الجانب اعز منه واعلى منه. الذي يكون له ولي في ذلك الجانب يملك نقصا ويملك عجزا فيحتاج الى عزيز، ويحتاج الى كبير، يحتاج الى مسيطر ومسير له في ذلك الجانب. 

الله سبحانه وتعالى لم يكن له ولي من الذل، ولي هنا بمعنى المتولي والمهيمن، والا فإن المؤمن ولي الله، النبي ولي الله، علي ولي الله، انت ولي الله - ان شاء الله - و هكذا، المقصود هنا لم يكن له ولي أي متولي مهيمن، مسيطر، لماذا لم يكن له ولي؟ لان وجود الولي علامة على الذل، وعلى الضعف، و على العجز.

 " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً " الله أكبر، اجعل الله في نفسك كبيرا فوق ما تتصور، لا تتصور انه اكبر من كذا وكذا، كأن تتصور أنه أكبر من السماوات، أو من الارض، أو من الأكوان أو من غير ذلك، كلا! الله اكبر من أن يوصف ،الله اكبر ... الله اكبر ... كبره داخل نفسك، ومهما صنعت لنفسك صورة من الصور فالله أجلّ، الله أعظم، الله أكبر، وكبره تكبيرا وصلى الله على محمد واله الطاهرين.


مرات العرض: 3379
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2623) حجم الملف: 14562.03 KB
تشغيل:

23/ إضاءات من نهج البلاغة
24/ شرح دعاء الافتتاح