8/ محطات دعاء عرفة اعتراف وعرفان 1
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 10/11/1435 هـ
تعريف:

دعاء عرفة اعتراف وعرفان

تحرير الفاضلة أم سيد رضا

من المستحبات في يوم عرفة هو قراءة دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة، سواء كان الإنسان في عرفات أو في كربلاء أو في بيته ومنزله، حيث يستحب قراءة هذا الدعاء لما يشتمل عليه من معاني عالية تتلخص في عناوين الإعتراف والمعرفة لله عز وجل والحمد والشكر له سبحانه وتعالى، وحيث أن هذا الدعاء هو من الأدعية العالية المضامين والمعاني  ولا ينبغي للإنسان الداعي أن يتعامل معه كنص كلمات وإنما عليه أن ينظر إليه بإعتباره مدرسة أخلاقية وعقائدية كاملة وهو يستمع فيها إلى مدرس بعظمة الإمام الحسين عليه السلام.

بطبيعة الحال لا يمكن لنا أن نشرح هذا الدعاء بكامله لأن كل فقرة من فقراته تحتاج إلى حديث مفصل ولكننا نحاول أن نلقي نظرة إجمالية على فهرسة المطالب الموجودة فيه ونلفت النظر إليها حتى يتوجه الإنسان الداعي إلى التأمل في تلك الكلمات والفقرات من هذا الدعاء الشريف الذي يبدأ بحمد الله عز وجل.

( الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا كصنعه صنع صانع وهو الجواد الواسع، فطر بحكمته الصنائع..... إلى آخر هذا الدعاء الشريف )، يبدأ إمامنا الحسين عليه السلام في هذا الدعاء على حالة خاصة حيث أنه قد نقل في الرواية أن الإمام الحسين عليه السلام عندما صار العصر خرج من خبائه واستقبل بوجهه السماء وشرع في ذلك الدعاء الشريف، وكلما تتالت فقرات الدعاء عمقاً تفاعل الإمام الحسين عليه السلام بكاءً ودموعاً وإلحاحاً، كما يلاحظ الإنسان الداعي في الرواية التي تنقل هذا الدعاء.

يبدأ الإمام الحسين عليه السلام بالحمد لله عز وجل على مجموعة من الصفات التي ينفرد بها ربنا سبحانه وتعالى، ونلاحظ أن عدداً من سور القرآن الكريم قد ابتدأت بالحمد وأهمها هي سورة الفاتحة أم الكتاب التي تبدأ بآية (( الحمد لله رب العالمين )) بعد البسملة الشريفة، لذلك يبدأ الإمام الحسين عليه السلام بالحمد مستهدياً بالقرآن الكريم، ثم يثني بعدد من الصفات في عدة أسطر تحمل خمساً وعشرين صفة من صفات الله عز وجل، ونحن نعلم أن من مقومات استجابة الدعاء هو البدء بمدح الله عز وجل، وقد عبر دعاء الإفتتاح عن هذه الحقيقة في قوله:(اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك)، أي أنه يحمد الله وبعد ذلك يثني عليه ويذكر صفاته ويمدحه ويظهر ما هو خاف على الناس من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى.

هكذا يصنع إمامنا الحسين عليه السلام، ففي مقطع قصير يعدد 25 صفة من صفات الله عز وجل ثم ينتقل من الحمد إلى الرغبة فيما عند الله وإلى الشهادة بالعبودية تجاه ربه عندما قال: ( اللهم إني أرغب إليك مقراً بأنك ربي وأن إليك مردي )، وهذه انتقالة وانعطافة وتعبير عن حالة أخرى، بالإضافة إلى حالة الحمد والمدح وهي حالة الإعراب عن الرغبة فيما عند الله عز وجل، التشوق إلى أنعم الله والإنتظار لإستجابة الله عز وجل، يشهد الله على نفسه بانه عبد لله عندما قال: ( مقراً بأنك ربي وأن إليك مردي ).

ينتقل بعد ذلك إلى البدايات الأولى لوجوده قائلاً انه كان شيئاً غير مذكور ولم يكن لهذا الإنسان قيمة وأن نعمة الله عليه لم تبدأ بعد خروجه لهذه الدنيا وإنما حتى في تخير الله عز وجل لهذا الإنسان ان اخرجه في عهود الإيمان وفي أزمنة الدين والرسالات ولم يخرجه رأفة به في عصور أولئك الظلمة والطغاة والنماردة والفراعنة الذين سيطروا على الاوضاع ومنعوا الناس من الإيمان وحجبوهم عن الفضيلة، فإن الإنسان عندما يأتي في دولة يكون الظلم غالباً عليها والكفر فاش فيها والإيمان متراجع أو أنه يأتي في زمان لم يكن هناك رسل ولا أنبياء ولا خلفاء، فكيف له أن يكون وكيف يكون مصيره؟.

لذلك فإن نعمة الله عز وجل للإنسان لا تكون بعد خروجه من الدنيا وإنما تكون قبل خروجه إليها إذ اختار له الفرصة والزمان المناسب الذي خرج فيه وهو زمان بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فعندما جاء رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد بلغ كلمات الله وعرف الناس بخلفاء الله واولياءه وهذه نعمة من اعظم النعم وإن لم تكن اعظم النعم جميعها.

لذلك نحن نقرأ عندما نذهب إلى زيارات أئمتنا عليهم السلام على بوابة الأئمة: ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فيبدأ الإمام الحسين عليه السلام في نعمة الله عز وجل فيما قبل الإيجاد إذ أنه يختار الفترة المناسبة لخروج الإنسان في زمان فيه هداية الله عز وجل له وفي زمن الأئمة المرحومة.

حتى عندما يأتي الإنسان لهذه الدنيا فإن الله يكفل به الامهات الرواحم والحواضن الاكارم من الأمهات والأقارب، ويكفل له عوامل البقاء والإستمرار ويهيئ له تلك الام الحنون (جزى الله امهاتنا خير الجزاء وأعلى درجاتهن حيث أنتجوا من عصارة قلوبهن ما أشبعننا فيه وحمونا برموش أعينهن وباجفانهن وأهدابهن وسهرن علينا حتى كبرنا وتربينا فجزاهن الله خير الجزاء وشكراً لله تعالى على ان وفر لنا مثل هذه الرعاية)، فقد كان من الممكن للإنسان ان يأتي ضمن أسرة متفككة وأم قاسية لا تعترف بعاطفة ولا مشاعر وربما كانت تنكل به، ولكن الله سبحانه وتعالى اختار له هؤلاء الأمهات الرواحم ففدينه براحتهن وحرصن على تنشئته، فيجب شكرهن على هذا الفعل والدعاء لهن وطلب الرحمة والمغفرة لهن والحرص على احترامهن.

بعد ذلك يتكلم الإمام الحسين عليه السلام بأن القضية لم تكن في إطار تهيئة الأم الرحوم ولا الأب الشفيق ولا في إطار الغذاء الهنيء والطعام الذي يأخذ من هذه الطبيعة الواسعة ومختلف الأشربة، وإنما انعم على هذا الإنسان بما هو أعظم من ذلك بان أتم عليه حجته من خلال إكمال عقله من جهة وإرسال رسله من جهة اخرى حتى يهتدي إلى طريق الهدى فجعله محلاً لرحمته ومحطاً لعطاءه فاهتدى هذا الإنسان إلى طريق الله عز وجل إذ بعث إليه الأنبياء وواتر عليه الاوصياء وزوده بالعقل الكامل من اجل ان يهتدي لطريق الله فيسعد في هذه الدنيا ويفلح في الآخرة، لذلك فإنه يحق للإنسان أن يحمد الله بل ويجب عليه ذلك.

بعد ذلك يتحدث الإمام عليه السلام عن مرحلة أخرى وهي مرحلة  التسبيح لله عز وجل وهي تختلف في المعنى شيئاً ما عن مرحلة الحمد، وسيأتي الحديث عنها في حلقة اخرى ضمن الحديث العام عن الفهرسة الإجمالية لدعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة، نسأل الله أن يبلغنا  وإياكم لقراءة هذا الدعاء في صحراء عرفة إنه على كل شيء قدير.

 

مرات العرض: 3377
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2595) حجم الملف: 12608 KB
تشغيل:

7/ محطات : دعاء عرفة اعتراف وعرفان
9/ محطات : مكة بيئة الديانات