5/ الحج مناسك ومقاصد 3
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 9/11/1435 هـ
تعريف:

الحج مناسك ومقاصد 3 

تحرير الفاضلة أم سيد رضا

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير )).

لا تقتصر أبعاد وآثار العبادات التي شرعت في الإسلام على الجانب العبادي للشخص نفسه وإن كان هذا الأمر من الامور المهمة جداً، فإن صلاح المجتمع وصلاح الأمم في أحد نتائجه هو من نتائج حياة الأفراد، فالعبادة تؤثر في القائم بها فإذا تأثر هؤلاء الأفراد بهذه العبادة وآثارها الأخلاقية أمكن لنا ان نرى مجتمعاً متميزاً طيباً.

العبادات في الإسلام لها آثار مهمة في نفوس الأفراد على المستوى الديني والأخلاقي والبناء الداخلي للنفس، بالإضافة إلى ذلك فهناك من العبادات التي لا تقتصر آثارها على الجانب الفردي والشخصي وإنما تمتد لأبعاد مختلفة على مستوى المجتمع الذي تجري فيه هذه المناسك وهو مكة المكرمة، بل وعلى مستوى المجتمعات التي تفد إلى ذلك المكان أي على مستوى الأمة الإسلامية، فإن أثر الحج لا يقتصر على الأبعاد الفردية للحاج وإنما يمتد ليشمل بآثاره وضع الأمة جميعاً، ولهذا وجدنا القرآن الكريم يقول: (( ليشهدوا منافع لهم )).

 في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام وتروى أيضاً عن الإمام الباقر عليه السلام فقد سئل أهي منافع الدنيا أم هي منافع الآخرة؟ قال الإمام عليه السلام: بل هي كلاهما. وهذا يعني أنه تتحقق في الحج المنافع الدنيوية وتتحقق أيضاً المنافع الأخروية. 

فلو نظرنا إلى بعض الجوانب الظاهرة وهي: 

1 – الجانب الإقتصادي: أي حركة المال في الأمة وفي منطقة المناسك، فالدول الكبرى التي تعيش على الإقتصاد يهمها جداً استجلاب المال إلى مناطقها وإلى دولها، والغرض من ذلك أن المال عندما يصل إلى هذه المنطقة فإنه يصنع حركة اقتصادية تؤدي إلى تشغيل السوق وهذا يؤدي إلى كثرة الطلب على الأعمال مما يؤدي إلى إغناء أهل ذلك السوق، ولذلك تسعى الدول عادة بكثير من المرغبات والمحفزات على استجلاب الأموال إلى أسواقها.

نجد في الحج أن هناك حركة مالية واقتصادية هائلة جداً ولو أمكن التخطيط إليها بشكل سليم على المستوى الإقتصادي لصنعت نهضة مالية واقتصادية في الأمة لا نظير لها، فعدد الحجاج في هذه السنوات المتأخرة يصل إلى مليونين ونصف وربما يزيد عن هذا العدد أو يقترب منه، فلو فرضنا أن معدل ما ينفقه كل حاج هو ما يقارب ثلاثة آلاف دولار وهو الحد الأدنى نظراً إلى بعد المناطق فكلما بعدت المناطق زاد المبلغ المالي على الحاج، فكل هذا المال وهذا الحجم الإقتصادي الهائل يحرك من الوضع الإقتصادي في الأمة ولو وجد من يخطط لهذه الحركة الإقتصادية بنحو سليم لأمكن للأمة أن تصنع شيئاً عظيماً باقتصادها.

قد يجتمع المال في بلد ما حتى مدى سنة كاملة ولكن دفعه الإقتصادي يكون متوزعاً، بينما تجتمع كل هذه الاموال الهائلة في فترة قصيرة قد لا تتجاوز شهراً ونصف في بلد آخر ولو أمكن للمخططين الإقتصاديين أن يتحركوا في هذا الإتجاه وساعدت بض الأنظمة الإقتصادية عليه لوجدنا أن المال المتحرك في هذه الامة وفي هذه الفترة شيئاً كبيراً جداً.

بالإضافة إلى ما هو من التجارة البينية في حدود أضعف وأقل مما يأخذه الحجاج ويتاجرون به أخذاً وعطاءً وتسويقاً وإنتاجاً وما شابه ذلك، فهذه المنافع هي من الجانب الإقتصادي.

2 – الجانب السياسي: لا يوجد مظهر سياسي في العالم إلى اليوم يعدل في رسائله الموجهة للعالم كما هو الحال في الحج، فهذا التجمع البشري الهائل الذي هو شعب كامل بعدد مليونان ونصف أو ثلاثة ملايين يوجهون رسالة واحدة في حركة واحدة في مكان واحد وزمان واحد ليقرأها العالم بنفس مفتوحة، ولو امكن ان يتحرك الجانب السياسي في الحج لوجدنا ما قالته سيدتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها في حديثها عن مقاصد التشريع الإسلامي عندما قالت: ( فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر....... إلى أن تصل إلى الحج وتقول: الحج تشييداً للدين )، فالحج يشيد الدين ويقيم بناءه ويعلي كيانه ويكون هذا من خلال الرسالة السياسية التي يوجهها الحجاج إلى العالم بأنهم أمه واحدة وشعاراتهم واحدة وتوجههم واحد وها هم حاضرون من أجل طاعة الله، يخرجون من أماكنهم من أبعد مدى ومن مناطق مختلفة من أجل ان يقولوا: أيها الناس نحن نعبد الله وحده لا شريك له وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله.

يمكن للإنسان أيضاً أن يلاحظ رسالة وهي رسالة اعتراض على ما يقوم بع أعداء هذا الدين من تشويهه ومن محاولات الإفتاء عليه وعلى شخصياته ولا سيما على نبينا المصطفى فخر الكائنات وسيد الخلائق أبا القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مثل عندما قام بعض الحمقى والمعتوهين بمحاولة مس ذلك الجناب المقدس والكيان الطاهر.

إن وجود الحجاج في مثل هذا الموقف وهم في كل موضع يرفعون فيه نداء الشهادة لله بالوحدانية وللنبي بالنبوة ويرفعون أصواتهم بالصلاة على محمد وآل محمد وبالتكريم لما قام به وبالتبجيل لما صنع، فهذه رسالة ينبغي ان يفهمها العالم وهي ان المسلمين يقدرون ويقدسون رسول الله بهذا المقدار وبأكثر منه.

فمن المفترض ان يكون هناك في قيادات المسلمين من يحسن الإستفادة من البعد السياسي في الحج حتى يوجه رسالة إلى العالم حول عزة الإسلام وقداسته وأهداف المسلمين وان يحمل شعاراتهم إلى هذا العالم، وكما نرى فإن العالم يغطي في اخباره وقنواته هذا اليوم العظيم ولو أمكن للعالم الإسلامي بقياداته ان يوجه بأهداف الإسلام لكان في ذلك خيراً كثيراً.

(( ثم ليقضوا تفثهم ))، أي أمورهم وحاجاتهم من صغيرها البسيط غلى عظيمها كلقاء النبي والإمام في زمانهم ولقاء القيادات الدينية في حال غيبة الإمام المعصوم، وهذا مما يجعل للحج أن تكتمل رسالته بالإنتماء إلى منهج الله عز وجل وبالتوجه إلى شعارات الدين، فالمنافع التي جاء ذكرها في الآية المباركة هي كثيرة جداً وما ذكرناه من جانب سياسي أو اقتصادي في وضع الأمة بعد الجانب الفردي.

حالة التعارف التي ينبغي ان تكون سائدة بين أبناء المسلمين هي التي تقضي على محاولات إثارة الفتن الطائفية والتشنج المذهبي الذي يثيره اليوم أعداء هذه الامة، فعندما يلتقي هؤلاء المسلمون من شتى بقاع الأرض ويتعارفون وتلاقون ويرى بعضهم البعض ويسمع بعضهم من بعض، حينها تبقى خطط شياطين الجن والإنس هباءً.

ينبغي أن يسعى حجاج بيت الله الحرام إلى التلاقي والتعارف والتآلف ولا ينبغي ان يكون الإنسان في حملته او في منطقته منحصراً على جماعته فقط وإنما ينبغي له ان يحاول ويلتقي ويتعرف وان يعرف بنفسه حتى تنتهي كل تلك المآمرات الخارجية التي تستفيد من الجهل المتبادل بين المسلمين إلى شيء جيد. هذا أيضاً من المنافع وهي أكبر من ذلك.

المنافع الفردية: وهي آثار العبادة.

المنافع الإقتصادية: وهي حركة السوق بين المسلمين.

المنافع السياسية: وهي الرسالة الموجهة إلى العالم.

المنافع الإجتماعية: وهي التلاقي والتشاور والتعارف.

نسأل الله تعالى أن يكمل على المسلمين منافع الحج إنه على كل شيء قدير.


مرات العرض: 3401
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2573) حجم الملف: 35028.13 KB
تشغيل:

4/محطات : الحج مناسك ومقاصد 2
6/ منافغ لهم