عدالة الصحابة أدلتها ومناقشتها
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/9/1435 هـ
تعريف:

نظرية عدالة الصحابة أدلتها ومناقشتها

 

كتابة الاخت الفاضلة علياء الفلفل

صياغة سماحة الشيخ جعفر البناوي

(القسم الأول)

قال الله تعالى {ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}([1]).

نناقش في هذه المحاضرة وغيرها نظرية عدالة صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفضيلتهم وتميزهم على سائر الناس.

وأهم ما سوف نتطرق إليه هو بعض الأدلة التي قامت عليها تلك النظرية، ومناقشتها وعرضها على القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الصحابة أنفسهم.

ويستلزم منا قبل ذلك أن نشير إلى بعض التعريفات والفروع المتصلة بموضوع البحث.

الأول: في تعريف الصحابة:

عرف ابن حجر العسقلاني [ت: 852هـ] الصحابي هو >من صحب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ساعة من نهار<([2]).

ورأى بعضهم بأن الصحابي هو كل من لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومات مسلما ولو ساعة من الزمان([3])، فضلا عنه إذا طالت([4]) صحبته رجلا كان أو امرأة، صغيراً أو كبيراً وهذا التعريف يتسع كما ذكر بعض علماء هذه المدرسة إلى ما يصل إلى مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة (114000) ممن لقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الأخر: في أحوالهم

بناء على ذلك التعريف وغيره فإن الصحابة كلهم عدول([5]) لا يتطرق لهم نقد ولا انتقاص([6]) ولا ينبغي التحقيق في الحديث الذي روي عنهم، كما أنهم من أهل الجنة، فقد نقل ابن حجر العسقلاني [ت: 852هـ] عن ابن حزم الأندلسي [ت: 456هـ ] بأن: > الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا<([7])، وقيل: أنهم أفضل البشر وأفضل الناس([8]).

ويتمايز الصحابة في طبقاتهم حيث يتقدم عليهم الخلفاء الأربعة ثم إلى تمام العشرة المبشرين بالجنة ثم بعد ذلك عامة الصحابة.

أدلة نظرية عدالة الصحابة :

ساق أصحاب هذه النظرية مجموعة من الأدلة نحاول أن نعرضها ثم نناقشها، منها:

1/ الصحابة منتخبون من الله:

والمرتكز في هذا الدليل أن صحابة النبي هم الذين نقلوا إلينا القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبواسطة هؤلاء انتقل القرآن وانتقلت سنة النبي إلى سائر المسلمين وهذا يعني أن الله قد انتخبهم لإيصال القرآن وسنة رسول الله إلى من يأتي من الأجيال بعدهم.

ولابد أن ينتخب الله سبحانه وتعالى بحكمته الأشخاص العدول وأفضل الناس لحمل هذه الرسالة، لإيصال القرآن إلى من يأتي فيما بعد ولإيصال سنة رسول الله، إذ لو كانوا سيئين أو فسقة لضاع القرآن وضاعت السنة.

والجواب على ذلك:

أولا: إن الكلام ذاته يأتي فيمن يكون بعدهم([9]) كذلك، وهم الأشخاص الذين يتسلمون القرآن والسنة من الصحابة أيضًا، فلابد أن يكونوا أفضل الناس وأعدل الناس وأحسن الناس وإلاّ ضاع القرآن وضاعت السنة.

فلو فرضنا أن الصحابي كان إنسان جيداً، ولكن الذي جاء بعده من التابعين كان إنساناً سيئاً لضاع القرآن والسنة.

فإذًا: يجب أن تلتزموا بأن التابعين أيضاً هم أفضل الناس وخير البشر وهم عدول كذلك، وهكذا إلى المرحلة الثالثة.

الأغرب من ذلك ما ذكره المقريزي الشافعي [ت: 845هـ] في كتابه (إمتاع الأسماع) وهو يذكر خصائص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث ينبغي أن نضع في حسابنا مائة وأربعة عشر ألف إنسان، منهم الوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم، وأبو سفيان وأمثال هؤلاء، حيث جعل القضية غيبية فقال: > ونحن وإن بلغنا من الفضل ما عسانا نبلغه، فإن فهم مقامهم على مقدارهم، مستحيل أن يصل منا أحد إليه، لبلوغنا الغاية في الانحطاط عن مرتبتهم. لكنا إنما نفهم مقامهم على قدرنا، وذلك أن أكثر ما نبحث عنه من العلوم، وندأب فيه، فإنه حاصل عند الصحابة بأصل الخلقة، لا يحتاجون فيه إلى تكلف طلب، ولا مشقة درس... وكذلك ما فطروا عليه من العقول الرصينة، ما منّ الله تعالى به عليهم، من إفاضة نور النبوة العاصم من الخطأ في الفكر<([10]).

وعلى ضوء هذا الرأي فإن علم الصحابي ليس كبقية البشر علم مكتسب، بل علمهم من أصل الخلقة، مضافًا إلى >ما فُطروا عليه من العقول الرصينة وما منّ الله به عليهم من إفاضة نور النبوة العاصم من الخطأ في الفكر..<.

ثانيا: أين كان هؤلاء الصحابة المنتخبين من الله، أومن جعل في أصل خلقتهم العلم والمعرفة، وإن عقولهم استثنائية صب عليها النبي نور النبوة، أين كانوا قبل إيمانهم برسول الله بنصف ساعة، حيث يتمرغ بعضهم في التراب سجودًا للأصنام، أو يصنع صنمًا من التمر بيده ثم إذا جاع أكله... فأين كانت هذه العقول الرصينة؟

فهذه الأدلة لا تصمد عند عرضها على العقل السليم.

2/ إن الله عدلهم وفضلهم:

وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ}([11]).

وبقوله تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}([12])

وبناء على ذلك فإن الله عدلهم وطهرهم وزكاهم فلا يحتاجون إلى توثيق من أحد.

والجواب عنه يحتاج إلى وقفات:

الوقفة الأولى: ما ذكره العلماء من أن القران الكريم في آياته المادحة لمن كان مع رسول الله فيها تخصيص وتجزئةٍ واستثناء ..

يقول العلماء إن القرآن الكريم عندما تحدث عن عامة من كان مع رسول الله يذيلها بالتبعيض كما في هذه الآية المباركة: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ} إلى أن يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }([13]).

فلو كان الأجر والمغفرة عام لكل هؤلاء ما كان ينبغي أن يستثني بعض منهم بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} كان عليه أن يقول وعدهم الله مغفرةً وأجراً عظيماً.

وكذا في قوله تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} حيث يقول في مقدمتها: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}([14]).

فنظرية عدالة الصحابة لو كانت صحيحة، أو أن الله زكاهم وعدلهم فلا معنى لقوله: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ }، وهذا يعني أن الصحبة تحتاج إلى استقامة.

وكما يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه: >اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره<([15])، فالذين أحسنوا الصحبة واستمروا على هذا المنهاج لهم المغفرة والرضوان، أما ذاك الذي لم يصنع هذا ونكث فإنما ينكث على نفسه.

الوقفة الثانية: أن نظرية عدالة الصحابة مخالفة للقرآن:

لقد ذكر القرآن الكريم قصص بعضهم ونسب الفسق إليه، كما في قضية الوليد بن عقبة حيث اعتبره القرآن فاسقًا كما في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}([16]).

وقوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ}([17]).

فالوليد بن عقبة بناء على هذه النظرية لا أثر للطعن فيه، يقول ابن حجر العسقلاني - وهو من أعاظم مدرسة الخلفاء- في ما يشمل هذا المورد : >إذا ثبتت صحبته لم يؤثر الطعن فيه<([18]).

الوليد بن عقبة قد ثبتت صحبته وله ذنوبٌ أمرها إلى الله والسكوت عنها أجدى!! هذا مع أن الذنوب لا سيما الكبائر وقد ثبت عليه بعضها قادح في العدالة وموجب لخلافها.

وبناء على ذلك فإن الذنوب التي تؤثر في كل البشر فتسقط عدالتهم، لا تفعل فعلها حين تصل إلى بعض الصحابة، هذا هو المثال الأول.

المثال الثاني: تحدث القرآن الكريم عن ثعلبة بن حاطب([19]) صاحب آية: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}([20]).

فالقرآن يصف هذا بالنفاق على أثر الكذب على رسول الله !! لكن هذا بحسب هذه النظرية هو من أفضل البشر ويدخل الجنة قطعاً وهو عادلٌ حتماً ولا يمكن انتقاده ولا انتقاصه.

المثال الثالث: عبدالله بن سعد بن أبي سرح الذي نزل فيه قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}([21])، وقضيته مشهورة ومفصلة في كتب التفاسير([22]).

الوقفة الثالثة: أن نظرية عدالة الصحابة مخالفة للسنة النبوية:

وأما سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففيها ما يخالف هذه النظرية كثيرا، أشهرها الحديث المروي في صحيح البخاري [ت: 256هـ] >وان أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال أنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم<([23]).

وفي رواية أخرى: > إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل([24]) النعم <([25]).

فماذا تصنع نظرية عدالة الصحابة جميعًا، وأنهم أفضل البشر طراً وأنهم من أهل الجنة قطعًا .

الوقفة الرابعة: أن نظرية عدالة الصحابة مخالفة لسيرة الصحابة أنفسهم:

لم يتعامل الصحابة والخلفاء مع بعضهم على أساس هذه النظرية، فمما يروى عن عائشة أنها قالت: > جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب كثيرا، قالت: فغمني فقلت تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فأحرقها وقال: خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك<([26]).

فإن المبرر الذي دفع الخليفة الأول بحرق الأحاديث هو خشيته من أن تقع في أيدي غير أمينة فيكون الإثم عليه !!

لو كان الصحابة كلهم عدولاً وصادقين، فما سبب خوف الخليفة من أن يكون من حدثه غير صادق؟

وهكذا ما ذكر في أسباب منع الخليفة الثاني الصحابة من الخروج من المدينة فقد ذكر أنهم قد ينتشرون في البلدان فيحدثون بأحاديث لا نعلم صحيحها من سقيمها؟

فهل هذه أسباب واقعية أو هناك أسباب أخرى ليس محلها بحثنا الآن([27])..

خلاصة القول: أن الخلفاء والصحابة أنفسهم لم يكونوا يعتقدون بأن كل صحابي هو عادل وصادق، وإنما كانوا يحتملون أن بعضهم لا يقول الصدق، ويغير ما سمع ولذلك تُـحرق الأحاديث خوفاً من هذا الأمر.

إضافة إلى ذلك ما جرى بينهم من اختلاف أدى إلى سب بعضهم البعض([28])، حتى نقل أن سبب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تسبّوا أصحابي<([29])، هو ما جرى بين الصحابة من مواقف مختلفة مثل السب واللعن والشتم وذلك في حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم([30]) حتى قال: >لا تسبّوا أصحابي<.

إن سباب المسلم حرام عند الجميع، فكيف يتفق حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: >سباب المسلم فسوق...<([31])، مع عدالة الصحابة أجمعين وفضيلتهم على كل البشر.

لو فرضنا وجود تزكية فإنها في أساليب الخطاب العربي هي للعموم لا يعني التزكية لكل فردٍ فرد، فعندما نقول أن الشعوب الغربية منظمة لا يقصد كل فرد فيهم وأنه لا يوجد مخالفة للنظام أصلا !

لذلك قال بعض الباحثين المحدَثين أن القول بمثل هذه النظرية يعني قبول التناقض، وأن تتعايش مع التناقض أو أن تسكت، أو أن تطرح سؤالاً ولا تجد له جواباً.

حين نقرأ آيات القرآن الكريم ونجد مالا يثبت عدالتهم ومع ذلك نؤمن بالعدالة، وكذا في حديث رسول الله ما يُشيرُ إلى أنهم قد تراجعوا واختلفوا ومع ذلك تقول هم عدول وثقات.

هل ارتد الصحابة؟

هناك من يتهم الشيعة بأنهم يعتقدون أن الصحابة كلهم مرتدون إلاّ ثلاثة أشخاص !! وينقلون رواية عن بعض الأئمة عليهم السلام >ارتد الناس بعد رسول الله الاّ ثلاثة<.

والجواب أنه: بغض النظر عن أسانيد ما روي، نشير إلى معنى الارتداد في الرواية؟

تارة الارتداد يعني الكفر بالله وبرسوله وبما ثبت عند المسلمين جميعاً بالضرورة من الدين، ولاريب أن شيعة أهل البيت عليهم السلام لا يعتقدون في أحدٍ من الصحابة أنهم ارتدوا بهذا المعنى ابداً.

نعم خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يقبلوا كلامه في علي عليه السلام، ولم يسيروا وفق المنهاج.

وقد أشار أحد مراجع الطائفة وهو السيد الگلبايگاني (قدس سره) في كتابه (نتائج الافكار) حين تعرض إلى هذه المسألة فقال: >إن هذا الارتداد ليس هو الارتداد المصطلح الموجب للكفر والنجاسة والقتل، بل الارتداد هنا هو نكث عهد الولاية، ونوع رجوع عن مشي الرسول الأعظم، وعدم رعاية وصاياه، ولو كان المراد منه هو الارتداد الاصطلاحي لكان الإمام عليه السلام - بعد أن تقلد القدرة وتسلط على الأمور - يضع فيهم السيف ويبددهم ويقتلهم من أولهم إلى آخرهم خصوصا بلحاظ أن توبة المرتد الفطري لا تمنع قتله ولا ترفعه بل يقتل وإن تاب<([32]).

فيتبين إن الارتداد التي تتحدث عنه الرواية ليس الارتداد الاصطلاحي وإنما هو مخالفة وصايا رسول الله وعدم تقديم من أُمروا بتقديمهم.

وفي ذات المعنى أُستخدم مصطلح الارتداد في قضية الإمام الحسين عليه السلام: « ارتد الناس بعد قتل الحسين عليه السّلام إلا ثلاثة...<.

فـ>ارتد الناس< ليس بمعنى كفروا بالله، بل تراجعوا وانصرفوا عن الأئمة عليهم السلام، إذ كان من المفروض أن يمشوا طبق وصايا رسول الله في الإمامة.

ويُشير بعض الباحثين إلى أن معنى الارتداد المقصود به في هذه الرواية >ارتد الناس بعد قتل الحسين عليه السّلام< هي تلك الحالة التي حصلت للناس حيث انفضوا عن الدين وتركوا الإيمان.

فالإمام الحسين عليه السلام بهذه العظمة ومع ذلك قُتل تلك القتلة فما يكون شأنهم، لذلك قسمٌ من الناس ضعف تدينهم وتراخت عزائمهم الإيمانية.

فما عبرت به الرواية عن >ارتد الناس بعد قتل الحسين<، عبرت به الرواية عن >ارتداد الناس بعد رسول الله< في أنهم نكثوا عهده ولم يقبلوا وصاياه.

 

([1]) سورة الفتح، الآية: 29.  

([2]) الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج1، ص8 (المقدمة).  

([3]) البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي: ج3، ص359.  

([4]) صحيح مسلم شرح النووي: ج1، ص35.  

([5]) صحيح ابن حبان: ج6، ص442.  

([6]) أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن أثير: ج1، ص3.  

([7]) الإصابة لابن حجر: ج1، ص163.  

([8]) المصدر السابق.    

([9]) وهم التابعون.    

([10]) إمتاع الأسماع للمقريزي: ج9، ص221.    

([11]) سورة الفتح، الآية: 29.    

([12]) سورة الفتح، الآية: 18.    

([13]) سورة الفتح، الآية: 29.    

([14]) سورة الفتح، الآية: 10.    

([15]) الصحيفة السجادية من دعائه عليه السلام (في الصلاة على اتباع الرسل ومصدقيهم).    

([16]) سورة الحجرات، الآية: 6.    

([17]) سورة السجدة، الآية: 18.    

([18]) قاله في ترجمة مروان .  

([19]) للمزيد راجع مجمع الزوائد للهيثمي: ج7، ص31 .    

([20]) سورة التوبة، الآيات: 75- 77.    

([21]) سورة الأنعام، الآية: 93.    

([22]) نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح أسلم، وكان يكتب للنبي ( ص )، فكان إذا أملى عليه سميعا عليما ، كتب هو: عليما حكيما وإذا قال: عليما حكيما كتب: سميعا عليما. فشك وكفر، وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله، قال محمد: سميعا عليما، فقلت أنا: عليما حكيما. فلحق بالمشركين ، ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي أو لبني عبد الدار، فأخذوهم فعذبوا. [راجع: جامع البيان للطبري: ج7، ص355].  

([23]) صحيح البخاري: ج4، ص110، وروي في مسند أحمد بن حنبل: ج1، ص235.    

([24]) همل النعم: أي أن الناجي قليل كضالة النعم. [راجع: الترغيب والترهيب في الحديث الشريف للمنذري: ج4، ص422].    

([25]) صحيح البخاري: ج7، ص209.    

([26]) الرياض النضرة في مناقب العشرة، للطبري: ج1، ص200.    

([27]) نتطرق إليها في المحاضرة الأخرى وهو القسم الثاني من البحث.    

([28]) كما في قصة عمار بن ياسر وخالد بن الوليد. راجع: [الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي: ج2، ص176].    

([29]) الاستيعاب لابن عبد البر: ج3، ص1351.    

([30]) روي عن أنس بن مالك، قال: ذكر مالك بن الدّخشم عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبوه، فقال:>لا تسبّوا أصحابي<.  

([31]) صحيح البخاري: ج1، ص17.    

([32]) نتائج الأفكار: ج1، ص196.    

مرات العرض: 3440
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2552) حجم الملف: 57756.41 KB
تشغيل:

مكاسب غير مشروعة.  التسول و التحايل
عظمة السيرة في سيرة العظماء