عصمة الأنبياء والأئمة بحث في المصطلح والأدلة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/3/1435 هـ
تعريف:

عصمة الانبياء والأئمة بحث في المصطلح والادلة

كتابة الأخ الفاضل إيثار نصير /  العراق

قال تعالى : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"([1])

العصمة للانبياء والائمة والكلام في تحديد المصطلح والاجابة على بعض الاسئلة التالية لهذا الموضوع وبعض الادلة التي تشير اليه .

اولاً : العصمة في اللغة :

المادة المكونه من العين والصاد والميم ( عصم ، وعاصم ، وعصمة ) جاءت في القرآن الكريم لتدل على حالة الامتناع والاحتجاز.

ففي قصة نبي الله يوسف تتحدث زليخا عن يوسف قائلةً " وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ "([2]) امتنع احتجز، وفي اية اخرى عندما يتحدث عن قصة نبي الله نوح مع ابنه " يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ "([3]) هذا في اصل المعنى اللغوي.

ثانياً : العصمة في الاصطلاح :

قالوا ان العصمة هي ملكة عند بعض الناس يقتدرون بواسطتها على الامتناع عن المعاصي كلاً وطراً .

هذا البحث اول ما يقع يقع بالنسبة الى الانبياء وفي المرتبة التالية المتفرعة عليه يقع البحث حول عصمة الائمة "عليهم السلام" بنفس الادلة والتقريبات مع شيء من الاختلاف في حدود دائرة العصمة . 

عصمة الانبياء:

بالنسبة الى الانبياء وبالذات ما يرتبط بعصمة سيدنا المصطفى محمد "صلى الله عليه واله وسلم" ، الامامية يقولون ان العصمة بالنسبة الى رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" ذات ثلاث ابعاد

البعد الاول: ما يرتبط بتلقي الوحي وتأديته وابلاغه:

      انه معصوم في التلقي ومعصوم في الابلاغ فلا يتلقى شيئاً غير صحيح كما لو قلنا بالمثل الدارج لو ان شيئاً يشتغل ويدخل على موجة اخرى ، شياطين يأتون مثلا يلقون بعض التشويشات على النبي فهذا لا ، هو معصوم في تلقي الوحي من مصدره ومعصوم بعد ذلك في ابلاغه الى الناس .

البعد الثاني: هو العصمة المرتبطة بالامتناع عن جميع الذنوب صغيرها وكبيرها : فلايجري عليه اي ذنب او اي معصية مهما صغرت فضلا عن الكبائر .

البعد الثالث: ما يرتبط بالسهو والخطأ في الامور الخارجية:

الرأي المشهور لدى الامامية ان النبي "صلى الله عليه واله وسلم" لايُخطىء في الامور الخارجية لاينسى لايسهو لاتتغير عليه الاشياء او تتشابه هذا بالنسبة الى ابعاد هذه العصمة.

التوجيهات والادلة على العصمة :

اما بالنسبة ما يقام عليها من التوجيهات والادلة ، وسؤال اخر هل هي اكتسابية ام وهبية اي هل هي عطاء من الله عز وجل ام هي اكتساب من المعصوم بالمجاهدة ورياضة النفس وما شابه ذلك ، واذا كان الاول الا ينتهي هذا الى شيء الجبر وعدم افضلية المعصوم على غيره اذا كان شيئا من الله عز وجل اعطاه فبالتالي لايستطيع ان يتخلى عنه وليس له في ذلك فضل او مزية  

التوجيهات والادلة على عصمة الانبياء:

بالنسبة للقسم الاول (التوجيهات والادلة ) في توجيه هذه الابعاد اولا لكي نكسر الحاجز عن هذا المفهوم قسم من الناس ولاسيما في غير مدرسة اهل البيت يعتبرون نسبة العصمة الى من عدا رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" شيء لايمكن ان يُقبل ، نحن نعتقد ان الناس غالبا هم معصومون بدرجة او باخرى من درجات العصمة الامثلة على ذلك لنكسر هذا الاستيحاش والاستنكار.

- لو قيل لك مثلا ان مرجعا دينيا كبيرا معروفا بالقداسة والعلم الكبير خرج في وسط السوق ذات يوم بملابس داخلية فهل ستصدق هذا الامر ؟ طبعاً لاتصدقه لماذا ؟ مع العلم انه لم يفعل شيئاً محرما لانه ساتر لعورته مع انه بالنسبة لهذا الفعل هذا الفعل ممتنع عليه لما يحمله من خصائص نفسية ومعرفة دينية وشخصية اعتبارية اول ما يُنقل اليك هذا الكلام فستقول له : مستحيل . واذا رأيته تقول اكيد ان هنالك شيء غير طبيعي قد حدث ، لماذا ؟ لم يفعل منكرا لكنك تقول: انه عن هذا الفعل معصوم

- امام الجماعة الذي انت تصلي خلفه عالم جليل كبير الشأن معصوم بالنسبة الى شرب الخمر ليس لايستطيع ، لكن تركيبته النفسية ووضعه الديني والاخلاقي يمتنع ان يصدر عنه مثل هذا الامر.

- طبيب مثلا فانه يمتنع عليه ان يأتي ويشرب من ماء ملوث بالجراثيم لانه يعرف اضراره ومشاكله التي تترتب عليه .

- انت كانسان عادي جاءوا لك بطعام فيه شيء من العذرة والنجاسات والدود والحشرات فانه يمتنع عليك ان تأكل منه .

فكل واحد من الناس بدرجة او باخرى بالنسبة الى بعض القضايا بهذا المعنى يكون معصوما لايمكن ان يصدر منه هذا الشيء

- الام الوالده ذات الفطرة السوية السليمة يمتنع عليها ان تقتل ابنها الرضيع ليس لانها لاتستطيع بل بما تملك من شفقه وحنان ما ممكن ان يصدر منها هذا الفعل فهي بالنسبة الى فعل القتل لولدها هي بالنسبة الى هذا الموضوع معصومة

فاذن الناس بالجملة بالنسبة الى بعض الذنوب بعض المنكرات بعض القضايا كل واحد قد يكون معصوما بدرجة من الدرجات .

فعندما ننقل هذا الامر الى النبي "صلى الله عليه واله وسلم" او الامام "عليه السلام" فنسأل لماذا مثل هذا الطبيب يمتنع عن شرب هذا الماء او الطعام الملوث مع العلم انه يستطيع ذلك ولكن علمه الدقيق بالاضرار المترتبة على ان يأكل طعاماً ملوثاً ليس فقط يعلم بل يرى بعينه الاثار الخطرة التي ستترتب على تناوله هذا الطعام الملوث

الشخصية الاجتماعية المرجع الديني يرى بعينه ان الظهور بهذا المظهر غير اللائق وغير المناسب يرى فيه هتكا لشخصيته بل احياناً للمذهب هذا في بعض القضايا.

التوجيهات والادلة على عصمة الائمة "عليهم السلام":

بالنسبة الى المعصومين على الاطلاق كالنبي "صلى الله عليه واله وسلم" والانبياء عموما والائمة "عليهم السلام" فهم معصومون بالنسبة لعموم القضايا وكل المسائل فهم لايرتكبون فيها الذنب.

بعض متكلمينا ومنهم هشام بن الحكم مع كونه شاباً لم يكن قد اكتملت لحيته وشاربه عندما جاء الى مجتمع الامام الصادق عليه السلام ( وهذه دعوة للشباب ) والامام عرف فيه الذهنية والعقلية الكبيرة فقدمه على من سواه ، بعض الكبار الذي كانوا قريبين على الامام"عليه السلام" تمعرت وجوههم قليلاً عندما رأوا تقديم الامام لهشام الذي كان شاباً قدمه على الكهول والشيوخ الذين كانوا مع الامام الصادق "عليه السلام" لفترة طويلة من الزمان لكن لما بدا لهم فضل هشام وعلمه ومعرفته بالذات في قضايا العقائد وعلى الخصوص في مسألة الامامة رأوا ان الامام الصادق "عليه السلام" لم يذهب بعيدا من جملة التوجيهات في سبب حصول الذنب من الانسان يقول: يحدث الذنب من الانسان اما لجهل الانسان بترتب الاثار على هذا الذنب فهو لايرى قبح الذنب وشناعته ، واما لان شهوته تغلبه مع كونه يعرف ان هذا الشيء ليس صحيحا او لانه حريص على ذلك حريص على المال فيذهب ليسرق ، حريص على النساء فيذهب ليزني ، حريص على الرئاسة فيبيع دينه.  

فالنبي والامام عنده علم مطلق فيعرف الذنوب كما نحن نرى الاشياء امامنا بابعادها فان الامام يرى الذنب بجميع ابعاده واثاره ويعرف مشاكله ويرى الى اين يؤدي وشهوته لاتغلبه ايضا وهو ليس حريص لان الدنيا لاتساوي عنده جناح بعوضة.

فمن هذه الجهات فان الذنب لايتسرب اليه هذا من جهة بالاضافة الى الجهة الغيبية وهي اللطف الالهي.

عودة الى الحديث عن الابعاد:

بالنسبة الى قضية تلقي التبليغ تلقي الوحي وتبليغه الى الناس من دون زيادة ولانقصان بمفاد قوله تعالى : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"([4]) وبمفاد قوله تعالى :" وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ "([5]) ، او بمفاد قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ"([6])، هذه كلها تشير الى ان النبي لابد ان يكون معصوماً عن الخطأ في الاستلام والتبليغ ، لانه لو افترضنا انه ممكن ان يُخطيء اما ان يستلم خطأ او يبلغ خطأ هذا يلزم منه نقض الغرض

اولاً اذا كان احتمال الخطأ موجود لعله كان الواجب علينا ان لانصلي فقال صلوا او بالعكس او كان الواجب علينا ان نصلي واخطأ في الاستلام وقال لاتصلوا ففي هذا محق للشريعة بل اذا صار عندنا ولو احتمال واحد من هذا الامر فلانستطيع ان نستجيب للنبي كما قال الله تعالى: " وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا "([7]) اي قرار ياتي به لنا نساله هل انت متاكد هل انت صادق حتى لوقال اني متاكد وصادق فما دام عندي احتمال انه يخطأ فلايمكن ان نؤمن به ، فينتفي امر الرسالة من الاصل ، فلايمكن للبشر ان يمتثل كلام نبي من الانبياء ولا وصي من الاوصياء انه يبلغ عن الله الا ان يكون معصوما على الاطلاق ولايمكن ان ينطق بكلمة واحدة مخالفة للحق ، وهذا نفس الكلام الذي اراد بعض القرشيين ان يسربوه في الاحاديث وان كان تسرب بمعنى من المعاني ، فعبد الله بن عمر بن العاص كان من كتاب الحديث قال كنت اكتب الحديث عن رسول الله كل شيء اكتبه فالنبي بدأ يتحدث عن الشجرة الملعونة في القران ويتحدث عن لعن فلان ويتحدث عن كذا وكذا من الامور فجائني جماعة من قريش فقالوا : لي ياعبد الله انت تكتب كل شيء عن رسول الله وهو بشر ويرضى ويغضب وله حالات كحالات البشر فلعله قال كلمه وهو غضبان او قال كلمة مجاملة الى احد وانت تكتبه كحديث اي ان النبي "صلى الله عليه واله وسلم" احيانا يرضى فيقول كلمة في حق من رضي عنه ويغضب فيقول كلاما سيئا في حق من اغضبه كما نحن البشر.

يقول: فجئت الى رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" وقلت له يارسول الله اني كنت اكتب كل حديث تتحدث به فجائني جماعة من قريش وقالوا ان رسول الله بشر يرضى ويسخط فلاتكتب عنه كل شيء أاكتب يارسول قال بلى اكتب فو الله ما خرج شيء من هنا (واشار الى شفتيه) الا حقٌ .. اكتب كل شيء " َمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " بل " مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ "([8]).

فاذا لم نعتقد بعصمة النبي ينتقض اساس (بلَّغ ماانزل اليك من ربك) ينتقض اساس (فخذوه) ينتقض اساس (من يطع الرسول فقد اطاع الله) ، فينتقض اساس الدين ، هذا بالنسبة الى البعد الاول.

اما البعد الثاني : وهو العصمة فيما يرتبط بامور المعاصي والذنوب نعتقد ان النبي "صلى الله عليه واله وسلم" والمعصومين كلاً لايمكن ان يعصي الله طرفة عين ليس لايمكن انه مجبور على ان لايعصي ، لكنه بحسب ما لديه من خلفية ونفسية واخلاق وعلم فلايصنع هذا الامر نعتقد ان النبي "صلى الله عليه واله وسلم" لايصدر منه اي ذنب لانه لو فرضنا ان صدر الذنب من المعصوم "عليه السلام" نبي كان او اماما فانه يترتب على ذلك امور حتى لو غير متعمد او ليس مصر عليه يترتب عليه :

اني انا الانسان العادي الذي لم افعل ذاك اليوم مثل هذا الذنب الذي اقترفه النبي اكون افضل من النبي !!! ، لو فرضنا والعياذ بالله ان نبي من الانبياء ترك صلاة الصبح في يوم من الايام او شرب الخمر والعياذ بالله وانا انسان عادي وفي ذاك اليوم صليت الصبح في وقتها ولم اشرب الخمر فحينئذ اكون افضل من النبي العاصي ، وهل يُعقل ان يكون الانسان العادي افضل من النبي ؟! ،فيكون عليَّ ان أامر بالمعروف ، ولو كان يحتاج الى الضرب فيلزم ان اضرب المعصوم لكي امره بالمعروف وانهاه عن معصيته !!.

فهل يُعقل ذلك وان عامة الناس يأمروه بالمعروف ، بل لو كان الذنب من الكبائر يصبح المعصوم فاسقا ، والفاسق لاتجوز الصلاة خلفه ولايجوز الاستعانة به ..... بل حتى لو تاب انت لاتعطيك نفسك في متابعته ، ولو فرضت ان امام جماعة ارتكب ذنبا ورجع تائبا فانت لاتطيعك نفسك ان تصلي خلفه في اليوم التالي لان نفسك لاتطاوعك مع انه تائب من الناحية الشرعية .

بالاضافة الى ذلك في القسم الثاني العصمه في الامور الخارجية كما هي رأي المشهور من علماء الامامية ايضا نفس الكلام لو فرضنا ان النبي "صلى الله عليه واله وسلم" او الامام "عليه السلام" غير معصوم فيها ، لأمكن لنا ان نرَّد كلامه في هذه الامور، ففيه تفكك في العلاقة بين النبي واتباعه.

العصمة هل هي شيء اكتسابي او موهبة الهية:

هذه العصمة هل هي شيء اكتسابي يعني الانسان يحصل عليها بالتدريج او هي موهبة الهية بعض الدرجات التي هي درجات التقوى العالية لاريب انها اكتسابية من الممكن ان يحصل بعض المؤمنين الاخيار برياضة النفس وبتهذيب الاخلاق وبالانقطاع الى الله على الدرجة العالية من التقوى التي يندر ان يصدر منهم الذنب وبعض الناس القلائل الذين شهد لهم التاريخ بهذا الامر مع انهم لم يكونوا من الائمة او الانبياء ولكن هذه نسميها ليست بالعصمة الضرورية درجة عالية متعالية من التقوى تمنع الانسان عن ارتكاب هذا الذنب لكنها ليست عصمة ضرورية وتكون عصمة ضرورية عندما يضاف الى هذا لطف من الله عز وجل بالنسبة الى هذا المعصوم وهي محصورة في الانبياء والمرسلين وفي النبي المصطفى محمد وفي ائمة اهل البيت ، ولرب سائل يسأل هل هذا شيء جبري الله خلقهم معصومين هكذا ؟ والجواب لا ليست جبرا والشاهد على ذلك . ان القران الكريم يتعامل مع النبي والمعصومين بانه لو لم يحدث هذا ماذا سيترتب عليه " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ "([9]) اذا كانت قضية تكوينية ، اذا كانت قضية جبريه ، اذا كان لايستطيع المعصوم ان يفعل ذلك تكويناً ، مثل ما انت الان بوضعك العادي تكوينا لاتستطيع الطيران لان الجاذبية الارضية تجذبك الى الاسفل وبدنك تكوينا ثقيل فلايمكن لك ذلك

لو فرضنا ان النبي مجبور تكوينا مقسور على ان لايفعل المعصية لامعنى لان يقول عنه القران الكريم في حقه   ( لو تقول ) ما ممكن ان يتقول لانه سيكون مجبور على هذا ، لامعنى ان يقول القرآن الكريم ( وان لم تفعل ) والحال ان النبي يستطيع تكويناً ان يتخلف ما انتفت البشرية عنه " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ "([10]) فالصفات البشرية موجودة فيستطيع من الناحية التكوينية ان يصنع كذا وكذا لكنه بما روض نفسه من جهة وبما كان قد اختاره الله من جهة اخرى فافاض عليه لطفه امتنع عليه ان يصدر منه المعصية كما امتنع على هؤلاء الناس التي ذكرنا عن بعض المعاصي لا تكوينا لا انه مجبور لا انه مقسور فؤبما تقول كيف اعطاه الله ذلك ؟ نقول : كما اعطاه الله النبوة كيف انتخب الله عز وجل نبيه المصطفى قبل خلق الخلائق وكيف انتخب اولياءه الكرام قبل نشأة الوجود وما هي الطريقة في ذلك عندنا روايات ان الله تعالى كان يعلم بذواتهم ، يعلم بانفسهم ، بل لما صار العرض الاول " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى"([11]).

قبل هذه النشأة كان هنالك عالم اخر ازكى الانفس ، اسرع الانفس ، اسرع الخلائق في ذلك العالم الى الله استجابة كان هم محمد وال محمد "صلى الله عليه واله وسلم" وكان سائر الانبياء فاختارهم على علم على العالمين ، اختارهم بعلمه بمعرفته بما سيؤول اليه امرهم لذلك نقرأ في دعاء الندبه في المعاقدة بين الله وبين الانبياء قال: " بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرجِها ، فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ الوَفاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ" ففي عالم اخر كان قد تم الاختيار للنبوة وافيض ما يترتب على النبوة من العصمة ،وتم الاختيار للامامه وافيض ما يترتب على الامامه من العصمة وسائر الاثار فهي اذن موهبه الهيه ولطف الهي وفي نفس الوقت لاتُنافي الاختيار ، ولاتنافي القدرة الانسانية بامكان المعصوم تكوينا ان يفعل المعصية ، يعني ليس مغلوله يده عن السرقة ، وليس محبوسه رجله عن السعي فيما لايريده الله ولكن يده مغلولة عن مثل هذه الامور لعصمته من جهة اكتسابيه ومن جهة ة اخرى هي لطف الهي لاينافي الاختيار الانساني ولا القدرة البشرية .

القران الكريم في ايات كثيرة ذكروا ان هناك اكثر من عشرين اية تتحدث عن العصمة من بينها ما قدمناه التي هي مباشرة في قضية التبليغ " وما ينطق عن الهوى " هذا الامر خاص برسول الله في تلقي الوحي فالائمة المعصومين خرجوا ، ولكن في قضية الابلاغ والاداء للرسالة فأن الائمة يشتركون مع النبي "صلى الله عليه واله وسلم" في ابلاغ الرسالة ، النبي في التأصيل وهم في الابلاغ والشرح والتبيين ، يشتركون ايضا في العصمة من الذنوب والمعاصي ، يشتركون ايضا في العصمة من الاشتباه في الامور الخارجية نسيانا او سهوا او ما شابه ذلك.

لعل انسان يقول : انه عندنا بعض الروايات تفيد ان الامام لم يكن يعلم بفلان موضوع او النبي فعل بتأبير النخيل كذا وتبين كذا؟

فجوابها: اولا: ان قسم من اسانيدها ليست صحيحة ، والثاني: كان يتم التظاهر بذلك كما ذكر بعض المحدثين الاخباريين لو تم سندها وذلك ان الغالب منه لايتم السند فهي روايات غير تامة ولو فرضنا انها تمت سندا فان النبي اوالامام يقول ذلك حتى لايغلو الناس فيهم ولايخرجوهم عن طور البشرية ، وهذا الامر وهو الغلو في مقامات النبي والمعصومين سريع الى نفس الانسان الا اذا عرف ان يفصل بين الخطوط المختلفة

من ذلك ايضا اية التطهير" انَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا   "([12]) ، التي هي اوضح في قضية اذهاب اي نوع من انواع الرجس ، اي نوع من انواع الذنب ، اي نوع من انواع القذارة المعنوية والداخلية بالنسبة الى لانسان واهل البيت معرفون وموصوفون ، وسبحان الله في هذا الجانب اهل البيت "عليهم السلام" قضية عصمتهم لم يُنقل ولو بنقل كاذب في التاريخ ان احد منهم قد ارتكب المعصية يعني ممكن حاربوهم لعنوهم شتموهم قالوا فيهم ما استطاعوا من الاشياء يزيد بن معاوية لايقول مثلا ان الحسين شرب الخمر نعم ممكن ان يقول انه خرج من الدين :( انما خرج من الدين ابوك واخوك ) لكن لايستطيع ان يقول مثلا : ان الامام الفلاني قد زنى ، ان الامام الفلاني قد شرب الخمر، ان الامام الفلاني قد ترك الصلاة ، والتاريخ لم ينقل هذا الامر ولو بنقل كاذب فكأن هذا بالاضافة الى الادلة العقلية التي اقيمت والادلة النقلية التي تُذكر ايضا هذا الدليل التاريخي وهو انه لم يصدر ولم يُنقل ان عن ان امام من أائمة اهل البيت "عليهم السلام" قد ارتكب ذنباً من الذنوب ، مع العلم يوجد من اصحاب رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" من شرب الخمر ، ويوجد من الحكام الذين كانوا الائمة في ازمنتهم قد شربوا الخمر ، ويوجد من ترك الصلاة ، ويوجد من مارس الفساد الاخلاقي ، فكان التاريخ شاهدا على هذه الاية وكان مصداقا لها .

وكان ينبغي ان يلتفت المسلمون الى حق اهل البيت "عليهم السلام" في وجوب طاعتهم عليهم وفي لزوم الصلاة عليهم حتى ان بعضهم احتج على مخالفيهم بالقول انتم تقتلون قوما تصلون عليهم لانهم يقرأون في القران الكريم الاية المباركة " ان الله وملائكته "   ويقرؤون ايضا مع تفسيرها من رسول الله بانه يقول اذا اراد الصلاة (اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد وترحم على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ) ..

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])النجم :3-4.

([2]) يوسف :32.

([3]) هود : 42-43.

([4]) النجم :3-4.

([5]) الحاقة :44-46.

([6]) المائدة :67.

([7]) الحشر :7.

([8]) النساء :80.

([9]) الحاقة :44-46.

([10]) الكهف :110.

([11]) الاعراف : 172.

([12]) الاحزاب :33.

مرات العرض: 3429
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2569) حجم الملف: 50407.65 KB
تشغيل:

الزيارات معرفة امامة ومشاركة موقف
الدعوة الرسالية وأوهام التبشير