غيبيات عاشوراء والموقف منها
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/3/1435 هـ
تعريف:

غيبيات عاشوراء والموقف منها


كتابة الفاضلة أمجاد عبد العال


قال الله العظيم، في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آيتنا عجبا)، آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم
هذه الآية المباركة في مطلع سورة الكهف، تتحدث باختصار وتوجيه إلى قضية أهل الكهف، باعتبارها تجربة مبدئية في الثبات على الحق، وعدم الخضوع للظالم الكافر، والنجاة بالدين، ولو تم ترك الدنيا. وقصتهم معروفة، أنهم كانوا فتية آمنوا بربهم، وكانوا من المقربين في البلاط السلطاني، ولكنهم وجدوا أن ليس بإمكانهم الاحتفاظ بعقيدتهم بالله عز وجل وعبادتهم له، وهم ضمن ذلك الجو الذي يسيطر عليه طاغية ذلك الزمان. فتعاقدوا على أن يخرجوا فارين بدينهم، عندما صار الخيار بين أن يبقوا في أماكنهم، وفي وظائفهم، وفي مواقعهم السياسية، وبين أن يحتفظوا بدينهم وإيمانهم وأن يفقدوا هذه الأمور. فاختاروا الأمر الثاني، وانصرفوا من تلك المنطقة، إلى أن وصلوا إلى كهف، دخلوا فيه للاستراحة: (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا).
مدة طويلة من الزمان، تزيد على 300 سنة، (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا عددا)، قضيتهم وصلت إلى أن توفاهم الله سبحانه وتعالى بعد ذلك، واتخذ مكانهم مزارا وشعارا، يرشد الناس إلى حكايتهم وإلى دروس هذه الحكاية. هذه الآية المباركة، التي اختيرت من بين آيات القرآن الكريم، هي الآية التي نقل في التاريخ أن رأس الحسين (ع) كان يتلوها، وهو مفصول عن بدنه الشريف عندما كان في الشام. وهذه لا ريب، قضية لا تنتمي إلى عالم الطبيعة، وإنما تنتمي إلى عالم ما وراء الطبيعة، تنتمي إلى عالم الكرامات، إلى عالم آخر، لا نجد تفسيرا واضحا، ضمن الموازين العادية الطبيعية، لكن التفسير ممكن جدا، عند الحديث، عن عالم الكرامات، والمعاجز وما شابه.
في كربلاء وقضية الإمام الحسين (ع)، يوجد الكثير مما ينتمي إلى عالم الغيب، القضايا الغيبية، فهل أن الموقف منها جميعا هو موقف واحد؟ أو لا. بمعنى: هل ينبغي أن نقبل كل ما روي من أمور غيبية في هذه الأثناء والواقعة؟ أو أنه ينبغي أن نرفض كل ما ورد من قصص غيبية؟ أو نفرق بين بعضها، فنقبل البعض ونترك الآخر؟
لا ريب أن رفض هذه القضايا بالكامل، مع تواتر النقل لها. يعتبر أمرا غير صحيح. وقبولها بالكامل أيضا مع ترتب بعض المحاذير على هذا القبول بالكامل أيضا لا يخلو من مشكلة. فكيف نصنع في هذه الحالة.
سوف نأتي بثلاث، بثلاثة موارد تشكل ثلاثة مواقف، في هذه القضايا ونقيس بقية القضايا على هذه النماذج، وعلى هذه المواقف. القضية الأولى، قضية تواتر الخبر فيها، وورد عن أئمة أهل البيت (ع)، وبالتالي هي تكتسب شروط الحجية والقبول، نظرا لكون الخبر عنها صادرا من معصوم، ولا يترتب على قبولها أي محذور على الإطلاق، هذا قسم.
قسم آخر، قضايا لم يرد نقلها عن معصوم، وإنما ورد ضمن نقل تاريخي، ولا يترتب على قبولها محذور من المحاذير، كأصل ديني، أو أصل عقلي. وما شابه ذلك.
والقسم الثالث: ما لم يرد نقله من معصوم، ويترتب على قبوله بعض المحاذير، وهذا الصنف الأخير لا سبيل لقبلوه. كيف؟ خل نجيب المثال الأول. ما ورد من الأخبار عن المعصومين، بأن في يوم العاشر، بعد شهادة الإمام الحسين (ع) وأصحابه، عليهم السلام جميعا، بكت السماء دما، في الأرض كان هناك دم، كلما قلب حجر، ووجد شيء، كان تحته دم عبيط.
هذه الصورة، صورة أن السماء شاركت في مصاب الحسين بأن تحولت الأشياء في الجملة إلى أشياء فيها الدم، الأحجار، التراب، إلى غير ذلك. أصل هذه القضية.
هذه واردة في أخبار كثيرة، عند ضمها إلى بعضها البعض، يحصل لنا، تواتر معنوي، يعني هذا المعنى يصبح متواترا. لأن التواتر قد يكون تواترا لفظيا، يعني خبر واحد، ينقله متعددون، وهكذا في كل طبقة من الطبقات. نص واحد، ينقله في البداية عشرة، ثم عن العشرة ينقله أيضا عشرات، وهكذا، هذا يسمونه متواتر لفظي. أحيانا يكون التواتر في المعنى، يعني واحد يجيب خبر، أنه مثلا رؤية تحت الأرض الفلانية، حجر، رؤية تحت الأرض الفلانية، دم عبيط، يجي شخص آخر، ويقول أيضا: رؤية في المكان الثاني، أيضا دم عبيط، يجي واحد ثالث، يخبر عن شيء ثالث، وهكذا، ماكو نص واحد لمنطقة معينة، وإنما هي مناطق متعددة، ولكن أصل هذا المعنى، وهو بكاء الكون، بكاء الأرض، تحول الأشياء إلى دماء، هذا المعنى، يصبح متواترا في المعنى. بهذا المعنى، الروايات حاصلة.
في الخبر، أمير المؤمنين (ع) كان جالسا في مسجد الكوفة، في الرحبة، وكان أصحابه يسألونه عن قول الله عز وجل: (فبكت عليهم والأرض وما كانوا منظرين). فبدأ يشرح لهم الإمام (ع)، فإذا بالحسين (ع)، يدخل، فقال أمير المؤمنين، بحسب هذه الرواية: "لكن هذا إذا قتل بكت عليه السماء والأرض دما". لما تجي إلى ما بعد زمان الإمام أمير المؤمنين (ع)، رواية عن الإمام السجاد صلوات الله وسلامه عليه، تفيد بهذا المعنى، رواية أخرى عن الإمام الباقر تفيد نفس المعنى، رواية ثالثة عن الصادق كذلك، رواية رابعة عن الإمام الرضا (ع) أيضا هكذا. ومن غير المعصومين، من شهود العيان، كان إخبار العقيلة زينب (ع) في خطبتها في الكوفة، عندما قالت: "أفعجبتم أن مطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزر"، كأنما زينب (ع) تخاطب أهل الكوفة عن قضية مسلمة، أنه صار هذا، وأنهم تعجبوا من ذلك، وأن زينب تقول: الأمر لا يدعو للتعجب، لأن المصيبة أعظم من هذا، وأن مسؤولية القتلى في الآخرة أكثر، يعني لا تستفظع أن يكون الجرم إلى حد أن السماء تبكي دما، وإنما الأمر أعظم من هذا المقدار.
عندنا إذن هناك عدة روايات عن معصومين، وكلام عن غير المعصومين أيضا، من أهل البيت، كزينب سلام الله عليها، ممن شهدت الحدث، وقرَّعت أهل الكوفة بحصوله، وعندنا حتى من غير هذه الدائرة، يعني حتى بعض المخالفين في المذهب نقلوا هذا المعنى.
مثلا، ينقل أن محمد بن مسلم الزهري، ويعدونه في مدرسة الخلفاء من أعظم العلماء في زمانه، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، كان قاضي القضاء عندهم أيام عبد الملك بن مروان، وكان مقربا إلى بني أمية، فهذا يدخل ذات يوم على عبد الملك بن مروان، فقال له، يخاطبه: يا بن شهاب، أنت واحد الناس إن أخبرتني جواب مسألة. يعني إذا تخبرني جواب هذا السؤال اللي راح أسألك إياه، لا يوجد لك نظير، قال: "وما ذاك؟"، قال: متى أمطرت السماء دما عبيطا؟ متى هذا صار؟ فأجابه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وهو مو محسوب على مدرسة أهل البيت، محسوب على مدرسة الخلفاء، قاضي القضاة في زمانه، قال: كان ذلك عند مقتل الإمام الحسين (ع). عند مقتل الحسين بن علي لم يرفع في دمشق حجر – حسب كلامه – إلا ووجد تحته دم. هذا، هالشهادة بعد من مخالف، وأمام واحد أيضا ما ينتظر هذا الكلام. يعني لو قاله ما بكت السماء دما، أو قاله: عندما حدث أيام يحيى بن زكريا، كان يخلص نفسه، لكنه هنا، كان يجيبه بهذا الجواب. قال: صدقت. لكن إن أذعتها ذهب عنقك. هو طبعا فيما بعد، نقلت عنه بعد هلاك عبدالملك، أو بصورة خاصة.
فهنانا تلاحظ أن الأمر خارج هذه الدائرة، بل أبعد منها، هناك كتاب هذه السنة، جاء لي بعض المؤمنين بصورة منه، عندما كنت في لندن وهو عبارة عن تاريخ الأمة البريطانية من أيام الميلاد إلى الأزمنة المتأخرة، أظن اسمه: the anglo saxon chronicle، في إحدى السنوات اللي هي 685، على ما ببالي، هناك ذكر فيه، ما ترجمته في هذه السنة: أمطرت السماء دما، وتغير لون الحليب إلى دم. لما يحولوا هذه أهل المعرفة بالتواريخ، يقولون هذا يصادف سنة 61 هجرية. طبعا هذا احنا ما ناخذه كدليل، لكن هذا من جملة القرائن والمؤيدات. الدليل إذا واحد يريده ما ثبت عن المعصومين (ع).
فهذه الحادثة، تفيد، عند سائر المسلمين أيضا غاية الأمر بشكل أقل محدود، وهو تحول تربة أم سلمة إلى دم عبيط، واللي هذا موجود في كتب العامة، وفي كتبنا. أن الحسين (ع) لما خرج إلى كربلاء وودع أم سلمة، أخبرته بأن النبي (ص) قد أعطاها تربة، وقالت له: إن شهادتك تكون هناك. فلما كان يوم العاشر عصرا، جلست مستيقظة، استيقظت وهي باكية، وارتفع صوتها، فجيء إليها قيل ما الخبر، قال: هذه تربة كربلاء قد تحولت إلى قطعة دم عبيط. وهذا يعني أن الحسين قد استشهد في كربلاء.
هذه الحادثة لا تنتمي إلى عالم الطبيعة، يعني لا نستطيع أن نفسرها تفسيرا طبيعيا، وإنما تفسر ضمن دائرة الكرامة التي يمتلكها الحسين (ع)، على الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى أظهر هذا المعنى، لبيان مقام الإمام سلام الله عليه، ومنزلته وشأنه.
سعة هذا، احنا ما ندري عنها، كيفيته لا نعلم عنها، نعلم في الجملة أن الأرض تحول قسم منها، بعض أحجارها، في مناطق مختلفة، إلى دماء، وكانت الأحجار ترفع في أماكن مختلفة، ويرى فيها مثل هذا الدم، وهذا أخبر عنه المعصومون. وأخبر عنه غير المعصومين، بل أشار إليه بعض الأجانب. إذا واحد شوي عنده توجهات حداثية، وقال أنا أقبل هذا الكلام، تجيب له كلام مال بريطانيا، بسرعة يستقبله. طيب
فهذي القسم الأول، قضية مروية عن المعصومين، بأكثر من رواية، وبالتالي شروط القبول والاحتجاج بها متوفرة، ككرامة إلهية، نحن نعتقد بها، ونلتزم بها، ولا محذور فيها على الإطلاق. هذا القسم الأول.
القسم الثاني، هو المعاكس لهذا تماما، وهو ما لم يروى عن معصوم، وفي نفس الوقت أيضا هناك بعض المحاذير التي تترتب على قبوله، ومن ذلك يمكن التمثيل بما نقل في كتاب المنتخب للطريحي، فخر الدين الطريحي، روى هذه الرواية عن مزارع من بني أسد، غير معروف، منو هو. قال: أنا كنت أذهب لسقي مزرعتي أو بستاني فبعد العاشر من المحرم، ذهبت إلى السقي، في الليل، صار. وإذا بي بعد مقتل الحسين، وإذا بي أرى أسدا عظيم الجثة، قد أقبل يتخطى، وخفت أن يأكل من الجثث، لكنه مثلا وصل إلى جسد وبدأ يشمه ويبكي وينوح. والليلة الثانية أيضا، نفس الحادثة حدثت، فأنا بدأت أفكر من يكون هذا؟ وماذا يصنع؟ فنوديت: أتعرف من هذا؟ هذا أبوه علي بن أبي طالب. يعني هذا الأسد، حسب هذي الرواية، هو علي بن أبي طالب. هذه الرواية فيها إشكالات كثيرة. واحد من الإشكالات أنه لم يكن هناك أي إخبار عنها. يعني لم توجد في أي مصدر من المصادر قبل كتاب المنتخب الذي ينسب بالكامل إلى فخر الدين الطريحي. أصل نسبة هذا الكتاب بكل ما فيه لفخر الدين الطريحي، هذا فيه كلام كثير. نظرا لأن الشيخ فخر الدين الطريحي، واحد من أعاظم علمائنا، عنده في التفسير عمق كبير، عنده في اللغة العربية إحاطة ضخمة، عنده في التاريخ معرفة كبيرة، يظهر هذا من كتابه مجمع البحرين، عنده في الفقه المدونة الفخرية، طيب.
لما تجي تقرأ المنتخب الموجود الآن، وهو مطبوع، لا تستشعر شخصية هذا العالم الكبير، في هذا الكتاب، لأن هناك عنده أخطاء كثيرة جدا صاحب هذا الكتاب، وهفوات عظيمة في أمر كربلاء. فهناك احتمال لكثير من العلماء أن هذا الكتاب إما أصلا مو إلى فخر الدين الطريحي. وأما قسم منه للشيخ الطريحي، والباقي كله زيادات وإضافات. لأنه لا يتناسب أبدا، مستوى هذا الكتاب، مع مستوى هذا العالم الجليل.
هذا من جهة، جهة أخرى: الفخر الدين الطريحي رحمة الله عليه، توفي سنة 1085 هجرية، أول مكان وردت في هذه القصة، هو هذا الكتاب، يعني هناك 1000 سنة وأكثر من ذلك، 1025 من الزمان، لم يكن هناك أي ذكر لهذه القصة في أي كتاب بهذا النحو، في أي كتاب من الكتب التي ذكرت قضية كربلاء. 1000 وتزيد، لا في كتب ابن طاووس، ولا في مثير الأحزان لابن نما، ولا في غيره. اللي سبق يعني في سنوات متقدمة جدا. فكيف نقلت هذه ومن أين؟ لأن بالتالي فخر الدين، ما كان موجود في زمن كربلاء، لابد أن ينقلها عن جماعة، من هؤلاء؟ لا توجد في كتاب من الكتب.
بعد فخر الدين الطريحي، وهذا الكتاب، انتشرت في عدد من الكتب، وصارت تنقل عنهم. قبلها ماكو ذكر إلها أبدا. يضاف إلى ذلك، أنه الشخص اللي نقل هذه الرواية، دع عنك مو مذكورة في أي كتاب، هذا الشخص اللي يقول أنا رحت وسويت وشفت، من هو غير معلوم. مزارع حسبما ذكروا، على فرض أن هناك كانت زراعة في كربلاء، في موقع الحادثة، زين، هذا المزارع منو؟ الرواي هذا اللي يروي الحادثة منو؟ لا تعرفه ولا أحد يعرفه، فهو مجهول.
هذه فد إشكال من هالصوب، يعني رواية، عن معصوم، ماكو. رواية تاريخية أيضا، ما موجود، حتى عند مؤرخ من المؤرخين العاديين، ولام تنسب إلى أحد قبل هذا التاريخ. يضاف إليها، ما أشار إليه بعض أعاظم محدثينا، وهو المحدث النوري، صاحب كتاب: المستدرك، مستدرك الوسائل، واللي يعد خاتمة المحدثين تقريبا، رجل من أعاظم تلامذة الميرزا الشيرازي الكبير، صاحب فتوى التنباك المشهورة. هذا الرجل، من اعاظم تلامذته، وهو محدث من المحدثين الكبار وكتابه مستدرك الوسائل، معتمد العلماء في هذه الأزمنة.
عنده إحاطة بالروايات البعيدة والقريبة والشاذة والمشهورة، تخصصه هو هذا. عنده موقف شديد من مثل هذه الرواية، يقول: هذه بالإضافة إلى أنها لم تثبت بأي سند، حتى سند ضعيف، ما إلها، فيها فد إهانة لا تحتمل بالنسبة إلى الإمام علي بن أبي طالب (ع). الأسد، أو الفيل، بالتالي هو حيوان من الحيوانات. أنا أجي أشبه حجة الله على خلقه، نفس رسول الله، أفضل الخلق بعد رسول الله، أجي أشبهه فد أسد، حيوان من الحيوانات، شنو هذا المعنى؟ لا معنى له أبدا. احنا لا نستنكر أن الله سبحانه وتعالى أن يحيي الإمام أو يحيي غيره أو يصنع كذا، لكن شنو الداعي أن يجي يتركب علي بن أبي طالب في صورة هذا الأسد، حتى يتلبس صورة حيوان، وهو أفضل بني البشر طيب. هذا ما إله معنى أبدا، وعنده شدة كبيرة جدا في هذا الشأن، ويرفض مثل هذه الرواية بشكل كامل.
مثل هذه الرواية لم تثبت من طريق معصوم، لم تثبت بنقل تاريخي معتبر، وفيها فوق ذلك محذور أيضا. هذا المحذور هو تشبيه المعصوم المكرم سيد الأوصياء بحيوان من الحيوانات المفترسة. وفي هذا توهين لهذا الإمام الكريم والمعصوم. فيرفضها رفضا تاما.
احنا مثل هذه أيضا لا نقبل مثل هذه الرواية لعدم توفر أي جانب من جوانب الاحتجاج فيها.
القسم الثالث، هو بين هذا وبين ذاك. وهو ما لم يرد بنقل معصوم، ولكن وردت الأخبار التاريخية به، ولا يترتب عليه محذور كهتك المعصوم أو غير ذلك. طيب. وهذا مثلما نقل عن أن رأس الحسين (ع)، كان يقرأ القرآن في الكوفة وفي الشام.
هذا بحسب ما يظهر، ماكو رواية عن معصوم، وإنما هو نقل تاريخي. النقل التاريخي، في القضايا التاريخية، بين قوسين، وإن كان هذا يحتاج بحث مفصل، لكن انا أشير إشارة الآن: في القضايا التاريخية احنا ما نحتاج إلى ما نحتاجه في الفقه، من سند واحد واحد إلى أن يوصل هناك، لا، هذا مو منهج في التاريخ، المنهج في التاريخ، قائم على أساس: تجميع القرائن والاعتماد على بعض المؤرخين الأثبات. طيب.
هذا وارد في بعض الروايات التاريخية، وفي نفس الوقت أيضا لم يترتب على قبوله محذور من المحاذير، فإن من الممكن أن يظهر الله سبحانه وتعالى كرامة لأوليائه بهذا النحو. الشيخ الصدوق – أعلى الله مقامه – الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، صاحب كتاب: من لا يحضره الفقيه. أحد الكتب الأربعة المهمة عند الشيعة. والذي ولد بدعاء الإمام الحجة (عج).
ينقل في أحواله، أن والده كان في زمانه لم يرزق بأولاد، والده أيضا من العلماء الكبار: علي بن الحسين بن بابويه، القمي، كان عالمت من علماء المدرسة الإمامية. وكان معاصرا لفترة السفراء، سفراء الإمام الحجة (عج). فكبرت سنه ولم يرزق ولدا، فكتب رسالة إلى الإمام الحجة، عبر السفراء، فيها مسائل شرعية، وفيها طلب من الإمام أن يدعو له لأن يرزق ذرية. قاله أنا بالتالي كبر سني الآن، ولم أرزق بمولود، نسأل الله أن يرزق جميع من لم يحظ بهذه النعمة، أن يرزقهم ذرية طيبة إن شاء الله.
فجاء الجواب من الإمام الحجة على مسائله، وفي ذيلها: وسترزق غلامين أو ولدين يكونان عالمين من جارية ديلمية. يقول: أنا إلى ذاك الوقت، ما كان عندي جارية، كنت متزوج زواج عادي، بس مرت فترة من الزمان، الله سهل، واشتريت جارية ديلمية، وصارت في نكاحي، ورزقت منها ولدين. كلا الولدين فيما بعد كان عالمين جليلين كبيرين. أحدهما وهو الأصغر سنا هذا محد بن علي بن الحسين بن بابويه. صاحب كتاب: من لا يحضره الفقيه. هذا عنده كلام جميل في هذا الشأن، وذلك أنه في زمان البويهيين، هو توفي محمد بن علي بن الحسين الصدوق، توفي في 381 هجرية، في ذلك الزمان كان البويهيون موجودين وكانوا يكرمون العلماء ويحترمونهم لا سيما إذا كانوا من، من هم على مذهبهم، وكان البويهيون شيعة. فإجى فد يوم، الشيخ الصدوق، ودخل على الحاكم البويهي، في ذلك الوقت، فأكرمه. وعظمه، واحد من غير أتباع المذهب، أراد أن يتنقص من موقع الشيخ الصدوق، فقال له: يا أيها الحاكم، أو يا أيها الأمير، إن هذا يقول أو يؤمن بأن رأس الحسين بعد قطعه، يقرأ القرآن، وهذا شلون يصير؟ ما ممكن رأس بعد ما يقطع يقرأ القرآن، ما ممكن هذا!
فأشار ذلك الحاكم إلى الصدوق، وقال له: ماذا تقول؟ فقال: لم يرد، شوف دقة علماءنا شلون، هذا محدث، خبير، قال: لم يرد بذلك نص من المعصوم حتى نتعبد به، هذه الرواية ما عندنا نص من معصوم فيها. بحسب كلام الشيخ الصدوق. ولكننا لا نمنع ذلك، فإن الذي أنطق أرجل الكافرين، وهي كافرة، وجلودهم وأيديهم، قادر على أن يظهر كرامته في وليه وبن بنت نبيه محمد (ص).
شوف دقة كلام هذا الشيخ. يقول: الرأس من طبيعته أن يتكلم، صحيح لو لأ، المانع هنانا شنو؟ هو الانفصال عن الجسد، فأصلا يمكن للرأس أن يتكلم، لكن هناك مانع وهو الانفصال. الله سبحانه وتعالى الذي أنطق شيئا ليس من طبيعته الكلام أصلا، اليد، سواء كان متصلة أو منفصلة، حية ميتة، كبيرة صغيرة، يد مسلم، يد كافر، لا تنطق، صحيح؟ الرجل مهما كانت لا تنطق، ليس من شأنها النطق. لم تعد للنطق. مو أنه هي ناطقة، لكن الآن على أثر الموت لا تنطق. مو مثل الراس واللسان هو معد للكلام، لكنه الآن على أثر الانفصال عن البدن لا ينطق. لا. أكو شيء مثل أن هذا الجدار، هذا الجدار ما معد للنطق أساسا، فلو نطق هذا الجدار، العظمة تكون أكبر وأكثر. وكأن الزحمة اللي في ذهنا أكثر من ذاك الشيء اللي في الأصل، نفترض: مايكرفون، من شأنه أن ينطق، لكن الآن كهرباء ماكو. هذا غير أن الحديدة نفسها تنطق.
قال: إن الذي أنطق يدا ومو يد مؤمن، وإنما يد كافر، وفاسق، وعاصي، طيب، وأنطق رجل كافرة، وأنطق ما أدري أعضاء كافرة، وهي لم تعد في الأساس للنطق، وليس لهؤلاء كرامة، هؤلاء الكفار والفساق والعصاة، مع ذلك أنطقها، قادر – إذا ثبت بنقل – قادر على أن ينطق رأس بن بنت نبيه المصطفى محمد (ص) إظهار لكرامته وبيانا لمنزلته، وقد وصل النقل من المؤرخين بهذا المعنى.
فإذن مانع ماكون، ليس شيئا مستحيلا، وليس فيه شناعة، ليس فيه شناعة بالعكس، فيه جهة بيان منزلة، فيه جهة بيان شأن، فيه تكريم لشهيد ضحى من أجل الله عز وجل. وورد النقل التاريخي بذلك، وهذا ما فيه مانع أبدا. ومثله أيضا ما نقل من أن الحسين (ع) لما جاء إليه ذلك الرجل، وقال: يا حسين، وقد سيج المخيم بالنار. قال: يا حسين، تعجلت بنار الدنيا قبل نار الآخرة، قال: من هذا؟ قال: أنا بن حوزة التميمي، أنا الذي أطاع إمامه إذ عصيته، يقصد يزيد. فرفع الإمام يديه بالدعاء، وقال: اللهم حزه إلى النار. اسمه بن حوزة، اللهم حزه إلى النار. فما لبث أن ألقته فرسه في وسط ذلك الخندق من النيران وذهب إلى لعنة الله عز وجل.
هذا أيضا إظهار كرامة، ما دام تم نقله بنقل تاريخي، وأمارات الصدق عليه، ليش؟ لأن الناقل إله، مو في جهة مؤيدة في جهة مخالفة. فما كو عنده إلى الكذب والافتراء. عادة إذا العدو ينقل منقبة لعدوه، أدعى للتصديق مما لو كان ينقلها صاحبه وصديقه. ليش؟ لأن ذاك العدو ما عده مصلحة في نقلها، فلا توجد تهمة.
أنا لما أجي أشوف نقلها مثلا بعض بني أمية، عن أهل البيت في مدحهم وفي الثناء عليهم، أقرب إلى أن أصدقها ليش؟ لأنه أقول: هذولي من مصلحتهم يخفون هذه المناقب، مو من مصلحتهم أن يظهروها. هذا الأمر نفس الشيء عندما يقول: أنه كما هي الرواية عن بعض من كان يعمل في قصور بني أمية: أنه كان يذهب لكي يجصص البناء في القصر، فإذا به يرى المحامل والرؤوس، وأمامها رأس أزهري قمري وهو يقول: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)، فالتفت، وتحقق من أن هذا الرأس هو الذي يتلكم، لا سيما بعد أن قام اللعين حامل الرأي كما تقول الروايات بضرب رأس الحسين بسوط في يده
لما سمع ذلك، قال: رأسك والله أعجب من أهل الكهف والرقيم. يتلو الكتاب على السنان وإنما رفعوا به فوق السنان، كتابا،
لهفي لرأسك فوق مسلوب القنا
يكسوه من أنواره جلبابا

مرات العرض: 3437
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 46293.94 KB
تشغيل:

الصحابة ونهضة الحسين
تكون الخطوط المائلة في الأمة