نظرة تاريخية سريعة عن تطور المأتم الحسيني

المنبر الحسيني : هل يتطور ؟ وكيف ؟ المنبر الحسيني وتطوره : ـ حالات رثاء وتعبير عن الأسى ، كانت موجودة منذ الفاجعة ، فقد نظرنا إلى أن من سمع بالحادثة انفعل بها وقال شعرا أو نثرا .. زينب ونساء اهل البيت : هذا حسينك بالعراء ..يوم العاشر وما بعده ، إلى أيام الكوفة ، والشام ..وزيد بن أرقم في مجلس يزيد ، بل حتى النساء الأمويات في الشام ، فضلا عن مثل أم سلمة وأهل البيت في المدينة .. وهذه تستمر في عهد الامام السجاد عليه السلام . وربما ساهم فيها أيضا قيام التوابين : حيث أنه دفعهم عظم المأساة وجاؤوا إلى قبر الحسين وجددوا العهد على الأخذ بثاره .. ومن الطبيعي أن تنشط في أيام المختار حركة الرثاء الحسيني ، حتى لقد قيل إن نساء همدان كن يقرأن مصرع الحسين قرب باب عمر بن سعد قبيل ثورة المختار الثقفي .. ـ لكننا عندما نأتي إلى أيام الباقروالصادق عليهما السلام نرى أنفسنا أمام التأسيس لمؤسسة تدخل ضمن الحياة العامة لأهل البيت : فهناك حث على الجلوس في المجالس والحديث فيها ، والأمر بإحياء ثقافة أهل البيت عليهم السلام .. وهناك تأكيد على تعظيم البكاء والإبكاء ، وذرف الدموع ، فأعطي لهذا الهدف .. الدافع ( الثواب حتى في الأيام العظام ـ الحج ـ لأنها فيكم كما قال الكميت للصادق ) والإطار ( المجلس ) والمضمون ( الرثاء وإعادة الواقعة ) بل حتى الشكل ( أبو هارون المكفوف : امرر على جدث الحسين .. قال الصادق : لا بل كما تنشدون ، وجعفر بن عفان ) ويرى البعض أن هذا الشعر كان للسيد الحميري وأن المكفوف كان منشدا .. ولم يزل يتكامل في أيام المعصومين ولا سيما أيام الرضا عليه السلام ، حيث نلحظ رثائيات دعبل .. وفي نفس الوقت كان الحكام في غاية الحساسية تجاه تلك الشعائر لا سيما أيام المتوكل . ـ في بداية زمان الغيبة الكبرى للإمام المهدي عجل الله فرجه ، ومع تولي البويهيين الحكم في بغداد أضيف إلى العامل الطبيعي لنمو المأتم عامل آخر هو العامل السياسي والذي يتمثل في نوع من الحماية السياسية له ، بل الترحيب به ، واستفاد ـ لا شك ـ علماء أهل البيت من هذه الفرصة ، منذ أيام الشيخ المفيد رحمه الله ..ولا سيما ايام معز الدولة البويهي ، الذي أمر بتعطيل الأسواق وإظهار مراسم الحزن في بغداد .. وكان الشعر وإنشاده حتى بين كبار العلماء كالشريف الرضي فاشيا ( كربلا لا زلت كربا ..) وفي هذه الفترة عرف أشخاص راثون منهم المزوق ، والناشي ، والنائحة خلب . ـ في نفس هذه الفترة كان أيضا هناك نشاط في المنبر الحسيني والرثاء في مصر أيام الفاطميين يعني حوالى سنة 360 هـ ـ متزامنا في ذلك مع أيام البويهيين . فكانوا يذهبون إلى المشهد الحسيني والزينبي ، ويعلنون الرثاء والأسى .. ـ حصل شيء من التراجع في مثل هذه المنابر والمظاهر مع مجيء السلاجقة الأتراك ( 450 هـ ) سياسيا ، وسيطرة الحنابلة دينيا حيث اختفت المظاهر العامة الحسينية ، والشعراء والمنشدون . وفي كل وقت كان للحنابلة سيطرة كانت يحدث التراجع حتى لقد نسب إليهم قتل الراثية ( خلب ) وهي من الراثيات المشهورات ، أمر بقتلها ابو محمد البربهاري وهو من زعمائهم كما نقل ذلك عن القاضي التنوخي ( في نشوار المحاضرة ) .. وظل هكذا في تفاوت من حيث النمو والتوقف من أيام العباسيين الثانية ، ثم في أيام المغول ( ترافقت مع ايام ابن طاووس ووالد العلامة الحلي ) ، وبعدهم أيام الصفويين في العراق نشط المأتم الحسيني نظرا لاتحاد التوجه المذهبي بين السلطة وبين الناس .. ـ فترة العصر الحديث شهدت تقدما كبيرا على مستوى المنبر ، ولا سيما مع بروز الشيخ كاظم سبتي قبل حوالي 150 سنة .. وظل يتصاعد بالمستوى الذي نراه اليوم .. وأما على مستوى التفكير في التطوير : فهناك أسئلة عن : ـ أمور ترتبط بمن يتولى الخطابة .. وتأهيله .. ولماذا لا تكون هناك جهة تتولى الترشيح أو الموافقة . ـ أمور ترتبط بمضمون الخطاب ، وأنه هل ينبغي أن يكون المنبر كله رثاء ! ـ أمور ترتبط بتفاصيل الخطاب بمعنى أن البعض قد يتحدث في أمور المعاجز والكرامات ، والبعض في مسائل الفقه ، والبعض في قضايا سياسية ، وهكذا ! أليس من الصالح توحيد الخطاب بحيث يكون الجميع في اتجاه واحد ؟ نحن نعتقد أنه لا يمكن لأي جهة أن تتحكم في موضوع المنبر ، لأن القضية خارجة عن السيطرة السياسية فضلا عن الاجتماعية ( وإذا حدث أن تم تطويع المنبر من قبل جهة معينة وإن كانت اليوم حسنة لكن هذه الطريقة غير جيدة فما الذي يضمن المستقبل ، وإمكانية تكرار منابر الدول الاسلامية الأخرى ) ، فحتى لو تمكنت فإنه ليس معلوما أن ذلك هو الصالح.. إنما الخط العام للطائفة ، ووجود أهل العلم والمعرفة فيها ، سوف يصنع بالتدريج فرزا بين منبر مفيد للغاية وبين منبر متواضع الفائدة ، ولكل مستمعوه ورجاله ! وربما لا يستحسن مثل هذا الفكر ، جموع المثقفين أو حتى المخلصون الذي يرغبون أن يروا المنبر في أفضل صوره ، وأن يعتليه الأكثر تأهيلا .. لكن هذا غير ممكن حتما ، وربما ايضا غير صالح . الحاجة في المجتمع متعددة ، ولا يمكن لأي خطيب مهما أوتي من القدرة والتمكن أن يغطي كل تلك الحاجة ، فهناك حاجة للرثاء وإثارة الجانب المأساوي بتفاصيله ، وفي المجتمع من يتقن هذا بكفاءة ولا يتقن بنفس المقدار ، التوجيه الأخلاقي .. فليذهب كل فيما يتقن ويحسن . وهناك حاجات معرفية متعددة ، في بحوث العقائد ، وفي تفسير القرآن ، وفي سيرة أهل البيت عليهم السلام ، وفي الثقافة الاسلامية ، وفي تاريخ المسلمين ، وفي المسائل الفقهية ، ومسائل الخلاف العقائدي ، وغيرها وقد تجد خطيبا يتقن فرعا من هذه الفروع أكثر مما يتقن الباقي .. ـ نعم نعتقد أيضا بالتطوير الداخلي للمنبر ، وندعو إلى التعامل مع دعوات التغيير والتطوير لا بالتشنج وإنما بتفهم أن التطوير ينفع .. لكن بالنحو الذي لا يلغي الموجود وإنما يقويه . * التأهيل العلمي لرجال المنبر مطلوب ، وارتفاع مستوى المستمعين يفرز هذا النمط ، ويطالبون به ، ونحن بحمد الله نجد في عموم المستمعين هذا المعنى ، فقد ارتقى توقع المستمع الشيعي من المنبر بنحو جيد .. ومن جهة أخرى نجد أن كثيرا من الخطباء قد استجابوا إلى هذا الارتقاء ، بترقية مستوى خطابهم .. * الاغراق في التنغيم الصوتي ، والرثاء .. وتحويل المنبر إلى بكاء ! هل هو مناسب لشأنه ؟ لا محذور في ذلك إذا كان ضمن دائرته وكان القارئ يتقن هذا الفن ، والمستمع إنما جاء قاصدا لهذا الغرض .. بل نحن نجد في أماكن مختلفة نوعا من التخصص ، بحيث يكون ذوو الأصوات الجميلة ، والحفظ الكثير ( وقد لا يكون لديهم معارف دينية مهمة ) متخصصين في هذا الجانب .. يتولونه ويشبعون حاجة الناس فيه . وأما أهل العلم والمتخصصون في المعارف الدينية فيراد منهم هذا الجانب .. فلماذا انتقاد من يتقن ذلك الفن ؟

 

http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=1040