جلسة ليلة الخميس الحوارية في مسجد الرفعة

الشيخ فوزي السيف

في الجلسة الأسبوعية التي تنعقد ليلة الخميس بعد صلاة المغرب والعشاء في مسجد الرفعة بتاروت، كان هناك سؤالان:

ـ الأول: هل يوجد حكم حلال تحول إلى حرام وبالعكس.

ـ الثاني: هل يوجد اجتهاد في العقائد؟

وفي الجواب على السؤال الأول: قلنا:

1/ إن الأصل في الأحكام الواردة على لسان رسول الله ، هو الثبات والديمومة والاستمرار، فإذا بلغ عن ربه، بأن الصلاة واجبة، فهذا الحكم بطبيعته دائم ومستمر وغير قابل للتغيير، وهكذا لو قال بأن الخمر حرام.. سواء كان التبليغ من خلال، القرآن الكريم أو السنة الشريفة ـ وهكذا الحال بالنسبة إلى خلفائه المعصومين على رأي الامامية ـ.

ويستشهد في هذا المجال بالحديث المعتبر عن الامام الصادق : حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة. الكافي 1/58.

والثبات مقتضى كون الأحكام ناشئة عن المصالح والمفاسد، كما عليه المشهور عند العدلية، فإن الصلاة لما تحتوي عليه من المصالح للعباد، ينشأ عنها إيجابها على المكلفين، من غير حاجة ربهم إلى شيء «لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ» «سورة الحج: 37».

2/ إلا أنه قد يحصل أن يتغير موضوع الحكم، حقيقة أو عرفا، وحينئذ لا ريب في تغير الحكم عما كان عليه من الحرمة إلى الحلية أو من الوجوب إلى خلافه، وهكذا. وهذا مع التأمل والتدقيق ليس من تغير الحكم، وإنما هو من تغير الموضوع.. فإن معنى تغير الحكم بحسب التدقيق، أن يكون الموضوع ثابتا ومع ذلك يتغير الحكم، وهذا غير ما نحن فيه.

وأمثلة ذلك ـ كما يذكرون ـ كثيرة: فإن الكلب وهو نجس العين، إذا تحول إلى ملح على اثر سقوطه في المملحة، تتغير أحكامه السابقة، نظرا لأنه لم يعد هناك كلب والموجود إنما هو الملح، والملح له أحكام أخر.

ومثل ذلك ما ذكروه من استحالة بعض المواد التي في أصلها تكون نجسة وغير جائزة، فمع الاستحالة والتبدل في حقيقتها، تأخذ حكما جديدا، كما ذكر بعض الفقهاء ذلك في مثل انقلاب الخمر إلى خل.

ومن المعلوم أن الأحكام تتبع المواضيع، وتختلف باختلاف العناوين، فمتى ما تغير الموضوع تبعه الحكم، وهو بالدقة كما قلنا ليس من تغير الحكم..

3/ وقد لا يتغير الموضوع ولكن تتغير بعض الظروف المحيطة بالمكلف، فيتغير حكمه الأولي إلى حكم ثانوي بالنسبة لهذا المكلف أو في هذا الزمان.. وهذا باب الأحكام الثانوية المختلفة عن الحكم الأولي.. فإن الماء مثلا حكمه الأولي هو الاباحة، لكن على اثر ابتلاء المكلف بمرض يضره استعمال الماء، يتغير حكم الماء بالنسبة إلى هذا الشخص إلى الحرمة.. وعكسه لو توقفت حياته على شربه، فإنه يصبح واجبا.

وحكم أكل لحم الخنزير وغير المذكى هو الحرمة، ولكن في أيام المجاعة والمخمصة يصبح حلالا لو اضطر الانسان إلى الأكل.

4/ وتنبيه آخير: إن هذا مبني على ما بلغه النبي الكريم ، وخلفاؤه المعصومون كأحكام شرعية نهائية، وهو الأصل فيها، لا على ما عالجوا قضايا في وقائع محدودة بزمانها، أو كانوا قد أصدروا الحكم كحكم ولائي أو قضائي، أو غير ذلك من الملاحظات التي يعلم من خلالها أن الحكم كان مبنيا على عدم الدوام والاستمرار.. فإن تعدد مقامات النبي يتبعه أن يتعدد نمط خطاباته «للتفصيل راجع كتابنا رؤى في الاصلاح الثقافي».

ومن ذلك ما نقل عن أمير المؤمنين فقد سئل عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم « غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود » فقال : إنما قال ذلك والدين قل، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار". نهج البلاغة - خطب الإمام علي - ج 4 - ص 5.

وما نقل عن رسول الله ، من أنه قال لشاب تنازع مع أبيه حول موضوع مالي، فقال النبي «أنت ومالك لأبيك».

وكذلك ما ورد في النهي عن إخراج لحوم الأضاحي من منى وبعدما كثر الناس، وانتفت الحاجة ارتفع ذلك النهي «فعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال: سألته عن اخراج لحوم الأضاحي من منى؟ فقال: كنا نقول لا يخرج منها شئ لحاجة الناس إليه فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه. / الكافي 4/500.

واما الجواب عن السؤال الثاني: وهو جواز الاجتهاد في العقائد

فقد يكون السؤال الصحيح هو هل يجوز التقليد في العقائد؟ لأن الاستدلال وإعمال النظر في المسائل العقدية لا سيما الأصلية كالايمان بالله عز وجل والنبي محمد، والاعتقاد باليوم الآخر، هو الأصل، وأما التقليد في هذه المسائل فهو محل خلاف، فالمشهور على عدم الجواز نظرا لأن المطلوب في العقائد العلم وسكون النفس وهو إنما يتم بالنظر العقلي والاستدلال.. فالاجتهاد بهذا المعنى في العقائد هو الأصل والمطلوب.