معرفة النبي صلى الله عليه وآله من لسان علي عليه السلام

محرر الموقع
من كلامه  في وصف الأنبياء: ( فاستودعهم في أفضل مستودع ، وأقرهم في خير مستقر . تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام . كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف . حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وآله ، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا وأعز الأرومات مغرسا . من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه . عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر ، وشجرته خير الشجر . نبتت في حرم وبسقت في كرم ، لها فروع طوال وثمرة لا تنال ) . ( وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة . وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ، ويكنفني إلى فراشه ، ويمسني جسده ويشمني عرفه . وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه . وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل . ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره . ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به . ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري . ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما . أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ) . يرتبط الاعتقاد بالمعرفة ارتباطا وثيقا كما يرتبط العمل بالاعتقاد ولذا كانت مرتبة العقائد متقدمة على مرتبة العمل ، واعتبرت المعرفة أساسا ، فأول الدين معرفة الله سبحانه ، وجاء في تفسير قوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) أنه يعرفونه فإذا عرفوه عبدوه . وهكذا الحال بالنسبة إلى الاعتقاد برسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، فإن دخول الانسان للاسلام إنما يمر بأن يشهد لله بالألوهية وللنبي بالرسالة ..والشهادة غير ممكنة من غير المعرفة . وهذه الكلمات التي قالها أمير المؤمنين  في حق رسول الله ، هي بعض ما قاله للتعريف بالنبي وبيان علاقته به وقربه من رسول الله ومن أحرى من علي  بالحديث عن النبي ؟ ومثلما أن عدم المعرفة أصلا تنتهي إلى الضلال الكامل ، فإن المعرفة الناقصة أو الجهل المركب يشابه في بعض النواحي الجهل الكلي لا سيما في الجهات العملية . فمثلا : عندما نتعرف على النبي بشكل خاطئ فنعتقد بأنه يسهو تارة وينسى أخرى ويتعدى ثالثة على الآخرين من غير حق ولا يبلغ ما أوحي إليه عن جزم في كل شيء ..إذا اعتقدنا في النبي ذلك ستتأثر علاقتنا به صلى الله عليه وآله بهذه المعرفة واتباعنا له بها وحينئذ لا نستطيع أن نلتزم بكل ما جاء به النبي بل لابد من سؤاله :يا أيها النبي هل تقول هذا الكلام جادا أو أنك ناسٍ أو ساهٍ ؟ وهل هذا الموقف من لعن بعض الاشخاص ، وذمهم نابع من الغضب و الهوى ومنبعث من العصبية ضدهم ؟ أو أنه موقف شرعي يجب الالتزام به ؟ هل كل كلامك وحي يوحى ؟ أو أن من كلامك ما هو خارج هذا الإطار ؟ هذا الاعتقاد الخاطئ ينتج أن لا يستطيع الشخص أن يعمل بكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله ، بل ربما اعتقد أن أهم المواقف أن ( الرجل ليهجر )، وهذا الموقف التاريخي الذي حصل لم يكن وليد ساعته ، وإنما هو منبعث من منهج واعتقاد يرى أن النبي يسهو أو ينسى أو يتأثر بالمواقف والظروف الموضوعية زمانا ومكانا فيغضب مرة ويلين أخرى ، ولعل هذا الموضع من مواضع غلبة عواطفه عليه أو تأثير المرض فيه ! أو كونه خاضعا لسحر غيره إياه . ويظهر أن هذا النمط من الاعتقاد كان موجودا أيام النبي ، ولم يكن محدودا بأشخاص قلائل بل كان يعبر عن تيار له من القوة والموقع الاجتماعي محل كبير بحيث يأمر بعض المسلمين من كتاب سنة النبي صلى الله عليه وآله ، أن لا يكتب كل شيء ، مما يشير إلى أن هذا التيار كان قادرا على الأمر والنهي ! في الحديث الذي ينقل عن عبد الله بن عمرو بن العاص يتحدث عن أن قريشا نهته عن الكتابة لحديث رسول الله وسنته ! وتعليلهم في ذلك أنه بشر عادي يتكلم في الرضا والسخط وليس معصوما في كل أوقاته بالتالي فينبغي ( انتقاء ) ما يقوله والتعامل معه على أساس تصفيته وقبول بعضه وترك بعضه الآخر ، بينما كان موقف النبي حاسما في هذا الجانب وهو أن يكتب كل ما يسمعه منه لأنه لم يخرج من فمه الشريف غير الحق . عن عبد الله بن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب .. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني الا حق ! بل يؤدي مثل ذلك الاعتقاد إلى أن يكون حال النبي صلى الله عليه وآله ، تماما كما هو حال كثير من المسلمين ، فمثلما كان يجتهد فيصيب مرة فإنه يخطئ أخرى ! فهذا منطق الاجتهاد .. المجتهد يمكن أن يخطئ كما أنه أحيانا يصيب ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يجرب بعض المسلمين حظهم في تشريع الأحكام تحريما وتحليلا ، وإيجابا ونهيا ، حتى وإن كانت هناك نصوص عن النبي في هذا الشأن ، إذا ما دام نص النبي يرجع إلى اجتهاده في الأمر فلماذا لا يجتهد الخليفة والعالم ؟ ولعل قيام بعض الخلفاء بتحريم متعة النساء والحج وجعل الطلاق بالثلاث ثلاثا مع أن الرواية عن النبي ثابتة على خلاف ذلك في المسائل الثلاث وغيرها يرجع إلى أمور منها هذا الأمر . وإلى هذا يرجع ما قاله بعض فقهاء المسلمين من أنه لو أدركني النبي لأخذ بكثير من قولي وهل الدين إلا الرأي الحسن !! نحن نجد مع كثير الأسف أن نتائج المنهج الخاطئ في معرفة الرسول صلى الله عليه وآله ، لا تزال موجودة في كتب المسلمين ـ وبعضها محسوب من صحاح الحديث ـ .وسوف نرى الفرق بين المنهج الذي يقدمه لنا أمير المؤمنين علي وهو الذي رافق النبي منذ نعومة أظفاره وكان تحت رعايته وأقرب الناس إلى معرفة النبي .. وبين المنهج الآخر الذي يقدم لنا شخصية غير مثالية ، بل هي دون بعض معاصريه في الجاهلية !! هل كان النبي يأكل ما ذبح على النصب ؟ إنهم ينقلون : سالم انه سمع عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لقى زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى ان يأكل منها ثم قال إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل الا مما ذكر اسم الله عليه . بل يذكرون أيضا أنه منذ ذلك الوقت ترك النبي (!!) الأكل من ما ذبح على الأنصاب ! وذلك ببركة عبد الله بن نفيل ! ( فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال يا ابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب قال فما رؤى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك ) فهل هذه هي الشخصية التي انتخبت واصطفيت من قبل الله سبحانه وتعالى من قبل أن يولد ؟ وبعد ولادته قد قرن الله به ملكا من أعظم ملائكته ليله ونهاره ؟ وإذا كان موسى بن عمران وهو أحد المرسلين قد اصطفي واصطنع تحت رعاية الله ( واصطنعتك لنفسي ) .ثم ربي وأنشيء بعين الله ( ولتصنع على عيني ) ، فهل يعقل أن يكون سيد موسى بن عمران وسيد المرسلين جميعا ، يترك هكذا فترة شبابه مع الكافرين يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون ؟ . بل كيف يكون أحد القرشيين وهو عبد الله بن عمرو بن نفيل قد اهتدى إلى أنه لا يأكل مما ذبح على النصب ، وإنما يأكل مما ذكر اسم الله عليه ، بينما يكون النبي لا يصل إلى ذلك المستوى من الوعي فيأكل مما ذبح على الأنصاب والأوثان ؟ هل كان يُهدى إليه الخمر قبل البعثة ؟ جاء للرسول صلى الله عليه وآله في مكة كما ورد في بعض كتب غير الشيعة ومعه والعياذ بالله زق خمر ..ليس كأس أو كأسين ..لا .. برميل كامل وباستطاعته أن يغطس فيه..فجاء به إلى رسول الله هدية ..فقال رسول الله يا هذا أما علمت أنها حرمت ..أيام زمان لم تكن حرام ..الآن لا ..لا نستطيع الحصول عليها فلم يقبلها رسول الله ..هذا قبل البعثة ..بعد البعثة وهل كان ينسى آيات القرآن ؟ كما أنهم ينقلون عائشة زوجة الرسول أنها قالت سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال رحمه الله لقد اذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا . وهذا الكلام نفسه هو تعبير عن الفكرة السابقة التي كان تتحدث بها قريش ، إن رسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب ، والتذكر والنسيان ، والجد والهزل ، والغفلة والانتباه .. وهو مثلنا تماما لا فرق سوى أنه ( وقت العمل يلبس بزة الشركة ) ! هذا كله مع أن القرآن الكريم يهتف بأعلى صوته مناديا عن الله ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى) وإنما استثنى فيما بعد حتى يبين أن الأمر من الله وبيده ، وإلا فإن طبيعة الانسان أن ينسى ولو في حين ، لكن النبي لن ينسى ولكن هذا ليس طبيعة للنبي وإنما هو نعمة من الله وتمكين منه لرسوله .. وهل كان يلعن من غير مبرر ؟ تصور بعض الأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله كرجل خاضع لأهوائه إلى الدرجة التي لا يسيطر فيها على لسانه ولا يتحرك من خلال موقفه الشرعي وإنما يكون أسير عاطفته فيلعن من لا يستحق اللعن وربما مدح من لا يستحق المدح . فإنهم ينقلون عن أبي هريرة أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة . ومن الواضح أن هذه الفكرة لا تخرج عن سابقتها في أن محمد بشر يقول في الرضا والغضب والسخط من غير ميزان ، والعجيب أن بعض هؤلاء قد جعلوا نتيجة هذا الحديث المنقول فضيلة لمن لعنه رسول الله أو شتمه ! لأن ذلك اللعن سيكون كفارة لذنبه وقربة له يوم القيامة ! وبالتالي فإن بني أمية ممن لعنوا على لسان النبي ينبغي أن يستبشروا ويفرحوا بلعن الرسول إياهم لأنه قربة ومنزلة أخروية !! وحقيقة الأمر أن هؤلاء ابتلوا بتحد وهو أنهم يعلمون أن النبي قد لعن هذه الطائفة وشدد النكير عليها لما يعلم من صفاتهم ومواقفهم ثم رأوا هؤلاء الذين تم لعنهم على لسان الرسول قد تسنموا أعلى مراكز القرار في عالم المسلمين ، فماذا يصنعون ؟ لا بد من تخريج لهذه الجهة يمسح آثار اللعن النبوي ، فكان ذلك ولكن على حساب النبي ! بحيث أظهره بمظهر الشخص المنفعل عاطفيا . وهكذا لو أردنا أن نستعرض الأحاديث التي تنبع من هذه المدرسة ، وتغذي هذا التيار لطال بنا المقام ، ولسبب ذلك مزيدا من التوهين والحط من منزلة النبي صلى الله عليه وآله ، فلنطو عنها كشحا .. ولنذهب لكي نتعرف على صفات النبي العظيم من خلال كلام الوصى الكريم ..فماذا يقول أمير المؤمنين ؟ يقول إن هناك عناية منذ الأزل في ترتيب أصل الكون فقد رتب الله سبحانه وتعالى الأمر بحيث أن أسرة من الأسر تصفى من الأدناس ..تطهر من جميع الأرجاس وذلك تحت عناية وتلاحظ بعين الله ،حلقة حلقة ،وسنة بعد سنة ..وبطنا وصلبا إلى أن تنتج هذا المولود الأكمل وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وآله .. (حتى أفضت كرامة الله إلى نبيه محمد فأخرجه من أفضل المعادن منبتا) ..يعني أن الله سبحانه رأى هذا الكون وما يحتوي عليه من بشر ..من جن وإنس ..رأى ما هو أفضل معدنا .. ما هو أحسن أرومة ..ما هو أفضل عنصرا؟ فانتخب الأفضل من كل ذلك لكي ينتج هذا النبي ..لماذا ؟ لأن المفروض أن يصل هذا النبي إلى مرتبة لم يصل إليها ولن يصل إليها أحد أبدا من سابق الخلق ولاحقه فيحتاج ذلك إلى رعاية أزلية ..يحتاج إلى أن يكون ملحوظا ومرعيا قبل وجوده وإلا فمن المعلوم أن قوانين الوراثة لا تتخلف وأن المولود يتأثر ـ ولو على سبيل الاقتضاء لا الحتم ـ بتراثه السابق من آبائه وأجداده ، وهذا كما يصدق في الصفات البدنية يصدق في الصفات النفسية والروحية . المفروض أن هذا النبي يستخلصه الله ويصطفيه ويجتبيه حتى يصبح معدنا خالصا لله ..مخلصا لله ..لا يعمل فيه ولو بمقدار الاحتمال تأثير الوراثة السيئة..لذلك لابد وأن يلاحظه من الأزل فأخرجه .. من أين ؟ من أفضل المعادن منبتا ومن أعز الأرومات مغرسا من الشجرة التي صدع منها أنبيائه وانتجب منها أمنائه ، هذه شجرة خاصة وأسرة خاصة. وهذا المعنى هو الذي تشير إليه بعض تفاسير الآية المباركة ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) يعني يرى انتقالك من صلب ساجد ..إلى رحم ساجد ..من صلب طاهر إلى رحم مطهر . وهذا أيضا ما تشير إليه الفقرات الواردة في زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم النصف من رجب : أشهد أنك طهرا طاهرا مطهر من طهر طاهر مطهر طهرت وطهرت بك البلاد وطهرت أرض أنت بها . فلا يقتصر الأمر على أنك طاهر فقط وإنما من طهر طاهر مطهر ..هذا قبل وجوده في الأزل وقبل أن يخلق الله الكون ضمن الترتيب الكوني ..مثل ما أن الله خطط أن تشرق الشمس كل يوم خطط أن تسلل هذه الأسرة و العترة من الطاهرين ..هذا قبل وجود النبي . أين هذا وما يقال من أنه والعياذ بالله كان يهدى إليه الخمر ومن أنه يأكل على النصب؟ نعود إلى كلام الإمام :ولقد ..(اللام للتأكيد وقد للتأكيد أيضا إذا دخلت على الفعل الماضي )..ولقد قرن الله به أعظم ملك من ملائكته ..هل هو الروح القدس ؟ إذ تيوجد روايات تقول أن الروح القدس هو أعظم ملك من ملائكة الله بحيث من جهة العلم والقوة ومن جهة الطاعة لله هو في كفة وسائر الملائكة جميعا في كفة أخرى ..هذا الروح هو الذي يتنزل في ليلة القدر (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر) على من تتنزل الملائكة والروح ؟ لأننا لا نراهم ..تتنزل على النبي لو كان موجودا وعلى المعصوم لو كان موجودا وفي زماننا تتنزل على الحجة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه .. أو أن الروح الذي قرن بالنبي هو جبرائيل حيث يوجد قول بهذا المعنى أيضا .وعلى أي تقدير فقد قرن الله به (بالنبي ) أعظم ملك من ملائكته ..ماذا يفعل به هذا الملك ؟..يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره .أي أعظم ما هو ممكن للبشر أن يصل إليه . هناك مرتبة عليا وهي ما يتكلم عنه الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه في رواية صحيحة يرويها الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق ننقلها بالذات غير أن معناها وارد عن الأئمة في روايات أخر كثير منها معتبر قال (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر : إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال : " إنك لعلى خلق عظيم " ، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده ، فقال عز وجل : " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس ، لا يزل ولا يخطئ في شيء مما يسوس به الخلق ، فتأدب بآداب الله ) لاحظ كلمات الامام أن الله تعالى أكمل لنبيه الأدب والخلق ، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ..وأنه لا يزل ولا يخطئ لا في التبليغ فقط فهذا مسلَّم وإنما في شيء مما يسوس به الخلق .. أين هذا وكلام البعض من أنه بشر يتكلم في الرضا والسخط ، ويلعن في غير موضعه ؟ وأين هذا من النهي عن الكتابة عنه ؟ لقد قارنت بعض الروايات بين عطاء الله لسليمان النبي عليه السلام وبين عطاء الله للنبي الأكرم محمد ، أما الأول فقد بلغت أقصى همته أن قال  رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) وهي لا شك همة دنيوية عالية جدا فأجابه الله تعالى ، فإن الله يحب معالي الأمور والطموح (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تجَْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَ الشَّيَاطِينَ كلُ‏َّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ* وَ ءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فىِ الْأَصْفَادِ*هَاذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيرِْ حِسَابٍ*) ومختصر الكلام أن الكون أصبح تحت إرادة سليمان وما في الكون أصبح خادما لسليمان بإذن الله . وأما النبي صلى الله عليه وآله ، فقد أعطاه منزلة ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) هذا تصرف في الدين .. وشتان بين المنزلتين..والذي يعرف الفرق بينهما ويعرف من أين كانت البداية مع النبي صلى الله عليه وآله ، وأنها لم تكن عبارة عن عمل كلف به محمد بن عبد الله بعدما بلغ الأربعين من العمر ، وإنما هو بذرة غرست ورعيت وحميت في الأصلاب والأرحام منذ الأزل حتى تخرج نقية طاهرة طيبة .. ثم بعد أن اكتحلت عين الوجود بنور طلعته قرن به أعظم ملائكة الله لكي يتكامل أكثر ، حتى إذا بعثه الله بالنبوة كان ( على خلق عظيم ) .هكذا يتحدث الإمام عن النبي العظيم والرسول الكريم ، وهذا ما يعتقدة شيعة أمير المؤمنين في رسول الله صلى الله عليه وآله .. ولهذا فإننا ننظر إلى الفكرة ( لو كانت تسمى كذلك ) التي بثها بعض أعدائهم ومخالفيهم من أن الشيعة يعتقدون بأن النبوة كان ينبغي أن تنزل على علي فغلط جبرئيل وأنزلها على محمد !! نقول هذا هذيان معتوه .. علي قصارى ما يصل إليه كما قال أنه منه ، ونوره مشتق من نوره (وأنا منه كالصنو للصنو والذراع والعضد) ، بل إن بعضهم حين يرى موقع علي وفضله ويريد أن يقايس بين فضله وفضل رسول الله صلى الله عليه وآله فيسأله : أنت أفضل أم محمد ؟ قال : ويحك إنما أنا عبد من عبيد محمد ! هكذا يعلمنا ـ ويعلم الأمة ـ عليٌّ كيفية الصلاة على النبي ( اللهم داحي المدحوات ، وداعم المسموكات ، وجابل القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك ورسولك الخاتم لما سبق . والفاتح لما انغلق . والمعلن الحق بالحق والدافع جيشات الأباطيل . والدامغ صولات الأضاليل . كما حمل فاضطلع قائما بأمرك مستوفزا في مرضاتك غير ناكل عن قدم ، ولا واه في عزم ، واعيا لوحيك حافظا لعهدك . ماضيا على نفاذ أمرك . حتى أورى قبس القابس وأضاء الطريق للخابط وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن . وأقام موضحات الأعلام ونيرات الأحكام . فهو أمينك المأمون وخازن علمك المخزون وشهيدك يوم الدين وبعيثك بالحق ، ورسولك إلى الخلق . اللهم افسح له مفسحا في ظلك واجزه مضاعفات الخير من فضلك ، اللهم أعل على بناء البانين بناءه وأكرم لديك منزلته ، وأتمم له نوره ، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ومرضي المقالة ذا منطق عدل . وخطة فصل . اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة ، ومنى الشهوات . وأهواء اللذات ورخاء الدعة ، ومنتهى الطمأنينة وتحف الكرامة ) .