الموقف من التشبه

محرر الموقع
بسم الله الرحمن الرحيم هل من التشبه : “عيد الفالنتاين” ؟ تثار بين فترة وأخرى في الوسط الاسلامي العام مسائل تختلف الآراء بشأنها ، وهي تلك التي ترتبط بمدى كونها مصداقا للتشبه بالكافر ، والذي يفترض أنه بحسب الشائع بين فقهاء المسلمين ، ممنوع . فمن ذلك جواز الاحتفال بأعياد الميلاد ، وبعيد الفالنتاين ، وبتغيير العطلة الرسمية واعتماد يوم الاحد مثلا عطلة ، وهكذا تصل إلى بعض الهيئات كقصات الشعر ( الحديثة ) ووضع السلاسل ، والملابس كرباط العنق ( الكرافتة ) بل وإلى بعض العادات مثل وضع الزهور على قبر الجندي المجهول بل ربما عممها بعضهم إلى كرة القدم !! وحيث أن القاعدة التي ينطلق منها المانعون ، هي التشبه بالكفار .. كان من المهم أن نلقي عليها نظرة . والحديث هنا هو ضمن إطار تقريب ثقافي للموضوع الفقهي ، وإلا فإن الحديث الأخلاقي يختلف ، وذلك لأنه يمكن أن يقال فيه أن المطلوب بشكل عام حفظ الشخصية الخاصة بالفرد والمجتمع على صفائها من التأثيرات ( السلبية ) القادمة من سائر المجتمعات .. وأما ما كان يصنف ضمن الاستفادة والانتفاع منها فلا مانع منه ..مع ملاحظة أن لا يفقد المجتمع شخصيته الخاصة . وقد استدلوا على ممنوعية التشبه بالكفار بعدد من النصوص ، منها : ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله : من تشبه بقوم فهو منهم .. وقد قال فيه بعضهم : بأن أقل ما يقتضيه هذا الحديث هو تحريم التشبه ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم . كما في كشف القناع للبهوتي الحنبلي . وما روي في المستدرك : «اوحى اللّه الى نبي ان قل لقومك لا تطعموا مطاعم اعدائي، ولا تشربوا مشارب اعدائي، ولا تركبوا مراكب اعدائي، ولاتلبسوا ملابس اعدائي، ولا تسكنوا مساكن اعدائي، فتكونوا اعدائي كما كان اولئك اعدائي‏». وما روي عن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله : أن النبي كان لا يترك شيئا في بيته فيه تصليب إلا قطعه . وما روي عنه أيضا : غيّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى .. شيء من المناقشة : وربما يناقش الاستدلال بالأحاديث المذكورة بما يلي : ـ بعد الغض عما في أسانيد قسم منها ـ : ـ أنها بشكل عام ليست في مقام إنشاء حكم تكليفي وإنما هي في مقام بيان نتيجة هذا العمل وهو التشبه ، وأنه مما يقتضي أن ينتهي الانسان المتشبه إلى أن يكون في مسيرة أولئك وأن طريقة حياته ستكون كطريقة حياتهم .. ويشير إلى هذا المعنى أننا نجد تعبير ( من تشبه بقوم فهو منهم ) يأتي في القضايا الأخلاقية ، وأنه إذا لم يكن حليما فليتشبه بالحلماء ، ومن لم يكن كريما فليتشبه بهم ، فإنه بالتدريج سيكون كذلك .. وفي بعض تلك الروايات إشارة أوضح بالقول فإنه ( قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم ) .. وإذا كان سياق هذه الأحاديث العام ليس مقام إنشاء الحكم التكليفي فلا معنى للقول بالحرمة حينئذ ، فضلا عما ذكره البهوتي في كشف القناع من اقتضائه للكفر ! وهذا أيضا واضح من حديث المستدرك .. والحديث الثالث الذي يفيد بأن النبي كان يقطع ما فيه تصليب ، يمكن أن يلاحظ فيه شخصية النبي صلى الله عليه وآله ، وأن هذا الموقف مما يقتضيه كونه صاحب الرسالة الخاتمة ، ولم يكن عاما بالنسبة لجميع المسلمين . وأوضح من الجميع الحديث الرابع الذي ظاهره عدم الجواز بينما نستفيد من حديث آخر لأمير المؤمنين علي عليه السلام أن الأمر كان تدبير ولائيا مؤقتا وليس حكما شرعيا ثابتا ، فقد سئل عن قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود»، فقال : «انما قال ذلك والدين قُـلٌّ ، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار». وضرب بجرانه: اي ثبت واستقر. ماذا يعني التشبه ؟ لقد ورد في أكثر من رواية تعبير ( تشبّه ).. وهذا التعبير فيه افتعال واصطناع من المشاكلة في الصورة والهيئة ، فهو يختلف عن ( شابه ، أو تشابه ) .. أي أن الأمر لا يحصل بصورة اتفاقية وإنما مع شيء من الالتفات والتعمد ، بل والنية في ذلك .. بالرغم من أن بعضهم نفى أن يكون للنية مدخلية في التشبه .. وستختلف بطبيعة الحال النتيجة ، فإنه مع القول بعدم مدخلية الالتفات والتعمد والنية في التشبه فإن من لبس مثلا ملابس الكفار حتى لو لم يكن يعلم أن هذه ملابس الكافرين فقد حصل منه التشبه ويحرم منه ذلك ، بينما على القول بأنه لا بد من وجود الالتفات ، ففي هذه الحالة هو غير متشبه . والذي يقتضيه مناسبات الحكم والموضوع أن ممنوعية التشبه إنما هي لجهة أن لا يكون ذلك مدخلا لنشر ثقافة الكافرين ، وترويجا للباطل .. فإن للثقافة تجليات مختلفة منها الأفكار ، ومنها العادات وطريقة الحياة .. وهذا إنما يحصل مع وجود التفات إلى مضمون التشبه ، والفكرة التي يختفي وراءها هذا اللباس أو تلك الهيئة ! كما أن هذا الأمر لما كان مشاكلة عمدية لصورة وإشارة لمضمون ثقافي أو عقدي فإنه سيكون مرتبطا بالزمان والمكان .. فإن الزي الخاص أو الهيئة المعينة ربما تكون في زمان مذكرة بثقافة الباطل وترويجا لعقائد أهل الكفر ولكنه في زمان آخر لا يكون له ذلك الايحاء ! ( وإليه يشير الحديث الذي نقله الشريف الرضي في نهج البلاغة حيث يتحدث الإمام علي عليه السلام عن دور الزمان في تغيير الحكم تبعا لتغير ظروف الموضوع ) . وقد يكون في مكان معين له تلك الخصوصية أما في مكان آخر فلا أحد يلتفت إلى أن هذا الزي أو الهيئة أو النمط الحياتي مشير إلى أهل الفساد أو الضلال .. فلا يحرم آنئد .. ويمكن أن يشار هنا إلى ما قيل في لباس المسلمين لربطة العنق فإن الفتوى كانت في زمان سابق على عدم الجواز إما لأنها كما قالوا ترسم علامة الصليب ! أو لأنها من الملابس المختصة بالكفار ! ولكن تغير الزمان فأصبحت شائعة بنفس المقدار الذي فقدت هذا الإيحاء ، فتغيرت الفتوى بشأنها إلى الجواز . ولهذا يمكن أن نحمل ما ورد في فتاوى علماء الإمامية من ممنوعية التشبه على ما يلي : 1/ التشبه بزي أو هيئة أو تقاليد الكفار لأنهم كفار ، ولأجل كونهم على هذه العقيدة ، فهذا لا يجوز لأنه ينتهي حتما إلى ترويج الباطل وتشجيع الفساد .. وهو أوضح صور ما ذكرته الأحاديث . 2/ التشبه بمختصاتهم العبادية الباطلة مثل لبس الصليب في العنق ، أو اتخاذ التماثيل التي يتوجه إليه البوذيون مثلا .. هو أيضا ممنوع . 3/ التشبه بالأمور العادية من الزي أو الهيئة الشخصية وأمثال ذلك بقصد ترويج ثقافة الكفر وتشجيع الباطل أيضا لا يجوز .. ما عدا الأمور المذكورة مثل الاحتفال بأعياد الميلاد ، أو عيد الحب ، أو الأم ، أو غيرها ، لا مانع منه ـ في نفسه ـ ما لم ينطبق عليها عنوان آخر ( كالاختلاط أو حصول المنكرات فيها ..) ولا يختلف الحال بين أن تسمى عيدا أو يوما .. وكذلك الحال في الهيئة الشخصية من قصات الشعر ، أو الوجه ( غير حلق اللحية الذي هو حرام على المشهور فتوى أو احتياطا ) .. فضلا عن الملابس كلبس الجينز أو ربطة العنق أو غير ذلك ، فلا يحرم .