قراءة في كتاب : رؤى في قضايا الاستبداد والحرية

محرر الموقع

عيسى العيد :

لا يزال الاستبداد في صوره المتعددة هو البلاء الأكبر الذي ابتليت به هذه الأمة، ولا تزال متوالياته السيئة تعيد إنتاج نفسها في المجال السياسي والديني والثقافي والاجتماعي.

الشيخ فوزي آل سيف جاء بكتاب ينبغي التوقف عنده والمعنون بـ«رؤى في قضايا الاستبداد والحرية» وقد أطل الكتاب على ثلاثة فصول بطريقة سلسة:

تحدث الكاتب في الفصل الأول عن الاستبداد السياسي وآثاره المخربة، معرفاً بالاستبداد قائلاً: إنه الاستئثار والاستحواذ، والانفراد بالرأي في شؤون الجماعة فهو اغتصاب لحق مشترك.

ثم بيّن سماحته بعض مصاديق المستبد حيث قال " قد يُتصور أن النظام السياسي هو الوحيد الذي يعنوَن بالاستبداد، مشيرا إلى أن هذا وإن كان أظهر وأوضح أنحاء الاستبداد، إلا أنه لا ينحصر به ذلك حيث ان في كل شخص يوجد مشروع استبداد «إذا لم يهذبه» ففي البيت الوالد يكون مستبدا عندما يفرض الصحيح والغلط من الأمور لا لشيء إلا لأنه قوله! والزوج من الممكن أن يكون مستبداً عندما يتصرف على طريقة «كيفي» ويقسر زوجته على شي لأن كيفه هكذا، والمسئول الذي يتعامل في وظيفته بطريقة: أنت تعلمني شغلي! حيث يقوم بالتهديد بعدم إنجاز العمل للمواطن إذا ناقشه في طريقة الإنجاز, أو مدته،كما أن المدرس مع الطلاب ورجل الدين مع الناس إذ إن رجل الدين هو الذي ينبغي أن يكون مثالا لمقاومة الاستبداد بالرأي والاستبداد السياسي قد يتحول في غفلة عن دوره إلى مستبد بأتباعه وجماعته، فيتعامل معهم كما يتعامل المستبدون مع رعاياهم، وهذه كلها أمثلة على مشاريع استبدادية في أفراد متنوعين من الناس.

ثم تطرق الشيخ آل سيف إلى الاستبداد في تاريخ المسلمين حيث قال يتفق المسلمون على أن المرحلة التي تلت عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كانت بداية الملك العضوض، الاستئيثاري والاستبداد السياسي مستشهداً بما نقلوا عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً، اتخذوا دين الله دغلا ومال الله دولا عباده خولا.

وأشار السيف إلى أن هذه الحكومة، في أصل تولي السلطة لم تأت من خلال مشورة الناس، فضلا عن نص شرعي، ولم يكن أولئك الحكام يمتلكون الصفات التي تؤهلهم لقيادة الناس، كما هو واضح في سيرتهم.

واستعرض سماحته أقوال وأفعال هؤلاء الحكام التي تثبت استبدادهم والتي عبر عنها أحد خطبائهم: الخليفة هذا، فإن هلك فهذا «مشيرا لابنه» ومن أبى فهذا «مشيرا إلى سيفه» وقول الحجاج الثقفي: والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من غيره إلا ضربت عنقه.

وأكد الشيخ آل سيف على أن أعظم الجرائم التي تحققت على يد السلطة الأموية في تاريخ المسلمين كانت في تكريس حكم الاستبداد كما لو كان هو طريقة الإسلام في الحكم بحيث أصبح هو النموذج.

وأجاب سماحته عن تساؤل: كيف ينشأ الاستبداد وتتراجع الشورى؟ حيث قال يمكن أن يقال أن للاستبداد مناشئ كثيرة منها تمجيد فكر الاستبداد وأشخاصه وجهل الناس بحقوقهم واستمراء الخضوع والذل والتعود عليه.

على صعيد أخر استعرض السيف آثار الاستبداد في الأمة قائلا: إنه يخلق الإنسان العاجز والمجتمع العاجز، كما يعلم الإتباع الكاذب والمخالفة المستترة مشيرا إلى أن هذا من إفساد الاستبداد للأخلاق فأن الصدق عند المستبد مهلكة ولهذا يطيع الناس في الظاهر ويخالفونه في الواقع،وأن الاستبداد يعيد إنتاج نفسه في المجتمع بصورة جديدة فالمواطن المسئول مثلا خانع لمن فوقه من السلطات وأسد على من تحته من المواطنين، وأن الاستبداد يخدع الناس عن الحقائق ويزيف المعرفة عليهم عندما يجعل الخيارات أمامهم محدودة فيصور أن البديل له الكفر.

في حين أوضح الشيخ السيف استبداد الفرد واستبداد الدولة قائلا الكثير من المفكرين يتحدثوا عن الاستبداد السياسي اليوم فلم يعد استبداد فرد حاكم، بعد أن عبرت أكثر الدول حد الحكومات الفردية«الملكية والسلطانية» وانتقلت إلى أشكال الدولة الحديثة. فكيف الاستبداد نفسه مع هذه المرحلة الجديدة وصار بدل استبداد الفرد والعائلة استبداد الحزب والدولة.

وقال سماحته من مظاهر استبداد الدولة محاولتها إلغاء التنوعات العرقية والدينية والمذهبية الموجودة بشكل طبيعي في كل مجتمع، حيث لم تأت هذه بقرار سياسي، إنما عبر مسيرة زمنية طويلة ,فتأتي الدولة لكي تذيب هذه التنوعات بما تشمل عليه من ثقافة متنوعة، وتقاليد متوارثة، ونظام أخلاقي واجتماعي تكرس على مدى سنين كثيرة، تحاول تذويبه في اتجاه مذهبي أو عرقي واحد، وتقوم بقسر المختلف على أن يتحد معها كحكومة في الدين والمذهب وأحيانا حتى في التقاليد بل حتى في اللباس. كما أن من مظاهر استبداد الدولة استئصال الحركات المعارضة، واغتيال الأصوات المختلفة وذلك بشتى الذرائع.

وبين الشيخ السيف في كيف يقيد استبداد الدولة قائلا بأن النصائح الأخلاقية لا تكفي لتوقف الاستبداد على المجتمع أنما الإصرار على الحرية السياسية هو مفتاح الخير في هذه المجتمعات، سوا على مستوى التعبير عن الرأي المخالف للسياق الرسمي بشتى أنواع التعبير المعقول سواء عن طريق الإعلام أو غيره.

ثم تحدث في الفصل الثاني عن الاستبداد الديني والتعصب مشيرا فيه عن نتائج استبداد الكنيسة والذي كان سببا رئيسيا في حدوث الطلاق بين الدين المسيحي وبين الناس،وعن علامات الاستبداد الديني قال السيف أنه يسوق فعل المستبدين والظلمة وله في كل ميدان فتوى حسب الطلب كما له أسباب متعددة منها:أن سلاح الاستبداد الديني هو الآيات والروايات، والكلام بأسم الدين، وأن اثر الاستبداد الديني يبقى إلى أزمنة طويلة، بينما أثر الاستبداد السياسي قد لا يكون له ذلك الأثر المستمر بموت المستبد أو بنهاية دولته ينتهي أثره، وأن هذا المنهج الاستبدادي الديني يجعل لنفسه ما لم يجعل الله لذاته المقدسة ولا لرسوله الكريم، فالله الذي خلق الناس ورزقهم وأعطاهم، قال لهم في أمر الاعتقاد بالله انتم أحرار والحساب مؤجل يوم القيامة.

الجدير بالذكر أن الكتاب يقع في «103» صفحة ويجمع الكثير من النقاط المهمة التي تخدم الأمة، ومن يطلع على هذه الكتاب يخرج بفائدة كبيرة.