حوارات(1) في سيرة وفكر الإمام الشيرازي قدس سره

محرر الموقع
#993300" >

#993300" >إعداد الأستاذ عبدالباري الدخيل:

تيَمَم بالصبر.. فعانقه الخلود..

للرحيل طعم الخسارة.. وللدمع سكنٌ العيون..

منذ عام سكنت نبضات قلبه الكبير.. بعد أن توزعت على الآلاف حباً.. وتسامحاً.. وحناناً.. وكانت ابتسامته تشيّع المحبين رغم مدلهمات الخطوب التي تنحني لها هامات الرجال.. لكنه لم ينحنِ قط.. فأمام ناظريه تلوح تلك القباب والمآذن.. باركها الرحمن.. تعانق السماء.

عام مرّ فوق أهداب العين على رحيل الإمام محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره).. نمد أيدينا نحو الكتّاب والباحثين والمريدين (2) في تلك المدرسة التي أسسها الإمام الراحل (قدس سره) طيلة سنوات حياته الشريفة، ونتساءل معهم عن تلك الدروس التي حضروها.. وخطوات التعليم الأول.. وعن تلك الصباحات التي حضروا فيها درسهم الأول.. وعن كل المساءات التي سامروا فيها سويعات الإمام الراحل(قدس سره)..

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">لقد كانت حياة الإمام الشيرازي (قدس سره) حركة عطاء مستمرة علمياً وفكرياً وجهادياً... ما رأيكم بتأثيرات مدرسته على المرحلة التاريخية التي عايشها.. وتأثيراتها على الحاضر والمستقبل؟

- الشيخ فوزي آل سيف(3): يتصور البعض من الناس أن القوة هي التي تؤثر، أو أن الأوضاع السياسية هي التي تصنع المرحلة التاريخية، بينما المستقرئ لتاريخ الحضارات يرى أن الذي يصنع كل ذلك هو الفكر والمعرفة، وعلى ضوئه تتحرك الأمم وتنشأ الحضارات. والفكر وإن لم تُر آثاره المباشرة بسرعة في أوضاع الأمة - إذ التغيير الذي يحصل تدريجي - إلا أنه مع امتداد الزمان يصنع تأثيرا هائلا.

ونحن ننظر إلى فكر الإمام الشيرازي الراحل تغمده الله برحمته، من هذا المنطلق، فالثروة الفكرية الهائلة التي خلفها في الأمة، حقيقة بأن تصنع التأثير الحضاري المطلوب.

لقد رأينا تأثير أفكاره الرائدة في حاضرنا واضحا في الأماكن التي تفاعلت مع أفكاره وآرائه. وننتظر أن تتعرف باقي المناطق على هذا الفكر حتى يحصل التغيير على مستوى الأمة كلها.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">لقد كانت حياته (رحمه الله) مليئة بالمنعطفات الصعبة والأليمة.. فما هي رؤيتكم وتقييمكم لهذه المراحل من حياته؟

- الشيخ فوزي آل سيف: كان من الطبيعي أن يكون في حياته (قدس سره) الكثير من المنعطفات الصعبة والأليمة، بل كان خلاف ذلك غير طبيعي، فالرجل الذي حمل على عاتقه هدف إنهاض الأمة ككل، وليس مدينة أو بلدا.. ولم يتخل عن هذا الهدف منذ شبابه إلى أن اختاره الله، كان طبيعيا أن تكون العقبات إمامه بقدر أهدافه العالية.

أذكر ذات مرة تشرفت بزيارته قبل انتقاله إلى الرحمة الإلهية، في منزله ولم يكن في الغرفة الصغيرة حينها أحد، فذكرت لسماحته أنه لو يتم تنظيم الأمر الكذائي بالنحو المعين، لكان أكثر إنتاجا.. فتبسم رحمه الله وقال: هل تذكر بيت الشعر المذكور في مغني اللبيب:

 

تعجبين من سقمي؟                 صحتي هي العجب!!

 

وكان في ذلك الاستشهاد إجابة على ما تم الحديث عنه، وعلى السؤال المذكور أعلاه يمكن أن يكون جواباً.

المهم هو نمط مواجهته لتلك المصاعب والمشاكل، حيث لم تنحت من جبل إصراره شيئا.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">لعله لم يكن هناك ميدان من ميادين العلم لم يكن الإمام الراحل (رضوان الله عليه) قد خاض فيه ذلك الخوض الذي تمخض عن أكثر من 1200 مؤلف فما هو تقييمكم لهذه الحالة العلمية الموسوعية؟

 الشيخ فوزي آل سيف: أعتقد أن الله سبحانه وتعالى، ينعم - وهو المنعم الفياض - على البشر أحيانا بنماذج وقدوات عليا، من غير المعصومين، يؤدي وجودها غرضين:

-         تقريب فكرة المعصوم: بحيث لو رأينا شخصا في هذا المستوى من الإحاطة العلمية (هو البحر من أي النواحي أتيته)، مع أنه لم يُعد لدور إلهي استثنائي، وإنما ضمن حدود الحالة البشرية من الاكتساب العلمي، والنشاط الذهني.. وهو بهذا المستوى العظيم. فكيف لو كان الله يريد دورا استثنائيا للشخص كما هو في حالة المعصوم. وكيف لو كان علمه من غير الطريق الاكتسابي العادي؟

-         الغرض الآخر: أن يكون هؤلاء النماذج حجة على من عداهم من بني صنفهم، فإذا اعتذر الإنسان بعدم قدرته على التبليغ والإرشاد والتأليف، وعدم سماح الظروف له بذلك.. جيء له بأمثال هؤلاء الأطواد.

وسيدنا الراحل هو من تلك النماذج العالية التي يمكن الاحتجاج بها على القاعدين، والخاملين.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">ما رأيكم في الشمولية التي يتمتع بها الإمام الراحل في تناوله لموضوعاته؟

الشيخ فوزي آل سيف: شمولية النظرة فرع وضوح البصيرة، فإذا كان العالم نافذ البصيرة عارفا وجدته ينظر في مواضيعه المختلفة بتلك النظرة الثاقبة. ولذا وجدناه رحمه الله كما يتناول المسألة الفقهية في موضوع الوضوء والصلاة، يتناول المسألة السياسية في أمر إنهاض الأمة وتغييرها.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">ما هو رأيكم بالعقلية المرجعية الإدارية التي مارسها الإمام الشيرازي (رضوان الله عليه) تنظيراً ـ كتاب الإدارة ـ وتطبيقاً ـ المؤسسات المنتشرة التي أسسها في كل أنحاء العالم-؟

- الشيخ فوزي آل سيف: لعل الحديث عن كتاب (إلى وكلائنا في البلاد) أولى فهو الأول من نوعه الذي يتضمن تلك التوجيهات الراقية، التي تسهل على الوكيل الإدارة الاجتماعية، وكيفية تأسيس المؤسسات، والنظر إلى الحاجات القائمة في المجتمع ونقاط الضعف فيه بغرض رفعها.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo1; tab-stops: list 36.0pt">تعد مرجعية السيد الإمام الشيرازي (قدس سره) مرجعية ميدانية بحق، وقد تجلى ذلك في نزول سماحته إلى ميدان العمل إما بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة عن طريق وكلائه، دون أن يتأطر بإطار التنظير فحسب، فكيف تنظرون إلى هذه المرجعية؟

 الشيخ فوزي آل سيف: لو أراد الباحث أن يتأمل في هذه الجهة لوجد عدة جهات مؤثرة في كون مرجعيته بذلك النحو:

 

الأولى: أنه عليه الرحمة كان دائم التشجيع والحث على العمل المؤسساتي، وكان يرى كل شخص مسؤولا عن القيام بجهد ما في هذا السبيل، وأي شخص كان يزوره يجد عنده هذه التعبئة في اتجاه العمل.سواء كان طالب علم أو كان موظفا، بل حتى لو كان طالب الثانوية.. وكم أثار في نفوس هؤلاء الحماس، والاحساس بالذات واقتحم بذلك نقاط الضعف النفسي والتردد عندهم، وأزال الحواجز الداخلية التي تعيقهم عن العمل، وكم من شخص قد ذكر أنه قام بالعمل الفلاني على أثر تلك الكلمات التي سمعها في مجلسه.

 

الثانية: أنه كان دائم المتابعة، بنحو يتعجب منه المرء، فقد يزوره شخص بعد عدة سنوات، فيعيد عليه ما كان قد طرحه عليه سابقا، ويسأله عما إذا كان قد أنتج شيئا في هذه المدة. ويقترح عليه اقتراحات جديدة لتطوير عمله لو كان قد عمل شيئا.

 

الثالثة: يظهر من طريقة عمله رحمه الله أنه كان يؤمن بالمثل القائلدع ألف زهرة تتفتح، وهذه الطريقة وإن كان البعض يرى فيها بعدا عن التركيز، وبالتالي قلة الانتاج، وأن من المفروض أن يركز القائد في عمله على جهة أو جهات محددة حتى يحصل على نتائج واضحة.

 

إلا أنه (رحمه الله) - ولعله لما يراه من الحاجة الشاملة الموجودة في الأمة، سواء في جانبها الثقافي، أو الاجتماعي أو السياسي، ولما يراه من أن بعض الطاقات في الأمة تستطيع الإنتاج في جانب دون غيره - كان ينشر الحماس والاندفاع عند الجميع.. كل بحسب ما يستطيع وفي المجال الذي يحتمل سماحته أن السامع قادر على الإنتاج فيه.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">حدد الإمام (رضوان الله عليه) مشكلة الاستبداد وآثارها وطرح مبدأ شورى الفقهاء كضمان احترازي ضد آفة الديكتاتورية فما هو رأيكم بهذا المبدأ؟

- الشيخ فوزي آل سيف: مما سبق به الإمام الراحل عليه الرحمة والرضوان، كان مجموعة من الأفكار التي خرجت عن السياق العام في جهتيه التقليدية والثورية. ففي الاتجاه التقليدي للمرجعية الدينية عند الشيعة كان التعرض للفكر السياسي، يعد أمرا غير مألوف، بالرغم من وجود فقهاء في تاريخ الشيعة كان لهم أدوار سياسية، وفكر سياسي متميز إلا أنه كان يشكل الاتجاه غير المعتاد.

والنمط الفكري الذي كان يملكه السيد الشيرازي تغمده الله بالرحمة، كان بهذا المعنى خارجا على المألوف المعتاد، إذ أنه في نفس الوقت الذي يتحدث فيه ويكتب في المواضيع التخصصية الحوزوية، بل المغرقة في ذلك (كشرح المنظومة) وأمثالها كان يكتب ويتحدث في مواضيع مثل تطبيق الإسلام والدولة الإسلامية (قبل أن تتبلور فكرة الدعوة إليها بعشرات السنين) ومثل مسألة اللاعنف في التغيير في الوقت الذي كانت تتبنى فيه الحركات الإسلامية، بل والشيعية، منهج الكفاح المسلح وتراه طريقا - وحيداً أحياناً - للتغيير السياسي، وكان السيد في ذلك الوقت يرى خلاف هذا المنهج ويصر على اللاعنف.. في وقت كان التفوه بهذا المبدأ يحتاج إلى شجاعة فائقة.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الأمة الواحدة، مع أن التوجهات الولائية والشيعية للإمام الراحل كانت في أعلى درجاتها، لكنه مع ذلك كان يدعو إلى وحدة الأمة الإسلامية وينظّر على هذا الأساس.

كما أن أفكاره في مسألة التعددية الحزبية، والتنظيم تعتبر أكثر من (جريئة) لا سيما مع النظر إلى الأوضاع السائدة في تلك الفترة في عالمنا الإسلامي.

ومثل ذلك الحديث عن شورى الفقهاء كطريقة متميزة للإدارة المرجعية لشؤون المسلمين، وطرح جديد لـ‍ (ولاية الفقيه والحاكم الشرعي).

هذا في الوقت الذي كان اتجاه شيعي ثوري، يرى (ولاية الفقيه) بالصورة المعروفة حالياً..

وكان الإمام الراحل بأفكاره تلك قد سبق عصره في أصل الدعوة إليها، واختلف مع التيارين في آثار تلك الأفكار، وكان يحتاج في ذلك إلى شجاعة كبيرة ليصر على الدعوة إليها ويستمر عليها.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">يدعو الإمام الشيرازي إلى ضرورة ممارسة المرأة لدورها الاجتماعي إضافة لوظائفها العائلية فما هو رأيكم بذلك؟

- الشيخ فوزي آل سيف: مع أن الناظر بنظرة عابرة، قد يرى السيد الشيرازي رحمه الله ذا منهج تقليدي في النظر للمرأة، من خلال ملاحظته لجوانب الاحتياط التي يفتي بها في أمر الحجاب والغطاء للوجه، وسائر المسائل، إلا أن المتأمل بعمق في فكره يرى أنه قد أعطى لها دورا أساسيا في مجالات الخدمة للمجتمع، والأدوار السياسية والعامة الأخرى، سواء على الصعيد النظري في كتبه، أو من خلال رعايته العامة للنشاطات النسائية سواء تلك التي كانت في الكويت أيام إقامته فيها، أو تلك التي كانت في إيران، ومما يكشف عن ذلك أن آخر ساعاته كان له لقاء مع إدارة الهيئات النسائية في إيران، وبعدها ألمّ به ذلك العارض الصحي الممض.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">ما هي الخصوصيات التي تميز بها الإمام الشيرازي الراحل (رضوان الله عليه)، من خلال ما لمسته ورأيته فيه؟

- الشيخ فوزي آل سيف: مما ينقل من شعر أبي العلاء المعري، في حق الشريف المرتضى أنه قال:

 

لو جئته لرأيت الناس في رجل               والدهر في ساعة والأرض في دار

 

والذي عرف الإمام الراحل، يرى في ذلك الشعر انطباقا عليه.

 

  • #993300 ; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right; mso-list: l0 level1 lfo3; tab-stops: list 36.0pt">كيف تنظرون إلى مستقبل مدرسة الإمام الشيرازي الراحل (رضوان الله عليه)؟

 الشيخ فوزي آل سيف: كما ذكرت سابقاً الأفكار الناضجة هي التي تصنع التغيير إذا تفاعلت معها الأمة، ونحن نعتقد أن هذه المدرسة الرائدة بفكرها قادرة على خدمة الأمة، بل ونعتقد أن المستقبل سيوفر لها فرصا أفضل لتقوم بدورها.. فإن الأمة وهي تتطور في ثقافتها سوف تبحث عن الأفضل من الأفكار. ومن جهة أخرى فإن كثيرا من الحواجز التي كانت سائدة في الماضي، وكانت تمنع عن الاستفادة من أفكاره الرائدة قد زالت، أو ضعفت.

وبكلمة كان الإمام الراحل مرجع جماعة، ورأس طليعة.. ويمكن أن يكون فكره برنامج أمة.

نسأل الله سبحانه أن يوفق أمتنا لما فيه الخير والصلاح. وأن يتغمد الفقيد الراحل برحمته وأن يحشره مع أجداده في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 

>> الهوامش ------------------------------------

1/  مجلة النبأ العدد69 ذي القعدة 1423هـ

2/ كان اللقاء مع مجموعة من المفكرين.. اخترنا منها ما كان مع سماحة الشيخ فوزي آل سيف.

3/ من العلماء الكبار والخطباء البارزين –القطيف - المنطقة الشرقية - السعودية.